• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

دلالة الزمان والمكان: عظة واعتبار

عمر حداد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/12/2008 ميلادي - 29/12/1429 هجري

الزيارات: 58358

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
التلازُم بين الزمان والمكان حقيقة مِن حقائق الفكر، والحياة الإنسانية، وتجارب الإنسان، وهي حقيقة لا تحتاج إلى برهان أدق منَ النتائج الحاصلة بعد كل شوط من أشواط العمل الإنساني، فأيُّ عمل من أعمال الإنسان في مجتمعه وفي أي بيئة - ينتهي إلى نتيجة حتميَّة، ومهما كان نوع هذه النتيجة أو لونها ودرجتها فهي نهاية "موقوتة" لعمل ما سبقها، وفي ضوء هذه الحقيقة تَتَعَدَّد الأعمال وتختلف، وكذلك تتعدد وتختلف النهايات والنتائج.

ولكن التلازم بين الزمان والمكان في منهاج الإسلام حقيقة مضيئة باهرة، فإذا كان الزمان والمكان وعاءً لعمل الإنسان ومشوار حياته المحدودة في عالَم الدنيا، فإنَّ الإسلام يجعل من وعاء الزمان والمكان مواطن اختبار للإرادة، ومواضع تأمُّل للعقل والوجدان، ومجالاً للإنسان في عقيدته وعمله، تَتَحَقَّق فيه أخطر النتائج لعلاقتها بمصيره، وهو مجال ليس غايته مظاهر الحياة في هذه الدنيا، وإنما أبعد من ذلك؛ لأنَّ الإسلام يجعل منَ الدنيا قنطرة إلى الآخرة، ومزرعة لحياة خالدة بعد الموت؛ ولهذا، فإن الزمان والمكان في منهاج الإسلام سبيل للمسلم إلى عالَم لا يفنى بعد الموت، وهو عالَم: إما جنة، وإما نار، الجزاء فيه على حسب النِّيَّة والعمل، والعقيدة والعمل الذي يطابقها ويوافق مراميها، وكأنَّ التلازُم بين الزمان والمكان يقابِلُه تلازم بين عهد الضمير وسلوك المسلم، وكأنه التوافق بين الوعاء وما يوضع فيه، أو يدور في مجاله المحدود من خير أو شر ما يقدمه المسلم في واضحة، في توقيت كل أمر وكل شيء بميعاد، وفي دور موكل به كلُّ مخلوق، وإذا كان وعاء الزمان والمكان هو حَيِّز ما وكِّل به كلُّ مخلوق من أعمال وأقوال، فإنَّ ارتباط هذه الأعمال بطاعة الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يجعل للأعمال غاية ومعنى وقيمة، كلما يجعل للزمان والمكان معنى وغاية وقيمة، وليس مجرد حركة زمانية، أو دورة مكانيَّة.

فحركة الزمان والمكان ليستْ - في العقيدة الإسلاميَّة - غاية لِذاتها، وإنما هي حركة مسخرة لغاية أسمى مِن مُجَرَّد الدَّوَرَان في اختلاف اللَّيل والنهار، وما قيمة الحركة في أيِّ مقياس عقلي إن لَم تكنْ تستهدف غاية؟!

فإذا كانت الغاية هي تأمُّل عظمة الله في مخلوقاته، وكسبيل إلى مزيد من الإيمان بالله الواحد القادر الخالق العظيم، فقد صارت للحركة الزمانية والمكانية إذًا قيمة تعلو على أيَّة قيمة أخرى، وقد يكون لذلك حكم كثيرة لا نعلمها، الله أعلم بها؛ يقول جل شأنُه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1]، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: 44]، {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]، تشير الآيات إلى أنَّ الزَّمان والمكان منَ المخلوقات التي خَلَقَها اللهُ لِتُسَبِّح بحمده، كما أنَّها موضع للتأمُّل والاعتبار، ولينتفع بها الإنسان، ويرى فيها قدرة الله؛ يقول - سبحانه وتعالى -: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 115]، {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185]، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس: 67]، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 5، 6].

ولكن المسلم مطالب بألاَّ تلهيه الدنيا وما فيها عنْ مَصِيره الأبقى في الآخرة، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60].

فحركة النُّجوم والكواكب، واللَّيل والنَّهار، وتعدُّد بيئات الإنسان في الأرض وتنوعها، إنما هي دلائل قُدرة الله، وآيات مِن آياته - سبحانه - يجب أن تكونَ مصدرًا للمُؤْمِن مِن مصادر التفكير في صفات الله، وقدرته البادية في مخلوقاته، ومصدرًا يتأمله المؤمن، فيزداد إيمانه قوة، وتلك هي الغاية منَ الزمان والمكان في منهاج العقيدة الإسلامية، وهي أن يكونَ النَّظَر مصدرًا يتأمله المؤمن، فيزداد إيمانه قوة، وتلك هي الغاية منَ الزمان والمكان في منهاج العقيدة الإسلامية، وهي أن يكون النظر إلى الزمان والمكان على أنهما آية من آيات الله في ملكه، وآية على رحمته التي وسعتْ كلَّ شيء، وسبيل إلى التنافُس في طاعة الله وعبادته، والتَّقَرُّب إليه - سبحانه - بالأعمال الصالحة.

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

من دلائل التدبير المحكم:
وتبدو قدرة الله في مخلوقاته للمؤمن، فيهتدي إلى أدقِّ نظام، وأرقى أسلوب، وأجمل تكوين، وأروع توجيه؛ كلَّما نَظَر في حركة الزمان والمكان، كمثل من أمثلة مخلوقات الله، ونعمه التي لا يبلغها الإحصاء؛ بل إنَّ تعبير اللُّغة عنِ الجمال، والنظام في حركة الزمان والمكان؛ إنما هو تعبير محدودٌ بحدود اللُّغة القاصِرة عنِ الوصف، مهما بلغت من البلاغة والشاعرية والمنطق.

ومن دلائل النِّظام والجمال في حركة الزمان والمكان، والتنوُّع مع التخصيص والتعميم، والمنفعة والتناسق في تدبير محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هنالك النَّسيم والهواء الطلق، والهواء الصحراوي القوي، وهناك هواء الخريف، وهواء الشتاء والصيف، وعبير الربيع؛ ولكن هنالك أيضًا الأعاصير والطوفان والسيول والعواصف الجامحة، والرعد والبرق؛ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57]، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 47 - 49].

وقد تأتي الريح للعِقاب؛ {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 117]، وقد تأتي من أجل الابتلاء أوِ الاختبار أو العقاب أيضًا؛ {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22]، {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24]، {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69].

ومِن ألوان المنفعة التي يجنيها الإنسان فيما خلق الله من نعم: السحاب؛ {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]، {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ} [الأعراف: 57]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43].

وفي هذه الآية الشريفة بيان لقدرة الله - سبحانه - في تصريف مخلوقاته على حسب إرادته، فهو - سبحانه - المُهَيْمن القَيُّوم القَهَّار، وهو الرحيم الذي يرحم مَن يشاء من عباده، وهو الخالق الأعظم.

نعمة وحكمة للتذكير والتأمُّل:
والله جعل الزمان والمكان آية مِن آياته، وعبرة لأولي الألباب، فيهما اختلاف؛ ولكنَّهما مسخران لغايات تنفع الإنسان المؤمن في الدُّنيا والآخرة، إذا أحسن هذا الإنسان الشكر لله، وإذا اتجه إلى الله بقلبٍ سليم، وأخلص العبادة لله، وأعمل فكره في تأمُّل هذه المخلوقات العظيمة التي سَخَّرها الله، وذللها للإنسان؛ {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13]، وفي الآية الشريفة إشارة إلى الآخرة، فالدنيا زائلة، ولها وقت معلوم لله تنتهي عنده، هو وقت الساعة؛ ولذلك فالشمس والقمر غير دائمين خالدين، وإنما هما مسخران لأجلٍ مسمى يعلمه الله وحده؛ {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 37، 38].

هنالك التخصيص في مخلوقات الله، والتعميم فيما سخرها له، فالزَّمان مختص بدور، والمكان له دور؛ ولكنهما مسخران لكلِّ البشر؛ مؤمنين، وكافرين، فهُما مِن آيات نعمه وابتلائه؛ إذ إنَّ المؤمن تزيده النعم إيمانًا، بينما الكافر جاحد لنعم الله، فهو خاسر دنياه وآخرته؛ وذلك لأنَّ المؤمن كلَّما اهتدى إلى الشُّكر لله على نعمه، وإلى المزيد من العبادة والتقوى، كان شكره وعبادته جزاء حسنًا له في الآخرة، أمَّا الكافر فله عذاب أليم؛ حيث خسر مصادر الهداية في الدنيا، فهو في الآخرة يلقى الخسران المبين.

تخصيص في وظيفة الزمان والمكان:
 فلكل دوره؛ وتعميمًا للفائدة، يقابله تخصيص من نوع آخر، هو دور المخلوق بالنسبة إلى الخالق - جل وعلا - دور العباد تجاه المعبود، فإذا امتثلَ العبد لأمر ربه، فاز فوزًا عظيمًا، وإذا انحرف عن طاعة خالقه، واتَّبع هواه، فقد ضل ضلالاً بعيدًا.

وإذا كان التخصيص والتعميم في خلْق السموات والأرض، فإنَّ المولى - سبحانه - جعل الزمان والمكان آية كبرى على النظام الفريد الذي لا يختلّ، والتناسق العظيم الذي يبهر العقول والقلوب والأفئدة؛ تمجيدًا لله، وثناء عليه، فحركة الليل والنهار - كما يقول بعض المفكرين - آية على نظام دقيق، يستدعي الإيمان بالله أكثر مما تستدعي المعجزة إيمان المنكرين والملحدين والمكابرين، فهذا النظام الدقيق المستمر طوال الدهور والعصور - هو أكبر من المعجزة في بلاغتها، وإشارتها إلى الخالق - سبحانه وتعالى.

هذه الحركة المستمِرَّة الدقيقة في سير الأفلاك هي أبلغ دليل على وجود الله، وعلى قدرته - سبحانه - وعلى رحمته بعباده، فالزمان والمكان مِن نِعَم الله على الإنسان، قد سَخَّرَها - سبحانه - لينتفعَ بها الإنسان، ولتكون عبرة لأولي الأبصار والألباب؛ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: 12]، وكما أنَّ الله - سبحانه - جعل الزمان نعمة مِن نعمه على الإنسان، فقد جعل - سبحانه - المكان والزمان متكاملينِ يكمل كل منهما الآخر، ويؤثِّر كل منهما في الآخر، وجعل - سبحانه - في هذا التأثير منطقة للإنسان ورحمة به، وإذا كنَّا لا نتصوَّر الزمان بغير مكان، فلا نتصور المكان بغير صورة زمانية، وهما مجال للعِبادة، وإشارة واضحة إلى عظمة الخالق، وإلى أن واجب المخلوق أن يشكرَ الله على هذه النعم الكثيرة التي لا يحصيها عقل إنسان؛ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان: 10]، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

ونظام الكون فيما يرى الإنسان من نظام الزمان والمكان - رحمة من الله ونعمة؛ لأن هذا النظام في دِقَّته وإتقانه من أسباب استمرار حياة الإنسان الدنيوية، وصلاحيتها للعيش، وإمكان التَّمَتُّع بخيراتها، ولو لم يكن هذا النظام الإلهي قائمًا، لما استطاع الإنسان أن يحيا على هذه الأرض، ولما استطاع أن يعملَ ويُفَكر، وينال نصيبًا منَ الراحة بعد عناء العمل، ولا شك أن حركة الزمان والمكان تشير إلى أنَّ هذه الدنيا فانية، وإلى أن حياة الإنسان محدودة، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، فالأفلاك تسير على نظام دقيق إلى أجل مسمى، وكذلك حياة الإنسان في الأرض، لها أجل محتوم، لا مفر منه ولا مهرب؛ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [لقمان: 29].

وكذلك يجب أن يتأمَّلَ الإنسان في حركة الزمان والمكان تأمُّل العابد المسبِّح الشاكر لله، فكل ما في السموات والأرض آيات من آيات الله، تشير إلى عظمة الخالق، وافتقار المخلوق إلى الله المنعم المتفضل؛ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، {وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23].

وتشير آيات منَ القرآن الكريم إلى أنَّ الزمان والمكان من آيات الله، وإنهما من نِعم الله التي لا تعدُّ ولا تحصى، فيهما نور وضياء، وفيهما مجال للتفكير العقلي، وإعمال الفكر في مخلوقات الله؛ على أنَّ الغاية في الدُّنيا إلى زوال، وأنَّ الآخرة هي الخير الأبقى؛ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ * إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 5، 8]، {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 37 - 40].

ومِن نعمة الله على الإنسان: أن جَعَل - سبحانه - الزَّمان والمكان تذكيرًا دائمًا للإنسان بعظمة الخالق، ورحمته، وكرمه، فالزَّمان والمكان في متناول العقل الإنساني والحواس الإنسانية، وهما الحركة الدائبة في علامة الشهادة، وكما يشيران إلى دقَّة النِّظام، وإحكام الحركة، فهما أيضًا يشيران إلى رحمة الله في اختلاف اللَّيل والنهار؛ إذ الإنسان يحتاج إلى الليل للراحة، ويحتاج إلى النهار للعمل، ولكن العبادة جائزة ليلاً ونهارًا؛ لأنَّ العبادة هي وظيفة الإنسان المصيرية، ففي العبادة سعادته، في الدنيا وفي الآخرة، وهي واجب المخلوق تجاه الخالق - جل وعلا.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خارطة الطريق
  • استدارة الزمان
  • زمان.. واليوم!
  • المكان في ذاكرة الشاعر الجاهلي

مختارات من الشبكة

  • الاتصال بين عقول يباعد بينها الزمان والمكان(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الحج بين الزمان والمكان(مقالة - ملفات خاصة)
  • نداء رمضان عبر الزمان والمكان(مقالة - ملفات خاصة)
  • النار التي تحشر الناس آخر الزمان ومكان الحشر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحج بين أسرار القرآن وعظمة الزمان وقداسة المكان(محاضرة - ملفات خاصة)
  • الحج بين أسرار القرآن وعظمة الزمان وقداسة المكان(مقالة - ملفات خاصة)
  • عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدنيا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاقتداء إذا اختلف مكان الإمام عن مكان المأموم (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • لك مكان .. فخذ مكانك(مقالة - ملفات خاصة)
  • من دلائل نبوته إخباره بكثرة الحروب بين المسلمين في آخر الزمان(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- مشكور
محمد مثالن - المغرب 04-02-2019 03:03 PM

بارك الله فيك أخي

2- أبدعت
محمد خطاب - مصر 22-07-2012 08:06 AM

بارك الله فيك يا أخي والله إنه تحقيق متعوب عليه
جازاك الله خيرأ

1- مميز
أحمدبكري - سوريا 18-01-2010 11:16 AM
الله يجزيك الخير بحث فيه جدة وإبداع
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب