• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق

مسعد سالم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2008 ميلادي - 26/12/1429 هجري

الزيارات: 25659

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الله - سبحانه وتعالى - خالق الكون وجميع المخلوقات، من إنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، وغير ذلك، وهو رب هذا العالم، ويتعلق كل مخلوق بمشيئته ورحمته، ولا سيما الإنسان، ونعمُه وأفضاله تغمر الإنسانَ وسائر المخلوقات، ومع ذلك لولا قوته الخارقة، وقدرته المعجزة، ولولا أن أمر الإنسان وسائر الكون بيده وحده - عزَّ وجل - لمَا آمن به، ولما عبَدَه وأطاعه أحد، ولما أعطاه بشر حقَّه من عبادة وطاعة، وتسبيح وذِكر، فالمؤمن الذي يعبد الله ويطيعه، إنما يفعل ذلك خوفًا من عقابه وعذابه في نار جهنم، وطمعًا في ثوابه ونعيمه في جنان الخلود، أما الكافر الملحد بالله، فإنه يكفر بالله، وينكر وجوده؛ لأن على بصره وبصيرته غشاوة كثيفة من ظلمات الجهل المطبق والغرور بالله، والناس أعداء ما جهلوا، وينكرون ما لا يرونه بأبصارهم أو بصائرهم.

وهكذا تكون قوة الله الراحمة العادلة، التي لا تحد، والقادرة على إحقاق الحق، وإقامة العدل، وإعطاء الثواب، وإنزال العقاب - هي التي جعلت الإنسانَ يعترف بوجود الله، ويقرُّ بوحدانيته، ويدرك مبلغ عظمته وقدرته، ويؤمن به وحده إلهًا لا شريك له لجميع البشر، وربًّا أوحد لهذا الكون.

وننزل إلى الأرض عالم البشر، فنرى منذ بدء الخليقة وحتى اليوم: أن الحياة الحرة الكريمة، والعزة والقيادة، والسيادة والمجد، والعلم والحضارة، والأمر والنهي - كان من نصيب الأقوياء القادرين، لا من نصيب الضعفاء العاجزين، فقد قاد آدم حواء، وانقادت حواء لآدم؛ لأن آدم أقوى بطبيعته من حواء جسمًا وعقلاً، ونفسًا وروحًا، وقد ورَّث آدم هذه القيادة للأسرة إلى أبنائه وأحفاده من بعده، وورَّثت حواء هذا الانقياد للرجل، والتبعية له إلى بناتها وحفيداتها من بعدها، وظل ذلك إرثًا متوارثًا بين بني البشر على توالي الأجيال والأزمان؛ كما يقول الله – تعالى -:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].

وفي عالم الدول والأمم نرى أن الأمم الواعية القوية، هي التي صنعت التاريخ، وحملت شعلة العلم والمعرفة، ورفعت منار الحضارة والمدنية، وهي التي تأثرت بالحياة وأثرت في مجراها، وهي التي نالت حقها الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة المستقلة، وعاشت مسموعة الكلمة، عالية المكانة، يقدرها القريب والبعيد، ويحترمها الصديق، ويهابها العدو، ولما شاخت وضعفت وانحلَّت، اقتحمتها العيون، وافترستها الذئاب البشرية، وبذلك فقدتْ حقَّها في الحياة الحرة المستقلة.

فالفرس والرومان كانت لهم قبل الإسلام الحنيف إمبراطوريتان استعماريتان قويتان، تنازعتا السيادة على العالم القديم ردحًا طويلاً من الزمن، ولما ضعفتا وشاختا، فقدتا ما كان لهما من سيادة وحرية واستقلال على أيدي المسلمين الأوائل.

وأقام المسلمون الأولون دولة عربية إسلامية، امتدَّت إلى فرنسا غربًا، وتخوم الصين شرقًا، وأضاء سماءَها وأرضَها نجومٌ وكواكبُ من أهل العلم والفكر والأدب، وأشرقت في آفاقها شمس الحضارة العربية الإسلامية، ولما ضعف العرب المسلمون؛ لابتعادهم عن الإسلام الحنيف، الذي كان نور أبصارهم وبصائرهم وحياتهم، وجامع أرواحهم وأبدانهم، ومصدر عزتهم وقوتهم، وسلاحهم الذي فلوا به سلاح الحديد والفولاذ، وهزموا أعتى قُوى الباطل والظلم والظلام، وأعداء الحق والعدل والإنسانية، وغزاهم الأعداء الطامعون في عقر ديارهم، واستعمروهم واستعبدوهم، واقتطعوا أجزاء عزيزة غالية من ديارهم وأوطانهم، ونهبوا خيراتهم وثرواتهم، وأزهقوا أرواحهم، وسفكوا دماءهم.

وفي العصر الحديث: اندلعت ثورات وطنية دموية، وظهرت حركات إنسانية على الظلم والباطل، والاستعباد والاستبداد، وكلها رفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة والعدالة الاجتماعية، ونادتْ بحق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، في وطن حر مستقل.

وأخيرًا تشكلت هيئة الأمم المتحدة سنة 1945، وأعلنت ميثاق حقوق الإنسان؛ ولكنه ظل حبرًا على ورق، ولم يترجم إلى واقع ملموس، وأوضحُ دليل على ذلك هو حرمان الشعب الفلسطيني العربي من أرضه ووطنه وداره، على يد دول استعمارية ماكرة غادرة، تقول ما لا تفعل، وتعمل ما لا تقول، فهي قد وضعت توقيعها وختمها على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحرِّم الظلم والعدوان، وينص على حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، في وطن حر مستقل؛ ولكنها لم تحترم توقيعها وختمها، باتِّباعها سياسة استعمارية لا أخلاقية، لا إنسانية، تناقض مضمونَ الميثاق.

وهكذا يكون وضع القوانين، ورفع الشعارات، وإعلان المبادئ شيئًا، والتطبيق العملي لها، والعمل بها شيئًا آخر، فواقع الحياة يقول لنا: إن الأقوياء من أفراد وجماعات ودول هم الذين استثمروها لصالحهم، وتمثلوها ومارسوها في حياتهم، وعاشوا أحرارًا كرامًا، على أن الظالمين منهم تستروا بها؛ ليستعبدوا الضعفاء والفقراء، ويسخِّروهم لخدمة مصالحهم، ويمتصوا دماءهم، وينهبوا ثرواتهم باسم الحضارة والمدنية والإنسانية والأمن والسلام.

فكم من أباطيلَ ومظالمَ اقتُرفت باسم الحق والعدل، وكم من حماقات وجهالات ارتكبت باسم الحضارة والعلم والمدنية، وكم من شعوب استُعمرت واستعبدت باسم الحرية والأمن والسلام العالمي، وكم من أفواه تُكَمم، وأيدٍ وأرجل تُقَيَّد وتغل، وألسن تربط وتخرس، وأجساد تُلقى في غياهب السجون تحت ستار المحافظة على القانون والنظام، وكم نُحر الوطن والشعب والمصلحة العامة على مذبح الوطن، وكم وطنيةٍ جعلت شباكًا، وكم من شعارات براقة، وقوانين لماعة خلابة رُفعت وأطلقت للاستهلاك المحلي وتخدير الأعصاب.

هذا ما تبتلى به الشعوبُ المتخلفة الضعيفة، أما الشعوب الواعية الحية القوية، فإنها تمارس حقها الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة، في وطن حر مستقل، يحترمها الصديق، ويهابها العدو، ويخطب ودَّها القريب والبعيد، وهذا هو واقع الحياة، وحال الدنيا في كل زمان ومكان.

ويحدِّثنا واقع الحياة - وهو القانون المعقول السليم، الذي ينبغي السير عليه، والعمل به -: بأن المبادئ والقوانين، والدساتير والقرارات، تبقى حبرًا على ورق مطوي، حتى تلقى أقوياء قادرين على تطبيقها، والسير في طريقها، وبذلك تحيا وتثمر، ويقول لنا أيضًا: إن الحق الذي لا تدعمه قوة، يُسلب ويغتصب ويؤكل، وإن الحياة الحرة الكريمة لا يحياها إلا الأقوياء الأشداء، القادرون على الحرب والكفاح، ودفع الظلم، وانتزاع الحق المغتصب، وإقامة العدل، ومعاقبة الظالمين المعتدين، وإن حقوق الإنسان في الحرية والاستقلال، والمساواة والعدالة الإنسانية - لا ينالها، ولا ينعم بها إلا الأقوياء القادرون، بينما يُحرَم منها الضعفاء المساكين.

هذا؛ والأقوياء الظالمون يقرون للأقوياء المبصرين مثلهم، بحقهم في الحياة الحرة الكريمة وينصفونهم؛ ولكنهم ينكرون على المستضعفين العاجزين العميان هذا الحقَّ ويظلمونهم؛ كما يقول أحد الشعراء:

لاَ عَدْلَ إِلاَّ إِنْ تَعَادَلَتِ الْقُوَى        وَتَصَادَمَ الإِرْهَابُ  بِالإِرْهَابِ


والقويُّ الظالم يصم سمعَه، ويغلق بصره دون شكوى الضعيف المظلوم، ويَسخَر منه عندما يتظلم ويطالب بحقه؛ كما يقول الشاعر فهد العسكر:

كَمْ  ضَعِيفٍ  بَكَى  وَنَادَى        فَرَاحَتْ لِبُكَاهُ تُقَهْقِهُ المِدْفَعِيَّهْ


فالحياة الحرة الكريمة، نورها العقول الواعية المستنيرة، وسياجها النفوس الحرة الأبيَّة، التي يستوي الموت عندها والبقاء، وتحمل أرواحها على أكفها وراحاتها، كما يقول شاعر فلسطين عبدالرحيم محمود:


سَأَحْمِلُ رُوحِي عَلَى رَاحَتِي        وَأُلْقِي بِهَا فِي مَهَاوِي الرَّدَى
فَإِمَّا  حَيَاةٌ   تَسُرُّ   الصَّدِيقَ        وَإِمَّا  مَمَاتٌ   يَغِيظُ   العِدَا


ويقول المتنبي:


لاَ يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الأَذَى        حَتَّى  يُرَاقَ  عَلَى  جَوَانِبِهِ   الدَّمُ


والدول الخمس الكبرى - لقوَّتها وطول باعها - تتمتع بحق الفيتو – أي: النقض - في مجلس الأمن الدولي، ويدور في فلكها الدول الصغيرة الضعيفة، وهي تُسمع كلمتُها، ويصان حقها، ولا يعتدي أحد على حدودها، فعلى قدر قوة الأمة الذاتية تتمتع بالحياة الحرة المستقلة الكريمة، وتعلو مكانتها، ويرتفع شأنها بين الأمم والدول، فالقوي القادر حر كريم وسيد نفسه، والضعيف المسكين عبد مسخَّر للقوي، وخادم له، والقيادة والسيادة والحياة للأقوى، والانقياد والتبعية والعبودية للأضعف، فإذا كنت محاربًا مقاتلاً، فأنت موجود، ورأسك مرفوع، وإن كنت ضعيفًا متخاذلاً، فأنت ضائع مفقود، وذيل مجرور.

والإسلام الحنيف دين العدل والحق، والحرية والمساواة، والقوة العاقلة الرحيمة - يُؤثِر المؤمنَ القوي على المؤمن الضعيف؛ كما يقول رسول الله محمد - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه)).

والإسلام الحنيف شعَّت أنواره في الأرجاء والآفاق، وقامت له دولة عربية إسلامية عظمى، وحضارة إسلامية إنسانية ساطعة مشرقة، على أيدي المسلمين المؤمنين الأقوياء، ويدل على ذلك إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ بدخوله في دين الله انتقلَتِ الدعوة الإسلامية من مرحلة السرِّ والخفاء إلى مرحلة الجهر والعلانية.

إلا أن القوة نوعان: قوة إيجابية بناءة نافعة، وقوة سلبية هدامة ضارة؛ فالقوة البناءة الخيرة هي القوة الرحيمة العادلة العاقلة المبصرة، أما القوة الهدامة الشريرة، فهي الظالمة الغاشمة العمياء، وتصير القوة عادلة رحيمة خيرة بالعلم والإيمان، وتقوى الله ومكارم الأخلاق، وتصير القوة جائرة باغية متسلطة بالجهل، واتِّباع الهوى والشهوة، والأنانية، والتحلل من الفضائل والمثل العليا، والقوة العادلة الراحمة العاقلة حضارة ومدنية وإنسانية، والقوة الغاشمة العمياء همجية وحيوانية ووحشية.

وقوة الإسلام الحنيف قوة إنسانية رحيمة عادلة، وعاقلة مبصرة، وهي شجرة طيبة مباركة، أزهرت وأثمرت وأينعت ثمارها الطيبة الحلوة، لقد عامل المسلمون الأوائل في أيام عزِّهم وسلطانهم وقوَّتهم ودولتهم العظمى - الناسَ برحمة وإنسانية، وأذاقوا الشعوب التي احتكوا بها طعمَ الحرية والكرامة، والعدالة والأخوة الإنسانية، وأعلنوا حقوق الإنسان في الحياة الكريمة، ونشروا في ربوع الأرض نور العلم والإيمان؛ لأنهم كانوا هداة مصلحين، وحملة رسالة سماوية، ومجاهدين في سبيل الله، ولم يكونوا مستعمرين متسلطين، ولا لصوصًا يسرقون وينهبون، ويدل على ذلك البلدان التي انصهرت في بوتقة العروبة والإسلام بحرارة العلم والإيمان والإسلام.

وهكذا تكون الحياة الحرة الكريمة، في وطن حر مستقل - حقًّا طبيعيًّا مقدسًا لكل إنسان؛ كالماء والهواء والنور، ولا يحق لأي إنسان أن يَحرِم إنسانًا آخر من هذا الحق الطبيعي، فالله - سبحانه وتعالى - خلق الناس أحرارًا كرامًا؛ كما يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!".

ولما كان الظلم والاستبداد، والطمع والأنانية من شيم النفوس؛ كما يقول المتنبي:

وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ        ذَا   عِفَّةٍ    فَلِعِلَّةٍ    لاَ    يَظْلِمُ


فقد رأينا الأقوياء الظالمين يتعدَّون حدودهم، ويعتدون على الضعفاء المساكين، وينتزعون منهم لقمة العيش، ويسلبون حقهم في الحياة الحرة المستقلة.

ويمارس الأقوياء الأشداء القادرون حقهم في الحياة الحرة الكريمة، ويحرم منه الضعفاء المساكين، فالقوي القادر سيد يأمر وينهى، والضعيف المسكين عبدٌ وخادم مسخَّر للقوي، يدور في فلكه ويتبعه.

والقوة بيدها الأمر والنهي، وحسم الأمور، وحق تقرير المصير، والبناء والهدم، وصنع التاريخ، وهي القادرة على الصنع والعمل والإنتاج، والتغيير والتبديل، وإحقاق الحق، وإقامة العدل، وإجراء الثواب وإنزال العقاب، وغرس الخير واجتثاث الشر، وصنع السلام العادل ونشر الأمن الوارف، والقوة لها القدرة على الطيران والغوص، وتسخير البر والبحر والجو لخدمتها، وعلى وضع الفاتحة والخاتمة، ووضع النقاط على الحروف، ولها المجد والعلا، والفوز والفلاح.

وبالقوة الغلابة الراحمة، المبصرة العاقلة تُعاد المياه إلى مجاريها، ويُوقَف الظالمون الطامعون عند حدهم، وتسحق الأخطار المحدقة بالوطن، ويعاد الهِرُّ الذي يحكي انتفاخًا صورة الأسد إلى حجمه الحقيقي، والقزم المتعملق إلى وضعه الطبيعي، ويفيق المخمور السكران بخمرة البطر والغرور من سكرته وغروره، ويعود الحق إلى نصابه، والقوة العاقلة تفتح الطريق المسدود، والباب المقفل؛ على أن القوة العاقلة الراحمة العادلة، قوة إنسانية خيرة مثمرة، ولها النصر والمجد والخلود، فهي نفحة من نفحات الله العزيز الحكيم.

أما القوة الحمقاء، الغليظة القاسية، فهي قوة حيوانية كاسرة مفترسة، ولها في آخر الأمر الهزيمة والاندثار، والمصير الأسود.

فالقوي العاقل الرحيم مبصر، وصحيح سليم معافى، يعيش حرًّا كريمًا، وآمنًا مطمئنًّا، تغشاه السكينة والطمأنينة، ويثمر ثمارًا طيبة.

أما القوي الظالم الأحمق، فإنه أعمى، ومريض نفسيًّا وعقليًّا، ولا قلب له، ولا ضمير لديه، ويعيش مفتقدًا صفاءَ النفس، وطمأنينةَ القلب، وراحة الضمير، يفرُّ النوم من عينيه، ويخنقه كابوس الرعب والقلق ويؤرقه، وتطارده أشباح ضحاياه وجرائمه؛ كما يقول الشاعر العربي:

اثْنَانِ يَمْضِي الدَّهْرُ لَمْ يَتَهَادَنَا        شَبَحُ الضَّحِيَّةِ وَالضَّمِيرُ المُجْرِمُ


وأما الضعيف المسكين، فيعيش مغبونًا مأكولاً، يسخره القوي الظالم لخدمته، ويأكله حين يجوع، كما يشهد بذلك واقع الحياة قديمًا وحديثًا في كل زمان ومكان، وواقع الحياة هو القانون السليم الذي ينبغي السير عليه.

ولا حياة حرة كريمة في هذه الحياة، إلا للأقوياء العقلاء الرحماء، أما الأقوياء الظالمون، فأعمارهم قصيرة؛ إذ سرعان ما يقعون في مهاوي الردَى والهلاك، فهم لحمقهم وعماهم، وتهورهم وصلفهم، يُلقُون بأيديهم إلى التهلكة، فالقوةُ الحمقاء العمياء، تضر وتؤذي وتدمر، كما أن الشجاعة بلا عقل وحكمة تهور وجنون وانزلاق، ولا خير في قوة بلا عقل، ولا شجاعة بلا حكمة؛ كما يقول المتنبي:

وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي المَرْءِ  تُغْنِي        وَلاَ مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الحَكِيمِ


والخير والمجد والعزة ثمرة القوة والعقل والشجاعة والحكمة؛ على أن العقل له المقام الأول، والشجاعة لها المقام الثاني؛ إذ بالعقل والحكمة يتميز الإنسان عن الحيوان، أما الشجاعة فتوجد لدى بعض الحيوان؛ وفي ذلك يقول المتنبي:

اَلرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ        هُوَ أَوَّلٌ وَهْيَ المَحَلُّ  الثَّانِي
فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ        بَلَغَتْ مِنَ العَلْيَاءِ كُلَّ  مَكَانِ


وقوة الإنسان تتجسد في عقله وروحه وخُلقه، لا في جسمه وقواه الحسية المادية، وبها سخر قوى الطبيعة لخدمته، وحلَّق في الفضاء، وغاص في قاع البحر، وجعل العالم الأرضي في مدى سمعه وبصره، وفي متناول يده، وشق طريقه في الحياة، وتذليل صعابها، واجتياز عقباتها، وحل مشاكلها العويصة، ووضع الحيوان الذي يقوى عليه جسدًا وذراعًا في القفص في حديقة الحيوان.

وهكذا يتبين لنا من واقع الحياة منذ كان الإنسان: أن الحياة الحرة الكريمة، في وطن مستقل - حق طبيعي لكل إنسان؛ ولكن هذا الحق لم يستطع أن يمارسه ويعيش فيه عبر الزمن إلا الأقوياءُ القادرون، وقد حُرِم منه الضعفاء المساكين على أيدي الطغاة الظالمين، فلا يمكن أن يعيش الإنسان آمنًا مطمئنًّا، وحرًّا كريمًا؛ إلا في عالم الملائكة والأنبياء، ففي دنيا البشر في العالم الأرضي، لا يعيش في أمن وسلام، وحرية واستقلال؛ إلا الأقوياءُ الأشداء العقلاء، فالعدالة الإنسانية كانت ومضات غابرة في دنيا البشر، وقد بلغت عصرها الذهبي في عهود المسلمين الأوائل، ولا وجود للعدالة الوارفة الظلال؛ إلا في عالم الملائكة والأنبياء والدار الآخرة، فالعدالة المطلقة فوق مستوى البشر.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرائد الأول لحقوق الإنسان
  • الإعلام وفشل الحضارة الغربية في إنقاذ الإنسان !
  • تنمية النزعة الإنسانية (1)
  • تنمية النزعة الإنسانية (2)
  • تنمية النزعة الإنسانية (3)
  • تنمية النزعة الإنسانية (4)
  • حقوق الإنسان وأثرها في تنوير ثقافة الطالب الجامعي
  • الإنسانية.. ذلك المفهوم المغلوط
  • الظاهرة الإنسانية تهزم علمها
  • أي إنسان هو المهم ؟!
  • حقوق الإنسان
  • حماية حقوق الإنسان
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • حقوق الإنسان بين العدل والمساواة
  • الإنسان فقير وسط خيراته جائع وسط تخمته!!
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان
  • حقوق الإنسان بين عدالة الإسلام وظلم أعدائه
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • حقوق الإنسان بين نظرة الإسلام وإعلان هيئة الأمم المتحدة
  • خطبة حول حقوق الإنسان في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • النظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان الشرعية "دراسة مقارنة" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرق بين حقوق الله وحقوق الآدميين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة في مفهوم النظرية والنظرية التربوية ونظرية المنهج(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحصيل المعنى في النظرية التصورية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اتِّفاقيات حقوق الإنسان(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • تأكيد حقوق ولاة الأمر وشرح الحديث النبوي: "ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم"(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
1- مقارنة ممتازة
محمدصالح - اليمن 16-03-2018 09:22 PM

لقد اطلعت على هذه الدراسة وأعجبني فيها المقارنة بين قوة القوانين الوضعية والقوة الإسلامية المستمدة من التشريع الإلهي

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب