• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات طبية وعلمية
علامة باركود

علاج دون معالج

د. عبدالستار إبراهيم

المصدر: كتاب: "العلاج النفسي الحديث"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/1/2008 ميلادي - 24/12/1428 هجري

الزيارات: 21288

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

علاج دون معالج
الأساليب الحديثة في العلاج الذاتي

تمهيد: 
أَشَرْنا في فصلٍ سابق إلى أنَّ إحساسَ المعالِجِينَ السُّلوكيِّينَ بحاجة الناس إلى طرق سريعة وفعَّالة لمساعدتِهم على تنمِيَةِ قُواهُمُ الذَّاتيَّة، وتعديل أنماط وأساليب التكيُّف السيئة، التي تعلموها من خلال عمليات تشريط اجتماعي سيئ، جعلتهم (أي المعالجين) يفكّرون في ابتكار طرق سريعة وفعَّالة يُمكن للمريض أن يمارسها بنفسه دون حاجة للالتجاء المستمر للمعالج إلا في حالات وأوقات قليلة.

وتناقَش هذه الأساليب أحيانًا على أنَّها طرق للعلاج الذَّاتيّ، وأحيانًا أُخْرَى توجيهٌ ذاتيّ، وأحيانًا ثالثةً على أنها أساليب للضبط الذاتي، غير أنَّها تتَّفِقُ جميعًا – بالرغم منِ اختلاف المسمَّيات – في أنَّها تستهدي بقوانين علم النَّفس ونظريَّاته، والمعرفة النَّفْسِيَّة بِشَكْلٍ عامّ في تطبيق مبادئ العِلاج ذاتيًّا، بعبارةٍ أخرى فإنَّ ما قاله سقراط من قبل: "اعرف نفسك" يتحوَّل هنا ليصبح "عالج نفسك، مستهديًا بقوانين المعرفة العلمية".

ولفترة قريبة، لم تكن أساليب الضبط الذاتي موضوعًا لتفكير المعالجين النفسيين على الإطلاق، ويبدو أنَّ تأخُّر ظهور هذا المنهج إلى مسرح العلاج النفسي السلوكي، إنما يعود إلى حد كبير إلى سيطرة المنهج الطبي العضوي على حركة العلاج النفسي، فالعلاج النفسي فيما أشرنا في مواقع متفرّقة كان من حيث الممارسةُ مقتصِرًا على الأطباء، ولا زال الأمر كذلك في كثير من الدّول.
والطبيب فيما نعلم يتبنَّى وجهة نظر عضوية تنعكس في علاقته بمريضه؛ فالطبيب هو صاحب السلطة الرئيسة في تشخيص المرض، ووصفه للدواء والعلاج، وما على المريض إلا أن ينفذ التعليمات، ويتعاطَّى الدَّواء إن كان يريد العلاج.

هذا الفَهْم لطبيعة العلاقة بين المريض والطَّبيب انعكست آثاره على العلاج النفسي كما مثَّله فرويد، فالتحليل النفسي أيضًا يقوم على نفس النموذج، المريض والمعالج: المريض السلبي، والمعالج الإيجابي، الذي يفسر ويوجِّه. وفي هذا السياق قام ألبورت Allport   – من هارفارد - إذ ذاك في سنة 1960 بتحليل للبحوث الرئيسة في علم النفس، وأساليب العلاج النفسي، فوجد أنَّ هذا التصوّر يُسيْطِرُ على كثير من مفاهيم عُلماء النفس في تفسيرهم للظواهر الإنسانية، فنسبة كبيرة من تصورات العلماء للإنسان كانت تراه – أي الإنسان - على أنه يخضع بشكل سلبي لقوى خارجة عن إرادته، تمامًا كما تفعل القطط والأرانب في تجارب المختبرات.

وقد شهدتِ الحقبة الأخيرة منَ النمو في علم النفس وأساليب العلاج النفسي، ما يشبه مراجعة النفس فيما يتعلق بحقيقة موقفهم من مفاهيمَ تعوق خُطا نموِّهِم، فبدأنا نشهد رفضًا للتصوّرات السلبيَّة للإنسان، وبدأ التَّأكيدُ على أنَّ هناك حاجاتٍ في داخِلِ كُلّ شخص تدفعه إلى الارتقاء وتحقيق الذات، والتغيير عن خصال شخصيته مقصودة.

والحقيقة أنَّ ذلك الاتّجاه قد بدأ بجهد طائفة من المعالجين النفسيين، الذين يُعرفون في الوقت الحالي باسم طائفة علماء النفس الإنساني Human Psychologests   عندما أخذوا يعيدون تفسير نظريات العلاج النفسي بالتأكيد على قدرة الإنسان على توجيه نفسه ذاتيًّا من خلال قدرته على التعلم الذاتي، وتوظيفه لقدراته وإمكاناته[1]، ويُعتبر كارل روجرز carl Rogers   من طائفة المعالجين الإنسانيين، وممن حاولوا الاستناد إلى معطيات علم النفس الحديث بوضع نظرية رئيسة في العلاج النفسي تقوم على التوجيه الذاتي، والممارسة الشخصية لتغير السلوك، وتعتبر نظريته أيضًا من أوائل النظريات التي قلبت العلاقة التقليدية بين المريض والمعالج، فجعلتها تنصبُّ على المريض (أو العميل)[2]، بحيث يكون المريض هو صاحبَ الدَّور الأساسي والفعال في عملية العلاج، وتغيير الشخصية، ونمو هذا التغيير؛ بل إن روجرز يرى أن دور المعالج النفسي لا يزيد على خلق شروط علاجية غير مباشرة، وغير موجهة، من شأنها أن تيسر فهم الذات والنضوج النفسي السليم، ويؤكد "روجرز" أنَّ نُمُوَّ قدرات الإنسان الإبداعية، وقدرته على تنمية ذاته وتوجيهها، فضلاً عن قدراته على الاختبار وحل المشكلات، أمورٌ ليست ممكنة نظريًّا وعمليًّا فحسب؛ بل إنَّها جزءٌ من قوانين الطبيعة، وهدف يجب أن يعلو كل الأهداف في العلاج النفسي الناجح [3].

وقد أعطَتْ حركة علماء النفس الإنساني، وتصورها للإنسان، أعطت دَفعة قوية للعلاج السلوكي الحديث في اتجاه فهم عمليات الضبط أو التوجيه الذاتي من خلال مفاهيم نظرية التعلم ذاتها، التي كانت في شكلها التقليدي ترفض مثل هذه المفاهيم من قبل؛ لعدم اتساقها مع منطق النظرية السلوكية، القائم على تصور السلوك كمحصلة للشروط البيئية الخارجية، بالشكل الذي وجدناه بها عند "بافلوف" و"سكينر"، ولعل هذا ما يعبر عنه "باندورا" Bandura   رئيس جمعية علم النفس الأمريكية السابق، بوضوح في هذه العبارة:

"تمر النظرية السلوكية في الوقت الحالي بتغيرات حاسمة، فمنذ سنواتٍ اقْتَصَر تصوّر علماء النفس السلوكي للإنسان على أنَّه كائن يستجيب أساسًا للتغيّرات البيئية، التي تشكل آليًا أفعاله وتحكمها؛ لكن نظرة متفحّصة للإنسان تبين أنه أكثر فاعلية، وأن تأثيرات البيئة لا تتم بشكل آلي؛ فالتغيرات التي كان من المعتقد أنَّها تؤثّر في السلوك بشكل آلي، يكون تأثيرها في الحقيقة محدودًا ما لم يدعمها وعي الإنسان بها...".

"إن السلوك يخلق – جزئيًّا – البيئة[4] بمقدار ما تؤثر البيئة في ظهور وإبراز السلوك، ولهذا فمن المهم أن نحلل كيفية تشكيل الإنسان للشروط البيئية التي تحكمه، بنفس القدر من الاهتمام الذي نوليه لدور البيئة، والشروط المختلفة التي تحكم ظهور سلوك معين".
"إن من أهم الخصائص التي تميز الإنسان أنه يستطيع خلق تأثيرات في ذاته، نابعة من ذاته ومن توجيهه الذاتي لسلوكه، ومن خلال دوره كمؤثر وموضوع للتأثير في نفس الوقت يمتلك الإنسان قوة رئيسة في توجيه ذاته"[5].

لعلَّ مغزَى عبارة "باندورا" واضح للقارئ: أن حياة الإنسان تتوجه ذاتيًّا وبأغراض خاصة، دون أن ينفي ذلك وجود قوانين سببية تضعها البيئة بشروطها الخاصة، ودون تعارض بينهما.
وعلى هذا فهدَفُ هذا الفصل إذًا هو تبسيط لبعض الأساليب أو التكتيكات التي ابتكرها المعالجون لمساعدة مرضاهم على تطوير ذواتهم، ومواجهتهم لما يثور من مشكلات، ولكن علينا أوَّلاً أن نعرض للأساس النظري لهذه الأساليب كما تتبنَّاه مدارس العلاج السلوكي الحديثة.

الرأي السلوكي الحديث في مفهوم العلاج الذاتي:
لنفرضْ أنَّ شخصًا حاول جاهدًا الإقلاع عن تدخين السجائر، فانتهت محاولاته للفشل، فكيف نفسر ذلك؟
من التفسيرات المبكرة القول بأن هذا الشخص ليست لديه الإرادة الكافية للإقلاع عن التدخين، هذا ما يمكن أن يثور أول وهلة، لكن لنفرض أننا تساءلنا: وما هو الدليل على ضعف إرادته؟! حسنًا! ألم يحاول أن يتبع خطة معينة ففشل؟ من الواضح إذًا أننا بهذا التفسير لم نفعل شيئًا إلا التحرك في دائرة لا تنتهي بنا إلى حقائق نافعة، فنحن نفسر فشله بوجود إرادة ضعيفة، ونستدل على ضعف إرادته بفشله في الانقطاع عن التدخين، والحقيقة أن هذا ما يؤخذ على التفسيرات القديمة المختلفة؛ كالغريزة وقوة الإرادة، وقوى التطور النفسي... إلخ. إنها لا تضيف شيئًا لمعرفتنا، وتنطوي على خطأ منطقي كبير في الاستنتاج، فنحن نفسر الشيء بشيء آخر يفسره نفس الشيء الأول: "الفشل في تدخين السجائر راجع لضعف الإرادة، وضعف الإرادة راجع للفشل في تدخين السجائر... إلخ".

وهناك خطران يُمكِنُ أن تؤدّي إليْهِما مثلُ هذه التفسيرات الدائرية، فمن ناحية لا تنتهي بنا لأسباب واضحة تساعد على تقدُّم المعرفة العلمية، ومن ناحية أخرى قد يؤدي التفسير بقوة الإرادة أو ضعفها على المستوى العلاجي إلى فِقدان حماس المريض، وبالتالي فشل العلاج؛ فنحن عندما نبيّن له أنَّ فشله راجع إلى ضعف الإرادة، فقد يقتنع بأن فشله يرجع لأمر ليس بإمكانه أن يغيره؛ فلِمَ المحاولة؟!
ولعلّي لا أبالغ إن قلت بأن كثيرًا من فشل الناس – الذين ألتقي بهم بين الحين والآخر – في تعديل سلوكهم، وتوجيهه في مسار سليم، إنما يرجع إلى أنهم يضعون أنفسهم في أسْر تفسيرات من هذا القبيل، ويفسّرون أخطاءهم مَرَّةً بِطَريقةٍ قَدَرِيَّة، ومَرَّةً بِقُوَى لا تَخْضَعُ لِضَبْطِهم، ومرَّةً بِوُجود غريزة من هذا النوع أو ذاك، إلى غَيْرِ ذلِكَ منَ التفسيرات التي تدفَعُ دَفعًا قويًّا لِلتَّقاعُسِ واليأس، وتقبل الأخطاء والعجز.

هل هناك تفسيرٌ آخَرُ إذًا يُمكن أن يكون أكثر إيجابيَّة؟ أجل، وهو التفسير الذي تتبناه البحوث الحديثة، فمن وجهة نظر علماء السلوك المحدَثين نجد أنَّ عَجْزَ الشَّخص عن الإقلاع عن التدخين في المثال السابق، إنَّما يرجع إلى عدم معرفته بالشروط الملائمة للإقلاع عن التدخين، وبالتالي فإنه لم يضع نفسه في الشروط، أو في المواقف الاجتماعية أو النفسية الملائمة التي يمكن أن تحول قراره إلى التنفيذ العمليِّ.
بِعبارةٍ أُخْرى: فإنَّ قُدرةَ الشَّخص على التَّعديل الذاتي لأفعاله وأنماطه السُّلوكيَّة تُعتَبَرُ نِتاجًا لِمَعْرِفته بالشروط المحيطة به، وقدرته على تغييرها؛ وبهذا تزداد مهارة الشَّخص في تعديل سلوكه، وتوجيه ذاته الوجهات التي يرغبها، كلَّما ازدادت قدرته على معرفة الشّروط الملائمة، والحوادث السابقة لظهور السلوك، والمدعمات التي يؤدي لها هذا السلوك، وبهذا المعنى لا تزيد قُدرةُ الشخص على تعديل سُلوكِه ذاتيًّا عن كونها ببساطة: "اعرفِ المتغيرات والشروط التي تَحكُم أفعالك، وضع نفسك فيها".

لهذا فإنَّ النَّجاحَ في تقوِيَةِ جانبٍ مرغوب منَ الشخصية، أو تعديل جانب سيئ منها يجب أن يتضمن فهمًا واضحًا للعوامل المؤثرة في السلوك، مع التحكم فيها بطريقة تؤدي إلى التغيير المطلوب، ولعلَّ هذا ما دفع "سكينر" إلى استنتاج أن محددِّات الضبط الذاتي ونجاحه جزء من محدِّدات الضَّبْطِ السّلوكيّ بِشكلٍ عامّ: "الإنسان قد يضبط سلوك إنسان آخر بإعداد شروط ملائمة لهذا الضبط[6]، وبالمثل يمكنه أن يضبط سلوكه الذاتي بأن يضع نفسه في شروط ملائمة تساعده على هذا الضبط، وعلى هذا فإن الضبط الذاتيَّ يتحدد من خلال خلق شروط تدعيمية مماثلة للشروط التدعيمية التي تطور بها أي سلوك آخر"[7].
ومن ناحيةٍ ثانية، يتَّفق المعالجون السلوكيون على أنَّ أساليب الضَّبطِ الذَّاتِيّ تكتسب من خلال عمليات تعلم اجتماعي، ومهارة في وضع الشخص لنفْسِه فِي شروط بيئيَّة وبيولوجيَّة قادرة على إحداث التغييرات المطلوبة، أو التحكّم في البيئة الاجتماعيَّة والبيولوجيَّة، بحيثُ تَتَحَوَّل إلى الصورة المطلوبة من حيثُ إحداثُ التغير.

نماذج من أساليب الضبط الذاتي:
هدفُنا الأساسيُّ هُنا إذًا هو أن نُبيّن أنَّ عملية التغير العلاجي من خلال التوجه الذاتي أمر لا يمكن فصله عن الظروف البيولوجية، والاجتماعية، والمعرفيَّة التي سبق وأن أفضنا فيها في الفصول السابقة، كلّ ما هُنالك أن خلق أو تغيير الظروف أو الشروط الضرورية لإحداث العلاج يتم من خلال قدرة الفرد على ممارسة التغيير بنفسه، وبتوجيه من معالجه.
ولهذا نجد أن كثيرًا من الأساليب العلاجية التي عرضنا لها في الفصول السابقة يمكن أن تستخدم مع بعض التحوير، بحيثُ يُمكن لِلفَرْدِ أن يُمارِسها بجهده الشخصيّ، مُوَجّهًا عمليَّات العلاج بِنَفْسِه، وينصب جزء كبير من نشاط المعالجين السلوكيين على تحوير تلك الأساليب بحيث تصبح قابلةً لِلمُمَارَسَة الذاتية. وهكذا نَجِدُ أنَّ التطوّراتِ المعاصرةَ في العلاج الذاتي تنطلق تقريبًا من نفس مفاهيم تعديل الجوانب الوجدانية، والمعرفية، والسلوكية، والاجتماعية بالشكل الذي استوعبتْهُ الفصول السابقة، وسنعرِضُ في الفصول الباقية من هذا الفصل نماذج من التحويرات التي تَمَّت أو يمكن أن تتم في هذه الأساليب بحيث يمكن استخدامها ذاتيًّا.

1 – التَّعديل الذاتِيّ لِلجوانِب الانفعاليَّة منَ الاضطراب:
عرضنا لأساليب العلاج السلوكي القائمة على مبدأ الكف المتبادل؛ كالاسترخاء، والتطمين المتدرّج، وتأكيد الثقة بالنفس. ويمدّنا المعالجون المعاصرون بعديد من الاقتراحات عن كيفية تحسين هذه الطرق بحيث يصلح استخدامها ذاتيًّا.
فالاسترخاء، مثلاً يمكن استخدامه خارج عيادة المعالج، وفي المواقف التي تستثير التوتر، ويتوقف على المعالج بعد أن يدرب مريضه على الاسترخاء المنظم أن يوضح له بعد ذلك أن هذا الأسلوب يستمد نفعه الأساسي، إذا ما استخدمه المريض في المستقبل عندما تواجهه مشكلات مماثلة لتلك المشكلات التي دفعته لطلب العلاج، خاصة إذا ما كان طالب العلاج من النوع الذي يشمله الاضطراب والانفعال والقلق في مواقف متعددة ليلاً أو نهارًا.

وقد رأينا نموذجًا لذلك حالة الشاب الذي عالجه "سالتر" في الفصل الخامس، وتبين ملاحظات المعالجين السلوكيين في هذا الصدد أن قدرة الفرد على ممارسة الاسترخاء في المواقف، التي تعتبر بالنسبة له موضوعًا لإثارة القلق والتوتر (كالحديث مثلاً أمام مجموعة من الأشخاص) ستساعده على مواجهة جوانب الإحباط، التي قد تحدث بطريقة أكثر إيجابية، بعبارة أخرى: فإن السلوك (الاسترخاء) سيغير من طريقة إدراك البيئة، فيحولها إلى عنصر أقل تهديدًا.
ويقترح كاوتلا cautela   – من مشاهير العلاج السلوكي الحديث، ورئيس جمعية العلاج السلوكي سابقًا – طريقة تساعد على التوترات التي تنشأ في جو العمل لدى مرضاه؛ فقد كان يقترح على طلاب العلاج – خاصة إذا كان مصدر الاضطراب هو التوتر والصراع الذي يستثيره جو العمل – أن يجلس الشخص مسترخيًا على مكتبه في العمل، وأن يهتف بصوت عالٍ أثناء ذلك بكلمة "استرخ" لمدة 10 مرات، وكان يؤكد على مرضاه اتباع هذا الأسلوب مهما بدا له بسيطًا أو مستهجنًا، فإذا اتَّبع المريض التعليمات؛ كأن يطلب منه بعد ذلك أن يسترخي في وضع واقف، وأن يمارس الاسترخاء في المنزل مرة يوميًّا على الأقل في كِلا الوضعين (الجالس والواقف).

وفي كل مرة يطلب منه أن يقول لنفسه "استرْخِ" بِصَوْتٍ عالٍ لعشر مرات في هذين الوضعين، إلى أن تحدث رابطة بين كلمة التنبيه "استرخ" والاستجابة (اختفاء التوتر والاسترخاء)، وبعد أن يتبين للمعالج أنَّ المريض يستطيع الاسترخاء بنجاح في كلا الوَضْعَيْنِ، يؤكّدُ له بَعْدَ ذَلِكَ ضرورة استخدام هذا الأسلوب في كلّ مواقف القلق بعد ذلك[8].
ومنَ الطريف أنَّ "كاوتلا" قد أجرى عددًا من الدراسات التتبعية على الأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب، بناء على توجيهه لهم، فتبين أنهم يتحمسون لهذا الإجراء، ويحسون بفاعليته، كذلك تبيَّن أنَّ تدعيمَ الرابطة بين كلمة "استرخ" ووضع الاسترخاء يساعد على ممارسة الاسترخاء، والتمكُّن منه بطريقة سريعة حالما يهتف الشخص لنفسه في موقف التوتر بكلمة "استرخ".

كذلك يستخدم أسلوب التطمين المتدرج كأسلوب من أساليب العلاج الذاتي في مواجهة المخاوف المرضية، ويكون ذلك بأن يقوم الفرد بتخيل المنبهات المثيرة للقلق بعد تدريجها، وهو في حالة من الاسترخاء.
وفي الولايات المتحدة تدرج المنبهات المثيرة للقلق؛ كالخوف من الثعابين، أو الظلام، أو الامتحانات، أو الحديث أمام الناس، وتُسجل على أشرطة تسجيل "كاسيت"، وتباع للمرضى، أو للأشخاص الذين يرغبون في التخلص من أعراض الخوف والقلق في تلك المواقف وغيرها، ويمكن أن يقوم بتشْغِيلِها وهو في وَضْعِ الاسترخاء إلى أن يتم له تحييد تلك المصادر من شحناتها الانفعالية الشديدة، وتبيّن بعض التجارب أنَّ النجاح في التخلص من الخوف من الثعابين مثلاً بهذه الطريقة (الاستماع لأشرطة التسجيل في المنزل بوضع الاسترخاء) يتساوى مع العلاج بطريقة التعرض للمنبهات الدافعة للخوف مباشرة، أو مع المعالج؛ مما يدل على الإمكانات الجيدة التي يمكن أن تتطور لها أساليب العلاج الذاتي.

غير أنَّ هناك بعض المشكلات التي تثور نتيجةً لاستخدام أشرطة التسجيل في عملية التطمين المتدرج، فمِن ناحية لا يزال هذا الأسلوب في بداياته الأولى، ومن ناحية أخرى يثير التسجيل مسألة تَتَعَلَّق بالتفاوت في تقدير المدرجات المثيرة للقلق؛ فقد يثير مدرج معين؛ كتخيل ثعبان مرسوم على بِطاقَةٍ بَيْضاءَ درجةً أكْبَرَ منَ القَلَقِ لدى شخصٍ دُون شخصٍ آخر، فضلاً عن هذا لا يُوجَدُ اتّفاقٌ مُطْلَقٌ بَيْنَ المرضى على المنبّهات التي تستثير لديْهِم تلك المخاوف، فالخوف من مجابهة الآخرين بحديث أو خطبة – على سبيل المثال – قد يكون مصدره عند أحد الأشخاص هو حجم الجماعة، بينما يكون مصدره عند شخص آخر هو سلطة الأفراد الذين تتكوَّن منهم هذه الجماعة، وقد ناقشنا هذه القضايا من قبل.
ولهذا فمِنْ رَأْيِنا أن يتمَّ تدريجُ المواقف المثيرة للقلق لكل شخص على حدة، ومن خلال اقتراحات الفرد نفسه، وبتوجيه المُعالِج، ثُمَّ يُمكن أن تسجل لكي تمارس ذاتيًّا بعد ذلك، فهذا أفضل من الحصول على" كاسيتات" معدة في ظروف مختلفة، ولأناس مختلفين.

أما أسلوب تأكيد الذات فهو بطبيعته أسلوب من أساليب الضبط الذاتي؛ أي إنه لا يكتسب فاعليته إلا من خلال ممارسة الفردِ نفسِهِ لهذا الأسلوب، ووضعه موضع التنفيذ العملي، صحيح أن المعالج قد يُعلِّم مريضه بعض أساليب تأكيد الذات في داخل العيادة، أو مختبر العلاج السلوكي بطريق تمثيل الأدوار مثلاً، إلا أن نجاح أسلوب تأكيد الذات لا يتم إلا إذا حاول الفرد نفسه تعميم الاستجابات التي طورها مع معالجه إلى مواقف اجتماعية جديدة (كالأسرة أو العمل)، ومع أناس آخرين (كالرؤساء والزملاء... إلخ)، أي أن يمارس تأكيد الذات متعمِّدًا كُلَّما شعر بأنَّ غَبْنًا أو ظُلْمًا قد وَقَعَ عَلَيْهِ منَ الآخَرِينَ؛ بلْ إنَّ كثيرًا منَ المُعالجين مثل كاوتلا[9]، يرون أنَّ التدريبَ المَعْمَلِيَّ مِنْ خِلال توجيهات المعالج بطريقة تمثيل الأدوار، يجب أن يكون لاحقًا وليس سابقًا لاستخدام أساليبِ التَّأْكِيدِ الذَّاتِيّ ذاتيًّا، خاصَّة عندما يفشل الفرد في الممارسة الذاتية لتأكيد الذات.

2 – العلاج الذاتي من خلال ملاحظة الذات:
منذ أنِ ابْتَكَر فرويد نظرية التحليل النفسي، أصبحت مفاهيم الاستبصار، والوعي، والشعور من أهمِّ الأُسُسِ الَّتي تتضمَّنُها أيُّ نظريَّة لِلعلاج النفسي، ولعلَّ "فرويد" هو أوَّلُ مَنْ أكَّد أن وَعْيَ الفردِ بِالحوادِثِ التَّاريخيَّة الانفعاليَّة الَّتي يمرُّ بِها يؤدّي إلى تغييرات مباشرة في سلوكه، كذلك أكد "كارل روجرز" دور الوعي في فهم الفرد لذاته وتَقَبُّله لها؛ لكنَّنا رأينا أنَّ معالجة "فرويد" لهذا المفهوم لم تؤدِّ إلى نتائج علاجية ناجحة ذات شأن؛ بسبب ربطه لعملية الاستبصار بخبرات طِفْلِيَّة قديمة، فالاستبصار عند "فرويد" يُشيرُ إلى قُدرةِ الشَّخص – من خِلال المحلّل النفسي – على الوعي بتشكيل شخصيته في السنوات المبكرة من العمر.

ويستخدم المُعالِجون المُعاصِرُون الوَعْي والاستِبْصار في العلاج لكن بطريقة أخرى، فنقول بأنَّ الشَّخص على استبصار بمشكلاته عِندما يكون مدركًا إدراكًا دقيقًا للشروط السابقة لظهور المشكلة، والنتائج أو الاستجابات البيئيَّة الَّتي يُثيرُها ظهور هذه المشكلة، ولهذا يَجِبُ على المريض وعلى المعالج كليْهِما أن يقوما بِجَمع المعلومات الدقيقة السابقة لظهور المرض، وذلك قبل الدخول في أي برنامج للتعديل أو العلاج السلوكي، وعندما يشترك المريض بتوجيه المعالج في حصر المعلومات التي أدت لظهور اضطراباته، وأنواع التدعيم التي أدى لها ذلك؛ فإنه يقوم بعملية ملاحظة للذات، وهي مرحلة ضرورية من مراحل العلاج السلوكي بشكل عام.

لكن ملاحظة الذات (أو الكشف عن الذات) لا تعتبر طريقة لجمع وحصر المعلومات الضرورية عن تكون الأعراض؛ بل قد تؤدي – بمفردها – إلى بعض التغييرات السلوكية العلاجية، بمعنى أن الفرد عندما يلاحظ سلوكه، أو يحاول أن يجمع المعلومات التي أدت لظهور أفعاله غير المرغوبة، فإن هذه المعرفة – مجرد المعرفة – قد تؤدي إلى تأثيرات مباشرة في الأفعال، أو السلوك الذي يلاحظه الفرد[10].
ولِلْمَزِيدِ منَ التَّفاصيل والإيضاح لنلاحظْ ما يَحْدُثُ أثناءَ مُلاحَظَةِ الذَّات: إنَّ الفَرْدَ عِندما يُحاوِلُ الْقِيامَ بِجَمْعِ المعلومات الَّتي أدَّتْ إلى أنماطِه السُّلوكيَّة التي يرغب في تعديلها، إنَّما يقوم في الحقيقة بعمليَّة انتقاءٍ أو "غربلةٍ" لِلشُّروط أوِ الأسباب الهامَّة – في نظره – الَّتي أدَّت إلى تكوُّن الأعراض المَرَضِيَّة، فهو يُبْعِدُ بَعْضَ الشُّروط الهامِشِيَّة، ويبقي على بعض الشروط التي يرى أنها أساسية من حيث تأثيرُها على ظهور المرض أو استمراره، وهذه "الموازنة" بين الشروط المختلِفة تعتبر في حد ذاتها ذاتَ وظيفة إيجابية؛ لأنها ستضع إصْبَعَ الشَّخْصِ مُباشرة على الشروط المطلوبِ تعديلُها، أو ضبطها لتحقيق التغير، وستمنحه – فضلاً عن ذلك - وعيًا واستبصارًا جديدَيْنِ بمواقف الحياة المؤثّرة، فمن الطبيعي أنه سيحاول بعد أن عرف الشروط الرئيسة أن يتجنبها، أو أن يخلق شروطًا أخرى معارضة للشروط السيئة الأصلية، إلى غير ذلك من تصرفات مستقبلية.

وتتطلَّبُ ملاحظةُ الذَّات بالشكل العلمي أن يسجل الفرد في كراسة خاصة الاستجابات، أو أنماط السلوك المرضي عندما يلاحظه مباشرة، فهو يسجل مثلاً عدد المرات التي يشعر فيها بالرغبة في تدخين سيجارة، أو تعاطي بعض الخمر، أو بالرغبة في السبِّ والعداوة، أو عدد المرات التي تتملَّكُه فيها الأفكارُ الحوازية، أو عدد الهلاوس السمعيَّة الَّتِي يَسْمَعُها.. إلخ، ومثل هذا التسجيل يعوق ظُهُورَ السلوك غيرِ المرغوب، وعلى سبيل المثال تبين في إحدى الدراسات أنَّ مُجَرَّد قيام الشخص بتسجيل عدد المرات التي يشعر فيها برغبة قوية في تدخين سيجارة، يؤدّي مباشرة إلى إعاقة التدخين؛ ولهذا نلاحظ في مستشفيات الطب النفسي، وعيادات العلاج النفسي في الولايات المتحدة أنَّهُم يَستخدمون هذا الأسلوب في العلاج من الإدمان على الخمر، والكحوليات، وغيرها من الأفعال القهرية، بأن يكون لِكُلِّ مريض لديه الدوافعُ في التخلُّص من مشكلاته كراسةٌ يسجل فيها ما يفعله إزاء هذه المشكلة يوميًّا.

ولأن ملاحظة الذات تتطلب قدرة على التحكم في التغيرات السلوكية التي تطرأ على الشخص، فإن هذا التحكم – في اعتقادنا – يؤدي إلى خلق تغيرات آلية في البيئة المحيطة بطريقة تجعلها تخلق تدعيمات إضافية في الاتجاه المرغوب. تصوَّرْ – على سبيل المثال – أننا طلبنا من شخص يفتقر إلى تأكيد الذات في المواقف التي تتطلب منه المعارضة، أو الدفاع عن النفس، أو الاحتجاج على ظلم معين، فطلبنا منه كخطوة أولى من خطوات العلاج أن يسجّل مباشرة عَدَدَ المرَّات التي قال فيها "نعم"، أو "أوافق" على أمر أو حكم معين صادر له من زميل أو رئيس، وعدد المرات التي قال فيها "لا"، أو "أرفض" هذه الأوامر أو الأحكام غير المقبولة، إن مجرد قيامه بتسجيل ذلك في المواقف الحية يخلق – في تصورنا – نوعًا من التعديل في استجابات البيئة المحيطة به (الاهتمام والتساؤل عمَّا يفعل.. إلخ)، ومثل هذا التعديل أو الاهتمام الذي يظهر على الآخرين، قد يتحوَّلُ إلى قُوَّة أخرى تساعد الشخص على التغير الإيجابي.

ويكتشف الشخص من خِلال مُلاحظاته الذاتيَّة أنَّه استطاع أن يتوصَّل للشروط الرئيسة، الَّتِي تساهم في تشكيل جوانب سلوكه وشخصيته، وعندما يحاول مستقبلاً أن يتجنَّب الشروط السَّيّئة، أو يخلق شروطًا جَيِّدة، وعندما يكتشف أنَّه نَجَحَ في تحقيق بَعْضِ الأَهْدَاف؛ أي: إنَّ هُناك أَهْدافًا أُخْرَى تَبَلْورت، وشروطًا أمْكنَ التَّغَلُّبُ عليها، وشروطًا أخرى يجب التغلُّبُ عليها.. إلخ، فإن مثل هذا التغير سيكون بمثابة التدعيم الذاتي للممارسة تعديلات إضافية أخرى؛ فالنجاح فيما أشرنا يخلق نجاحًا آخر، والثقة بفاعلية الذات تخلق ثقة أخرى.

 وقبل أن ننتقل إلى وصف إحدى الحالات، التي تم علاجها بنجاح باستخدام أسلوب الملاحظة الذاتية، نجمل القول بأن هذه الطريقة تعتبر من الطرق ذات النتائج القوية في تعديل السلوك، أما أسباب قوتها فمتعددة ومعقدة إلى حدٍّ كبير، وتأثيراتها على السلوك تختلط بعواملَ أخرى، ولا زال الباحثون يجاهدون في تحديد المتغيراتِ النوعيَّةَ التي تساعد على كفاءة هذه الطريقة، غير أن جهد الباحثين في هذا المجال، وزيادة علامات الاستفهام لا يجب أن تقلِّل من آثارها واستخداماتها في ميدان العلاج الذاتي، حتَّى فِي أكثر الحالات العقليَّة والنفسية اضطرابًا.

ولْنَتَأَمَّل معًا فيما يلي حالة توضيحيَّة، أمكن معها - باستخدام أسلوب ملاحظة الذات والتسجيل - تحقيقُ قدر رائع من النجاح:
حالة المرأة ذات الهلاوس السمعية:
المريضة في السابعة والأربعين من العمر، تقيم في مستشفى للطب العقلي في الوقت الذي بدأ فيه المعالج السلوكي محاولاته العلاجية معها، شَخَّصَها الأطباء على أنها فِصاميَّة، ظلت محجوزةً في المستشفى لثلاثة عشر عامًا، وذلك بسبب هلاوس سمعية تحدث بصورة يوميَّة متكررة ومطردة، وقد أدَّتِ الهلاوس إلى حالة من الاكتئاب الشديد والقلق، ومن الغريب أن هذه الهلاوس تدخَّلت في حياة هذه المرأة البائسة بطريقة لا تطاق؛ لقد أصبح سلوكها كله محكومًا "بالأوامر" و"النواهي" التي تعطيها لها الأصوات، وبلغ ذلك إلى حدّ أنَّها لم تكن لتستطيعَ الذَّهابَ لِلحمَّام لقضاء حاجتها الحيوية ما لم تسمع تلك الأصوات تأمرها بذلك!

وعندما عَرضتْ هذه المرأةُ مشكلتها للمعالج أظهرت كراهية شديدة لسيطرة هذه الأصوات عليها، وأبدتْ رَغْبَةً قويَّة في العلاج منها، وعبرت بصراحة بأنها لو استطاعت أن توقف تلك الأصوات، فإن مشكلتها الأساسية قد تُحَلُّ، وأنها ستصبح قادرة على التوافق الجيد بعد ذلك، كذلك أبدت الهيئة العامة بالمستشفى هذا الحكم.
ولأن هذه المرأة أبدت دافعًا قويًّا للعلاج، فلقد رأى المعالج أن يستخدم معها أُسلوب ملاحظة الذات؛ وذلك لبساطة هذا الأسلوب في التطبيق، ولأنَّ المرأة أبدت رغبة في التعاون مع المعالج في تنفيذ التعليمات الخاصة بتسجيل التغيرات التي تسيطر عليها، وملاحظة الذات.

طَلَبَ المُعالِجُ منها أوَّلاً أن تسجل بطريقتها الخاصة عدد المرات التي تحدث فيها تلك الأصوات لثلاثة أيَّام متتالية، ثم طلب منها بعد ذلك أن تُسجِّل جهرًا أمام المريضات الأخريات في العنبر على جدولٍ عدَدَ المرات التي تسمع فيها هذه الهلاوس يوميًّا، وقد وضع الجدول في مكان ظاهر، بحيثُ يُمْكِنُ للممرضات الأخريات أن يلاحِظْنَه، وكنتيجة لهذا المكان الظاهر الذي وضع فيه الجدول، كان يسهل على كل شخص في العنبر أن يلاحظ مدى التقدم في سلوك المريضة, فمن الواضح إذًا أنَّ الهدف من الجدول هو أن يعطي المرأة نتيجة فورية لتطوُّرها، كما أنَّه كان يحرِّك عواملَ التدعيم الاجتماعي من قِبَل الممرضات، والمجربين، والعاملات بالمستشفى... إلخ.
وقد تَضَمَّنَتْ تعليمات المعالج للعاملين بأن يُظهِروا تشجيعهم بالمدح والاهتمام والتشجيع كلَّما لاحظوا تناقُصًا في الهلاوس اليومية (تناقص الأصوات)، وعندما كانت تفشل المرأة في إنقاص هلاوسها، كان التدعيم الاجتماعي يتوقف.

ومن الطريف أنَّ هذا الأسلوب قد أدَّى إلى تناقص ملحوظ في الهلاوس السمعية لدى المرأة في فترة قصيرة من الزمن، لقد قلَّت الأصوات والهلاوس من 181 مرة في اليوم الأول (الذي بدأت فيه المرأة بوضع علامة على الجدول في كل مرة تسمع فيها الأصوات) إلى 11 مرة في اليوم الثالث، ولم تظهر أي هلاوس في اليوم الرابع، ثم زادت بعد ذلك إلى 16 مرة، ثم قلت تدريجيًا إلى أن وصلت الصفر، واختفت الأصوات بعد ذلك تمامًا من حياة  المريضة طوال فترة متابعتها لمدة ستة شهور، ولحين نشر تلك الدراسة.
ومن الطريف أيضًا أنه بتناقص هلاوس المرأة حدثت تغيرات إيجابية أخرى في سلوكها، لقد أصبحت أقلَّ قلقًا، وقادرة على التَّفاعُل الاجتماعيِّ مع المريضات الأُخريات، وتحسن مظهرها الخارجي، وبدأت تطالب بالبحث عن عمل، كذلك أصبحت تعبر بصراحة عن سعادتها وغِبطَتِها إلى حدٍّ بعيد (كدليل على أن التغير في الأعراض يشمل تغيرات إيجابية أخرى في الشخصية ككل).

وغنيٌّ عنِ القول، أن هذه الدراسة تُقدِّم برهانًا قويًّا على أن ملاحظة الذات، وتسجيل السلوك يؤديان إلى محو كثير من الاضطرابات، حتى ما ينتمي منها إلى عالم الأمراض العقلية، وبنفس القدر من المهارة يمكن بالطبع استخدام أساليب الملاحظة الذاتية بالشكل السابق في حالة المرأة ذات الهلاوس السمعية، في علاج وتعديل كثيرٍ منَ الجوانب السلوكية المَرَضِيَّة، ويتم بالفعل استخدامُ هذا الأسلوب من أجل زيادة الوقت الذي نُكَرِّسُهُ للعمل (والمذاكرة)، وضبط السِّمْنَة بملاحظة التناقص اليومي للوزن وتسجيله، وعلاج مشكلات الأطفال في المدارس؛ كالبكاء الذي ليس له سبب، وذلك بوضع علامة في جدول أمام الطفل في كل مرة يبكي فيها دون سبب، وحديثًا أمكن تطويع أسلوب الملاحظة الذاتية في علاج المخاوف المرضية من الأماكن المغلقة لدى مريضة، وذلك بسؤالها أن تُحصي الزمن الذي تقضيه في مكان مغلق (حجرتها) باستخدام ساعة إيقاف، مِمَّا أدَّى إلى تزايد تدريجي في الزمن الذي تقضيه في الأماكن المغلقة بشكل عام، كما أمكن للكاتب أن يُمارس هذا الأسلوب لزيادة الوقت المخصص لكتابة بحث مطلوب في فترة زمنية محدودة، فأمكن تخصيصُ 6 ساعات يوميًّا تقريبًا للكتابة (بعد أن كان الوقت المستخدم لذلك لا يزيد عن ساعة ونصف يوميًّا، وبطريقة متقطعة).

والجميل في أسلوب الملاحظة الذاتية هو بساطته، ونتائجه الإيجابية في زيادة السلوك المرغوب، ومحو السلوك غير المرغوب في فترات محدودة لا تتجاوز السنة في الحالات المعقدة، وتصل إلى أسابيع قليلة في حالات أخرى، فضلاً عن إمكانيَّة استخداماتِه في تعديل قطاعات متنوّعة ومتعدّدة منَ الاضطرابات، بما في ذلك الاضطرابات التي تُصيب الناس الساديين (كالسِّمْنَة، أو الهروب من النشاطات الإبداعية كالكتابة)، والعصابيين (كالمخاوف المرضية)، والمرضى العقليين (كالهلاوس والأفكار المسيطرة)، كما يستخدم كطريقة لتخفيض ارتفاع ضغط الدم، وذلك بتشجيع الفرد على قياس ضعطه بنفسه ثلاث أو أربع مرات يوميًّا في مواقف مختلفة، وتسجيل ذلك على بطاقة أو جدول يمكن أن يعده الفرد بنفسه، ولهذا تباع أجهزة ضغط الدم في الوقت الحالي بأسعار زهيدة للجمهور الأمريكي؛ لتشجيع عمليات العلاج الذاتي.

إثابة الذات والتدعيم كطريقة للعلاج الذاتي:
إذا كانت مجرد الملاحظة الذاتية تُعتَبَر مصدرًا خصبًا لتعديل السلوك بطريقة ذاتيَّة، فالأمر صحيح كذلِكَ بِالنسبة لتدعيم الذَّات عند ظهور السلوك الجديد، البديل للسلوك المرضي، والخلاف بين الملاحظة الذاتية والتدعيم الذاتي، أنه في الملاحظة الذاتية يقوم الشخص بمراقبة تصرفاته التي يعتقد بخطئها، أو بآثارها المرضية السيئة على شخصيته - إلى أن يتوقف ظهور هذه الأمراض، أو يحل محلها سلوك آخر، أما التدعيم الذاتي فيمكن للشخص أن يستخدمه بعد أن يتكون السلوك المرغوب، ويتم تدعيم الذات بأن يقوم الشخص بإثابة نفسه فورًا عند ظهور السلوك المرغوب، وخير مثال على هذا الطالب الذي يكافئ نفسه بكوب من الشاي، أو فنجان من القهوة، أو الالتقاء بالأصدقاء بعد أن يكون قد نفذ خطة مكنته من قضاء وقت ملائم لإنهاء بحوثه أو دروسه.
وفي ميدان العلاج النفسي الذاتي أصبحت طرق الإثابة أو التدعيم الذاتي جزءًا رئيسًا من العلاج، يوصي به المعالج في مشكلات سلوكية متعددة؛ كالتدخين، والقلق الجنسي (أي القلق في حضور الجنس الآخر)، والاكتئاب، والوساوس، وتسلط الأفكار غير المنطقية على تفكير الشخص... إلخ.

ولكي يزداد استبصارنا بتطبيق هذا الأسلوب في هذه المجالات الآنفة الذكر، قد يحسن أن نستشهد ببعض الدراسات الملائمة لهذا الغرض. ومن أوائل الدراسات التي أجريت للكشف عن أهمية هذا الأسلوب دراسةٌ تمت سنة 1967 في الولايات المتحدة على يدي "جاتمان" Gutmann   و"مارستون" Marston  ، وقد استعانا بالطلبة الذين يعانون من مشكلة التدخين، وقالا إنهما اختارا هذه المشكلة بالذات؛ لأن هؤلاء الطلاب كانوا يرغبون في الإقلاع عن التدخين، وحاولوا ذلك من قبل، ولكنهم فشلوا، وقد قسم الباحثان الطلاب إلى مجموعتين:
الأولى أطلقا عليها المجموعة التجريبية، وتتكون من 15 شخصًا، طلب الباحثان من أفرادها أن يدخن كل منهم سيجارتين إذا ما نجح في التوقف عن التدخين لمدة أربع ساعات متتالية (إثابة ذاتية أو مكافأة للذات)، وقد طلب الباحثان من أفراد هذه المجموعة أيضًا أن يسجل كل فرد منهم التناقص اليومي في عدد السجائر التي يدخنها كل منهم في كل يوم من أيام التجربة.

أما المجموعة الثانية، وتسمى بالمجموعة الضابطة فلم يطلب من أفرادها القيام بالإثابة الذاتية (التدخين عقب النجاح في التوقف عن التدخين)، ولكن طلب منهم أيضًا تسجيل التناقص اليومي في التدخين.
وقد بينت هذه الدراسة أنه بالرغم من أن الدراسة قد استغرقت فترة قصيرة، فإن أفراد المجموعة الأولى نجحت في إنقاص السجائر بشكل مطرد، وأقلع ما يقرب من 80 % من أفرادها عن التدخين نهائيًّا ، بينما لم يحدث تغيير يذكر في المجموعة الضابطة[11].

ويزعم باحثان آخران أن أسلوب المكافأة الذاتية نجح في إيقاف القلق النفسي لدى مجموعة من الطلاب، ممن وصفوا علاقاتهم بالجنس الآخر بأنها مصدر "عنيف" للقلق والتوتر، لدرجة أنهم كانوا يضطربون عندما يتبادلون الحديث مع الزميلات بطريقة تضعهم في كثير من جوانب الحرج والاكتئاب، في هذه الدراسة طلب الباحثان من الطلاب الذين تقدموا لطلب التوجيه والعلاج بأن يحصروا كلَّ المواقف التي تتطلَّب علاقة بالجنس الآخر، على أن تدرج هذه المواقف وفق ما تستثيره من قلق، بحيث يأتي الموقف الذي يستثير درجة قليلة من القلق أولاً، وتتلوه بعد ذلك مواقف القلق الأخرى موقفًا موقفًا، وبناء على هذا طلب الباحثان من الطلاب أن يسجلوا مدى تقدمهم في التخلص من القلق في المواقف المتدرجة موقفًا وراء الآخر، على أن يستخدموا شتى أساليب الإثابة والتدعيم الذاتيين (بما في ذلك مدح النفس) كلما نجح الواحد منهم في تخطي القلق، الذي يثيره موقف التفاعل مع الجنس الآخر، ولم ينجح الطلاب في التخلُّص منَ القلق فحَسْبُ؛ بل تبيَّن أيضًا أنهمُ استطاعوا أن يتخلَّصوا منَ القلق في مواقفَ أخرى لا تتعلق بالجنس الآخر؛ كالخوف من الامتحانات، ومن الرسوب، فضلاً عن ازدياد الثقة بالنفس، وغير ذلك. (المرجع السابق).

وفي تعليق الباحثَيْنِ على ذلك أكدا أنه ليس ضروريًّا للتقليل من آثار القلق في موضوع معين أن تقوم بتغيير الشخصية ككُلّ، كما يزعم علماء التحليل النفسي، كما أن من الممكن التخلص من كثير من المشكلات المماثلة بتدعيم الذات عندما تنجح في تحقيق الأهداف المرسومة.
وقد سجل "ألبرت أليس" الذي عرضنا لنظريته في العلاج المنطقي في الفصل السابق، نجاحًا ملحوظًا في تشجيع مرضاه على استخدام المكافأة، أو الإثابة الذاتية عند النجاح في التخلص من الأفكار والاتجاهات الانهزامية، ويقول في هذا الصدد:
"لقد نجحتُ شخصيًّا في مساعدة مرضاي في السنوات العشر الأخيرة على التخلص من المعتقدات غير المنطقيَّة، من خلال تشجيعهم على تدعيم أنفسهم بشيء مرغوب (كالطعام، أو الشراب، أو الاتصال الجنسيّ)، بعد أن ينجح الواحد منهم في الدحض المستمر للاعتقادات الخاطئة التي تتملَّكه، وتؤدي للمرض والهزيمة، أو بعقاب أنفسهم بالتعرض لمُنَبِّهٍ غيرِ سارٍّ (كالقيام بالنظافة المنزلية، أو أداء تمرين رياضي مُمِلٍّ، أو المساهمة في نشاط جماعة أو حزب سياسي مخالف لقِيَم الشخص)، وذلك إذا لم يقم الشخص منهم بالعمل على دحض معتقداته المرضية يوميًّا"[12].

وقد يتساءل القارئ: هل من الأفضل أن تأتيَ المكافأة أو الإثابة عند النجاح في تحقيق هدف علاجي معين، من الخارج (الآباء والمعالجون، والمدرسون)، أم من الذات؟ هنا أيضًا تفيد بضع دراسات في تقديم إجابة جيدة عن هذا السؤال: فقد تبيَّن أن التدعيم الذاتي لا يقل فاعلية عن التدعيم البيئي أو الخارجي من حيث التأثير على تأكيد ظهور السلوك التكيفي الجديد، أما إذا راعينا الفاعلية على المدى الطويل، فإن التدعيم الذاتي يتفوق على التدعيم من الخارج من حيث إنه يؤدي إلى آثار علاجية تستمرُّ وقتًا أطول مما لو كان مصدر التدعيم آتيًا من البيئة؛ بل إن كثيرًا من المعالجين يرون أنَّ فاعلية التدعيمات البيئية تتوقف في الحقيقة على قُدرة الشخص على أن يتحول بها إلى تدعيمات داخلية أو ذاتية، عندما يكون التقدم في العلاج مصدرًا لسعادة الشخص وراحته الذاتية، بدلاً من إسعاد أو إرضاء المعالج.

ويرتبط بالتدعيم الذاتيّ ما يسمى بعقاب الذات، وقد رأينا نموذجًا له في عبارة "أليس" التي سبق ذكرها توًّا؛ فقد رأينا أنه كان يكلف مرضاه بواجبات منزليَّة ثقيلة، عندما يفشل الواحد منهم في تحقيق الهدف المنشود للعلاج، وقد أمكن لأحد المعالجين السلوكيين في إحدى عيادات العلاج النفسي بأمريكا أن يستخدم أسلوب عقاب الذات في علاج عيوب الكلام واللجلجة، وذلك بأن ابتكر جهازًا يصدر أصواتًا منفرة (صفير حادّ ومتَقَطِّع؛ كالذي نسمعه على محطات الإذاعة قبل بدئها) إذا ما قام الشخص بالضغط على زرار معيَّن مثبَّت بالجهاز، وقد تبين أن هذا الأسلوب قد نجح نجاحًا ملحوظًا في علاج اللجلجة، إذا ما قام المريض بتشغيل الجهاز عندما يبدأ في التهتهة أثناء قراءته لموضوع معين بصوت عالٍ، وقد أدى النجاح في استخدام هذا الجهاز إلى تعميمه، بحيث أصبحت أمثال هذه الأجهزة تعطى للمرضى في المستشفيات لاستخدامها وتشغيلها في حالات الهلاوس السَّمعية والبصرية، كما أمكن تطوير أجهزة مماثلة تعطي صدمات كهربائية خفيفة، وكانت التعليمات التي طلب من المريض تنفيذها هي أن يوجه لنفسه صدمة كهربائية حالما يسمع تلك الأصوات، وفي خلال بضعة أيام قرر المريض بأن تلك الهلاوس قد توقفت، فضلاً عن هذا، استطاع المريض الخروج من المستشفى بعد خمسة وثلاثين يومًا بعد أن توقفت تلك الهلاوس التي أدت به إلى الالتحاق بالمستشفى عددًا من المرات[13].

وتقييمنا الخاص للدلائل المتوفرة الآن هو أن توظيف العناصر الذاتية – بما فيها الملاحظة الذاتية ومكافأة الذات أو عقابها في العلاج – قد أحرز قوة واضحة في السيطرة على كثير من الاضطرابات وبقليل من الجهد، وبتجنّب كثير من المشكلات الخلقية التي قد يثيرها العلاج السلوكي بشكل عام.
والأسلوب الآخَر الذي أودُّ أن أناقشه هنا قبل أن نختتم الحديث عن أساليب العلاج الذاتي يتعلَّق بما شرحناه في الفصل السابق، والمتعلِّق بالتعديل المعرفي:
لقد حاولنا أن نعرض صورة أمينة عن تعديل أساليب التفكير، والاتجاهات غير المنطقية؛ فتبيَّن لنا أنَّ هذا المجال من المجالات الواعدة في العلاج السلوكي، ولأنَّ تعديلَ أساليب التفكير يعتبر بطبيعته أسلوبًا من الأساليب التي تزداد فاعليتها إذا ما حاول الفرد ممارستها بوحي من إرادته الخاصة، فإنَّ تحوير تلك الأساليب لِلاستخدام في ميدان العلاج الذَّاتِيّ كان ميسورًا وحافلاً بكثير من الابتكارات والطرق الخلاقة.

منَ الأفكارِ الأساسيَّة في النظرية المعرفيَّة أنَّ الإنسان يسلك بحَسَبِ ما يفكر، وفي ميدان ممارسة العلاج الذاتي ينصبُّ جزء من دور المعالج على تدريب الأشخاص لتعديل مُحتَوَى أفكارِهم (أي ما يقولونه لأنفسهم) في مواقف الحياة المختلفة، خاصَّة المواقف التي تستثير الاكتئاب، والقلق، والمخاوف، وعدم الثقة.. إلخ؛ ذلك لأنَّنَا نعرف – مِمَّا عَرَضْنَاهُ من قبل – أنَّ كُلَّ تَصَرُّف عصابي؛ كالقلق مثلاً من التعبير عن النفس أمام الآخرين، إنما يتأكد من خلال الأفكار التي يرددها الشخص بداخله، فما يردده الشخص، ومجموع حواراته الداخلية مع النفس، هي التي تستثير شتى المشاعر في شتى المواقف، ولأمر ما تنبه الأدباء والروائيون منذ القدم إلى ما تلعبه الحوارات الداخلية في توجيه الشخصية، إن مسرحيات "شكسبير" على سبيل المثال تمتلئ بأنماط وشخصيات تمارس تلك الأحاديث الداخلية "المونولوجات" عند التعرض للكثير من جوانب النشاط؛ كالعدوان (عند عُطَيْل)، والوشاية (عند إياجو)، والاكتئاب (عند هَامْلِت).
وفي ميدان العلاج الذاتي يطلب من الشخص أن يتبنى محتوى من العبارات الداخلية ذات الطابع التكيفي، قبل تعرُّضه لمصادر القلق والاكتئاب، كأن يستعيض الشخص عن العبارة "إن ما سأقوله تافه ومثير للسخرية" قبل إلقائه لخطاب، أو إعلانه عن رأي أمام مجموعة بعبارة ذات محتوى تكيفي مثل "لا بأس من الكلام، ولا يهم ما سأقوله؛ بل يجب أن أقوله".

ومن الطرق المرتبطة بأسلوب تعديل المحتوى الفِكري والحوار الداخلي، ما يسمى بالإيقاف المتعمد للأفكار غير المرغوبة، إذ يطلب المعالج من طالب العلاج أن يفكر بطريقة متعمدة في الفكرة التي تسبب له التعاسة والضيق (إنني إنسان غير مفيد، أو إن أهلي يريدون التخلص مني، أو إنني فقدت جاذبيتي وقدرتي على التأثير في الآخرين.. إلخ)، ثم يطلب منه بعد ذلك أن يشير بإصبعه عندما تكون الفكرة قد تبلورت، وفَوْرَ ظهور الإشارة الدالة على تكوُّن الفكرة وتبلورها، يهتف المعالج "توقف الآن عن هذا"، وتُبَيِّنُ الحالات التي استخدمت معها هذه الطريقة أن الفكرة التي تتكون عندما يهتف المعالج "توقَّف" تختفي من الذهن.

أما لماذا تختفي الفكرة أو التصور المرضي عندما يأتي الأمر بالتوقف، فالأمر بسيط وسَبَقَ أن أشرنا إلى المبدأ الذي يفسِّره، ولكن في إطار آخَرَ، لقد سبق أن تحدثنا عما يسمَّى بمبدأ الكف المتبادل، وبيَّنَّا أن الشخص لا يمكن أن يكون قلقًا ومطمئنًا في وقت واحد، أي أنه لا يمكن أن يشعر بشعورين متناقضين في نفس الوقت، ولهذا فنحن نعلمه أن يسترخي عندما يواجهه تهديد نفسي معين، وهذا الاسترخاء يكف قلقه أو تخوفه، الذي اعتاد أن يواجه به مثل هذه التهديدات.

ونفس الأمر ينطبق هنا على مجالات التفكير، فالشخص لا يمكن أن يفكر في فكرتين في وقت واحد؛ أي فكرته المرضية، وتركيزه على صوت المعالج، وهو يهتف: "توقف"! وبالطبع من الممكن استخدام هذا الأسلوب ذاتيًّا باستبدال أوامر المعالج بأوامر من الذات، وقد سجل "وولبي" نجاحًا عندما طبق هذا الأسلوب على نفسه إثر تعرضه لمشكلة قانونية مع شخص آخر، وبعد أن أمكن تذليلها صباح أحد الأيام، ففي نفس اليوم تملكته بعض الأفكار، وسيطرت عليه بعض الوساوس بأنه عالج المسألة بطريقة خرقاء، لقد أخذت هذه الفكرة تشغل ذهنه، وتستغرق تفكيره طوال اليوم، لهذا حاول في مساء نفس اليوم أن يقوم بعملية علاج ذاتي بأسلوب بلورة الفكرة التي تبعث على الضيق "معالجة المشكلة بطريقة خرقاء"، مع الهتاف العالي "توقفْ". وفي تعليق "وولبي" على ذلك يقول: "بالرغم من أن الأسلوب لم يُثْمِر معي في البداية؛ ربما بسبب سيطرة انفعالي الشديد، وضيقي بالموقف، فإنَّه أمكن لي أن أحقّق نجاحًا كاملاً في اليوم التالي، لقد أزيلت وساوسي وانمحت تمامًا"[14].

تلك إذًا هي بعض الوسائل المستخدمة على نطاق واسع لمساعدة الناس على توجيه ذواتهم، وتعديل جوانب سلوكهم، وأفكارهم واتجاهاتهم، وانفعالاتهم بحيث تمكن السيطرة على كثير من أفعال القلق والخوف، والاكتئاب، وغيرها من اضطرابات، قد استنتجنا – دون شك – آثارها المدمرة على حياة الإنسان، وهناك الكثير من هذه الأساليب؛ ولكنها أكثر تعقيدًا من الناحية التكنيكية بما لا يناسب هذا المجال.

أما وقد أصبحت لدينا الآن بعض الحقائق الرئيسة عن هذا الميدان، فقد بقي تعليق أو تعليقان يتطلبان الإضافة:
فمن ناحية قد تأخذ هذه الأساليب مظهر البساطة والهزل؛ لكن فاعليتها لن تظهر على الإطلاق ما لم تُحْمَل محمَلَ الجِدِّ الخالصِ، والجهد في تنفيذها؛ عندئذ ستتحول بساطتها الظاهرة إلى أمر مستساغ ومفيد.
ثم إن هناك بعض الجوانب الإيجابية التي صاحبت ظهور أساليب العلاج الذاتي؛ فمن ناحية لا يقتصر استخدام هذه الطرق على حالات المرضى، أو المحجوزين في المستشفيات، أو الذين يذهبون للأطباء النفسيين طلبًا للعلاج من المخاوف المرضية المحددة؛ بل إنها تستخدم بنجاح كبير في مختلف أنواع الاضطرابات، وسوء التكيف، طالما وجد الدافع للتغيير.

وبالنظر إلى تلك الأساليب على أنَّها مظهر من مظاهر التطوُّر في حركة العلاج السلوكي، أصبح من الواضح أنه لن تكون هناك مشكلاتٌ أخلاقيةٌ تثار ضد العلاج السلوكي بنفس الحِدَّة التي كانت تثار بها منذ سبع أو عَشْر سنين؛ فالشخص الذي يمارس هذه الأساليب يأتي طالبًا المشورة شخصيًّا، كما أنه يتصرف وَفْقًا لإرادته الخاصَّة الحُرَّة، إنه يأتي وهو مستعِدٌّ لأن يفعل ما يستطيع لكي يتخلص من تعاسته، وهو عندما يمارس هذه الأساليب يمارسها دون ضغط من المعالج، ودون أن يزج شخص خارجي (ولو كان المعالجَ النفسيَّ) بقيمه واتجاهاته، بطريقة قد تكون مصدرًا للتحوُّطات الخلقية.

وعلى أية حال: فنحن نشعر بالرضا التامِّ إن كنا قد نجحنا في أن نقدم في هذا الكتاب للقارئ ما يكفي أن يطلعه على صورة من الانتصار العلميّ في ميدان كان من العسير – بسبب تاريخ طويل منَ الخرافة أحيانًا، والخداعات شِبْهِ العلمية أحيانًا أخرى – أن يقدم العلم فيه انتصارًا مماثلاً لانتصاراته في الميادين الأخرى، ورغم أن النصر قد يبدو ضئيلاً إذا ما قِيسَ بالمشكلات المثيرة للتحدي، التي تطرحها الحياة بدأب، فإننا نعتقد أن جهد المحاولة، وبعض النتائج المتجمعة، تبشر بأن خطانا قد وضعت في الطريق الصحيح، أجل الطريق الصحيح ليس أكثر!.


[1]   للاطلاع على نظريات وآراء "كارل روجرز" يمكن الرجوع بين عشرات المؤلفات والكتب إلى الكتابين الآتيين احتويا على أفكاره الرئيسة:
[2]   تمشيًا مع نظريته الإنسانية لا يستخدم "كارل روجرز" كلمة مريض؛ بل يفضل بدلاً منها كلمة عميل client
[3]  A. Rogers.C.Counseling and Psychotherapy: newer Concepts in Practice Boston: Houghton.   1942. 
B – Rogers. C. Client – Centered therapy: Its current implications. and theory – Boston : Houghton.   1951.
[4]   يشير بهذا إلى تأثير البيئة الواحدة على شخصين يختلف باختلاف الطريقة التي يدرك كل منهما بها بيئته وعالمه، بالطريقة التي أشرنا لها في الفصل السابق عن تعديل أساليب التفكير.
[5]  Bandura. A. Principles of behavior modification: New York : Holt, 1969  .
[6]   الإنسان يضبط سلوك إنسان آخر من خلال خلق شروط ملائمة تساعده على إحكام قبضته؛ مثل العقاب، والترغيب، وخلق احتياجات في الشخص الذي نرغب في التحكم فيه، أو تدعيم استجابات الخضوع.. إلخ.
[7]   Skinner. B. F Science and human behavior. New York :Macmilan,   1953.
[8]  Cautela J.R Treatment of compulsive behavior by covert sensitization. Psychological Record,   1966   .   16   .   33   –   41.
[9]  cautela . J. R Behavior therapy and self – control . inc – franks and co. Wilson) eds. Behavior therapy: Appraisal and status. New York: Mc Graw – Hill .   1969   (pp.  323   ,   340)
[10]  Hagen . R . Behavioral Therapies and the treatment of schzophrenics Schizophrenia Bulletin   1975  :   13  .pp.  70   –   96.
[11]  Gutman . m & Marston . A. Problems of subject's moti – vation in abehavioral Program for the reduction of cigarette smoking . psychological Reports   1967  ,   20  ,   1107   –   1114
[12]  Ellis, A. The essence of rational psychotherapy: A Com – prehensive approach to treatment New York: institute for Rational Living.   1970.
[13]  عن تأثير العقاب والصدمات الكهربائية – الذاتية في علاج الفصام انظر:
Hagen . R. op. cit.   1975
[14]  انظر ما في ذلك مرجع ولبي:
Wolpe. J. & Lazarus .A. Behavior therapy techniques, New York: Pergamon,   1966. 
كذلك للمزيد عن أساليب الضبط الذاتي وتوظيف العلاج السلوكي في ميدان العلاج الذاتي انظر:
Mahoney . M .J Clinical issues in self – control training – Paper presented at the American psychological Asscitation , Montreal . August .   1973. 
Mahoney . M .J Toward an analysis of coverant control Behavior Therapy,   1970   ,   1  ,   510. 
Mahoney . M .J & thoresen C.F Self – control: Power to the Person, Belmont Calif: Brooks/ cole ,   1974




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في مرض السكر .. الوقاية خير من العلاج دائمًا
  • الأبحاث الدوائية
  • الطب والعلاج بين الإسلام واليهودية والنصرانية
  • الخلل المنهجي لدى فرويد في تأصيل الإباحية باسم العلم

مختارات من الشبكة

  • العلاج الديني لعلاج الأمراض وتفريج الكربات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإصابة بالعين: ثبوتها، أدلتها، آثارها، علاجها، المبالغة في الخوف منها، وأسبابه وعلاجه(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الإصابة بالعين: ثبوتها، أدلتها، آثارها، علاجها، المبالغة في الخوف منها، وأسبابه وعلاجه(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • علاج التأخر اللغوي لدى الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية باستخدام بعض فنيات العلاج السلوكي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العلاج الجيني ونقل الخلايا الجسدية لأغراض الوقاية والعلاج(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • كيف فهم العلماء نصوص الطب النبوي؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أمراض القلوب وعلاجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانهزام النفسي: أسبابه وعلاجه (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة لطارق طلال محسن عنقاوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعافيت من الشذوذ وارتبطت بفتاة متبلدة المشاعر(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
3- العلاج بالتظليل
صفاء - مصر 18-03-2009 12:53 AM
جزاكم الله خيرا بس ممكن تعرضوا بقية العلاج مثل العلاج بالتظليل والاسترخاء وياريت لو بامثلة وانشطة تربوية ضروري
2- وصفة قرآنية لضيق الصدر
أبو محمد - المغرب 11-06-2008 08:33 PM
سيدي؛
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
جزاكم الله خيرا وشكر الله سعيكم، وكل جهد يسعى للتخفيف ضرر المؤمنين فهو مأجور بإذن الله.
وكأني فهمت من كلامكم واقتراحاتكم، كأنكم تبحثون علاجا للصرع عبر وسائل لا تمت بصلة للرقية الشرعية، مؤكدين كل التأكيد على ضرورة التزام نصائح علم النفس وأرى عكس ما ترون.
فماذا يعني أن تعاني مسكينة في المستشفى طيلة 13 سنة ؟
إن ما وصفتموه من علاج لضيق الصدر من استرخاء إلى غير ذلك فما هي إلا أمور ترقيعية هكذا أظنها وهاك البديل إن شاء الله:
يحدثنا القرآن الكريم عن أسباب ضيق الصدر فيقول {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 125]
وهو شأن من شؤون الضالين ونتساءل فما شأن المسلم.
اـ إنه حينما يكون مع المسلم الشياطين فهو يشعر بشعورهم ويحس بإحساسهم.
2ـ قد يكون ذلك من جراء إذابة الناس بأقوالهم كما جاء في قوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }[الحجر : 97]
وفي كلتا الحالتين نأخذ العلاج من وصفة قرآنية مفادها : {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ98][َاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [ 99] }الحجر
فعلاج هذه الظاهرة هي الدخول في التسبيح ليخرج من حال إلى حال أحسن من الأولى، ثم يكثر من سجود النفل ويبقى على الحال هذه حتى ينجلي الأمر وتعود السكينة التي هي الأصل,
وهذه الوصفة لعلاج ضيق الصدر وأنه لا يستمر في غالب الأحيان أكثر من أسبوع,
هذا وفضلا عن الإكثار من الاستغفار فهو يذهب بعذاب الله وإذا صرف الله عنا عذابه
فمن يقوى على التسلط علينا؟
ولعلاج الصرع أسباب أخر تأتي في مراسلة أخرى إن شاء الله, والسلام عليكم
1- تقدير وتنويه
أبوسعد بوشعيب - المغرب 08-01-2008 04:17 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد, فإنها دراسة تستحق التقدير للقائم بها, والتنويه على إثارتها. وذلك لما تتضمنه من فوائد جمة, ومعلومات قيمة, وطرق ناجعة, أحوج ما يكون الإنسان إليها ... فبارك الله فيكم, وجعل هذه الدراسة وهذا البحث في ميزان حسناتكم ..
وفقكم الله وأعانكم وسدد خطاكم
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب