ترجمة الإمام عطاء بن أبي رباح رحمه الله

ترجمة الإمام عطاء بن أبي رباح رحمه الله

اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:

هو شيخ الإسلام، العالم الفقيه الثقة، مفتي أهل مكة في زمانه[1]، أبو محمد[2]، عطاء بن أبي رباح مولى آل أبي خثيم القرشي الفهري الْمَكِّيّ، واسم أَبِي رباح أسلم[3]، وأمه بركة[4].

مولده ونشأته ووفاته:

مولده:

ولد عطاء بن أبي رباح في الجَنَد[5] من مخاليف[6] اليمن[7] في خلافة عثمان رضي الله عنه، سنة سبع وعشرين[8].

يقول عن نفسه: أعقل قتل عثمان[9].

وقال عمر بن قيس: سألت عطاءً: متى وُلِدت؟ قال: لعامين خلوَا من خلافة عثمان[10].

نشأته:

نشأ عطاء بمكة نشأة علمية، ويدل على ذلك أنه كان مُعلِّم كُتَّاب، وكان لنشأته في مكة أثر كبير في تكوينه العلمي، وذلك أن مكة يقصدها العلماء للحج والعمرة فلم يكن يحتاج إلى الرحلة في طلب العلم إلى غيرها، ومما يدل على ذلك أنه كان أعلم الناس بالمناسك[11].

وفاته:

توفي عطاء بن أبي رباح رحمه الله بمكة في رمضان[12] سنة أربع عشرة ومائة[13] على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقيل: سنة خمس عشرة ومائة[14] ، وقيل: سنة سبع عشرة ومائة، وكان عمره حين توفي ثمانيًا وثمانين سنة[15].

طلبه للعلم ورحلاته:

طلب الإمام عطاء بن أبي رباح رحمه الله العلمَ في صغره، واجتهد في تحصيله، وتتلمذ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولازم بعضهم؛ كابن عباس رضي الله عنهما، ثم تولى حلقة الفتيا في مكة بعد وفاته[16] ولم يزل مجتهدًا في طلب العلم حتى توفي.

ولم يذكر للإمام رحمه الله رحلات سوى رحلته إلى المدينة؛ قال مالك بن أنس: رأيت عطاء بن أبي رباح دخل المسجد، وأخذ برمانة المنبر، ثم استقبل القبلة[17].

شيوخه:

اجتمع لعطاء رحمه الله تعالى من الأسباب التي جعلته من علماء الأمة المبرزين، ولعل من أبرز هذه الأسباب أخذه العلم عن عدد كبير من العلماء، ويرجع السبب في ذلك إلى ما يأتي:

أولًا: أنه أدرك عددًا كبيرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم[18].

ثانيًا: نشأته وطلبه العلم في مكة، ورحلته إلى المدينة، ومكة والمدينة يقدم إليها العلماء من كل مكان، فكان ذلك رافدًا لعطاء في طلب العلم[19].

ثالثًا: المدة الزمنية الطويلة التي عاشها، وهي ثمانٍ وثمانون سنة.

ويصعب حصر شيوخه لكثرتهم، ومن أبرز من أخذ عنه عطاء من الصحابة: عائشة، وأم سلمة، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، ورافع بن خديج، وزيد بن أرقم[20]، ومن أبرز من أخذ عنه عطاء من كبار التابعين: عبيد بن عمير، ويوسف بن ماهك، وسالم بن شوال، وصفوان بن يعلى بن أمية، ومجاهد، وعروة، وابن الحنفية، وابن أبي مليكة[21].

تلاميذه:

كان لعطاء رحمه الله حلقة في المسجد الحرام، فكان يسمع منه كل من يقدم إلى مكة ممن يريد الحج والعمرة، فانتشر علمه في الآفاق، وروى عنه جملة من أكابر العلماء؛ كمجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار، والزُّهْري، وقتادة، وعمرو بن شعيب، ومالك بن دينار، والحكم بن عتيبة، وأمم سواهم[22].

عقيدته:

كان عطاء بن أبي رباح رحمه الله من أكابر علماء السلف؛ ومما يدل على نقاء عقيدته أنه أخذ العلم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابن جريج، قال: "رأيت عطاء يطوف بالبيت فقال لقائده: امسكوا واحفظوا عني خمسًا: القَدَر خيره وشره، حلوه ومره، من الله تعالى ليس للعبد فيه مشيئة ولا تفويض، وأهل قبلتنا مؤمنون، حرام دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنعال لا بالسلاح والشهادة على الخوارج بالضلالة[23].

وعن معقل بن عبيد الله الجزري، قال: "قلت لعطاء بن أبي رباح: إن ها هنا قومًا يزعمون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، فما هذا الهدى الذي زادهم الله؟ فقلت: ويزعمون أن الصلاة والزكاة ليستا من دين الله، فقال: وتلا: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، فجعل ذلك دينًا[24].

وقال أبو حنيفة: لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فرَّقوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا؟ قلت: نعم، قال: فمن أي الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب: فقال عطاء: عرَفت فالزم[25].

آثاره العلمية:

لم أجد للإمام عطاء-رحمه الله- أي كتاب من وضعه، وذلك من خلال البحث في ترجمته وكتب الفهارس التي عُنيت بذكر المصنفات ومؤلفيها، وذلك يرجع إلى عدم اشتغال العلماء بالتصنيف في عصره، واهتمامهم بنقل العلم بالرواية والإسناد لقربهم من عهد النبوة.

وتنحصر آثاره العلمية فيما دوَّنه أهل العلم من أقواله في مصنفاتهم؛ ككتب التفسير والحديث والكتب الفقهية التي تُعنى بنقل مذاهب العلماء واختلافهم، ونحو ذلك.

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

كان عطاء بن أبي رباح رحمه الله من أوعية العلم، ومن العلماء الذين شُهِدَ لهم بالرسوخ في العلم، وقد بلغ رحمه الله مرتبة الاجتهاد، وكان أعلم الناس بالمناسك.

وقد حظي بثناء العلماء عليه في عصره وبعده، وما نال ذلك بعد توفيق الله تعالى إلا بالصدق والرسوخ في العلم واشتغاله بتعليمه، ومما جاء في ثناء العلماء عليه:

• قال الشافعي: ليس في التابعين أحد أكثر اتِّباعًا للحديث من عطاء[26].

• قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين: ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء بن أبي رباح[27].

• قال إبراهيم بن عمر بن كيسان: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحًا يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رَباحٍ[28].

• قال يحيى بن معين: عطاء بن أبي رَباحٍ ثقةٌ[29].

• قال النووي: اتفق العلماء على توثيق عطاء بن أبي رَباحٍ وجلالته وإمامته[30].

• قدِم ابن عمر مكة فسألوه، فقال: تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رَباحٍ[31]!