• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

حوار النبي مع غير المسلمين: الآداب والأهداف

يوسف الشاطر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/9/2018 ميلادي - 6/1/1440 هجري

الزيارات: 26733

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين

الآداب والأهداف

 

مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

يعتبر القرآن الكريم من أبرز الكتب وأكثرها تأكيدًا على الحوار والتواصُل والتعارُف ودعوة إليه؛ فهو يحفل بعشرات المواقف الحوارية التي شغلت مئات الآيات من كتاب الله تعالى، ولم تقتصر دعوة القرآن إلى ذلك على المسلمين فقط؛ بل شملت جميع الناس أيًّا كانت عقيدتهم، أو لسانهم، أو ثقافتهم؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13].

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أول المطبقين لهذه الدعوة القرآنية، والمجسِّدين لها على أرض الواقع؛ حيث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم مجموعة من الحوارات والنقاشات مع غير المسلمين، كما ثبت ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، ومع اتِّساع رقعة البلاد الإسلامية وتزايُد عدد المسلمين، اتَّسع الحوار والتواصُل بين المسلمين وغيرهم، وتزايَد حجمُه، وتسارعت وتيرتُه وتنوعت أشكالُه.

 

أما في وقتنا هذا فقد أصبح التواصل والحوار بين المسلمين وغيرهم من المسلَّمات، ومن ضروريَّات العيش المثمر والفعَّال؛ ذلك أن عالم اليوم يعرف ثورة معلوماتية حوَّلته إلى قرية صغيرة، ووضعت سكَّانه وجهًا لوجه، كما فرضت الظروف الاقتصادية والثقافية التي يعرفها على الناس التواصُل والتعارُف فيما بينهم على اختلاف ألسنتهم وأجناسهم وثقافاتهم وأديانهم، فلم يحِدْ عن هذا التواصل والانفتاح إلا بعض القبائل في أدغال إفريقيا والأمازون؛ بل إن هذا التواصل بعدما كان قاصرًا على فئات معينة في المجتمع - مثل الدبلوماسيِّين ورجال الأعمال، والإعلاميين والرياضيين - صار اليوم مُتاحًا للجميع بفضل مواقع التواصُل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وتزايد حركة السياحة والتجارة العالمية، والهجرة وغيرها، كما صار سهلًا مُيسَّرًا بعدما كان صعبًا عسيرًا.

 

إلا أن الملاحظ هو أن ما يُميِّز حوار المسلمين في عصرنا هذا مع غيرهم أمران أساسيان، إذا حضر أحدهما غاب الآخر، الأمر الأول هو أن هذا التواصل والحوار غالبًا ما يكون بعيدًا عن الآداب والضوابط العامة للحوار؛ إذ نرى فيه تحاملًا على الآخر، وانتقاصًا من قدره، وقد يصل الأمر إلى السبِّ والشتم والتهديد.

 

فإذا حدث وسار الحوار بشكل سليم، وَفْق آدابه وضوابطه، وجدته حوارًا دنيويًّا محضًا، لا أثر فيه للدعوة إلى الله وإلى دين الإسلام، وهذا هو الأمر الثاني الذي يُميِّز حوار المسلمين مع غيرهم.

 

وهذا كله خلاف ما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم في حواره مع غير المسلمين، فالناظر إلى ذلك الحوار النبوي سيخرج بنتيجتين رئيسيتين؛ هما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتزم الأدب والأخلاق السامية في حواره مع غيره من جهة، ولا يُفوِّت فرصة الدعوة إلى الله تعالى من جهة أخرى، وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

وسنحاول في هذا البحث سرد أمثلة من حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، لبيان ما يقع لكثير من مسلمي اليوم من خطأ في حواراتهم مع الآخر المخالف في العقيدة.

 

نعرض الحوار أولًا، ثم نستخرج منه الآداب التي تحلَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وملامح دعوته إلى الله تعالى.

ونظرًا لكثرة حواراته صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، سنورد ثلاثة أمثلة متنوعة جمعته بمختلف الأجناس والأعراق والأديان التي كانت موجودة في زمانه، وهم: النصارى، واليهود والمشركين.

 

أولًا: حواره صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي النصراني:

أ: نص الحوار:

"... وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، ثم قال: ((إيه يا عدي بن حاتم الطائي، أسلِم تَسْلَم))، فقال عدي: إني على دين، قال: ((أنا أعلم بدينك منك، ألم تكن ركوسيًّا؟[1]))، قال عدي: بلى، قال: ((أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟[2]))، قال عدي: بلى، قال: ((فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك))، قال عدي: أجل والله... فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتَّبَعَه ضعفةُ الناس، ومن لا قوَّةَ له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟))؟، قال عدي: لم أرها وقد سمعتُ بها، قال: ((فو الذي نفسي بيده، ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، وليفتحنَّ كنوز كسرى بن هرمز))، قال عدي: كسرى بن هرمز؟ قال: ((نعم كسرى بن هرمز، وليبذلنَّ المال حتى لا يقبله أحدٌ))"[3].

 

ب: آداب الحوار:

من جملة الآداب التي تحلَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم في حواره مع عدي نجد:

• إعطاء قيمة للمخاطب، وتجلَّى ذلك في مناداة النبي صلى الله عليه وسلم لعدي باسمه واسم أبيه، ومعلوم ما في ذلك من تكريم وتشريف من جهة، واستثارة للمشاعر واستمالة من جهة أخرى.

 

• المعرفة الدقيقة بدين الآخر، وتجلَّى ذلك واضحًا في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعلم منك بدينك))، وكذلك في قوله: ((فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك))، وهذه نقطة مهمة جدًّا يهملها كثيرٌ من الناس ومن الدُّعاة عند حوارهم مع غير المسلمين، ذلك أن معرفتهم بدينهم تكون سطحية مما يجعل تأثيرهم أقل وأضعفَ.

 

• مراعاة مقام المخاطب؛ فعدي بن حاتم الطائي كان زعيم قبيلة طيِّئ، وابن واحد من أشهر العرب وأكثرها كرمًا وجودًا؛ ولذلك خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بلغة تُلائم مستواه وتفكيره، فذكر له أن الإسلام سيصبح قويًّا، وذكر له كنوز كسرى بن هرمز وكثرة المال.

 

• عدم فرض الرأي بالقوة، فرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب عدي من موقع قوة ونفوذ، فإنه لم يلجأ معه إلى أي وسيلة من وسائل الإكراه المادي، أو العنف، أو التهديد.

 

ج: أهداف الحوار:

بدت الدعوة إلى الله تعالى واضحةً وضوحَ الشمس في هذا الحوار ((أسلم تسلَم))، والعجيب في هذه الدعوة أمران: الأمر الأول هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بها الحوار مباشرة دون مقدمات، أو تمهيد، وهو ما قد يعتبر لدى البعض عملًا ارتجاليًّا بعيدًا عن التخطيط، ولكن تتمَّة الحوار بيَّنت أنه كان عملًا حكيمًا أعطى ثماره في نهاية الحوار.

 

والأمر الثاني هو إيجازها واختصارها الشديد؛ ذلك أنها اقتصرت على كلمتين اثنتين ((أسلم تسلَم))، وفي ذلك إشارة نبوية إلى ضرورة الابتعاد عن الإطناب في الدعوة إلى الله تعالى، وأنها يجب أن تكون خفيفة الحمل، لينة الألفاظ، مبشرة لا مُنفِّرة.

 

حواره صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة:

أ: نص الحوار:

يقول عتبة بن ربيعة وهو يُساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك الإسلام: "يا بن أخي، إنك منَّا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيتَ قومَك بأمر عظيم، فرَّقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به مَن مضى مِن آبائهم، فاسمَع مني، أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ يا أبا الوليد، أَسْمَع))، قال: "يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدناك علينا؛ حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنت تريد به مُلكًا ملَّكناك علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رِئيًا تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبْرِئك منه؛ فإنَّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه".

 

حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله يستمع منه قال: ((أَقَدْ فَرَغْتَ يا أبا الوليد؟))، قال: نعم، قال: ((فَاسْمَعْ مِنِّي))، قال: أفعَل، فقرأ: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم* حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ [فصلت: 1- 5].

 

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: ((قَدْ سَمِعْتَ يا أبا الوليد ما سَمِعْتَ فأنت وذاك))، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: "نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به"، فلما جلس إليهم قالوا: "ما وراءك يا أبا الوليد؟"، قال: "ورائي أني قد سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قطُّ، والله ما هو بالشِّعْر ولا بالسِّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني، واجعلوها بي، وخَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليَكُونَنَّ لقوله الذي سمِعتُ منه نَبَأٌ عظيم، فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وإن يظهر على العرب، فمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعدَ الناس به"، قالوا: "سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه"، قال: "هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم"[4].

 

ب: آداب الحوار:

يجسد هذا الحوار بامتياز الأخلاق الرفيعة والسامية للرسول صلى الله عليه وسلم، والتطبيق العملي لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ومن آداب هذا الحوار نجد:

• الحفاظ على هدوء الأعصاب وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، فرغم أن عتبة بن ربيعة وجه للنبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من التهم التي هو منها براء، فإنه لم ينفعل، ولم يرد عليه بمثلها، بل تقبَّلها بصدر رحب، وهذا بخلاف ما نراه اليوم في كثير من المناظرات العلمية بين المسلمين وغيرهم؛ حيث تتحول المناظرة إلى حلبة مصارعة كلامية، وتبادل للتهم والإساءات، وتنابز بالألقاب.

 

• الاستماع وحسن الإنصات، وتجلَّى ذلك واضحًا في قوله صلى الله عليه وسلم لعتبة: ((قل يا أبا الوليد اسمع))، وهذا الاستماع يكون حتى لو كان كلام المحاور غير مقبول ولا مستساغ كما هو الحال مع عتبة، ثم إن هذا الاستماع للمخالف يكون مدعاةً لاستماعه هو كذلك، وهو ما حصل فعلًا من عتبة؛ حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاسمَع مني))، قال "أفعل"، وهذا بخلاف ما نراه اليوم من حوارات يغيب فيها الاستماع للآخر المخالف؛ حيث نرى المتحاورين يتكلمان في آن واحد دون أن يستمع أحدُهما للآخر، مما يفقد الحوار أهميتَه ومقاصدَه.

 

• عدم الالتفات إلى ما ليس فيه أهمية، وتجلَّى ذلك في عدم اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بعروض عتبة، فلم يعطها من الوقت والأهمية حتى كلمة "أنا أرفض عروضك هاته"، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التركيز في الحوار على ما فيه أهمية، وما يحصل به التأثير.

 

• الاحترام والتقدير؛ حيث نادى النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بلقبه؛ بل بأحب الأسماء إليه "أبو الوليد"، ومعلوم ما في ذلك من ملاطفة وترقيق للقلب، وهو أمر يندر إن لم نقل: يستحيل وجوده اليوم في حوار المسلمين مع غيرهم.

ج: أهداف الحوار:

اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله مع عتبة أسلوبًا مختلفًا عمَّا اتَّبعه مع عدي، فإذا كانت دعوته لعدي بطريقة مباشرة واضحة مختصرة، فإنها مع عتبة كانت دعوة غير مباشرة اقتصرت على تلاوة آيات من القرآن الكريم كان لها وقع السحر على عتبة.

 

ولعل اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك راجع إلى مراعاة شخصية المخاطب، فعتبة كان شهيرًا بفصاحته، وكان من خطباء العرب وبُلغائهم؛ ولذلك خاطبه النبي بلغة القرآن التي أعجزت العرب أن يأتوا بمثلها، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اسمع لهذا الكلام يا عتبة ذا البلاغة والفصاحة، وقارنه بكلامكم؛ لتعلم أنه من عند الله تعالى، وليس من تأليف بشر عادي، ومن ثم فإنه يجب عليك أن تؤمنَ بهذا الإله.

 

ومما يُستفاد من ذلك أنه يجب على المحاور المسلم أن يُراعي شخصية المحاور، فيُركِّز على ما يمكن أن يؤثر فيه ويجذبه لدين الله تعالى، ولعل ما يؤكد فعالية هاته الطريقة دخول أفواج غزيرة من الغربيين في الإسلام في العصر الحديث بفضل تركيز الدُّعاة والعلماء على ما يُسمَّى بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة في دعوتهم لله تعالى؛ لأن الغربيين متشبِّعون بالعلم ويؤمنون به، فكانت دعوتهم إلى الله بهذا الأسلوب أبلغَ أثرًا وأكثرَ فعاليةً.

 

ثالثًا: حواره صلى الله عليه وسلم مع حبر من أحبار اليهود:

أ: نص الحوار:

عن أبي أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله حدَّثه قال: كنتُ قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله، فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمَّاه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اسمي محمد الذي سمَّاني به أهلي))، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أينفعك شيء إن حدثتك؟))، قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله بعود معه، فقال: ((سَلْ))، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هم في الظلمة دون الجسر))، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: ((فقراء المهاجرين))، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: ((زيادة كبد النون))، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ((ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها))، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: ((من عين فيها تُسمَّى سلسبيلًا))، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ((ينفعك إن حدَّثتك؟))، قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ((ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكَرَا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنَثَا بإذن الله))، قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيءٍ منه، حتى أتاني الله به))[5].

 

ب: آداب الحوار:

• هدوء الأعصاب وعدم الانصياع وراء الاستفزاز، فقد حاول الحبر اليهودي أن يستفزَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الحوار من خلال مناداته باسمه مجردًا، مما جعل ثوبان رضي الله عنه يدفعه دفعةً قويةً؛ ولكن الرسول لم يُبالِ بذلك؛ بل على العكس من ذلك أقرَّ اليهودي على قوله ووافَقه عليه، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التركيز على صلب الحوار وموضوعه الرئيسي، وعدم الالتفات إلى ما يمكن أن يجرَّ الحوار إلى أمور ثانوية لا فائدة منها.


• فسح المجال لأسئلة اليهودي وعدم وضع خطوط حمراء أمامه؛ حيث ترك النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي يسأل عما بدا له دون تحفُّظ أو حرجٍ، علمًا أن اليهود عُرِفوا بأسئلتهم المعجزة التي لا يستطيع الجواب عنها إلا نبيٌّ يُوحى إليه.


• البحث عن مصلحة الآخر وابتغاء نفعه، وتجلَّى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي: ((أينفعك شيء إن حدثتك))، وهذه مسألة في غاية الأهمية، تكاد تغيب في حوار المسلمين اليوم مع غيرهم، ذلك أننا نرى أن الهدف في كثير من الحوارات والمناظرات يكون هو إفحام الطرف الآخر، والتفوُّق عليه لغويًّا ومنطقيًّا، وإغراقه بالحجج والأدلة، لا الأخذ بيده والبحث عن مصلحته، فإذا علم الطرف الآخر أن الذي يُحاوره يُريد به خيرًا، كان ذلك مدعاة إلى الاستجابة له ولدعوته.


ج: أهداف الحوار:

غالبًا ما يقتنع اليهود بما يتوافق مع ما هو موجود في توراتهم، وهذا أمر يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك نجده في حواراته معهم يركز على هذه النقطة في دعوته لهم لدين الله، فيُجيبهم بما يُوحي به الله تعالى له كما وقع في سبب نزول سورة الكهف، وكما وقع في حواره هذا، وهو أمر أتى أُكُله مع الحَبر اليهودي الذي شهد بنبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم.


ومما يُستفاد من هذا الحوار في مجال الدعوة خاصة مع اليهود، أنه يجب على المحاور الداعي أن يكون على دراية تامَّة بدين اليهود وكتبهم التي تحتوي على كثير من الحقائق المتطابقة مع الإسلام، حتى يجعلها حجَّةً عليهم.

 

خاتمة:

هذه ثلاثة أمثلة فقط من حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر المخالف في العقيدة، تجلَّى فيها حُسْن الخُلُق، ولين الطَّبْع، وضبط النفس.


ثلاثة أمثلة قدَّمت لنا صورة النبي المحاور الذي يُعطي قيمة للآخر، ويحترم دينه ومعتقده، ويُراعي مقامَه وشخصيته، ويحترمه ويُقدِّره، ويحسُن الإنصات إليه، ويبتغي مصلحته ويرجو نفعه، ويفسح المجال أمامه لأي سؤال، ولا يفرض عليه الرأي بالقوَّة.


ثلاثة أمثلة أكَّدت لنا بصورة قطعية أن الهدف الأسمى من حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر هو الدعوة لله تعالى.


ثلاثة أمثلة عرضت لنا وصفةً شاملةً عما ينبغي التحلِّي به في الحوار مع المخالف.


وإذا استقرأنا واستقصينا جميع حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر، لخرجنا بموسوعة شاملة عن آداب وضوابط الحوار لا تكاد تجد لها تطبيقًا عمليًّا في عصرنا هذا.


ليتأكد لنا مجددًا كلما سبرنا أغوار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أنه شخصية عظيمة لن تجد لها نظيرًا أو مثيلًا على مرِّ العصور.



[1] الركوسية: طائفة مسيحية كان أصلها بالشام، قريبة في معتقداتها من الصابئة.

[2] المرباع: أخذ الربع من الغنيمة.

[3] ابن هشام أبو عبدالملك، السيرة النبوية، ضبط وتحقيق محمد علي القطب، ومحمد الدالي بلطة، ج4، ص192-194.

[4] سيرة ابن هشام ج1/ص293، 294.

[5] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الصغار
  • حوار النبي مع المشركين
  • الإعجاب بغير المسلمين والتشبه بهم
  • حكم استقدام غير المسلمين إلى جزيرة العرب
  • حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين لأجل السياحة
  • السفر إلى بلاد غير المسلمين لقضاء شهر العسل
  • الهدي النبوي في حسن المعاملة مع غير المسلمين
  • الأخلاق والآداب
  • التخطيط اليومي لتحقيق الإنتاجية: خطوات وعادات لبناء روتين فعال وإنجاز الأهداف

مختارات من الشبكة

  • حوار مع " بول موجز " حول الحوار بين المسيحيين والمسلمين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار مع فاطمة عشري مستشارة الصحة النفسية حول كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الحوار - طرفا الحوار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • محاذير الحوار (متى نتجنب الحوار؟)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحوار في الدعوة إلى الله (مجالات الحوار الدعوي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في مركب "حوار الحضارات": أي حوار وأية مقومات؟(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • الحوار المفروض والحوار المرفوض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار المفقود (تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدب السؤال في الحوار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مفهوم الحوار لغة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب