• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

هل المنفى شر كله؟ تجربة روهنجي مغترب في التوطن معرفيا

هل المنفى شر كله؟ تجربة روهنجي مغترب في التوطن معرفيا
إبراهيم حافظ غريب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2017 ميلادي - 6/12/1438 هجري

الزيارات: 4000

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل المنفى شر كله؟

تجربة روهنجي مغترب في التوطن معرفيًّا

 

سؤالان أطرحهما قبلَ أن أمضيَ في حديث التجربة الشخصيَّة والمجهود الذاتي لاكتساب هُوية مَعرفيَّة ذات صِبغة قوميةٍ بلغةٍ غير لغتي الأم:

• ما المنفى؟ وما الوطن؟

• هل يمكن أن يغدوَ المنفى خيرًا مِن الوطن؟

♦♦♦♦♦

 

أكثر ما أحمد اللهَ عليه بعد الإسلام وحِفظ القرآن - توفيقُه إياي في شأن القراءة الثقافية الحُرَّة؛ ذلك بأنِّي في مبتدأ عهدي بالقراءة خلال سِنِيِّ الطفولة، لم أَتَلَقَّ توجيهًا مباشرًا إلى المُطالَعة وصُحبة الكتاب مِن أحدٍ مِن الذين كانوا حولي؛ مِن أهل بيتي أو غيرهم.

 

لم يكنْ فِعلُ القراءة تقليدًا ثقافيًّا مُتَّبَعًا ولا مُتوارثًا في بيئةٍ مهاجرة حديثةِ عهدٍ بالاستقرار، متواضعةٍ تعليميًّا واقتصاديًّا، كالبيئة التي نشأتُ في وسَطِها، وإن كنتُ لا أُنكر وجودَ أفراد قلائل في تلك البيئة يَصرفون شيئًا مِن أوقاتهم في بعض نواحي القراءة ومجالاتها؛ خصوصًا في المجال الشرعي، وما يتصل به مِن عُلُوم.

 

أمَّا القراءاتُ الحُرَّة المتنوِّعة في شتى مجالات الثقافة، ومختلف ألوان المعرفة؛ فذلك شيءٌ لم أَعهدْهُ في تلك البيئة مِن أحدٍ خلال سني الطفولة الباكرة؛ ولذلك فإنه لم يكنْ مِن اليسير عليَّ في تلك الأيام الخالية أنْ أحظَى بما أشتهيه مِن كُتُبٍ ثقافية متنوعة، وذلك ما حدَا بي إلى تكوين مكتبتي الخاصَّة المتواضِعة التي كنتُ وما زلتُ أعتزُّ بها، وأحمد اللهَ عليها، وأُنفِقُ عليها مِن حُرِّ مالي، وشَهِدتُ بعيني كيف أنها نمَتْ معي، وتطوَّرتْ مثلي على مدى الأيام والسنين.

 

وأيُّ مالٍ هو أكثر حرية مِن الريالات التي تُمنَح لي لأصرفَها في المدرسة على غذاء الجسد، فأمسكها وأمسي جائعًا؛ لأصرفَها خارج المدرسة على الكُتُب والمجلَّات؛ إيثارًا مني لغذاء العقل على غذاء الجسد.

 

ولعل فيما أُعانيه في جسدي مِن بعض المَيْل إلى النحافة - التي لم تتغيَّرْ، ولم تَتَزَحْزَحْ كثيرًا حتى بعدَ الزواج - دليلًا مؤكدًا على هذه الجناية العقلية، التي ارتُكِبَتْ بوعيٍ وعن عَمدٍ، مع سَبْق الإصرار والترصُّد ضد هذا الجسد النحيل الذي يراه بعضُهم - أقصد بعضهنَّ -: "رشيقًا" خفيفًا!

 

وإنَّ قصة تكويني لمكتبتي ابتدأتْ منذ المرحلة المتوسِّطة مِن مراحل الدراسة، كنتُ يومَها أجمع الريال أضيفُه إلى الريال يومًا بعد يوم؛ لأتمكَّنَ مِن شراء نسختي من مجلة الأطفال الشهيرة: "ماجد"، بأربعة ريالات أقتطعهنَّ مِن مصروفي اليومي، بدلًا مِن تسلية نفسي وإزجاء طفولتي بما يَتَسَلَّى به الأطفال مِن هذه المُحلَّيات المتعدِّدة الأصناف والأشكال والأحجام والألوان، المتنوعة التكوين؛ ما بين سائلٍ، وجامدٍ، ومثلجٍ، و...!

 

ولا تَسَلْ عن متعتي بشراء المجلة يومئذٍ، ولا تَسَلْ عن بهجتي بمُطالعتها، وتقليب صفحاتها، والتأمُّل في صُوَرِها ورسومها وألوانها؛ بل حتى برائحة أوراقها، وأنا أشتمها كلما قلَّبتُ صفحةً منها!

 

ما خبَرُ هذه المجلة الآن؟ ما الذي فعَلَتْهُ بها يدُ الزمان؟ هذا الزمانُ الهائجُ المائجُ المُضطرِبُ بكلِّ هذه الأحداث والوقائع والفِتَن والقلاقل والحروب المُدمِّرة لكل شيءٍ جميلٍ، ولكل معنًى بهيجٍ في عالَمِنا العربيِّ القبيح!

 

وعذرًا عن هذا الوصفِ القاسي المتمرِّد، ربما عن حدود اللياقة وأدبيات المُجامَلة؛ ولكنه الوصفُ الحقيقيُّ الذي لا يعدو الواقعَ المُرّ، ولا يُجاوز الحال البائسة التي وصَل إليها هذا الجزءُ المجنونُ مِن عالَمِنا المُتَحَضِّر.

 

كانتْ مجلة (ماجد) تَعِدُ قُرَّاءَها من أطفال العرب قبل عقدينِ مِن الزمان بمستقبلٍ عربيٍّ واعد، وبعالَمٍ عربيٍّ صاعدٍ، يُحقِّق فيه كلُّ العربِ أحلامَهم الوَردية النَّضِرة، أحلامَ النهضة والتنمية والتطوير والتقدُّم، ويَهْنَؤُون فيه بسلامِ العيش الحالم حُكَّامًا ومَحْكُومين، وها هي الآن يكشفها قارئٌ عربيٌّ (من أصول روهنجية) بعد كلِّ هذه السنين، ويضبطها متلبِّسة بجريمةِ إخلاف الوعد، الذي لم تكنْ صادقةً فيه حين أطْلَقَتْهُ وخَدَعَتْ به صغارَ القُرَّاء الأغرار، وانتهكتْ به براءةَ طُفُولتهم الباكرة.

 

مَن يَنْتَصِف لي من هذه المجلة التربوية العريقة، التي بذرتْ في نفسي أولى بُذور الثقافة والمعرفة، وكوَّنَتْني ووجَّهَتْني ثقافيًّا، وأَرْضَعَتْني حليبَ الإدمان على القراءة الثقافية الحُرَّة منذ وقتٍ مبكرٍ، ثم خَذَلَتْني مِن بعدُ في كل الأحلام العربية المنتظَرة بلهفة السنين الحالمة؟

بلى؛ فما زالتْ تَصْدُر هذه المجلةُ الحَيويَّة الشابَّة إلى اليوم، وأُتابع بعضَ أعدادها الأُسبوعية بين الحين والحين، ولكني أُلاحظ عليها الآن أنها خفَّفَتْ كثيرًا مِن غلوائها السابقة، وأنها لم تَعُدْ تُطلِق وُعودًا مجانيةً برَّاقةً كما كانتْ تفعل في الماضي، وجَنَحَتْ إلى شيءٍ مِن التواضُع الحزين الصامت، والأهم مِن كل ذلك أنَّ وَجْبَتَها الثقافية اللذيذة الدَّسِمة لم تَعُدْ الآن كذلك، ولم تنجحْ في الاحتفاظ بِوَهَجِها السابق المتلألئ، وإنْ نَجَحتْ في الاستمرار في الظهور إلى هذا الزمن العربي العصيب الذي بدأ يختفي فيه كلُّ معنى قِيَميٍّ جميلٍ، وكلُّ حلم مستقبلي بهيج!

 

تمامًا كما كنتُ مستمرًّا في متابَعة أعدادها - التي كنتُ أحتفظ بها في مكتبتي الناشئة - أسبوعًا بعد أسبوعٍ طيلة السنوات الثلاث مِن سنيِّ المرحلة المتوسِّطة، حتى إذا ما انتقلتُ إلى المرحلة الثانوية من دراستي، وترددتُ على المكتبة في مدرستي - تعرَّفتُ على بعض المجلَّات الثقافية العريقة الصادرة فيما كان يُسمى بالوطن العربي: الفيصل، والعربي، والمعرفة، والمجلة العربية، والمَنهَل، والبيان، والأدب الإسلامي.

 

واستأنفتُ عندها قصة شراء المجلَّات بما أمسكُه مِن مصروفي اليومي، أبقيه لهنَّ، ولا أصرفه فيما يَجِب عليَّ إنفاقه فيه مِن غذاء الجسد الجائع المَحروم! هل كان جائعًا محرومًا بالمعنى الحرفيِّ لكلمتَي: الجوع والحرمان؟

في الحقيقة كلَّا، لم يكن كذلك، فما كنتُ آخذُه مِن مصروفٍ يومي للمدرسة خلال المرحلة الثانوية، لم يكنْ يَحظَى بمثله كثيرٌ مِن لداتي وأقراني مِن أبناء الروهنجيا المهاجرين.

 

كان أبي تاجرًا كثيرَ العِيال مِن زوجتَيْه، وكان موفَّقًا مُباركًا له في تجارته الصغيرة حينها، وكان كريمًا مِعطاءً لا يَبْخَلُ على أهل بيته بما يجب عليه إنفاقه تجاههم، وكان فوق ذلك يُوسِّع لهم، ويُغدِق عليهم بما يَجعلُهم في بحبوحةٍ مِن العيش نسبيًّا، وكنتُ آخُذُ وقتها - مع إخوةٍ لي آخرين يدرسون مثلي - مبلغًا من المال يكفي لأتناولَ ببعضه فطوري، وأبقي بعضه الآخر لأشتري به مجلاتي.

 

وكنتُ أشتريهنَّ نهاية أو غُرّة كل شهر، وأظلُّ أقرأ فيهنَّ حتى يحين موعدُ إصدارهنَّ في الشهر التالي، ولا تَسَلْ عن متعتي بشرائهنَّ يومئذٍ، ولا تَسَلْ عن بهجتي بمطالعتهنَّ وتقليب صفحاتهنَّ، ولا تَسَلْ عن غبطتي بما أكتشفُه فيهنَّ مِن آفاقٍ رحيبةٍ، وعوالمَ جديدةٍ مِن عوالم الثقافة والمعرفة؛ لا عهدَ لي بها في البيت؛ ولا في المدرسة؛ ولا في الشارع؛ ولا حتى في التلفاز!

 

ومِن خلالهنَّ ومن خلال مكتبة المدرسة التي أدمنتُ التردُّد عليها، والاستعارة مِن كُتُبِها - بدأتُ أتعرَّفُ على الكُتُب الثقافية المتنوِّعة التي توسع طموحَ النفس إلى القدرة على شرائها واقتنائها في مكتبتي؛ ولكن أنى ذلك لطالبٍ في الثانوية لا دَخْلَ له مستقلًّا غير ما يأخذُه مِن أهله مِن مصروفٍ مدرسي؟

 

وزادتْ رغبةُ الاقتناء واشتَعَلَتْ حين أتممتُ الثانوية، وترددتُ بعدها على مكتبة الحرَم المكيِّ - في مبنًى كبيرٍ بشارع المنصور في مكة، قبل أن تُنْقَلَ إلى مبنى أكبر في العزيزية - طيلة سنةٍ كاملة، أستيقظ باكرًا كلَّ صباحٍ قبلَ موعد افتتاح المكتبة بساعةٍ، أمضي إليها مَشيًا على الأقدام بعد تناول الإفطار مسافة ربع الساعة، أدخلُها مع مُوظَّفيها أو بعدهم بلحظاتٍ، وأظل أتَنَقَّل فيها بين أقسامها المختلفة كمِثْل نحلةٍ طليقةٍ شغِفة، أتعرَّف إلى الإصدارات والعناوين المُسيلة لِلُعاب الاقتناء في داخلي، ولكن هيهات!

 

أغادر المكتبة في حَرِّ الظهيرة مَشيًا على الأقدام لأعودَ إليها بعد العصر مباشرةً، وأمكث بها إلى أن يحينَ إغلاقها بعد صلاة العشاء بقليلٍ، ولبثتُ كذلك طيلةَ سنة كاملة أتردَّد على المكتبة صباحًا ومساءً، لا أكلُّ ولا أمَلُّ؛ حتى منَّ الله عليَّ بالالتحاق بدار الحديث الخيرية في مكة، وحينها صار في يدي لأول مرة مكافأةٌ شهريةٌ تَبْلُغ مئات الريالات التي أنفقهنَّ كلَّهنَّ أو جُلَّهنَّ في شراء الكتب واقتنائها في مكتبتي الخاصة في البيت، ولم أعُدْ بعدها بحاجة إلى مغادرة البيت والتشرُّد بين المكتبات العامة سعيًا وراء الكتاب الممتنع في إباء عمن لا يملك له مَهْرًا مُجزيًا.

 

ولا تَسَلْ عن متعتي بشراء الكُتُب يومئذٍ، ولا تَسَلْ عن بهجتي بالتنقُّل بين المكتبات التجارية لانتقاء الأطايب منها، ولا تَسَلْ عن غبطتي بالعودة إلى البيت بيدينِ مثقلتينِ بأكياس الكتب، بل لا تَسَلْ عن لذتي باستغراق روحي وسياحتها بين مضامين الكتب وأفكار مؤلفيها.

 

ولكن ما هي إلا سنواتٌ ويفتح اللهُ على الناس نعمةً لم يكونوا يحلمون بها أو يَتَخَيَّلونها؛ ومع ذلك فإنهم يعيشونها اليوم واقعًا افتراضيًّا يتنقَّلون مِن خلاله إلى كل أنحاء العالم، ويتَّصلون به مع كلِّ مَن في العالم وهم قُعود في أماكنهم، لم يَتَحَرَّكوا ولم يَتَزَحْزَحُوا! نعمة وأي نعمة! لولا إلفُ العادة في الناس لما أمْكَنَهُم استيعابُها وهَضْمُها والاعتياد عليها بهذه السرعة؛ نعمة الإنترنت الخارقة! نعمة جعلَتْ مِن عالَمهم غرفةً صغيرة مكشوفةً لكلِّ مَن فيها بكل تفاصيلها ودقائقها، ومِن ورائها تأتي مواقعُ التواصُل الاجتماعي تَتْرَى في جهازٍ يدويٍّ صغيرٍ يضَعُه صاحبُه في جيبه متصلٍ بالعالم، يُغني صاحبَه عن استخدام جهاز كبيرٍ ثقيلٍ يَحمِلُه بيدِه حملًا!

 

وينشغل الناسُ به عن الناس، بل حتى عن أنفسهم، يتصلون به مع العالم كله مِن الأبعدين، ولا يكادون يتواصلون مع مَن حولهم مِن الأقربين! يُؤخَذون به على حين غِرَّةٍ، ويستغرقون فيه بكُليتهم، يسرق منهم جلَّ أوقاتهم وأعمارهم، ويخطف الألفة مِن لقاءاتهم، والمودَّةَ مِن علاقاتهم، والحضورَ مِن اجتماعاتهم، والسماحةَ مِن أخلاقهم، والبراءةَ مِن أطفالهم، يغدون كأنما هم كائنات آلية مثل أجهزتهم، وأغدو مع الناس حينًا مِن الدهر حيثما يغدون، وأُصرَف عن كتبي ومكتبتي إلا لمامًا بين حين وحين.

 

حتى إذا شبعتُ مِن الاتصال بالعالم، وأُتْخِمتُ بالتواصل مع كلِّ مَن في العالم الافتراضي دون الواقعي؛ إذا بي أكتشف مع الأيام مكتبةً إلكترونيةً ضخمةً مَبثوثةً بين ثنايا العالَم الافتراضي، مكتبةً إلكترونيةً هائلةً لا تَتَأَبَّى ولا تَتَمَنَّع على كلِّ راغبٍ فيها، لا تطلب منه لنفسِها مهرًا ولا ثمنًا أبدًا، إنما هي خدمةُ الإنترنت موصولة بجهاز الكمبيوتر، وبحثٌ في منصة جوجل عن الكتاب المرغوب بإدخال عنوانه أو اسم مُؤلِّفه، وفَتْحٌ لصفحة المصدر المُوفِّر للكتاب، وتحميلٌ له بضغطة زِرٍّ، وانتظارُ دقائق أو ثوانٍ معدوداتٍ تطول أو تَقصُر بحسب السرعة المتاحة مِن موفِّر الخدمة؛ وإذا الكتابُ المطلوب بين يدي قارئه قائمًا على الشاشة يُغريه باقتحامه والتهامه بنهَمٍ، يستعرضه مِن أوله لآخره ويُقلِّبه صفحة صفحةً دون أن يُرزأ فيه مِن ماله بشيء!

 

أي فتح ثقافي هذا؟ أي ثورة علمية هذه؟ وأي انفجار معرفي هذا؟ ولكن هل مِن مستفيدٍ في ظل المُلهيات والصوارف الكاسحة لأوقات مستخدمي الإنترنت ورُوَّاد مواقع التواصُل الاجتماعي؟

 

وأُحمِّل الكتاب بعد الكتاب بهذه الطريقة، وأضيف كتابًا إلى آخر يومًا بعد يوم، وسنةً بعد سنة، حتى تغدو عندي مكتبة إلكترونية كبيرة؛ بل صغيرة جدًّا داخل شريحة رقيقة لذاكرة إلكترونية في حجم إصبعٍ مِن أصابعي، أحملُها معي في جيبي أينما حللتُ أو سافرتُ!

 

وإذا مكتبتي الصغيرة النووية في جيبي تَحوي مِن الكُتُب أضعافَ أضعافِ ما تحويه مكتبتي الورقية في بيتي، والشيء الأهم في الموضوع أنها مجانيَّة لم أُنفِقْ في الحُصول عليها شيئًا مِن مالي، اللهم إلا ما كنتُ أُنفقه مِن دقائق وثوانٍ مِن وقتي في انتظار تحميلها على شريحتي؛ ولكني أصبحتُ أفتقد المتعةَ التي كنتُ أجدها في شراء الكتب بالمال قبل تحميلها مِن الإنترنت بالمجان! غدوتُ أفتقد البهجةَ التي كنتُ أستشعرها خلال مشاوير التنقُّل بين المكتبات التجارية لانتقاء الأطايب من ثمرات المطابع، بِتُّ أفتقد الغبطةَ التي كنتُ أستطعمها في نفسي وأنا أعود إلى البيت بأحمال الكتب الثِّقال؛ وإن بَقِيَتْ لي مع ذلك - ولا أنكر - لذةُ استغراق الروح الهائمة وسياحتها بين مضامين الكُتُب وأفكار الكتَّاب الماثلة أمامي على الشاشة الضوئية الساحرة!

 

أتوجَّه بالحديث هنا إلى الطفل الروهنجي المضطَهَد داخل أراكان المحتلَّة؛ لأُوَجِّه إليه هذا التَّسآل:

• هل كنتَ تُصبح مثلي أو أفضل مني ثقافيًّا بلُغتك الأم في وطنك لو حظيتَ بفرصةٍ تعليمية وتثقيفية كالتي حظيتُ بها بغير لغتي الأم في المنفى؟ هل كان الوطنُ المُحتلُّ خيرًا لك؟ هل كان المنفى بالنسبة إليَّ شرًّا كله؟ هل تستطيع أن تجيبني أو تقرأ لي وأنت البائس المُضطَهَد المَحروم من كل شيء.. كلِّ شيء فعلًا: الغذاء، والكساء، والدواء، والهواء، والطفولة، والتعليم، والوطن؟ هل تَتَجَرَّع من غصص الآلام داخل وطنك لافتقادك الحنان والأمان فيه كالذي أتجرعه منها في المنفى لنزوع النفس إلى الحنين الدائم للوطن؟ فيم هذا الحنين الدائم إلى وطنٍ يحرمني مِن كل شيءٍ لو عِشتُ فيه؟

♦♦♦♦♦

عودًا على بَدْءٍ:

• ما المنفى؟ وما الوطن؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حوار في المنفى ( قصيدة )
  • ما قبل المنفى بلحظة (شعر تفعيلة)

مختارات من الشبكة

  • المضارع المنفي بـ(لا) والمنفي بـ(ما)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الصين: سوء أوضاع مسلمي جوانتانامو الإيجور في المنفى(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الفعل الدال على الزمن الماضي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حالات الربط بواو الحال(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تخريج حديث: احلقه كله، أو دعه كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احلقوا كله أو اتركوا كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء البدريين من المهاجرين رضي الله عنهم(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تخريج حديث: يا بني عبد مناف، لا تمنعن أحدا طاف بهذا البيت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدلالة على المثبت بالمنفي عند المتنبي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صدر حديثاً (أثر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في التفسير) لأحمد مناف القيسي(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب