• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

معالم ولادة الفكر

معالم ولادة الفكر
د. جمال يوسف الهميلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2017 ميلادي - 24/11/1438 هجري

الزيارات: 4956

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معالم ولادة الفكر


قصتنا مع الفكر تبدأ مع بداية الإنسان ودخولِه هذه الحياة، ولكي نتعرف على تلك البداية، علينا الرجوع إلى خالق ذلك الإنسانِ، وماذا يقول عن تلك البداية:

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

 

فنحن نخرُج بتلك الصفات:

• ﴿ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾، فلا يوجد أيُّ معلومة، فالذهن خالٍ تمامًا، فهو ورقة بيضاءُ من حيث المعلومات.

• امتلاك ثلاث أدوات للمعرفة والإدراك ﴿ جَعَلَ لَكُمُ ﴾:

1- السمع، وفيه إثبات النطق؛ فإن مَن لا يسمع لا يتكلم.

2- الأبصار.

3- الأفئدة، وهو هنا موطن العقل والتفكير.

 

فبداية الفكر خالٍ، ثم تأتي الحواس[1] - (وأهمها السمع والبصر) - لتُسهم في رسم صور وألوان وأشكال الأشياء في ذهننا، فتنتقل تلك النفوسُ من الجهل إلى العلم عن طريق تلك الحواس.

 

ومع تقدُّم العُمر تزداد المرئيات والمسموعات، فتتضاعف كميةُ المعلومات، ومعها يبدأ الفؤاد (العقل) بالنمو وزيادة التفاعل مع الحياة.

 

من أعظم نِعم الله على عباده تعليمُ أبيهم آدمَ عليه السلام الأسماءَ: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة: 31]، ولك أن تتخيل لو لم يُعلمنا الله ذلك، كيف ستكون حياتنا؟

 

ويبقى سؤال مهم جدًّا هنا، وهو: هل يُولَد مِن الإنسان أمورٌ أخرى تتعلق بالفكر والسلوك؟ وبمعنى آخر: هل في الجينات الوراثية التي يتلقاها الابنُ من أبويه ما يكون ملازمًا له دون إرادته؟

 

وقد طرحنا هذا التساؤل؛ لكي نتأمل المنظومة الفكريَّةَ للإنسان، وبالتالي نستطيع أن نحدِّد ما الذي يُمكننا إعادة صناعته مما لا يُمكننا ذلك، وإنما نكتفي بالسعي في توجيهه؛ في صحيح مسلم وغيره: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس[2]: ((إن فيكَ خَصلتين يُحبهما الله: الحِلم والأناة)).

 

وفي بعض الروايات أنه قال: يا رسول الله، أنا أتخلَّقُ بهما، أم الله جبَلني عليهما؟ قال: ((بل اللهُ جبَلك عليهما))، قال: الحمد لله الذي جبَلني على خلَّتين يُحبهما الله ورسوله[3].

 

وفي رواية قال: يا رسول الله، كانا فيَّ أم حَدَثَا؟ قال: ((بل قديم))، قال: قلتُ: الحمد لله الذي جبَلني على خُلقين يُحبهما[4].

وهذا واضح الدلالة في أن هذين الخُلقين جِبِلِّيَّانِ؛ أي: دون تدخُّل من العبد نفسه، وإنما هبة ربانية.

 

فهل بقية الأخلاق تكون جِبليَّة؟

في صحيح البخاري: إن ناسًا من الأنصارِ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعْطاهم، ثم سألُوه فأعطاهم، حتى نَفِدَ ما عنده، فقال: ((ما يكون عندي من خيرٍ، فلن أدَّخِرَه عنكم، ومَن يَستعفف يُعفه الله، ومَن يَستغن يُغنه الله، ومن يتصبَّر يُصبره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر))، ففي هذا الحديث إشارة إلى إمكانية اكتساب خُلُق العفة والاستغناء والصبر، ثم تلميح إلى إعطاء الصبر، فهل هذا الحديث يتناقض مع حديث (أَشج عبدالقيس)؟!

 

طبعًا لا تعارُضَ، فالكل من مصدر واحد: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، فكيف يكون التوجيه إذًا؟!

الكثير من علمائنا قالوا: إن بعض الأخلاق جِبِليٌّ، وبعضها مكتسب؛ جمعًا بين الحديثين، وهذا يَنبني عليه سؤال آخرُ مرتبط به:

• ما الأخلاق الجِبليَّة؟ وما الأخلاق المكتسبة؟

• هل يمكننا حصر كلِّ صِنف منها؟

• على أي مستند نُثبت أن هذه جبليَّة، وتلك مكتسبة؟

 

نحن جميعًا نلاحظ اختلاف بعض السلوكيات في البيت الواحد وفي البيئة الواحدة، فهذا يغضب بسرعة والآخر حليم، وذاك متأنٍّ والآخر عَجُول، وغير ذلك من التفاوت في الأسرة الواحدة، بل إن البعض يكون تَوْءَمًا، ومن بطن واحد، وخرَجا في الوقت نفسه، وعاشا في البيت نفسه، ودرَسا في المدرسة نفسها، ومع هذا فثمَّة فرقٌ في أخلاقهما.

 

وثمة حديث آخر له ارتباط بموضوعنا، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عليكم بالصِّدقِ؛ فإن الصدقَ يهدي إلى البرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنةِ، وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ، حتى يُكتبَ عند الله صِدِّيقًا، وإيَّاكم والكذِبَ؛ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجورِ، وإن الفجورَ يهدي إلى النارِ، وما يزالُ الرجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ، حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا))[5].

 

ففيه تدرُّج واضح:

1- معلومة أهمية الصدق، وأنه يؤدي إلى الجنة.

2- يصدُق.

3- يتحرى الصدق.

4- يكتب "صِدِّيقًا".

 

وكذلك الكذب؛ مما يعني أن هناك مراحلَ وخطواتٍ لاكتساب خُلُق الصدق أو الكذب، فهل هذه المراحل والخطوات تنطبق على بقية الأخلاق؟!

 

في سورة الشمس يُقسم الله أحد عشر قسَمًا؛ ليُبين حقيقةً مهمة للنفس البشرية دون النظر إلى كونها فاجرة أم تقيَّة:﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 1 - 8].

 

وإليكم ما قاله المفسِّر الكبير الطاهر بن عاشور[6] في تفسيره "التحرير والتنوير": "ويطلق الإلهام إطلاقًا خاصًّا على حدوث علم في النفس بدون تعليم ولا تجربة ولا تفكير، فهو علم يحصل من غير دليلٍ؛ سواء ما كان منه وجدانيًّا؛ كالانسياق إلى المعلومات الضرورية والوِجدانية، وما كان منه عن دليل؛ كالتجريبيات والأمور الفكرية والنظرية"، ثم يقول: "والمعنى هنا: أن مِن آثار تسوية النفس إدراكَ العلوم الأولية، والإدراك الضروري المدرج ابتداءً من الانسياق الجِبلي نحو الأمور النافعة؛ كطلب الرضيع الثديَ أول مرة، ومنه اتقاء الضار كالفرار مما يُكرَه، إلى أن يبلغ ذلك إلى أول مراتب الاكتساب بالنظر العقلي، وكل ذلك إلهامٌ"؛ ا .هـ.

 

وهذا من رحمة الله بعباده وعدله معهم، فهو سبحانه قد منحهم من الأدوات ما يُعينهم على تحقيق رسالتهم المناطة بهم، ومن أعظم هذه المِنح منحةُ الإرادة والقدرة على الاختيار، فكل نفس قد أُلهِمت "فجورها وتقواها"، وعلى أساس قدرتها على الاختيار، ستكون المحاسبة، فلا مجال للنُّكران، ولا مجال للتهرب من المسؤولية.

فأنت قادر على التغيير، وقد وُهِبتَ الأدوات المساعِدة على ذلك، فعليك تحمُّل نتيجة اختيارك.


وفي العلم الحديث هناك العديد من النظريات حول قضايا عديدة؛ مثل: الموهبة والإبداع، والقيادة والإدارة وغيرها:

• هل هي مكتسبة أم جبلية؟

فنظرية الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligence) هي نظرية وضعها العالم الأمريكي غاردنر عام 1983م، التي مِن أُسسها:

• كل الناس أذكياء.

• يختلف الناس فيما بينهم بنوع الذكاء (حدد غاردنر ثمانية أنواع للذكاء).

• يُمكن تحديد نوع ذكاء كل إنسان - (مؤشرًا) - عن طريق اختبار مُقنن.

 

ولا أزال أذكُر كلمة قالها أحد المتخصصين في علم النفس قد عمِل مع الموهوبين أكثر مِن 15 عامًا: "غالب ما يَمتلكه الإنسان من صفات خُلقية ومهارات ومواهبَ، هي وراثية".

 

فالمسألة إذًا ليست أخلاقًا موروثة، وإنما حتى المهارات، والمتأمل في تاريخ البشرية يَلحَظ هذا بوضوح:

فهذا الإمام الشافعي[7] مما اشتهر عنه سرعةُ حفظه (مهارة الحفظ)، فقد كان يغطي الصفحة المقابلة من الكتاب؛ حتى يستطيع قراءة الصفحة التي يريدها، ولا تختلط عليه المعلومات، ومن القصص المتداولة عن الإمام البخاري[8] رحمه الله أنه لما (قدِم بغداد، سمِع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمَدوا إلى مائة حديث، فقلَبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتنٍ آخرَ، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا عليه الموعد للمجلس، فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأنَّ المجلسُ بأهله، انتُدِب واحدٌ من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ، والبخاري يقول: لا أعرفه، وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِمَ الرجل، ومَن كان لم يدرِ القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتُدِب رجل من العشرة أيضًا، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال: لا أعرفه، فسأله عن الآخر، فقال: لا أعرفه، فلم يزَل يُلقي عليه واحدًا بعد واحد، حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتُدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلُّهم مِن إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة، والبخاريُّ لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما علِم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول، فقال: أما حديثك الأول، فقلت كذا، وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فردَّ كلَّ متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقرَّ الناس له بالحفظ.

 

والقاضي إياس بن معاوية كان مضرب مثلٍ في ذكائه وفطنته - (مهارات) - ومن ذلك:

أنه سأله رجل عن النبيذ، فقال: "هو حرام"، فقال الرجل: "أخبرني عن الماء؟"، فقال: "حلال"، قال: "فالمكسور؟"، قال "حلال"، قال: "التمر؟"، قال: "حلال"، قال: "فما باله إذا اجتمع يَحرُم؟!"، فقال إياس: "أرأيتَ لو رميتُك بهذه الحَفنة من التراب، أتُوجعك؟"، قال: "لا"، قال: "فهذه الحَفنة من التبن؟"، قال: "لا توجعني"، قال: "فهذه الغرفة من الماء؟"، قال: "لا تُوجعني شيئًا"، قال: "أفرأيتَ إن خلَطت هذا بهذا وهذا بهذا، حتى صار طينًا، ثم تركته حتى استحجر، ثم رميتُك به، أيُوجعك؟"، قال: "إي والله، وتَقتلني"، قال: "فكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعتْ".

 

ونستمر مع التاريخ البشريِّ إلى عالم الابتكارات والاختراعات والعلوم التطبيقية، فينقدح في أذهاننا العديدُ من أمثال أرخميدس، والحسن بن الهيثم، والخوارزمي، ونيوتن، وغيرهم كُثُر، بل إنَّ بعضهم قيل عنه كلام عجيب:

فالعالم العبقري أينشتاين[9] "اعتقد معلِّموه أنه معاق ذهنيًّا، وأن قدرته على الاستيعاب بطيئة بشكل مرَضي".

 

وأديسون[10] صاحب الـ " 1093" اختراعًا، قال عنه أساتذته بأنه غبي للدرجة التي لا يُمكنه معها تعلُّم أي شيء، وتَم طرده من وظيفتين؛ لكونه غير مبدعٍ وغير منتج"[11].


والكثير منهم حقَّق طموحه وإنجازاته بعد جهد جهيد، وعمل مديد، والمهم أنه كان يمتلك المهارات اللازمة لتحقيق ذلك منذ الصغر، ثم سعى في تنميتها وتوظيفها بشكل أو بآخر، علِم بتلك المهارة، أو تَم اكتشافها من غيره.

 

ونحن في حياتنا اليومية وفي تعاملنا بعضنا مع بعض نلحَظ ذلك، فذاك شخص شديد الملاحظة، وذاك لديه مهارة الربط، وثالث لديه مهارة الفهم السريع، ورابع يُظهر إبداعًا في حل المسائل الرياضية، وخامس وسادس وهكذا.

 

 

بل إنَّ بعض الناس يَمتلك مهارة تُصنَّف على أنها من مهارات التفكير العليا، فهو يمتلك مهارة التحليل، ومنه تحليل الشخصيات، ومعرفة بعض الطبائع البشرية، ومهارة التحليل تعتبر من مهارات التفكير العليا (أعلى ثلاث من الهرم) بحسب هرم بلوم[12] للأهداف التربوية، وكذلك مهارات النقد، بل إن البعض يمتلك منظومة تقريبًا متكاملة - (مهارات) - لبعض الإستراتيجيات؛ مثل: موضوع القيادة، فهو كما يقولون "قائد بالفطرة"، ولا أقصد القائد العسكري فقط، وإنما أقصد القيادة بمفهومها الواسع لكل مناحي الحياة.

 

وأَجزِم أنك تتفق معي على أن هذه الهبات الربانية، والمِنح الإلهية، قد وهبها خالق الكون والإنسانِ لتحقيق رسالة معيَّنة على هذه الأرض، وتلك هي رسالة "الخلافة في الأرض"؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]،وهذه الرسالة تتطلب أن تتم تهيئة ذلك المخلوق بقدرات وإمكانات مقننة، كما تتطلب أن تكون الأرض مُعِينةً لذلك المخلوق: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، ومعنى "لكم"؛ أي: من أجلكم، وقيل: المعنى أن جميع ما في الأرض مُنْعَم به عليكم، فهو لكم[13]، يا ألله! كل ما في الأرض من أجلنا؟! ألا ما أكرَمك ربنا! وما أعدَلك!

 

وهكذا يكون التناغم بين "ما في الأرض" وبين "المخلوق"، فتتحقق الخلافة، وذلك بعبادة الخالق والمنعم والمتفضِّل والمبين لحكمته في ذلك: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فتكون الخلافة بتطبيق العبادة في كل مناحي الحياة، وهذه تتطلب أن يكون المخلوق قد أُعِدَّ لذلك.

 

مما سبق تتضح لنا عدة معالم في ولادة الفكر؛ من أهمها:

1- كل إنسان يأتي إلى الدنيا لا يعلم شيئًا - (لا معلومات) - لكنه يمتلك عددًا من الحواس تُمكِّنه من التزود بالمعلومات.

 

2- كل إنسان يُولد وتُولد معه بعض الأخلاقيات، وهذه قد تكون إيجابية (مثل الحِلم)، وقد تكون سلبية (مثل سرعة الغضب)، ولعل هذا جزءٌ من الاختبار الربانيِّ لعباده.

 

3- كل إنسان يولد وقد زُوِّد ببعض المهارات، فليس لديه كل شيء، وليس معدومًا من كل شيء.

 

4- كل إنسان لديه القابلية لتنمية وتطوير أخلاقه، ومعالجة السلبيِّ منها.

 

5- كل إنسان يأتي إلى الدنيا وهو قادر على تنمية مهاراته، وعلى اكتساب مهارات جديدة.

 

أما أهم الخطوات العملية، فهي:

• على كلٍّ منا أن يجتهد في اكتشاف هباته الربانية، فتلك كنوزٌ مدفونة فيك، فلا تُهملها، فإن لم تَستثمرها ذهبَت مع الزمن، فالسعيد مَن نمى كنوزه لتحقيق أهدافه[14]، وقد قيل: "تحت الطين يوجد ذهب"[15].

 

• من الجميل وضع جدول الهبات الشخصية لك على النحو التالي:

م

الأخلاق

المهارات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

• التدريب (وضع خطة) على تنمية الأخلاق الحميدة وتوظيفها، ومعالجة الأخلاق السلبية والتخلص منها.

 

• اختَر من الأعمال ما يتناسب مع هباتك؛ فهو أسهل عليك في التميز والإبداع، ولا تحاول تقمُّصَ ما لا يتناسب مع هباتك، فها هو قائدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم يقول لأحد أصحابه: ((يا أبا ذر[16]، إني أراكَ ضعيفًا، وإني أحبُّ لكَ ما أحِبُّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنينِ))[17].

 

• على الآباء والمربين والموجهين السعيُ الحثيث في اكتشاف النِّعم الربانية لذويهم من الصغر، ثم حُسن توجيههم وتنمية مواهبهم واستثمارها، بما يُحقق السعادة للجميع عن طريق "الخلافة في الأرض".



[1] من المعروف أن لدى الإنسان خمسَ حواسَّ: سمع وبصر وذوق وشم ولمس، وأكثر معلوماتنا عن طريق السمع والبصر (أكثر من 90%).

[2] صحابي جليل اسمه المنذر بن عمرو، أو ابن الحارث، ويقال: عبدالله، قدم مع وفد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم سنة 10، وقيل: 8 للهجرة.

[3] أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، (4 /357)، رقم: (5225).

[4] المنهاج شرح مسلم للنووي.

[5] رواه مسلم وغيره.

[6] عالم وفقيه تونسي (1296-1393 هـ).

[7] الإمام العالم الفقيه محمد بن إدريس الشافعي، أحد الأئمة الأربعة (150-204هـ).

[8] أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري (194-256هـ).

[9] عالم فيزياء ألماني المولد، سويسري وأمريكي الجنسية (1879-1955م).

[10] عالم ومخترع ورجل أعمال أمريكي ( 1847-1931 م).

[11] فاشلون غيروا وجه الأرض؛ موقع: أراجيك.

[12] عالم نفس تربوي أمريكي (1913-1999م).

[13] راجع تفسير القرطبي وغيره.

[14] يمكن اكتشاف المواهب بعدة طرق؛ منها: الملاحظة، والإنجازات، وبعض الاختبارات، وغيرها.

[15] هذا مثل صينيٌّ قيل بعد قصة حدثت هناك قبل أكثر من 200 سنة؛ موقع: قصص واقعية.

[16] أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري (المتوفي سنة 32 هـ) صحابي من السابقين إلى الإسلام، قيل: رابع أو خامس مَن دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكة قبل الهجرة النبوية.

[17] رواه مسلم وغيره.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأدب والغزو الفكري
  • صاحب الفكر المتصلّب
  • من ثمار الفكر
  • حينما يتأزم الفكر

مختارات من الشبكة

  • كيف تكتب معلمو؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التبر المسبوك: معالم في طريق بناء جيل قرآني مميز(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (5) التبصير في معالم الدين(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معالم هامة في تربية الأبناء(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خطبة: من معالم وأسرار الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكرا معلمي.. أتعلم من أنت يا معلمي؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ارتقاء التقدم من معالم أي اقتصاد متقدم(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • معالم من سورة الطارق (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • خطبة: معالم المنهج النبوي في التعامل مع الأزمات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عرض كتاب: معالم الوحدة في طريق الأمة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب