تحرير الأقوال في صوم الست من شوال لابن قطلوبغا

مِن مصنَّفات الصيام

تحرير الأقوال في صوم السِّتِّ من شوال

لابن قطلوبغا

مِن مصنَّفات الصيام التي أُفردَتْ بذكر مسألة هامة كثُر بشأنها الجدل قديمًا بين جمهور المذاهب، وهي مسألة صوم السِّتِّ مِن شوال بعد انقضاء رمضان، من حيث مشروعيته، أو كراهة وصله، كما نُقل عن بعض المذاهب... ومسألة التتابع في صومها بعد الفصل بينها وبين رمضان بيوم العيد، أو تفريقها على شهر شوال، أو على السنة كلها.

وقد استوفى المؤلف الفقيه المحدث "قاسم بن قطلوبغا" هذا الموضوع مِن جوانبه الفقهية والحديثية، وأجاب عن الشُّبهات التي أُثيرت حوله في تلك الرسالة صغيرةِ الحجم عظيمةِ النفع.

حيث حقَّق ابن قطلوبغا الأقوال المتعلقة بهذا الموضوع، ولم يقتصر فيه على مذهب الحنفيَّة، بل اعتنى ببيان أقوال الفقهاء مِن بقية المذاهب الأربعة، وغيرهم.

أصل الكتاب:

توجد لهذا الكتاب عدة نسخ من المخطوطات، ومِن أشهرها: مخطوطة من مخطوطات الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ضمن مجموع رقم 58 بين مخطوطاته، وعدد صفحاتها 11 صفحة، وناسخها هو أحمد بن علي بن أحمد الشهير بابن الملا الشافعي، وتاريخ نسخها عام 978 هـ، ومسطرتها مختلفة ما بين 18 - 20 سطرًا بحسب الصفحات، ومقاسها 17 × 12 سنتيمتر، وتجدر الإشارة إلى أنه لم تشتمِلْ آخرُ صفحات هذا الكتاب في المخطوطة على اسم الناسخ وتاريخ النسخ، بل جاء في الرسالة التي قبلها مِن المجموع المشار إليه دون أي فارق في طريقة النسخ والخط، مما يدل على وَحْدة التاريخ أو تقارُبِه.

والعنوان الذي كُتب في صفحة الغلاف مِن هذه المخطوطة هو: تحرير الأقوال في صوم السِّتِّ من شوال، للشيخ قاسم الحنفي رحمه الله تعالى.

المخطوطة الثانية نسخة م: وهي مِن مخطوطات مكتبة الحرم المدني رقم (7/ 80) مجاميع، وهي الرسالة الثانية مِن هذا المجموع، وعدد صفحاتها: (6) صفحات، وناسخها محمَّد مقيم بن إبراهيم السندي المدني، وتاريخ نسخها سنة 1161 هـ.

المخطوطة الثالثة نسخة ع: وهي مِن مخطوطات مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، رقمها (138 قديم، 75 جديد) مجاميع، وعدد صفحاتها (11) صفحة، ولم يُعلَمْ ناسخُها ولا تاريخُ نسخِها.

وقد جاءَتْ تسمية الكتاب بـ: "تحقيق الأقوال في صيام الست من شوال" على ظهر المخطوطة الأصل... كما أنها هي التسمية التي وردت في كلٍّ مِن كتاب: "الضوء اللامع"، و"كشف الظنون".

المؤلف:

أبو الفداء زين الدِّين قاسم بن قُطْلُوبغَا السُّودُونِي الجمالي الحنفي (المتوفى: 879 هـ).

السُّودُونِي (نسبة إلى معتق أبيه سودون الشيخوني) الجمالي الحنفي، واسمه مركَّب مِن كلمتين تركيتين هما: "قُطْلُو" وتعني المبارك أو الميمون، و"بغا" بمعنى الفَحْل، فيكون معنى الاسم: الفَحْل المبارك، أو الفَحْل الميمون، وشهرته: (قاسم الحنفي)، وهكذا كان يعرِّف نفسَه في أوائل كتبِه، أو خواتمها.

وهو مِن فقهاء الحنفية في القرن التاسع الهجري، مولده ووفاته بالقاهرة (802 - 879 هـ / 1399 - 1474 م)، قال السخاوي في وصفه: "إمام علَّامة، طلق اللسان، قادرٌ على المناظرة، مُغرَم بالانتقاد ولو لمشايخِه، مع شائبةِ دَعْوى ومساجحة!".

سمِع تجويد القرآن على الزراتيتي، وبعض التفسير على العلاء البخاري، وحفِظ كتبًا عرَض بعضَها على العزِّ بن جماعة.

وأخَذ علوم الحديث عن التاج أحمد الفرغاني النعماني قاضي بغداد، والحافظ ابن حجر.

واشتدَّتْ عنايتُه بملازمة ابن الهمام، بحيث سمِع عليه غالبَ ما كان يقرأ عنده في هذه الفنون وغيرها، وذلك مِن سنة 825 هـ حتى مات، وكان معظمُ انتفاعه به، ومما قرأ عليه الرُّبع الأول من شرحه للهداية، وقطعة مِن "توضيح" صدر الشريعة، وجميع "المسايرة".

كان واسعَ الحِفظ، حتى قيل: إنه كان يحفَظ عن ظهر قلبٍ زوائدَ الدارقطني، أو رجالَه الزائدين عن رجال السِّتَّة، مِن غير مراجعة الكتب.

قال السخاوي: وقد أقبَل على التأليف - كما حكاه لي - مِن سنة عشرين، وهلم جرًّا (أي سنة 820 هـ، وعمره 18 سنة).

ومِن جملة مؤلفاته المتنوعة: "عوالي الليث بن سعد"، "تاج التراجم"، "مسند عقبة بن عامر"، "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة"، "أحكام الصلاة على الجنازة في المسجد"، "رفع الاشتباه مِن مسائل المياه"، "خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار"، "حاشية على شرح التفتازاني لتصريف الزنجاني".. وغيرها الكثير.

الكتاب:

اهتمَّ الكاتب بأصل مسألة عنوان الكتاب، وهو مشروعية: "صوم الست من شوال"، التي كانت الداعيَ لوَضْعه تلك الرسالة، كما تناول مسائل أخرى ذاتَ بالٍ، مثل: التتابع وعدمه في صيام السِّتِّ مِن شوال، ومسألة التشبُّه بأهل الكتاب، وبخاصة النصارى، في الزيادة على العبادات المشروعة، وكونها منتفيةً هنا بحصول الفصل بين رمضان وما بعده بتحريم الصوم يوم العيد، وردَّ دعوى نسخِ صوم رمضان لأي صوم آخر، والكلام عن صوم الدهر، ومسألة التشبيه به، وكونها لا تفيد التحريم، وإنما تفيد ما هو الوجه المقصود مِن التشبيه، وهو حصولُ الثواب الكبير مِن غير تحمُّل المشقة التي تحصُلُ بصيام الدهر.. ومسائل أخرى تفرعت مِن مسألته الأم.

وأهمُّ ما تضمنه الكتاب: تحقيق قضيتين هامتين، هما: تصحيح ما نُقل عن أئمة مذهب الحنفية من الكراهة، وأنه محمولٌ على عدم الفصل بين صيام السِّت مِن شوال وصيام رمضان، ثم تعزيز ذلك بالنقل عن أشهر فقهاء المذهب إلى عصر المؤلف بتأكيد استحباب صوم السِّت مِن شوال.

وفضلًا عن الجانب الفقهيِّ للموضوع، حفَل الكتاب بالجانب الحديثي له، وذلك بالكلام عن الحديث المثبِت لمشروعية صيام السِّت مِن شوال؛ ببيان طرقه، ودرجة رواياته، ورُتبة رجاله، والمؤلف مِن كبار المحدِّثين، وبلَغ شأنًا كبيرًا في هذا الفن؛ فهو الذي استدرك على الحافظ الزَّيلعي صاحبِ نَصْبِ الرَّاية بتخريجِ ما عجَز عنه ورمز له بقوله: (غريب)؛ حيث قام ابن قطلوبغا بتخريج ما استغربه الزيلعي، وألَّف كتاب: "مُنْية الألمعيّ، بتخريج ما فات الزَّيلعيّ".

تحقيقات الكتاب:

حقَّق الكتابَ الدكتورُ عبدالستار أبو غدة، ابن أخ الشيخ المحقق عبدالفتاح أبو غدة، وذلك في طبعة دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، سلسلة لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام 1421 هـ، المجلد 3، الرسالة 26، الطبعة: الأولى عام 1422 هـ - 2001 م.

وقد قدم المحققُ لأصل الكتاب بمقدمة وافية، قدَّمَ فيها ترجمة للمؤلف، والتعريف بموضوع الكتاب، مع ذِكر النسخ التي قام بتحقيق الكتاب عليها، وبيان سبب تأليف الكتاب، والإشارة إلى مواضع تميُّز الكتاب وتفرُّده، ومواطن فقه الإمام ابن قطلوبغا في مناقشة أدلة تلك المسألة التي بَنى عليها أصلَ بحثه.