• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات
علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (18)

شرح العقيدة الواسطية (18)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/12/2015 ميلادي - 29/2/1437 هجري

الزيارات: 10147

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (18)

الأصل الثاني: السُّنة


"فَصْلٌ / فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنَهُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتُعَبِّرُ عَنْهُ، وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِهِ رَبَّهُ عز وجل مِنَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقُبُولِ وَجَبَ الإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ".


لَما ذكر المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعضَ الشواهد والدلائل من الأصل الأول - وهو القرآن - على ما وصَف الله به نفسَه، وسمَّى به نفسَه، يَذكر لنا رحمه الله في هذا الفصل بعضَ الشواهد والأدلة من السنة الصحيحة؛ وذلك أن مصادرَ تلقِّي العقيدةِ الأصليةَ ثلاثة:

1- الكتاب.

2- والسنة الصحيحة.

3- والإجماع.

 

وسيَأتي قولُ الشيخ: والأصل الثالث الإجماع.

والإجماع الذي يَنضبط: ما كان عليه الصحابة والتَّابعون وتابِعوهم؛ إذ بَعدَهم كَثُر الخلاف وانتشرَت الأمة.

 

وهذه المصادر الثلاثةُ هي المصادر الأصلية في تلقي العقيدة، وثَمة مصادرُ لكنها غير أصلية، بل مُسانِدة؛ كالفِطرة؛ فإن الفطرة أصلٌ في التوحيد، وكدلالة العقل فإنها مُؤَيَّدَةٌ في الكتاب والسنة؛ على أن العقل والفطرة لا يَستقلاَّن بمعرفة تفاصيل أمور العقيدة، قد يُعرِّفانها إجمالاً، أما بالتفاصيل وما جاءت به الأخبارُ فإن العقول والفِطَر لا تستقلُّ بذلك.

 

مكانة العقل في العقيدة:

وأهل السنة في مسألة العقل بين طرفين:

1- الطَّرَف الأول: طرف أهل التعطيل من الفلاسفة، والجهمية، والمعتزلة، والمتكلِّمين الذين غَلوا في هذا العقل، فأنزَلوه أعلى مِن منزلته التي يجب أن يكون عليها.

 

2- والطرَف الثاني: الصوفية، والمشبِّهة الذين عطَّلوا عقولهم، وألغَوها. أما هذه الشريعة فجاءت للعقل بدوره، وفي مجاله اللائق به.

 

فَصْلٌ:

ومعنى الفَصل أنه سيَنتقل من موضوع إلى موضوع آخَر فصَلَه بهذا الفاصل، وهذا من تطوُّر التأليف؛ فإن المؤلفين الأوائل ما كانوا يُعنَون بالأبواب ولا بالفصول؛ يُسمِّي بالله ثم يَنثُر ما عنده، فلما تطور التأليف احْتِيجَ إلى الكتب والأبواب والفصول، سواء في المطوَّلات، أو المتوسطات، أو المختصَرات، عند المعاصِرين يرتِّبونه: الفصل الأول فيه كذا، والفصل الثاني فيه كذا... وهكذا، فجاء فيه نوعُ ترتيبٍ يتناسب مع اهتمام الناس، ومع عَنْصَرَتِهم التي تُسمَّى: (العنصرة المدرسية). حسب ما يدرسونها.

 

فَصْلٌ: فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

في بعض النسخ: فَصْلٌ: ثُمَّ سُنة رسول الله. فعطَف السُّنة، ورتَّبها على الكتاب، وهذا أولى؛ لأنه ذكَر في أصل أهل السنة أنَّهم لا يَصِفون الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفَه به رسوله صلى الله عليه وسلَّم مِن غير تحريف ولا تكييف، ومن غير تمثيل ولا تعطيل.

 

معنى السنة وإطلاقاتها:

السُّنة في اللغة: الطريقة. سُنَّة مَن قبلكم، أي: طريقتُهم.

 

والسُّنة لها عند أهل العلم إطلاقات:

1- فالفقهاء يُطلقون السُّنة ويريدون بها المستحَب، وهو ما أُثِيب فاعله ولم يُعاقب تاركه.

2- والأصوليُّون يطلقون السنَّة يريدون بها المصدر الثانيَ من مصادر التشريع [1].

3- والسنة عند علماء العقيدة تُطلق في مقابل البدعة، فالسنَّة والبدعة قَسيمان، أحدهما قَسيمُ الآخر.

4- والسنة عند المحدِّثين: ما أضيفَ إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم مِن قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف خَلْقِي، أو خُلُقِي.

 

والمراد بالسنة العقيدةُ والشريعة جميعًا؛ ولهذا إذا نظرت في كتب السنن التي ألَّفَها أهلُ السُّنة نجد أنهم يُدخِلون مع العَقيدة أركانَ الإسلام: الشهادتين، الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والجهاد. والكتب المسمَّاة (شرح السُّنة) يُدخلون أولها العقيدة، ثم يُتبعونها بأركان الإسلام.

 

مكانة السنة في الإسلام:

والسُّنة هي المصدر الثَّاني الذي تُستَقى منه العقيدة، وتُستقى منه هذه الجملة فيما يتعلَّق بأسماء الله وصفاته، فأبان بعدَ هذا عن مِقدار السنة، ومنزلتها، وأهميتها، وتأكُّدِها؛ جمَعَها في أربع كلمات - هي أجمعُ ما رأيتُ مِن كلام أهل العلم وأخصَرُه في بيان أهمية هذه السنَّة - فقال:

فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ:

ولو تأمَّلنا هذه الكلمات: "فالسنة تفسر القرآن" بمعنى أن ما جاء مجمَلاً في القرآن فسَّرَته السنة، وهذا كثير؛ إن كان في العقائد، أو في العبادات:

ومن الأمثلة في العقائد أن أصول الإيمان ستة، لكنها جاءت في القرآن مجملة خمسةً في آيتَيِ البقرة والنساء؛ ففي سورة البقرة قال: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177]، وفي آية النساء قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، فجاءَت الأصول في القرآن خمسة، والسنَّةُ فسَّرَتها - كما في حديث جبريل عليه السلامُ - قال: ((الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))[2].


ومن الأمثلة في الشريعة قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وصُوَر البيع المحرَّمة، وصور الرِّبى المحرمة لم يأتِ في القرآن تفصيلُها، بل السُّنة فسرتها.

 

بيان السنَّة للقرآن:

وَتُبَيِّنَهُ:

التَّبيين يشمل تخصيص العامِّ، أو إطلاقَ المقيَّد، أو تقييدَ المطلَقِ أو البيان، ونَسْخ المنسوخ... فجاءت الأحكامُ في القرآن مجمَلة، وبيَّنَتها السنة على التفصيل، إلا أبوابًا يَسيرة من أبواب العلم جاءت في القرآن مفسَّرة، وجاءت فيها السنة زيادةَ بيان.

 

ومن ذلك: المواريث، والفرائض؛ فإنها جُمِعَت أصولُها في القرآن في آيات سورة النساء في أوَّلها، وفي آخرها، والسُّنة جاءت بزيادةِ بيان، لكن البيان اسْتُقِلَّ به في القرآن.

 

كذلك أحكام الطلاق فقد جاء في القرآن مفصلاً، وفي هذا من الْحِكَم عنايةُ القرآن بالمرأة في أحكامها؛ لأنَّ الطلاق يتعلَّق بها كما يتعلَّق بالرجل، ولو لاحَظْنا آياتِ الطلاق فيها حفظٌ لحقوق المرأة، وحقوق الميت؛ لأن الميت يُغفَل عنه؛ فالمواريث - وهي نصف العلم - لتعلُّقِها بالنصف الآخر وهم الأموات، جاء القرآن ببيانها وتفصيلِها.

 

وَتَدُلُّ عَلَيْهِ:

السُّنة دالَّة على القرآن؛ لأنه لا غِنى للقرآن عن السنة، ولا للسنة عن القرآن، والعلماء ذكَروا في الأصول أن السنة تُخصِّص عامَّ القرآن وتنسخه، فالسنة قد تنسخ أحكامًا في القرآن، كما أن القرآن قد ينسخ أحكامًا في السنة وهو نادر، وأشهر أمثلته عند العلماء نسخُ آية الممتحنة لما جاء في صلح الحديبية، من ردِّ الرجال فقط دون ردِّ النساء المسلِمات المهاجرات، وإنما يرد عليهم المهر الذي دفعوه لهن: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 10]؛ وذلك لأنهما من مشكاة واحدة، فكلاهما من الله، واختَلفا بأن القرآن لفظُه ومَعناه من الله، والسنة لفظها من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من الله، والسنة تَدلُّنا على وجوب الرجوع إلى القرآن: ((تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي))[3].


وَتُعَبِّرُ عَنْهُ:

أي: إن ما جاء في القرآن مأمورًا به، أو منهيًّا عنه فإن السنة تعبر عنه، وتؤكد هذا الأمر، وتفصِّله، وتبينه.

 

ومراد الشيخ من هذا أن السنة والكتاب شأنُهما واحد، لكن لاِحْظ كيف قُيِّدَت السنة بالسنة الصحيحة، وهذا القيد مُعتبَر؛ لا سيما في أمور العقيدة؛ لأن العقائد - وهي ما ينعقد عليه القلب - لا ينبني على الأخبار الواهية والضِّعاف؛ ولهذا فإن أخبار بني إسرائيل لا يَنبَني عليها اعتبارٌ في العقيدة حتى يدلَّ عليها أصلٌ صحيح.

 

وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِهِ رَبَّهُ عز وجل:

الله وصَف وسمَّى نفسه - وقد مرَّ ذلك - والوصفُ يُطلَق على الاسم والوصف جميعًا، والرسول وصَف وسمَّى اللهَ، فسمَّاه في قوله لعائشةَ لَمَّا سألَته ما تقول إن وافقَتْ ليلة القدر؟ فقال: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))[4]، فأخبَر أن الله عَفوٌّ، ووصف الله لما قال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ))[5]، وكما سيأتي في الأحاديث الآتية، وهي ستَّة عشر حديثًا ساقها لنا رحمه الله على جهة الانتخاب، وإلا فإنه سيُحيلُنا كما أحالنا في أدلة القرآن.

 

مِنَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ:

يُشترط في هذه السنة أن تكون صحيحة، وهذا يُخرِج السُّنة الضعيفةَ، أو الواهيةَ، أو المكذوبةَ الموضوعةَ على جَنابه صلى الله عليه وسلم، مع عِظَمِ شأن الكذب على جنابه: ((إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[6]، ومن اللطائف أن هذا الحديث بلَغ عند أهل العلم مبلغَ التواتر، بل قالوا: إنه أكثرُ الأحاديث المتواترةِ وُرودًا.

 

الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ:

وهذه الأحاديث الصِّحاح شأنها أنه تلقَّاها أهلُ المعرفة - وهم أهل الشأن أهلُ الصناعة الحديثيَّة في الرواية والدِّراية - بالرِّضا والقَبول، أي: إنهم قَبِلوا ورَضوا أن يَنسبوها إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ويَعُدُّوها من ألفاظه، وأقواله، وأفعاله، وتقريراته.

 

وَجَبَ الإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ:

كما جاءت عن رسول الله لا نُحرِّفها، ولا نُكَيِّفُها، ولا نعطِّلها، ولا نمثِّلها؛ كما مضى في الأصل الأول أصل القرآن، والإيمان بها هو الواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدَّث بهذه الأحاديث لم يخصَّ بها أقوامًا دون غيرهم، ولم يأمرنا، ولم يحثَّنا، ولم يوجب أن نَحملها على غير ظاهرها، ولم يقل: إنَّ لها تأويلاً ومعنًى يخالف معناها المتبادر. وإنما ألقى هذه الأحاديث، والأخبار الصحيحة، فسمعها منه وحملها عنه العالِمُ وغير العالِم، الجاهلُ والمتعلِّمُ، والحضري والبدوي، والإنس والجن، بل المؤمن والكافر؛ كما في حديث أبي مسعود: لَمَّا جَاءَ الْحَبْرُ مِنَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَاضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]؛ أخرجه في الصحيحين[7]؛ فهذا الحديث ألقاه حتَّى على الكافر؛ ما قال: لا، نَسكت عنه حتى نُعَلِّم به المؤمنين بعضهم مع بعض.

 

وهذا - وهو الإقرارُ بها والإيمان بها كما جاءت كذلك - يَنسِف أصولَ أهل التعطيل كلَّها، الذين حرَّفوا وأوَّلوا، وكَيَّفوا، وأهل التشبيه والتمثيل كلها الذين مثلوا وعطلوا.

 

إثبات صفة النزول لله عز وجل:

والشيخ رحمه الله ساق لنا أحاديث، واشترط أن تكون أحاديثَ مقبولة محلاًّ للاحتجاج؛ لأنه قال: تلقَّاها أهلُ الحديث بالقَبول؛ أي: إنها أحاديثُ مُحْتَجٌّ بها، وهو ما أراد الاستِطْراد والاستيعاب، وإنما قال:

مِثْلُ:

أتى بها على جهة التمثيل.

 

ومن هذه الأحاديث الحديث المخرَّج في الصحيحين، المروي عن أبي هريرة، وعن أنس، وعن جابر، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم وها هو يسوق الحديث:

قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟))[8]:

هذا الحديث اشتمل على عدة صفات:

1- أولها: علوُّ الله تعالى؛ لأن النزول من العلو، ولو كان الله في كل مكان - كما تقوله الجهمية والأشاعرة - لَمَا كان لهذه الصِّفة مَعنًى، ولذَهب معناها بالكلية، ولهذا فإنَّ هذا الحديث من أعظم القواصم على قلوبهم.

 

2- الصفة الثانية: إثبات النزول لله تعالى؛ فكما أن علوَّ الله علوٌّ يَليق به، لا نَعرف كيفيته، فكذلك نزوله نزولٌ يَليق بعظَمتِه وجلاله، لا نعرف كيفيَّته، ولهذا إذا كنَّا لا نعرف كيفية النزول فلا يجوز أن نتطرَّق إلى التحكُّم في هذه الصفة بأهوائنا، ومَدارِك عقولنا القاصرة الضيِّقة، التي يتَلاعب بها الشيطان، ونزوله سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا يليق بجلاله.

 

وقد جاء النزول في غير الثلث الأخير من الليل: نزوله ودُنوُّه عشيَّةَ عرَفة؛ يُباهي بأهل عرفة ملائكتَه، ونزوله يوم القيامة للقضاء بين العباد، فهذا نزولٌ يليق بجلاله سبحانه.

 

وهو في الثلث الأخير مِن الليل؛ أي: في آخر الليل؛ إشارة لشرف هذا الوقت فيحرص عليه المؤمن.

 

مزية العبادة في جوف الليل:

العبادة في جوف الليل أفضل؛ لمعنيين: معنًى نصِّي، ومعنى عقلي؛ المعنى النصي ما جاء في الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْقِيَامِ؟ فَقَالَ: ((أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاودَ؛ كَانَ يَنَامُ شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ))[9] قيامه في ثُلث الليل يشمل الثلثَين الثانيَ والثالث، نصف الثلث الثاني مع النصف الأول من الثلث الثالث، فهذا وقتُ قيامه، وهو أفضلُ القيام، وهو مشتمل على وقت التَّنَزُّل الإلهي؛ قالوا: ولأن هذا الوقت وقت غفلة، والعبادة في الغفلات أفضل منها في غيرها، ولهذا حُثِثْنا على عبادة الله، والاشتغال بها وقت الفتن؛ لأن الفتنة غفلة، وجاء في فضلها ما رواه مسلمٌ في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الْعِبَادَةَ زَمَن الْفِتْنَةِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ))[10].


3- الصفة الثالثة: أن الله يقول - والقول نوعٌ من الكلام -: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟))؛ إذًا فقد وعَد الداعيَ بالاستجابة، بشرط أن تجتمع الشروط وتنتفيَ الموانع، فلا يَدْعوَ بقلبٍ غافل، ولا يدعو بإثم، ولا بقطيعة رحم، ولا يدعو ومطعَمُه حرامٌ، ومكسَبُه حرام، وغُذِّي بالحرام.

 

((مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)):

وعَد الله بالعطاء على كل سؤال، وعلى أي سؤال، ما لم يكن محرمًا، ووعد بالمغفرة لمن يستغفره، وهذا في حقوق العبد مع ربه، وكذلك حقوق العبد مع العباد، لكن يتوقف كَمالُ الاستغفار وكمال المغفرة على الاستباحة من هذا العبد الذي قد ظلمتَه.

 

أسئلة مبتدَعة على مسألة النزول الإلهي:

وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((حَتَّى يَطْلُعَ الصُّبْحُ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


الحديث صحيح، وأهل البدع أحدثوا أسئلة، فقالوا: هل يَخلو منه العرش إذا نزَل أو لا يخلو؟ وهذا سؤالٌ بِدْعي مُحدَث، كما أنهم أحدَثوا سؤالاً آخر - وهو شَهير الآن - وهو أن ثلث الليل يتَفاوت بتفاوُت البلدان شَرقِها وغربها؛ فما عندنا ليل عند غيرنا نهار، وما عندنا ثلث الليل عند غيرنا أول الليل، فكيف ينزل؟ وهذا السؤال أيضًا سؤالٌ مبتدَع.

 

وكِلا السؤالين وما جاء في معناها ناشئٌ من تكييف العقول بنزوله سبحانه وتعالى؛ كيَّفَت العقولُ نزولَه سبحانه وتعالى فأحدثَت هذه الأسئلة، ولو أنَّها آمنَت بها كما جاءت؛ على المعنى اللائق بالله، المتبادرِ مِن هذا الكلام، غيرِ المشتمِل على نقصٍ - لَمَا كان حاجةٌ إلى مِثل هذا التطاول، ولا التكلُّف، ولا التنطع، وقد أهلك النبي المتنطِّعين؛ فقد روى مسلم في الصحيح: ((هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ))[11] قالها ثلاثًا.

 

مواقف المنحرفين من أدلة الصفات:

المتكلِّمون والمعطِّلة مَذهبُهم مِن هذه النصوص وأمثالها مذهبان:

الأول: يردُّونها؛ لأنها أخبارُ آحادٍ لا تَنبني عليها العقائد. وهذا أحَدُ طواغيتهم في ردِّ نُصوص النبي صلى الله عليه وسلم وأدلته الصحيحة، وقد نسَف ابنُ القيم هذا الأصلَ - بأن الأحاديث تُفيد الظنَّ ولا تفيد اليقينَ - في (الصواعق المرسلة)، في أكثر من مئتين وسبعين وجهًا ودليلاً.

 

الثاني: يحرِّفونهذا النزولَ عن معناه بما يُسمونه تأويلاً. وهو في الحقيقة التأويل الفاسد، فيَقولون مثلاً: إنه يَنزِل ملَك. ويقولون: إنه تَنزل رحمةُ الله، أو أمرُ الله. وسبحان الله! ما أقبحَ هذا القولَ بمِثل قُبحِهم في مذهبِهم الفاسد في كلام الله أن الذي يتكلَّم مع الله مخلوق؟! إذًا الشجرة هي التي قالت: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾ [طه: 14]، وهنا الْمَلَكُ يقول: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟))! وهذا لا يليق أن يقوله الْمَلَكُ، وكفى بطلانًا بهذا القول أن يُنسب هذا القول إلى الْمَلَك.

 

أما قولُهم: ينزل أمرُ الله، أو تنزل رحمته. فهذا باطل من جهتين: أنه تحريفٌ للكلم عن معناه؛ عن ظاهرِه وعن موضعه، وأن أمرَ اللهِ وملائكتَه ورحمَتَه تَنزل في كل وقت. فليس هنا مَعنًى مِن أن تُخصَّص في الثلث الأخير من الليل، لكن هذه جنايةُ التأويل الفاسد على أدلة الشرع الحنيف.



[1] لأن مصادر التشريع المتفق عليها أربعة: الكتاب العزيز، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس. وذِكْرُ المصدر الثاني هذا عددًا لا ترتيبًا؛ أي: لا يُرتب السنة على القرآن، بل كلها في مرتبة واحدة من حيث التشريع، لكن من حيث العدد المصادر أربعة، على أنه يُختلف في السنة عند الأصوليين السنة عموماً حتى الضعيف يُستأنس بها في الأحكام فقد يُستدل على بعض الأحكام، كما هو في أصول الإمام أحمد أن الحديث الضعيف أحب إليه من آراء الرجال؛ لأن الحديث الضعيف فيه نسبة يسيرة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله، لكن في العقيدة لا؛ لا بد أن تكون الصحيحة صحيحة.

[2] رواه مسلم (1، 8)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[3] رواه مسلم (61).

[4] تقدم تخريجه.

[5] رواه مسلم (153)، من حديث أبي هريرة.

[6] رواه البخاري (1291)، ومسلم (177)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

[7] رواه البخاري (4811)، ومسلم (2786)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

[8] رواه البخاري (7494)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[9] رواه البخاري (2/ 63)، ومسلم (3/ 165) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

[10] رواه مسلم في كتاب الفتن (2631)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] رواه مسلم (2670)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح العقيدة الواسطية (12)
  • شرح العقيدة الواسطية (13)
  • شرح العقيدة الواسطية (14)
  • شرح العقيدة الواسطية (15)
  • شرح العقيدة الواسطية (16)
  • شرح العقيدة الواسطية (17)
  • شرح العقيدة الواسطية (19)
  • شرح العقيدة الواسطية (20)
  • شرح العقيدة الواسطية (21)
  • شرح العقيدة الواسطية (23)

مختارات من الشبكة

  • التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية لعبد العزيز الرشيد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. زياد بن حمد العامر)
  • شرح العقيدة الواسطية (39)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (38)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (37)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (36)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (35)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (34)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (32)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب