• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. أمين بن عبدالله الشقاوي
علامة باركود

نظرة عامة لما نزل في بدر من القرآن

نظرة عامة لما نزل في بدر من القرآن
د. أمين بن عبدالله الشقاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/6/2014 ميلادي - 9/8/1435 هجري

الزيارات: 358166

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نظرة عامة لما نزل في بدر من القرآن


لقد نزلت آيات كثيرة في كتاب الله تناولت الحديث عن غزوة بدر، في سور متفرقة: الأنفال، آل عمران، الحج، الدخان، وغيرها من السور.

 

ومن أكثر السور التي تناولت الحديث عن غزوة بدر سورة الأنفال، حتى سماها بعض الصحابة سورة بدر، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس - رضي الله عنهما -: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر[1]، وكان نزولها بعد غزوة بدر، وقد رسمت الخطة التفصيلية للقتال، ونبهت المؤمنين إلى بعض نقاط الضعف حتى يتداركوها، وبينت ما يجب أن يكون عليه الجندي المسلم من البطولة والشجاعة، والجرأة، والصمود؛ لأنه يقاتل في سبيل غاية نبيلة، ويجاهد لإعلاء كلمة الله، وكانت هذه الغزوة الجولة الأولى من جولات الحق مع الباطل، لرد البغي والطغيان، وإنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين قعد بهم الضعف في مكة، فلم يستطيعوا الهجرة لبلد الأمن والإيمان، وقد استجاب الله ضراعتهم، فهيأ لهم ظروف تلك الغزوة، التي تم فيها النصر للمؤمنين على قلة في عددهم، وهكذا كانت غزوة بدر درساً لا ينسى، وعبرة لا تمحى، أمام التاريخ والأجيال في أن النصر من عند الله.

 

وقد قسمت هذه الآيات التي نزلت في بدر إلى مقاطع، وفي كل مقطع أتحدث عن الآيات بشكل موجز، وقد رتبت السور حسب ترتيبها في المصحف.

 

سورة آل عمران:

قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12].

 

قال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، وقال: « يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما أصاب قريشاً» فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً[2]، لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله في ذلك من قوله: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12] إلى قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13] [3].

 

قال ابن كثير: "قوله تعالى: ﴿ قد كان لكم ءاية ﴾ أي قد كان لكم أيها اليهود القائلون ما قلتم ﴿ ءاية ﴾، أي دلالة على أن الله معز دينه، وناصر رسوله، ومظهر كلمته، ومعل أمره، ﴿ في فئتين ﴾ أي طائفتين، ﴿ التقتا ﴾ أي للقتال، ﴿ فئة تقاتل في سبيل الله ﴾ وهم المسلمون، ﴿ وأخرى كافرة ﴾ وهم مشركو قريش يوم بدر" [4].

 

قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161].

 

روى الترمذي في سننه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نزلت هذه الآية ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ﴾ في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها، فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ﴾ إلى آخر الآية[5].

 

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 123-126].

 

فهذه الآيات امتنان منه سبحانه على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة، في قلة عددهم وعددهم، مع كثرة عدوهم وعددهم، وقد شرط الله لإمدادهم بالملائكة ثلاثة شروط: الصبر والتقوى وإتيان المشركين من فورهم هذا، وما جعله الله - أي إمداده لكم بالملائكة - إلا بشرى تستبشرون بها، وتفرحون وتطمئن قلوبكم بها، وما النصر إلا من عند الله، فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله ينصر من يشاء من عباده[6].

 

وقال ابن كثير - رحمه الله -: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾ أي يوم بدر، وكان يوم جمعة، وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فيهم فارسان وسبعون بعيراً، والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة[7]، والحلي الزائد، فأعز الله رسوله، وأظهر الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتنًا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنتم أذلة ﴾ أي قليل عددكم؛ لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد[8].

 

سورة النساء:

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 97-98].

 

روى البخاري في صحيحه من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه قال: إن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ﴾[9].

 

وروى ابن جرير من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم فقال المسلمون: «كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا» فاستغفروا لهم، فنزلت: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ﴾ الآية[10].

 

سورة الأنفال:

قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 129].

 

ورى الإمام الترمذي في سننه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت: يا رسول الله: إن الله قد شفى صدري من المشركين، أو نحو هذا، هب لي هذا السيف، فقال: «هذا ليس لي ولا لك»، فقلت عسى أن يُعطَى هذا من لا يبلي بلائي، فجاءني الرسول فقال: «إنك سألتني وليس لي، وإنه قد صار لي، فهو لك»، فنزلت ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ ﴾ الآية[11].

 

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس، فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبت طائفة على العسكر يحوونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخفنا أن يصيب العدو منه غرة، واشتغلنا به، فنزلت ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ ﴾ الآية، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين[12].

 

وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: «من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا»، قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله عليهم قال المشيخة: كنا ردءاً لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان، وقالوا: جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا، فأنزل الله ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 1]، إلى قوله: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 5]. يقول: فكان ذلك خيراً لهم، فكذلك أيضاً فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم[13].

 

قال الشيخ مقبل الوادعي: ولا تنافي بين السببين، إذ لا مانع أن تكون الآية نزلت في الجميع، والله أعلم[14].

 

وقال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 5-8].

 

في هذه الآيات الكريمات يخبر الله تعالى عن حال المؤمنين، فيقول: كما أنكم لما اختلفتم في الغنائم فانتزعها الله منكم، وجعلها إلى قسمه وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذلك أمرك ربك يا محمد بالخروج من المدينة للقاء عير قريش، وذلك بالوحي الذي أتاك به جبريل، مع كراهة فريق من المؤمنين للخروج.

 

والحاصل أنه وقع للمسلمين في وقعة بدر كراهتان: كراهة قسمة الغنيمة على السوية، وهذه الكراهة من شبانهم فقط، وهي لداعي الطبع، ولتأويلهم بأنهم باشروا القتال دون الشيوخ، والكراهة الثانية كراهة قتال قريش، وعذرهم فيها أنهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة، ولم يتهيؤوا للقتال، فكان ذلك سبب كراهتهم للقتال، فشبه الله إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهة، قاله سليمان الجمل. قوله: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾، أي الخروج، وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ليغنموها، فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها، وهم النفير، وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت، فقيل لأبي جهل: ارجع، فأبى وسار إلى بدر، فشاور النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وقال: « إن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين[15]»، فوافقوه على قتال النفير، وكره بعضهم ذلك، وقالوا: لم نستعد له، يقول - أي ابن عباس-: فكان الخروج إلى بدر خيراً لهم، لما ترتب عليه من النصر والظفر[16].

 

ثم قال سبحانه: يجادلك يا محمد فريق من المؤمنين في القتال، من بعد ما تبين لهم أن ذلك واقع، كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون إليه عياناً.

 

ثم قال: واذكروا أيها المجادلون وعد الله لكم بالظفر بإحدى الطائفتين: العير وما تحمله من أرزاق، أو النفير، وهو قتال الأعداء والانتصار عليهم، وأنتم تحبون الظفر بالعير دون القتال.

 

ويريد الله أن يحق الحق ويعليه بأمره إياكم بقتال الكفار، ويستأصل الكافرين بالهلاك[17].

 

قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾ [الأنفال: 9-14].

 

أي: اذكروا نعمة الله عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم ﴿ فاستجاب لكم ﴾ وأغاثكم بعدة أمور: منها: أن الله أمدكم بألف من الملائكة مردفين، أي يردف بعضهم بعضاً، ﴿ وما جعله الله ﴾، أي إنزال الملائكة ﴿ إلا بشرى ﴾، أي لتستبشر بذلك نفوسكم، ﴿ ولتطمئن به قلوبكم ﴾، وإلا فالنصر بيد الله، ليس بكثرة عدد ولا عُدد.

 

﴿ إن الله عزيز حكيم ﴾: لا يغالبه مغالب، بل هو القهار الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا. ﴿ حكيم ﴾: حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.

 

ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم نعاساً ﴿ يغشيكم ﴾ أي: فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون ﴿ أمنة ﴾ لكم، وعلامة على النصر والطمأنينة.

 

ومن ذلك أنه أنزل عليكم من السماء مطراً ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم من وساوس الشيطان ورجزه.

 

﴿ وليربط على قلوبكم ﴾ أي: يثبتها، فإن ثبات القلب أصل ثبات البدن، ﴿ ويثبت به الأقدام ﴾، فإن الأرض كانت سهلة دهسة، فلما نزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.

 

ومن ذلك أن الله أوحى إلى الملائكة ﴿ أني معكم ﴾، بالعون والنصر والتأييد.

 

﴿ فثبتوا الذين ءامنوا ﴾ أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.

 

﴿ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ﴾ الذي هو أعظم جند لكم عليهم، فإن الله إذا ثبت المؤمنين، وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم، ومنحهم الله أكتافهم.

 

﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ أي: على الرقاب، ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ أي: مفصل.

 

وذلك لأنهم ﴿ شاقوا الله ورسوله ﴾، أي: حاربوهما، وبارزوهما بالعداوة، ﴿ ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ﴾، ومن عقابه تسليط أوليائه على أعدائه، وتقتيلهم.

 

﴿ ذلكم ﴾ العذاب المذكور ﴿ فذوقوه ﴾ أيها المشاقون لله ورسوله عذاباً معجلاً، ﴿ وأن للكافرين عذاب النار ﴾. وفي هذه القصة من آيات الله العظيمة، ما يدل على أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله حق. منها: أن الله وعدهم وعداً، فأنجزهموه.

 

ومنها: ما قال الله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾ [آل عمران: 13].

 

ومنها: إجابة دعوة الله للمؤمنين لما استغاثوه بما ذكره من الأسباب. ومنها: الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين، وتقييض الأسباب، التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.

 

ومنها: أن من لطف الله بعبده أن يسهل عليه طاعته، وييسرها بأسباب داخلية وخارجية[18].

 

روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾. فأمده الله بالملائكة[19].

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 15-16].

 

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ﴾، أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقترب بعضهم من بعض ﴿ فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ ﴾.. بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين الله، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهاباً للكافرين. وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد.

 

ومفهوم الآية الأخيرة: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه لم يولِّ دبره فاراً، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار فإن ذلك جائز[20].

 

روى أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: نزلت في يوم بدر ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ [21].

 

قال الحافظ ابن كثير: وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم[22] من أن الفرار من الزحف من الموبقات، كما هو مذهب الجماهير، والله أعلم[23].

 

قال تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].

 

يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبرسوله، ممن شهد بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين، أيها المؤمنون أنتم، ولكن الله قتلهم، وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به، الذين قاتلوا المشركين، إذ كان جل ثناؤه هو مسبب قتلهم، وعن أمره كان قتال المؤمنين إياهم، وكذلك قوله لنبيه - عليه السلام -: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾.

 

فأضاف الرمي إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرمي به إلى الذين رُموا به من المشركين، والسبب الرمية لرسوله[24].

 

روى ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس والأموي عن ثعلبة بن صعير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً».

 

فقال له جبريل: خذ قبضة من تراب فارم بها في وجوههم، فما بقي من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «احملوا»، فلم تكن إلا الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر، وأنزل الله عز وجل: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾.

 

قال ابن عقبة وابن عائذ: فكانت الحصباء عظيماً شأنها، لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه، وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، وبادر كل رجل منهم منكباً على وجهه، لا يدري أين يتوجه، يعالج التراب ينزعه من عينيه[25].

 

قال تعالى: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 19].

 

"يقول تعالى: إن تطلبوا أيها الكفار من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين، فقد أجاب الله طلبكم، حين أوقع الله بكم من عقابه ما كان نكالاً لكم، وعبرة للمتقين ﴿ وإن تنتهوا ﴾ أيها الكفار عن الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ فهو خير ﴾ في دنياكم وأخراكم، وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد - صلى الله عليه وسلم - وقتال أتباعه المؤمنين، نعد بهزيمتكم كما هزمتم يوم بدر، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئاً، كما لم تغن عنكم يوم بدر، مع كثرة عددكم وعتادكم، وقلة عدد المؤمنين وعدتهم، وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره"[26].

 

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال: حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعرف، فأحنه[27] الغداة. فكان المستفتح[28].

 

قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26].

 

يقول تعالى: واذكروا أيها المؤمنون نعم الله عليكم إذ أنتم بمكة قليلو العدد مقهورون تخافون أن يأخذكم الكفار بسرعة، فجعل لكم مأوى تأوون إليه، وهو المدينة، وقواكم بنصره لكم يوم بدر، وأطعمكم غنيمتهم حلالاً؛ لكي تشكروا له على ما رزقكم وأنعم به عليكم[29].

 

قال تعالى: ﴿ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الأنفال: 32-35].

 

يخبر تعالى في هذه الآيات أن المشركين أهل لأن يعذبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم؛ ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر، فقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، ثم أخبر سبحانه أن صلاتهم عند المسجد الحرام كانت صفيراً وتصفيقاً، فذوقوا العذاب بسبب جحودكم وأفعالكم التي لا يقدم عليها إلا الكفرة، قال الضحاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق: "هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي"[30].

 

ثم قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 41-44].

 

"يقول تعالى: واعلموا أيها المؤمنون أن ما ظفرتم به من عدوكم بالجهاد في سبيل الله فأربعة أخماسه للمقاتلين الذين حضروا المعركة، والخمس الباقي يجزأ خمسة أقسام، الأول لله وللرسول، فيجعل في مصالح المسلمين عامة، والثاني: لذوي قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، جعل لهم الخمس مكان الصدقة، فإنها لا تحل لهم، والثالث لليتامى، والرابع للمساكين، والخامس للمسافر الذي انقطعت به النفقة إن كنتم مقرين بتوحيد الله مطيعين له، مؤمنين بما أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - من الآيات والمدد والنصر يوم فرق بين الحق والباطل ببدر، يوم التقى جمع المؤمنين وجمع المشركين، والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.

 

واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي الأقرب إلى المدينة، وعدوكم نازل بجانب الوادي الأقصى، وعير التجارة في مكان أسفل منكم إلى ساحل البحر الأحمر، ولو حاولتم أن تضعوا موعداً لهذا اللقاء لاختلفتم، ولكن الله جمعكم على غير ميعاد ليقضي أمراً كان مفعولاً، بنصر أوليائه، وخذلان أعدائه بالقتل والأسر، وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة لله ثبتت له فعاينها وقطعت عذره، وليحيا من حي عن حجة لله قد ثبتت وظهرت له، وإن الله لسميع لأقوال الفريقين لا يخفى عليه شيء، عليم بنياتهم.

 

واذكر يا محمد حينما أراك الله قلة عدد عدوك في منامك، فأخبرت المؤمنين بذلك، فقويت قلوبهم، واجترؤوا على حربهم، ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد أصحابك في ملاقاتهم، وجبنتم واختلفتم في أمر القتال، ولكن الله سلم من الفشل، ونجى من عاقبة ذلك، إنه عليم بخفايا القلوب، وطبائع النفوس.

 

واذكر أيضاً حينما برز الأعداء إلى أرض المعركة فرأيتموهم قليلاً، فاجترأتم عليهم، وقللكم في أعينهم ليتركوا الاستعداد لحربكم، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فيتحقق وعد الله لكم بالنصر والغلبة، فكانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وإلى الله مصير الأمور كلها، فيجازي كلاً بما يستحق[31]. قال تعالى: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 47-49].

 

"أي: ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من ديارهم كبراً ورياء، ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله، والله بما يعملون محيط، لا يغيب عنه شيء. واذكروا حين حسن الشيطان للمشركين ما جاءوا له، وما هموا به، وقال لهم: لن يغلبكم أحد اليوم، وإني ناصركم، فلما تقابل الفريقان: المشركون ومعهم الشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة، رجع الشيطان مدبراً، وقال للمشركين: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون من الملائكة الذين جاءوا مدداً للمسلمين، إني أخاف الله، فخذلهم وتبرأ منهم.

 

﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، لمن عصاه ولم يتب توبة نصوحاً.

واذكروا حين يقول أهل الشك والنفاق ومرضى القلوب، وهم يرون قلة المسلمين، وكثرة عدوهم: غر هؤلاء المسلمين دينهم، فأوردهم هذه الموارد، ولم يدرك هؤلاء المنافقون أنه من يتوكل على الله، ويثق بوعده فإن الله لن يخذله، فإن الله عزيز لا يعجزه شيء، حكيم في تدبيره وصنعه[32].

 

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 50-51].

 

يقول تعالى: ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار لرأيت أمراً عظيماً هائلاً فظيعاً، إذ يضربون وجوههم وأدبارهم، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الحريق، قال مجاهد في قوله: ﴿ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ يوم بدر[33].

 

قال ابن كثير - رحمه الله -: وهذا السياق وإن كان سببه وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر[34].

 

قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67].

 

روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيب لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة» شجرة قريبة من نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله - عز وجل -: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]، إلى قوله: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ﴾. فاحل الله الغنيمة لهم[35].

 

روى الطيالسي في مسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم، فأصابوها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه[36] إذا غنموا غنيمة جمعوها، ونزلت نار فأكلتها»، فأنزل الله هذه الآية: ﴿ لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ ﴾ إلى آخر الآيتين[37].

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[الأنفال: 70].

 

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها النبي قل لمن في يديك، وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ إن يعلم الله في قلوبكم إسلاماً، يؤتكم خيراً مما أخذ منكم من الفداء، ويغفر لكم. يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه، وكفركم بالله، والله غفور رحيم، لذنوب عباده إذا تابوا، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة[38].

 

سورة إبراهيم:

قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28-29].

 

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾، قال: هم والله كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - نعمة الله، ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾، قال النار، يوم بدر[39].

 

وروى ابن جرير بسنده أن علياً - رضي الله عنه - قال في قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾.. الآية: هم كفار قريش يوم بدر[40].

 

سورة الحج:

قال تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19].

 

"يقول تعالى: هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر كل يدعي أنه محق، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جعلت لهم من نار يلبسونها فتشوى أجسادهم، ويصب على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، وينزل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها. حتى ينفذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط[41].

 

روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن هذه الآية ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾ نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة[42].

 

روى البخاري من حديث علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة[43]، وفي رواية: فينا نزلت هذه الآية ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾[44].

 

سورة الدخان:

قال تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ [الدخان: 10] إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15].

 

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث مسروق قال: قال عبد الله إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10-11].

 

قال: فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، قال: «لمضر؟ إنك لجري»، فاستسقى لهم، فسقوا، فنزلت: ﴿ إنكم عائدون ﴾، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل: ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16] قال يعني يوم بدر[45].

 

سورة القمر:

قال تعالى: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 45].

 

روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبة يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، إن تشأ لا تعبد بعد اليوم» فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك، وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [46].

 

روى الطبري من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: لما نزلت جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يثب في الدرع ويقول: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾[47].

 

وروى بسنده بسنده من حديث ابن عباس قال: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ كان ذلك يوم بدر، قال: قالوا نحن جميع منتصر، قال فنزلت الآية[48].

 

سورة المجادلة:

قال تعالى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية: ﴿ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله ابن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين جعل الأمر شورى بينهم في أولئك الستة: ولو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته.

 

روى الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، فيحيد عنه، فلما أكثر قصده فقتله، فنزلت الآية[49].

 

وقيل في قوله تعالى: ﴿ ولو كانوا آباءهم ﴾ نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر، ﴿ أو أبناءهم ﴾ في الصديق، هَمّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن ﴿ أو إخوانهم ﴾ في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ، ﴿ أو عشيرتهم ﴾ في عمر، قتل قريباً له يومئذ أيضاً، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ، والله أعلم"[50].

 

سورة المزمل:

روى ابن إسحاق بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان بين نزول: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ [المزمل:1]، وقوله تعالى فيها: ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ﴾ [المزمل: 11-13] إلا يسيراً، حتى أصاب الله قريشاً بالوقعة يوم بدر[51].



[1] ص 855 برقم (4645)، كتاب التفسير، باب سورة الأنفال، وصحيح مسلم ص1213 برقم (30131)، كتاب التفسير، باب في نزول تحريم الخمر.

[2] أغمار: جمع غُمر بالضم، وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور، النهاية في غريب الحديث.

[3] سيرة ابن هشام (2/148) وعاصم بن عمر بن قتادة، تابعي، فالأثر مرسل، ورواه ابن إسحاق أيضاً عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس فذكره، ومحمد ابن أبي محمد مجهول، وأخرجه أبو داود ص ٣٤٠ برقم (3001) من طريق محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس به، وضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص298 برقم (647).

[4] تفسير ابن كثير (1/350).

[5] ص 480 برقم (3009) كتاب التفسير، باب ومن سورة آل عمران، وقال أبو عيسى: حديث حسن غريب، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا، وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيف عن مقسم، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/34) برقم (2407).

[6] انظر: تفسير ابن سعدي، ص154.

[7] المسومة: قال ابن عباس: المسومة الراعية والمطهمة الحسان، وقال مكحول: المسومة الغرة والتحجيل، وقيل غير ذلك، انظر: تفسير ابن كثير (1/352).

[8] تفسير ابن كثير (1/400).

[9] ص873، برقم (4596)، كتاب التفسير، باب: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ﴾.

[10] (4/235) قلت: وإسناده صحيح.

[11] ص 490، برقم (3079)، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنفال، ورواه مسلم مطولاً ص725، برقم (1748)، ومختصراً ص724 برقم (1748، كتاب الجهاد والسير باب الأنفال.

[12] (37/422) برقم (22762)، وقال محققوه: حسن لغيره.

[13] ص309 برقم (2737)، كتاب الجهاد، باب في النقل، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/522) برقم (2376).

[14] الصحيح المسند من أسباب النزول ص98.

[15] تقدم تخريجه ص55.

[16] انظر: عون المعبود، للعلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي (7/293).

[17] انظر: التفسير الميسر، لجماعة من العلماء، بإشراف، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، بالمملكة العربية السعودية، ص177.

[18] انظر: تفسير ابن سعدي 359-360.

[19] سبق تخريجه ص54.

[20] انظر: تفسير ابن سعدي 360.

[21] ص299 برقم 2648، كتاب الجهاد، باب في التولي يوم الزحف، وأخرجه الحاكم (2/357) برقم (3262)، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/502) برقم (2306).

[22] يعني حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - المخرج في الصحيحين أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» رواه البخاري ص523 برقم (2766)، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ.... ﴾، ومسلم ص63، برقم (89)، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه.

[23] تفسير ابن كثير (2/295).

[24] انظر: تفسير ابن جرير (6/202).

[25] سبق تخريجه ص42.

[26] التفسير الميسر ص179.

[27] أي أهلكه.

[28] سبق تخريجه ص43.

[29] انظر: تفسير ابن كثير (2/300).

[30] انظر: تفسير ابن كثير (2/305).

[31] التفسير الميسر ص187.

[32] التفسير الميسر ص183.

[33] انظر: تفسير ابن كثير (2/319)

[34] انظر: تفسر ابن كثير (2/319).

[35] سبق تخريجه ص63.

[36] أي من الأنبياء السابقين.

[37] مسند الطيالسي (2/19)، وأخرجه الترمذي ص490، برقم (3085)، وقال: حديث حسن صحيح، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنفال.

[38] انظر: تفسر ابن جرير (9/292).

[39] ص755 برقم (3977)، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل.

[40] (7/453)، ويشهد له ما قبله.

[41] التفسير الميسر ص334.

[42] ص754 برقم (3969)، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، ومسلم ص1213، برقم (3033)، كتاب السير، باب في نزول تحريم الخمر.

[43] ص754 برقم (3965).

[44] ص754 برقم (3967).

[45] (3/289) برقم (4821)، كتاب التفسير، باب سورة الدخان، ومسلم (4/2156-2157) برقم (2798)، كتاب الجنة والنار، باب انشقاق القمر.

[46] ص957 برقم (4875)، كتاب التفسير، باب سورة القمر.

[47] تفسير الطبري (11/567)، قلت: ورجاله ثقات.

[48] تفسير الطبري (11/567)، قلت: وفي سنده علي بن أبي طالحة، أرسل عن ابن عباس ولم يره ولكن يشهد له ما قبله.

[49] (1/254) برقم (360)، والحاكم (3/296) برقم (5152)، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/11) برقم (4393): إسناده جيد، وقال في الفتح (7/93): مرسلاً، وقال في التلخيص (4/192): هذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإسلام.اهـ. قلت: وعبد الله بن شوذب لم يدرك أبا عبيدة بن الجراح.

[50] تفسير ابن كثير (4/329).

[51] سيرة ابن هشام (2/261)، وابن جرير في تفسيره (12/288)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/95-96) من طريق ابن إسحاق عن ابن عباد عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - وهذا إسناد صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة بدر
  • غزوة بدر الكبرى
  • غزوة بدر الكبرى .. قراءة أجنبية
  • معركة بدر الكبرى
  • عدد أسرى بدر ومعاملتهم
  • بين يدي بدر
  • لماذا يخافون من القرآن؟ (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • لا تتبع النظرة النظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرة الإسلام الجمالية إلى الإنسان .. النظرة المدرسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نظرة الإسلام الجمالية إلى الإنسان .. النظرة الكلية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأديب بين نظرته لنفسه ونظرة الآخرين له(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (5)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (4)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (3)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • شجاعة الزبير بن العوام في معركة بدر(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
ماجد - المملكة العربية السعودية 19-05-2022 06:16 PM

جزاك الله خيرا

1- شكر
kamilia - algérie 29-06-2016 09:13 PM

شكرا على كل هذه المعلومات الرائعة حفظكم الله

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب