• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد منير الجنباز / مقالات
علامة باركود

الإيمان هدى ونور

الإيمان هدى ونور
د. محمد منير الجنباز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/5/2014 ميلادي - 8/7/1435 هجري

الزيارات: 11192

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإيمان هدًى ونورٌ

الوصية الأولى: الإيمان بالله تعالى وعدم الشرك به (8)

ذلكم وصاكم به ( الوصايا العشر )

 

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، وقال تعالى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 86].

 

إن الإيمان هدًى ونور؛ فالمؤمن منفتح القلب، منفتح البصيرة، ينظُرُ بنور الله، فِراستُه قوية، وذهنُه حاضر متوقد، لَمَّاح يدرك الأمور بجَلاء، إن جلَس إليه أحد يحدِّثُه بصدق وإخلاص، عرَف ذلك فيه، وإن جلس إليه أحدٌ يرائي وينافق، عرَف ذلك فيه، ففي قسمة غنائم هوازن نظَر ذو الخُوَيصرة التميميُّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال: اعدِلْ يا محمد؛ فإنك لم تعدِلْ، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن لم أعدِلْ فمن يعدِلُ؟))، فعاد هذا المارق وقال: "هذه قسمةٌ ما أريد بها وجهُ الله"، معترضًا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ناسيًا وجوبَ طاعته، فنظَر إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فرأى فيه قسوةَ القلب، وتصرُّف شيطان مريد لا يكاد يختلفُ عن إبليسَ في الجحود والاستكبار والعصيان، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((سيخرُج من ضِئْضِئِ - أي: من جِنسه ونسله - هذا الرجلِ قومٌ يمرُقون من الدِّين، كما يمرُق السهمُ من الرَّميَّة))[1]، فكان من ضِئْضِئِه الخوارجُ.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم رسولٌ موحًى إليه، مُلْهَمٌ، مُسدَّد، مبارَك، لا يرقى لنور إيمانه راقٍ؛ فهو سيِّد الأوَّلين والآخرين، سيد ولدِ آدم، صلى الله عليه وسلم.

 

أبو بَكرٍ الصِّديق:

ليس هذا المجال لذِكر صفات أبي بكر رضي الله عنه وفضائله، ولكن سأذكُر أمورًا مهمة في حياةِ أبي بكر، هدَى الله فِكره إليها، ونوَّر بصيرته في عملها، وهي تُعَدُّ دليلاً على مَن ملأ الله قلبَه بالإيمان، ووفَّقه اللهُ تعالى وهداه لأخذ الرأي الصائب فيها.

 

ففي اليوم الذي توفِّي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، طاش الناس، وفتَروا، وأصبحوا كالأيتام الصغار الذين فقَدوا عائلهم، وكانوا بحاجةٍ إلى رجُلٍ مثلِ أبي بكر، فرغم رقَّته ولِينه المعهودين، إذا به يظهرُ في هذه الساعة المهمة رجل الموقف، وتبدو منه صلابةٌ وجرأة، ووعي وفِكر لا يجارى في اتخاذ المناسب من الإجراءات والتدابير، ضعُف عمرُ في هذا الموقف رغم شدَّته المعهودة، وتضاءل أمام أبي بكر.

 

فدخل أبو بكر رابط الجأش إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ونظر إليه وهو مسجًّى، فقبَّله، وقال: بأبي وأمي يا رسول الله، طِبْتَ حيًّا وميتًا، ثم خرج يقول: من كان يعبُدُ محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبُدُ الله، فإن اللهَ حيٌّ لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، فالتفَّ حوله الصحابةُ، وحتى لا يتفرَّق المسلمون، سارَع إلى سَقيفة بني ساعدة، إلى الأنصار الذين كادوا يُبرمون أمرًا بتولية زعيم منهم - عن حُسن نية - من أجل إنقاذِ الموقف، فخطَب فيهم، وأقنَعهم بأن الأئمةَ من قريش، وبُويِع رضي الله عنه، ووقى اللهُ المسلمين من شرِّ انقسام خطير، ولما ارتدت القبائلُ وقَف بحزم من هذا الأمر، واتَّخَذ قراراتٍ صائبة بوَحْي من إيمانه المشرِق الفيَّاض، وجهَّز الجيوشَ إلى المرتدِّين المدعين للنبوة، وإلى مانعي الزكاة، فكانت وقفة أعادت للإسلام كيانَه وقوَّته، وظهَر من وصاياه في الحرب والقتال أمورٌ تشهد له بالبراعة العسكرية، فكانت توجيهاتُه عاملاً مهمًّا من عوامل النصر، ولما أرسل عكرمةَ بن أبي جهل لقتال مسيلمة أمَره ألا يخوض معه قتالاً إلا بعد أن يصل إليه المدَدُ والقادة، وألا يتسرعَ بالهجوم على مسيلمة، لكن شجاعة عكرمةَ أبَتْ عليه الانتظار، فصادم مسيلمةَ، لكنه هُزم، فأرسل إليه أبو بكر رسالةَ معاتبة، وأمَره ألا يريَ جيش المسلمين القادم نفسه، حتى لا يتأثروا بما حدث، وتضعُف قواهم، بل أمره بالتوجه إلى مناطق عمان؛ ليقضي هنالك على بعض شراذم المرتدين، ومنعه من المشاركة مع خالد بن الوليد في قتال مسيلمة.

 

وفي فتوح الشام والعراق وجَّه القواتِ المتمرسة في القتال إلى دولتي الروم والفرس، وذلك بعد هزيمة المرتدين واستسلامهم مباشرة، وأعجز الروم في دخول أربعة جيوش من طرق مختلفة، فأوقَع في صفوفهم الارتباك والوهن، ولما اطَّلع على خطة الروم القاضية بتجميع جيش كبير وصدم هذه الجيوش الصغيرة، أمَرهم بالتجمُّع، وتوحيد القيادة، وأرسل إلى سيف الله خالد في العراق يستقدمه لحرب الروم، وتولِّي القيادة العامة في هذه المعركة الكبيرة، وكان النصر بإذن الله في اليرموك، ولبيان شفافيةِ فِكْر أبي بكر وتنوُّر قلبه وبصيرته: ما ورد في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((إن الله عز وجل خيَّر عبدًا بين الدنيا، وبين ما عنده، فاختار ذلك العبدُ ما عنده))، قال: فبكى أبو بكر - وفي رواية مسلم فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا - فعجبنا لبكائه، أن يخبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر هو أعلَمَنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أمنِّ الناس عليَّ في صحبته ومالِه أبا بكرٍ، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقيَنَّ في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر))[2]؛ رواه البخاري.

 

فلم يلحظ أحدٌ من الصحابة ما لاحظه أبو بكر، بل مرَّ عليهم الكلام وكأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يخبرُ عن غيره، وفي رواية الترمذي: "فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخِ، يخبرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خيَّره الله بين أن يؤتيَه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، وهو يقول - أي أبو بكر -: فديناك بآبائِنا وأمَّهاتنا، قال: فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو المخيَّرَ، وكان أبو بكرٍ أعلَمَنا به".

 

عمر بن الخطاب:

الرجُل الذي كان قبل الإسلام معروفًا بقسوة القلب وغِلَظ الطبع، إذا به بعد أن أشرق قلبُه بنور الإسلام يصبح عبقريًّا مُلْهَمًا، وقد شهد له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوة الدين والعبقرية؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:((بينما أنا نائمٌ رأيتني على قليبٍ - بئر - عليها دَلْو، فنزعتُ منها ما شاء الله، ثم أخَذها ابن أبي قحافة، فنزع منها ذَنُوبًا - الدلو العظيم - أو ذَنُوبين، وفي نزعه ضَعف، والله يغفر له، ثم استحالت غَرْبًا - الدَّلو العظيمة - فأخذها ابنُ الخطاب، فلم أرَ عبقريًّا من الناس ينزِعُ نَزْعَ عمرَ، حتى ضرَبَ الناس بعَطَنٍ - مكان تناخ فيه الإبل بعد الشرب))[3]؛ رواه البخاري ومسلم.

 

وإن قوة إيمانه هذه جعَلَت من قلبه شفيفًا يرى به ما لا يراه غيره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا فِراسةَ المؤمن؛ فإنه ينظُرُ بنور الله)).

 

وكان عمرُ يحمل للجهاد في سبيل الله، فيُعطي الجَمل للرجُل، أو الجَمل للرجُلين، لِمَن يريد أن يجاهد، فإن كان المجاهد يقصِدُ الشام أعطاه جملاً؛ لكثرة العدو بها، وإن كان المجاهدُ يقصِد العراقَ، أعطى للرجُلين جملاً واحدًا؛ لقلة العدو فيها، وللترغيب للجهاد في الشام، فجاء رجل من العراق يريد أن يحتالَ ليأخذ جملاً، وهو يريد العراق، فقال: احملني وسحيمًا، فقال له عمر: "أنشُدك الله يا أعرابي، أسحيم زِقٌّ؟"[4]، قال: نعم، وكان يريدُ أن يوهِمَ عمرَ أن سحيمًا هذا رفيقٌ له؛ لكي ينالَ جَملاً، فكشفه عمرُ ثم قال: "من لم يصدُقْ ظنُّه، لا يصدُقْ يقينُه"، والخبر في الموطأ.

 

ويؤيِّدُ صدقَ حدسِه ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيمن كان قبْلَكم من الأمم ناسٌ مُحدَّثون، من غيرِ أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحَدٌ فإنه عمرُ))[5].

 

وفي رواية الترمذي ومسلم عن عائشة قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((قد كان في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فعمرُ بن الخطاب))[6].

 

وقال الشراح في كلمة: "محدَّثون": مُلْهَمون، وقالوا أيضًا: يصيبون إذا ظنُّوا وحدسوا، فكأنهم حدثوه بما قالوا، والملهَمُ: الذي يُلقَى في نفسه الشيءُ، فيخبِر به حدسًا وظنًّا وفِراسة.

 

وعند الترمذي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ تعالى جعَل الحقَّ على لسان عمرَ وقلبه))، وقال أيضًا: ((ما نزَل بالناس أمرٌ قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمرُ، إلا نزَل فيه القرآنُ على نحوِ ما قال عمرُ))؛ أخرجه الترمذيُّ وهو حديث حَسَن صحيح غريب[7].

 

ويؤيِّدُ هذا ما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن عمر قال: "وافقتُ ربِّي في ثلاث، قلت: يا رسولَ الله، لو اتَّخذْنا من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، يدخُل على نسائِك البَرُّ والفاجر، فلو أمرتَهن أن يحتجِبْنَ؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغَيرة، فقلت: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]، فنزلت كذلك، وفي رواية ابنِ عمر: ذكر مقام إبراهيم والحجاب وأُسارى بدر؛ حيث كان رأيُ عمر أن يُقتَلوا، فنزل القرآنُ موافقًا قولَ عمرَ، ومعاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم في الفداء"[8].

 

ثم حدِّثْ عن قلبه الواعي المستنير بعد أن أصبَح خليفة، كيف وجَّه الجيوش إلى الفتح، وكيف استشاره قادتُه قبل خوض المعارك، وفي حصار المُدُن، فأرسل لهم تعليماتِه التي كانت فَتْحًا؛ ففي حصار مدينةِ حَلَب - على سبيل المثال - فتح المسلمون المدينةَ، واستعصت عليهم القلعةُ، وامتد الحصارُ طويلاً، فأرسل إليه قائدُ جيوشه أبو عُبَيدة رضي الله عنه رسالةً يستشيره في تركِ حصارها، والمضيِّ إلى غيرها، فكان جوابه: "لقد ورَد كتابك عليَّ، فسرَّني ما فتح الله على يديك، وأما ما ذكرتَه من انصرافك إلى البلاد التي تلي حلب وإنطاكية، وتَرْكِ القلعة ومَن فيها - فهذا رأي غيرُ صواب، تترك رجلاً قد دنوتَ من دياره، وملكتَ مدينته، ثم ترحلُ، فيبلغ إلى جميع النواحي أنك لم تقدِرْ عليه، فيطمع بك أجنادُ الرُّوم"[9].

 

وقد كان يتابع أخبارَ قادته، لا يغيب عن ذهنه واحد منهم رغم كثرتهم، وقد ذكر أصحاب التاريخ[10] قصة سارية بن زنيم الدؤلي؛ حيث بعَثه عمر على رأس جيش إلى "فسا ودارا بجرد" فحاصرهم، ثم إنهم تداعَوا، فأصحروا له، وكثُروا، فأتَوْه من كل جانب، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة: يا ساريةُ الجبلَ الجبل! وكان إلى جانبِ المسلمين جبلٌ، إن لجؤوا إليه لم يُأْتَوا إلا من جهة واحدة، فلجؤوا إلى الجبل، ثم قاتلوا عدوَّهم فهزموهم، وأرسل ساريةُ مَن يحمل الغنائم لعمر، وسأل أهلُ المدينة حامل الرسالة والغنائم عن سارية وعن الفتح، وهل سمعوا شيئًا يوم الوقعة؟ فقال: نعم سمعنا: "يا ساريةُ، الجبلَ"، وقد كدنا نهلِكُ، فلجأنا إليه، ففتَح الله علينا.

 

هذا ما حصل من صحابة رسول الله، وفيمن كان قبْلنا فيهم المثل أيضًا.

 

مؤمن آل فرعون:

هذا الرجل الذي آمَن بالله إيمانًا حقًّا، فشرح الله صدره، وهداه للخير، فكان ناصحًا أمينًا يصدُر رأيُه عن قلب واعٍ مستنير، امتلأ إيمانًا، ففاض يضيء ما حوله، وفي سورة غافر خبرُ ذلك الرجل المؤمن؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 26، 27]؛ ففرعون يقودُه قلبه المظلم إلى الجريمة؛ فهو يرفض المنطقَ والبراهين، ويعتمد على القَهر والبطش، لكن مؤمن آل فرعون يُدلي بدَلْوه ويَنصح؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 28، 29]؛ فالمنطق الصحيح في قول مؤمِن آل فرعون، وأما الاستبداد في الرأيِ، والعقلُ الضَّيِّقُ، ففي قول فرعون وهو يدعو قومَه ألاَّ يروا إلا ما يراه هو لهم، وهو في نظره سبيلُ الرشاد، لقد خوَّفه مؤمنُ آل فرعون من بأس الله، لكن فرعون تمادى في الباطل، ولا يريد لصوتٍ أن يُسمَع إلا صوته، ولما رأى مؤمن آل فرعون ذلك، انتهج نهجًا جديدًا لعله يُجدي مع فرعون وقومه فقال لهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴾ [غافر: 30]، والمقصود بذلك الأحزاب الذين تحزَّبوا بكُفرهم ضد أنبياء الله، ثم ذكَر الله هؤلاء الأحزاب فقال: ﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ﴾ [غافر: 31، 32]، إلى اليوم الذي يُنادَى فيه على الأمم؛ ليُعرَف مؤمنُهم من كافرهم، وليُوجَّهوا إما إلى النار وإما إلى الجنة، ويعرفهم بحقيقة هذا اليوم؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [غافر: 33]، ثم يذكِّرهم بما جاء به يوسف عليه السلام: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34]، وهذا يدلُّ على عِلمه بما مضى، وثقافته الواسعة، إضافة إلى إيمانه القوي، ويختم اللهُ سبحانه وتعالى هذه المحاورةَ بين مؤمن آل فرعون وبين فرعون بإثبات العقلِ والرَّشاد لأهل الإيمان، وضَعفِه وتخبُّطه عند أهل الكفر، وأن قلوب الكفارِ بما حوت من ضلال وكفر، قد طُبِع عليها، فعَمِيَت، وزال عنها كلُّ حسٍّ أو إدراك؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35]، ثم يطيش عقلُ فرعون أكثرَ عندما يطلب من وزيره الضالِّ أن يبنيَ له صرحًا؛ لكي يطَّلعَ على إله موسى، وكأنه يظن من جهله وسوء إدراكه أن إلهَ موسى يُقِيم في برجٍ أو ما شابه ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾ [غافر: 36، 37]؛ قال في فتح القدير: وفي هذا دليلٌ على أن فرعونَ كان بمكان من الجهل عظيمٍ، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدًّا، وهذا كله بسبب الكفر؛ فقد سيطَر الشيطانُ على تفكيره، وزيَّن له سوء عمله؛ ليرى نفسَه أعلم العالمين، فيتمادى في الباطل ويجادل فيه.

 

هذه نماذج ممن شرح الله قلبَه بالإيمان، فكان ذا شفافية وتبصر، وممن أضلهم الله بالكفر، فعَمِيَت قلوبُهم فتاهت وحارت، ووقع أصحابُه في الجحيم.



[1] عن سيرة النبي لابن هشام ص144 ج4.

[2] جامع الأصول /6406.

[3] جامع الأصول /6442.

[4] جامع الأصول 6453.

[5] جامع الأصول 6434.

[6] 6435.

[7] 6431.

[8] جامع الأصول 6449.

[9] فتوح الشام للواقدي.

[10] تاريخ الأمم والملوك للطبري ص178 ج4 في خبر فتح فسا ودارا بجرد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان
  • حقيقة الإيمان ومقتضياته
  • سياحة في مفهوم الإيمان
  • ليس للشيطان على المؤمنين سبيل

مختارات من الشبكة

  • الإيمان بالكتب السماوية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • هدي القرآن ونور الإيمان (WORD)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • حلاوة الإيمان في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مسائل في الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قرة عيون ذوي الإيمان بتفسير وفوائد آية الأيمان (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تجديد الإيمان يا أهل الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب