• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (256 - 257)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (256 - 257)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/5/2014 ميلادي - 7/7/1435 هجري

الزيارات: 39836

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (256 - 257)

 

قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].


هذه الآية الكريمة تميع في فهم معناها بعض المفسرين العصريين والكتاب الذين يحاولون الدفاع عن الإسلام ويمدحونه بحرية الأديان والمعتقدات حتى توسعوا في ذلك توسعاً أضاعوا فيه قواعد الإسلام والشريعة.


وهذه الآية يكفي ما فيها من تقرير عدم الإكراه على الدين الإسلامي لمن كان منتسباً إلى دين نبي قبله فأما أن تكون حامية للملحدين والمرتدين ونحوهم من ناقضي العهد فلا ولا كرامة.


وقد ذكر إمام المفسرين محمد بن جرير رحمه الله في تفسيرها ثلاثة وجوه:

أحدها: أنها نزلت في رجال ونساء من الأنصار قد اعتنق أولادهم الدين اليهودي، فأرادوا إكراههم على الإسلام، فأنزل الله هذه الآية.


ثانيها: أنها منسوخة بآية القتال، وهذا غير صحيح، فالآية محكمة غير منسوخة، قد تقدم في حكم الناسخ المنسوخ أن الناسخ لا يكون ناسخاً إلا إذا نفي حكم المنسوخ بالكلية، فلم يجز اجتماعهما، فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص فهو بعيد عن النسخ تماماً.


ثالثها: وهو أدنى الأقوال وأصوبها إن شاء الله، وهو أنه لا إكراه في الدين لأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين، فهؤلاء قد جاء إقرارهم على دينهم مع دفع الجزية، فالآية في أصناف مخصوصة من الكفار لم ينسخ منها شيء، ويدخل في الوجه الثالث الوجه الأول في إقرار المتهودين من أولاد الأنصار، ولا يجوز تفسيرها بغير ذلك، لأن الله أوجب قتال الوثنيين من العرب وغيرهم ومن المنافقين أيضاً، كما نصت على ذلك آيات كثيرة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله))[1].


وحق الإسلام هو التزام أحكامه الظاهرة، وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد متعددة وله شواهد أخرى من الأحاديث مما يتضح بها مع الآيات القرآنية أن الوثنيين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وأما أهل الكتاب فيقاتلون وجوباً لا للإكراه على الدين وإنما للخضوع لحكم الإسلام، فإن أذعنوا وأسلموا فنعم المطلوب، وإن قبلوا الخضوع لحكم الإسلام مع بقائهم على دينهم ودفع الجزية وجب الكف عن قتالهم بشرط التزامهم الصغار وكون الدين الإسلامي يعلو ولا يعلى عليه.


فمشروعية قتالهم ليس للإكراه على العقيدة، لأنها أمر باطني لا يمكن الإكراه عليه، وإنما إيجاب القتال لإخضاعهم للحكم الإسلامي حتى لا تكون فتنة ولا يقف في وجه الدعوة أحد من المبطلين المغرضين حتى يواصل المسلمون قيامهم بالزحف المقدس للمد الإسلامي الواجب القيام به على المسلمين، فأما أن يتوهم متوهم أن الإسلام يتيح الحرية للملاحدة المرتدين من القوميين العقائديين أو الشيوعيين وذيولهم أو الوجوديين وأشباههم؟ فهذا افتراء على الإسلام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بدل دينه فاقتلوه))[2]. وهذا أمر عام بقتل المرتد عن دينه حتى من أهل الذمة، فاليهودي إذا بدل دينه بغير الإسلام وجب قتله كذلك النصراني ونحوه، وأيضاً فإن أبا بكر أول الخلفاء الراشدين قد قاتل أهل الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولفقهاء المسلمين في كل مذهب باب للردة، فيه تفاصيل أنواع المرتدين ووجوب قتلهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: ((لا يحل دم امرئ مؤمن إلا بثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))[3].


فحرية الاعتقاد في الدين الإسلامي لأهل الكتاب مما ينتسبون إلى دين نبي وإن كانوا على خلاف دين نبيهم لما أجراه أسلافهم من التحريف، لأنهم ليسوا مما لم يعلموه، فأما الزنادقة من كل مذهب ونحلة فقد نص المحققون على عدم قبول توبتهم، والأمر واضح في حكم الدول الإسلامية، فلا حرية للملاحدة أبداً، وقد أحرق الإمام عليّ رضي الله عنه بالنار قوماً من الملاحدة قد زادوا في تقديسه، كما قاتل الخوارج هو ومن بعده من أمراء المسلمين حتى لم تقم لم قائمة، ولا يزال المبتدع يلقي حتفه بالسيف في كل عصر من عصور الإسلام، وقد أجمع علماء المسلمين على أن من استحل أدنى شيء مما حرم الله كان كافراً وجب قتاله، فأين حرية الاعتقاد للملاحدة في دين الإسلام؟


وقوله سبحانه: ﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ فالرشد إصابة الحق والصواب، والغي هو الضلال والغواية. ولا شك أن الله سبحانه أبان الرشد لأهل الكتاب فيما أنزله على رسوله من أخبار أسلافهم من أنبيائهم مما خصص الله له في سورة البقرة أربعاً وثمانين آية، ثم أعقبها بذكر خليله إبراهيم وما عليه من الملة الحنيفية التي تخالف مزاعمهم، وكلهم متفقون على إمامته وهدايته مما يستبين به الرشد من الغي، فلا حاجة إلى إكراههم على الدين بدون اقتناع، لأنه إذا لم يقنعهم ما أوضحه الله من البينات الموجبة للرشد، فالإكراه لا يجدي معهم شيئاً، وما صمودهم على الباطل وتعصبهم فيه إلا بسبب الخضوع للطواغيت وتقليد الآباء بغير برهان، ولذا قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾.


وهو كل ذي طغيان على الله ممن عبد من دونه، إما بقهره لمن عبده، إما بتضليله له وتلبيسه عليه بالكلام المزخرف المعسول، سواء كان ذلك من شياطين الجن أو شياطين الإنس أو الكهنة أو الرؤساء والزعماء القاهرين المروجين للضلال المحسنين طاعتهم بشتى أنواع الدجل والإيهام.


فالطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، يقال ﴿ طَغَى الْمَاءُ ﴾ [الحاقة: 11] إذا ارتفع مده عن قامة الإنسان بحيث يغرقه، فكل من تجاوز حده الذي حده الله له من وجوب عبادته سبحانه والوقوف عند حدوده بالتزام شريعته، فتجاوز ذلك وسعى في أن يكون معبوداً لا عابداً بأي نوع من أنواع المكر والاحتيال أو القهر والإرهاب أو التشريع بالتحليل والتحريم والتقنين، فهو طاغوت يجب الكفر به ببغضه وعداوته والابتعاد عنه وبغض أحبابه وأعوانه، ولا يصح الإيمان بالله قطعاً إلا بالكفر بالطاغوت كي يتخلص دماغه ويتحرر ضميره ويسلم تفكيره، فيكون إيمانه بالله حقيقياً لا شائبة فيه.


أما من جنح إلى بعض الطواغيت وأحبهم واستحسن ما يصدر منهم من تحليل الحرام أو إباحة الحلال أو أي تشريع، منخدعاً بدعايتهم ومزاعمهم فهو ممن قال الله تعالى فيه: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يسف: 106].


ومن كان فيه نوع من الشرك لم ينتفع بشيء من أعماله، وكان ممن قال الله فيه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].


وكيف يدعي الإسلام رجل وهو يود ويحب المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتعطيل الشريعة الإسلامية وإباحة ما حرم الله من الخمور والفواحش؟ وهل يجتمع في قلب مسلم حب الله وحب أحد من هؤلاء الطواغيت الذين هذه سيرتهم؟ وكل من يدعو إلى مبدأ قومي يلتقي المسلم فيه مع الطوائف الضالة أو إلى مذهب مادي من المذاهب اليهودية فهو من الطواغيت الذين يجب الكفر بهم وبغضهم وعداوتهم والابتعاد عن همزاتهم، فمن حقق الكفر بالطاغوت بجميع أنواع، وحقق الإيمان بالله بحصر المحبة له ومن أجله وفي سبيله وبغض كل ما يبغضه الله من أي شخص أو عمل ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾.


والاستمساك بالعروة الوثقى هو الاستقامة على صراط الله المستقيم بضبط محبته وعدم جرحها بمحبة أحد من أعدائه الطواغيت أذيالهم، وتحقيق امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، الوقوف عند حدوده وتعظيم حرماته وشعائره، والغضب له والغيرة على دينه، بالقيام بجميع أنواع نصرته التي أعلاها الجهاد وأدناها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن حقق هذه الاستقامة على ذلك فقد تمسك بأوثق ما يتسمك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقوباته الشرعية والقدرية التي لا تحيط بها العقول.


و﴿ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ هنا مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن ليتخلص من براثن الطواغيت، فشبهه الله في تعلقه بالإيمان وتمسكه به بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها، لأن كل ذي عروة إنما يتعلق من أراده بعروته، و﴿ الْوُثْقَى ﴾ فعلى من الوثاقة يقال في المذكر: هو الأوثق، وفي المؤنث: هي الوثقى، كما يقال: فلان الأوثق، وفلانة الوثقى. وقد يكون التمثيل بعروة الشجر الذي له أصل ثابت وفروع مثمرة لا ينقطع مدده ولا يعدم خيره، فإذا نزل الجدب والقحط بمن يعتمدون على الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهم أتباع الطواغيت إذ بأولياء الله المؤمنين به والكافرين بالطواغيت وأذيالهم معتصمون بالشجرة الطيبة التي ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 24، 25].


فلا ينتفع أولياء الطواغيت بشجرة الحنظل، وينتفع أولياء الله بالشجرة الطيبة التي ضربها الله لتحقق مدلول (لا إله إلا الله) الذي يتحقق به الإيمان والإسلام والذي من استمسك بعروته الوثقى لا يخشى السقوط لأنه ﴿ لا انفصام لها ﴾ يعني لا انكسار ولا انقطاع.


فمن اعتصم بمحبة الله وطاعته محققاً مدلولها من بغض كل ما يبغضه الله، والابتعاد عنه، ومحبة كل ما يحبه الله وتنفيذه، فقد اعتصم من مرضاة الله بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إياه وإسلامه عند حاجته إليه في خطوب الدنيا أو أهوال الآخرة، ولذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 103]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]. فالمتمسك بمرضاة الله لا تنفصم عراه، فلا يخذله الله في الدنيا، ولا يسلمه لأعدائه بل ينصره ويؤيده في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 51، 52]، إلا إذا قصر فيما أوجب الله عليه من الاستعداد بالقوة ومقابلة التخطيط بالتخطيط.


فيا لها من عروة وثقى يجب العض عليها بالنواجذ، ويا له من إرشاد عظيم تولاه رب العالمين لعباده الموقنين، إذ لا يحرر نفوسهم، ويصفي قلوبهم، وينور بصائرهم، ويوفر أوقاتهم، ويفجر طاقاتهم، ويسلم عقولهم من المصادرة إلا الكفر بالطاغوت بجميع أنواعه.


فمن جنح إلى شيء من الطواغيت فقد رضي لنفسه بالعبودية لمخلوق مثله لا يرحمه بل يرهقه في كل ناحية، واختار لضميره الدنس والظلمة، ولبصيرته العمى، ولأوقاته الغالية الضياع بلا ثمن، ولطاقته التبديد بلا فائدة، بل التبديد المهلك، كما اختار لعقله المصادرة.


فأي معنى من معاني الإنسانية يبقى مع هذه الأحوال الفظيعة؟ إنه بعبادة الطواغيت تنقلب البشرية قطعاناً من الأنعام، بل يكن أضل سبيلاً ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].


وتعبير الله بالاستمساك يدل على أن من لم يكفر بالطاغوت وبجميع مناشئ الطغيان، ويعتصم بحقيقة التوحيد من معاملة الله المحب لحبيبه، يعني أن من لم يكن على هذه الحال فليس مستمسكاً بالعروة الوثقى وإن انتسب في الظاهر إلى أهلها، فإن العبرة بالاعتصام والاستمساك الحقيقي لا بمجرد الأخذ الضعيف الصوري والانتماء القولي التقليدي.


فما أكثر المحسوبين على الإسلام وهم قد عششت الوثنية في قلوبهم، وتلبسوا بأنواع وأنواع من جاهليات جديدة لعدم تحقيقهم الكفر بالطواغيت ولذا ختم سبحانه هذه الآية بقوله: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ يعني سميع لأقوال مدعي الكفر بالطواغيت والإيمان بالله بألسنتهم دون قلوبهم، فهو سميع لما يبررونه لأنفسهم من محبة الطواغيت وتمني انتصارهم والفرح به، فأتباع الطواغيت قديماً عندهم تعليلات، منها ابتغاء العزة والتربص ودعوى الإصلاح وقد رد الله على مزاعمهم بقوله: ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139].


وأخبر أنهم مفسدون وأن تربصهم نفاق كما سيأتي بمكانه إن شاء الله.


أما أحباب الطواغيت في هذا الزمان فيزعمون أنهم قاوموا الاستعمار وطردوه، وهم يعلمون في سرائرهم أن الاستعمار لا يطرده شرذمة عسكرية ضعيفة في العدد والسلاح وهو رابض بقواته العظيمة فلا يطرده إلا قوة خارجية أقوى منه قد تعلق بها هؤلاء وانتقلوا من سلطة كافرة إلى كافر أكفر منه. ثم ماذا يفيد تحريرهم البلاد من استعمار عسكري وهم لم يحررها من الاستعمار الثقافي ولم يحكموها بحكم إسلامي، بل حكموها بحكم كافر طاغوتي؟ فالله سميع لأقوال أحباب الطواغيت، و﴿ عَلِيمٌ ﴾ بما تكنه ضمائرهم من عدم المبالاة وإباحة ما حرم الله وفي هذا تهديد لهم.


قال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257].


الولي لغة فعيل بمعنى فاعل، من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو وال وولي، وأصله من القرب، ومنه يقال: داري تلي دار فلان، أي تقرب منها، ويقال للمحب المعاون ولي، لأنه يقرب من حبيبه بالمحبة والنصرة ولا يفارقه، ومنه: الوالي الذي يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي.


ومن ثم قالوا خلاف الولاية: وهذه الآية الكريمة دلت على أنه سبحانه وتعالى ولي الذين آمنوا بالتعيين.


ومعلوم أن وليهم هو المتولي لما يكون سبباً لصلاحهم واستقامة أمورهم في كل ما يطلبونه. فالولي هو المتكفل بالمصالح. وقد جعل الله نفسه وليّاً للمؤمنين على التخصيص مما يفيد أن ألطافه بهم فيما يتعلق بالدين أكثر من ألطافه بغيرهم، فهو سبحانه وليهم في الدنيا، يوفقهم ويشرح صدورهم للهداية والتوفيق لمحبته وطاعته والتغالي في سبيله فيخرجهم بذلك من الظلمات إلى النور يخرجهم من ظلمات الشكوك والإشراك وجميع أنواع الشبهات والشهوات إلى نور الهداية والرشاد، فينور بصائرهم ويجليها مما ران عليها من كل ظلمة، ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة الشهوة، وظلمة القول والعمل.


فالله سبحانه يلطف بالمؤمنين ويحرجهم من جميع هذه الظلمات ومن ظلمات الدجل والتشكيك حتى يجعلهم محفوفين بأنواره في الحياة الدنيا، ثم ينور قبورهم عن الظلمات، وينورهم من ظلمات يوم القيامة، ويجعل لهم نوراً يمشون به على الصراط بكل سرعة كما جعل لهم نوراً يمشون به في الدنيا.


وهذه الألطاف والأنواع جزاء لهم من الله على إنابتهم وتقواهم، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].


وما ورد عن مجاهد في سبب نزولها في قوم من النصارى أسلموا، فعلى تقدير صحة الرواية يكون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه هبة الله لجميع المؤمنين، ولما كان الكفار على عكسهم بكل حال قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ وذلك لأنهم جعلوا لتلك المعبودات الباطلة سلطاناً عليهم من عموم أنواع الطواغيت، فصاروا يتولون ضلالهم، فالأصنام الصامتة يساعدها شياطين الجن على إضلالهم وإخراجهم من نور الإيمان واليقين إلى أن يركسوهم في مجموعة من الظلمات، ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة الشبهات، وظلمة الشهوات، وظلمة القول والفعل.


وأما المعبودات الناطقة من سائر الطواغيت فتخرجهم من النور إلى الظلمات بما تقذف عليهم من أنواع الدجل والتضليل والتشكيك حتى تجعلهم محفوفين بجميع أنواع الظلمات، ومن طبيعة الطاغوت أنه إذا رأى عابديه قد لاح لهم بصيص من نور الحق بادر إلى طمسه بما يلقيه عليهم من حجب الشبهات وزخارف القول المبهرجة التي تحول بينهم وبين النور، وهم الجناة على أنفسهم، حيث اتخذوا من دون الله أولياء من الزعماء الروحانيين الأحياء أو المقبورين، ممن صرفوا لهم عين العبادة، وإن سموه توسلاً واستغاثة أو استشفاعاً، أو اتخذوا من دون الله أولياء من الزعماء السياسيين الذين يصرفونهم عن التوحيد الخالص إلى المبادئ الأرضية والجنسية والمذاهب المادية التي ركزتها الماسونية اليهودية، فإن هؤلاء يملكون من وسائل الدعاية المختلفة المتنوعة في التلبيس والتضليل ما يجعلون به ركاماً هائلاً من الظلمات التي تغشى البصر والبصيرة حتى يجعلوهم في جميع أنواع الظلمات في الدنيا مما يصيرون به إلى ظلمات في القبر، وفي القيامة وعلى الصراط وفي نار جهنم، ملازمة لهم حيث هربوا عن ولاية الله.


﴿ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38] فهذه الآية تنص على أن الكفار لهم أولياء من الطواغيت شياطين الجن والإنس، يلعبون في عقولهم، ويتصرفون بمعتقداتهم، وهم قد قبلوا بمصادرة عقولهم، فأسلموا لهم، كما قبلوا تصرفاتهم بعقائدهم، ثقة بهم وتعظيماً لشأنهم، فحجبوهم عن رؤية الحق والرشاد بعدما بينه الله لهم وأوضح مسلكه، فلهذا كان جزاؤهم ما قرره الله لهم بقوله: ﴿ أولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ وذلك لأن النار هي الدار السيئة والمستقر الخبيث اللائقة بأهل الظلمات الذي لم يبق في قلوبهم مكان لنور الحق والرشاد الذي يقيها من هذه الدار ويصلها بدار الرضوان والنعيم المقيم، فإن ما يحصل عليه الإنسان في الدار الآخرة من السعادة السرمدية أو الشقاوة السرمدية هو نتيجة ما اختاره في الدنيا من السلوك الذي يلحقه بولاية الرحمن الرحيم، أو يرديه في ولاية كل شيطان مريد رجيم.


فمن استبدل بولاية الرحمن ولاية الشيطان كانت النار دار الشقاء هي مصيره، يتقلب في عذابها الخالد بين الجحيم الشديد الحر والزمهرير الشديد البرد، تنويعاً من الله لعذابه، سواء كان هذا الاختلاف العظيم بسبب سعتها كأرض الدنيا التي فيها مواقع شديدة الحر ومواقع شديدة البرد، أو كان مما يخلقه الله من تطوير النار إلى هذا هذا.


ومن شاهد في هذا الزمان كيف أقدر الله المخلوق على صنع مبردات تشتغل على نار الغاز أو الكهرباء ونحوه من النيران فتتكيف بإذن الله إلى برودة لم يستبعد ما يحصل في نار الآخرة من المضادات مهما اشتد إلحاده وغروره بعلمه المادي.


﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21] قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].


ومما ينبغي معرفته من تفسير هذه الآية الكريمة الفرق بين ولاية الله للمؤمنين ولايتهم له وبين بعضهم بعضاً، فإن الجهال لا يميزون بين الولايتين فيجعلون لبعض المؤمنين من الولاية ما هو لله وحده، وذلك شرك هدم بالتوحيد فكيف بمن جعل الولاية للمجاذيب أو الفسقة أو طواغيت البشر أو بعض شياطين الجن والإنس؟ مع أن هذه الآية تفيد حصر ولاية الله للمؤمنين فما أعظم جريمة من اتخذ غير الله وليّاً.



[1] أخرجه البخاري، كتاب: الإيمان، باب: قول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [25]، ومسلم: [20].

[2] أخرجه البخاري كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله رقم [3017] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[3] أخرجه البخاري [6878] كتاب الديات، باب قل الله تعالى: ﴿ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾، ومسلم في صحيحه برقم [1676] من حديث ابن مسعد رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (252 - 254)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (255)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (258 - 263)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (264 – 265)

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
أحمد مولود - موريتانيا 09-05-2014 12:27 PM

بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب