• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي / خطب منبرية
علامة باركود

عبر من غزوة الأحزاب

عبر من غزوة الأحزاب
الشيخ د. عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/1/2014 ميلادي - 19/3/1435 هجري

الزيارات: 23901

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبر من غزوة الأحزاب


يا عبادَ الله، اتَّقوا الله، واعلَموا أنَّكم في هذه الدنيا معرَّضون للابتلاء والاختبار؛ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].


ومن أسباب الثَّبات عند الابتلاء التأسِّي بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبصَحْبِه والنظَر في سِيرته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد حفلت سيرتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمواقف كثيرة ضاقَتْ فيها على المسلمين السُّبل، وظنَّ أهل النِّفاق المندسُّون في صُفوف المسلمين أنَّ المسلمين قد قُضِيَ عليهم، ولكنَّ الله تعالى يأبى إلا أنْ يعزَّ دِينَه ويُعلِي كلمتَه، نحنُ اليومَ عبادَ الله مع درسٍ من دروس التاريخ، مع درسٍ من دروس المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسيرته وأيَّامه العطرة الحافلة بالجهاد والصبر والثقة بنصر الله تعالى، وإنَّ دروسًا تقتبسُ من سيرة نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهي أعظمُ الدُّروس.


إخوة الإيمان، في السَّنة الخامسة من الهجرة النبويَّة وقعت غزوة الأحزاب، أو الخندق، فمَن هم الأحزاب،؟ ومَن المدبِّرون لهذه الغزوة؟ وما حال المسلمين مع نبيهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تلك الأزمة التي أحاطت بالمؤمنين؟


الأحزاب هم: قريشٌ، ذلك العدوُّ اللدود المناوئ لدعوة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعها كنانة وحلفاؤهم في جمعٍ غَفِيرٍ من القبائل المناوئة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودعوته في عشرة آلاف مُقاتل، أمَّا المحزِّبون الساعون في إيقاد نار هذه المعركة فهم أصحاب المكيدة العظيمة في التاريخ، إنهم أصحاب الغدر والخيانة والطُّغيان، إنهم اليهود الذين حرَّضوا قريشًا على الأخْذ بثأرها من الهزائم التي لحقَتْ بها من المسلمين في عدَّة وقعات، وضلَّلها هؤلاء اليهود وأفتَوْا أنها على الحقِّ، وأنَّ دِينها خير من دِين محمَّدٍ، وأنها أهدى منه سبيلاً، فخرجت قريش بقيادة أبي سفيان ابن حرب ولحقت بها الجموع الجرَّارة، فنزلت قريش ومَن معها في جانب من المدينة، ونزلت غطفان في جانبٍ آخَر، وفي هذا يقول الله تعالى من سورة الأحزاب واصفًا نزولَ الأحزاب، والحال التي دبَّت في قلوب المسلمين من الرعب والخوف: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 9 - 11].


والمسلمون مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حال ضعف وقلَّة عدد وظروف اقتصاديَّة سيِّئة، لا يجدون فيها ما يسدُّ حاجتهم، والأعداء محيطون بهم، أعداء في الخارج؛ قبائل العرب قريش وكنانة وغطفان ومَن مالأهم ويهود بني النضير، وهم يُمثِّلون القُوَى الكبرى في الجزيرة العربية حِينذاك، وفي الداخل يهود بني قريظة المعاهدون للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يُؤمَن جانبهم؛ فإنهم أهل غدرٍ وخِيانة.


وفوق ذلك هناك الصِّنف الأخطر والعدوُّ الأحقد والأشد فتكًا، إنهم المنافقون الذين ما يزال المسلمون منهم في محنةٍ وبليَّة، وهم بين المسلمين يُبطِنون كُفرَهم وحِقدَهم، وينثرون كنانتَهم وينفُثون سمومهم بالأراجيف والتخويف والسُّخرية، كما صوَّر ذلك القرآن الكريم: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [الأحزاب: 12، 13].


ما أحرَجَه من موقفٍ! ولكنَّ الإيمان يصنع بأهله العجائب، بلغت الأخبار للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الأعداء قادمون، فشاوَرَ أصحابه، فاقترح سلمان الفارسي - رضي الله عنه - فكرةً لم تعرفْها العرب حيث اقترح حفرَ الخندق حول المدينة لحِمايتها، فتسابَقَ المسلمون في حفره ومعهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعملُ بيديه الشريفتين، وفي مَعمَعةِ هذه الأحوال والظُّروف الصَّعبة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - تعترضُ لهم صخرةٌ في الخندق، ولنترُك الحديث للبراء - رضي الله عنه - يقول:

لمَّا كان يوم الخندق عرضَتْ لنا في بعض الخندق صخرةٌ لا تأخُذ منها المعاول، فاشتكَيْنا ذلك لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجاء وأخَذ المعول فقال: ((بسم الله)) ثم ضرب ضربة، وقال: ((الله أكبر، أُعطِيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظُرُ قصورها الحمر الساعةَ))، ثم ضرب الثانية فقال: ((الله أكبر، أُعطِيت فارس، والله إنِّي لأبصرُ قصر المدائن الأبيض الآن))، ثم ضرب الثالثة، فقال: ((بسم الله))، فقطع بقيَّة الحجر، فقال: ((الله أكبر، أُعطِيت مفاتيح اليمن، والله إنِّي لأبصرُ أبواب صنعاء من مكاني)).


الله أكبر، ها هو النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه الجِياع الذين أحاطَ بهم الأعداء، يُوعَدون بهذه الوعود فيُصدِّقه المؤمنون، وأمَّا المنافقون فيقولون: "مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا"؛ لأنَّ إيمانهم مهزوزٌ ويقينهم معدوم؛ ولذا كان المؤمنون مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعمَلون بجدٍّ ونشاط وهمة عالية، أمَّا المنافقون فكان أحدهم يُورِّي بقليل من العمل ثم يذهب إلى أهله دون إذْن ولا استئذان في خَفاء، فأنزل الله تعالى فيهم قوله: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، ويتجهَّز رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه الكرام - رضي الله عنهم - في مُقابلة العدو، وقد وصَلت جموع الطُّغيان والشِّرك واصطفَّت أمامَ معسكر التوحيد، يحجزُ بينهما الخندق المضروب على الأرض، المشركون في كامل عدَّتهم وعَتادهم وجموعهم الكثيرة، والمسلمون في عددٍ قليل وشفقةٍ على الأهل والذريَّة.


وفي هذه الأثناء يصلُ الخبر للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّ يهود بني قريظة قد نقَضُوا عهدهم معه، وتمالؤوا مع جيش الشرك، ففُتِحت جبهة جديدة ضد المسلمين، ويا لها من جبهات! مشركون متحالفون، ومنافقون في الداخل، ويهود من الجوانب. وهنا عظُمت الفتنة واشتدَّ البلاء وعظُم الكرب، وأصبحت الحالُ كما وصَف الله تعالى في كتابه: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 10 - 12]، قال أحد المنافقين: كان محمدٌ يعدنا أنْ نأخذ كنوز كسرى وقيصر، وأحدُنا لا يأمنُ على نفسه أنْ يذهب إلى الغائط! وقال آخر: يا رسول الله، إنَّ بيوتنا عورة من العدو - أي: مكشوفة له - فأذن لنا أنْ نخرج من المعسكر فنرجع إلى ديارنا، وهذا المنافق ومَن والاه من قومه هم المعنيُّون بقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [الأحزاب: 13]، ثم حدثت المناوشات، وحصَلت المعركة وفزع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى ربِّه يدعوه ويسأله النصرَ له والهزيمة لأعدائه، وهذا ديدنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند كلِّ معضلة ونازلة، وكان من دُعائه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم منزلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اهزِمِ الأحزاب، اللهمَّ اهزمهم وزلزلهم)) وقال بعض أصحابه: يا رسول الله، هل من شيءٍ نقوله؛ فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال: ((نعم؛ قولوا: اللهمَّ استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)).


واستجاب الله دعوةَ رسولِه وعبادِه المؤمنين الصادقين، وشتَّت قُوَى التحالُف العظيم ومزَّقهم شرَّ مُمَزَّقٍ، وردَّ كيدهم، وكفى الله المؤمنين القتال كما وصَف الله بقوله: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25]، ولنُصغِ إلى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - وهو يُحدِّثُ عن حال الأحزاب وما صنَع الله بهم، ويحكي مشاهدتَه لمعسكر أبي سُفيان في تلك الليلة الباردة وهو يُعلن الرحيلَ بسرعة، قال - رضِي الله عنه -:

والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالخندق، وصلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هويًّا من الليل ثم التفَتَ إلينا فقال: ((مَن رجلٌ يقومُ فينظر لنا ما فعَل القوم ثم يرجعُ، أسأل الله تعالى أنْ يكون رفيقي في الجنَّة؟)) فما قام رجلٌ من القوم؛ من شدَّة الخوف وشدَّة الجوع وشدَّة البرد، فلمَّا لم يقم أحدٌ دعاني رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم يكن بُدٌّ من القيام حينَ دَعاني فقال: ((يا حذيفة، اذهب فادخُل في القوم فانظُر ما يصنعون، ولا تُحدِثن شيئًا حتى تأتينا))، قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله (أي: الملائكة) تفعلُ بهم ما تفعلُ، لا تقرُّ لهم نارًا، ولا قدرًا، ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، إنَّكم والله ما أصبحتُم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفُّ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغَنا عنهم ما نكرُه، ولقينا من شدَّة الريح ما ترون، ما تطمئنُّ لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسكُ لنا بناء، فارتحلوا إني مرتحل، ثم قام إلى جمَلِه فارتحلَ هو ومَن معه، فرجعت إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو قائم يُصلِّي فلمَّا سلم أخبرته الخبر، وسمعتْ غطفان بما فعلت قريش فانحسروا راجعين إلى بلادهم ولم يظفروا بشيء، وهنا قال الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الآن نَغزُوهم ولا يَغزونا)) وحقًّا لم تغزُ بعدها قريش النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل غزاهم في عقر دارهم، ودخلَ مكة عليهم وافتتحها عنوةً.


ولَمَّا أصبَحَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك الليلة عاد إلى المدينة وعاد أصحابُه، ثم نادَى بالنفير إلى يهود بني قريظة الذين نكَثُوا العهدَ معه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحاصرهم بضعًا وعشرين يومًا حتى أعلَنُوا التسليم وحكَم فيهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - بقتْل الرجال وسبْي النساء والذريَّة، فتمَّ ذلك، فطهرت المدينة من هؤلاء الأنجاس، وظهَر أمرُ الله ونصرُه رغم أنف الأحزاب ومَن مالأهم ورغم أنف المنافقين المرجفين، والحمد لله على النصر المبين لعبادِه المؤمنين.أقول..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المحمود بكلِّ حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أمَّا بعدُ: فيا أيُّها المسلمون:

إنَّ لنا في مواقف النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه لعِبرةً وعظةً، ويحسُن ذكرُ بعض العِبَرِ والدُّروس التي حفلت بها غزوة الأحزاب، فمن المواقف المؤثِّرة في الأحداث أنَّ الله صنَع أمرًا من عنده خذَل به العدو، وهزَم جموعهم، وفلَّ حدهم، فكان ممَّا هيَّأ الله تعالى أنَّ رجلاً من غطفان يُقال له: نعيم بن مسعود جاء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، إنِّي أسلمتُ، وإنِّي قومي لا يعلمون بإسلامي، فمُرْني بما شئت، وهذا أثَرُ الإيمان عندما تخالطُ بشاشَتُه القلب؛ فيهب لنصرة الإسلام والمسلمين، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما أنت رجلٌ واحد، فخَذِّلْ عنَّا ما استطعت؛ فإنَّ الحرب خدعة))، فذهَب من فوره وخدع بني قريظة واحتال على قريش وحلفائها، فخذل ما بينهم، وأوغر صُدورهم على بعض، فنفع الله بعمله هذا - رضِي الله عنه.


عبادَ الله:

إنَّ الإيمان ليَصنعُ العجائب، ويُحيِي النُّفوس الخائرة، وعند اشتِداد الكُروب وإحاطة الخُطوب يظهرُ الإيمان جليًّا من أناسٍ اعتدُّوا بإيمانهم، وصدقوا وعْد ربهم بنصر عِباده، واستعدُّوا ببذْل الغالي والنَّفِيس من المال والدم والأهل في سبيل الذَّوْدِ عن الدِّين، كما يبرزُ النفاق بوجهه الكالح مخذلاً وناعيًا ومدافعًا عن قُوَى الكفر، وكأنه وكيلٌ قد وكله الكفرة ليُحامِي عنهم، ويرفع من شأنهم، ويخوف المسلمين بهم، وكم تَنادَى هؤلاء المنافقون إلى أنَّ قوى الكُفر لا تهزم، وأنَّ حِلفَها لا ينقض، وأنَّ إرادتها هي العُليا، وأنَّ مَن يقفُ في وجه تلك القوى سفيهٌ قاصرٌ لا يَعِي الأمور ولا يُدرك العواقب، ولكنْ يأبى الله تعالى إلا أنْ يحفظ دِينَه ويعزَّ أولياءه.


عباد الله:

وعند اشتِداد الضِّيق يهرع المؤمنُ إلى ربِّه ويرفعُ يدَيْه ملتجئًا ضارعًا إليه، كما هو حال النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذه المعركة وسائر مَعاركِه، كان يلحُّ على الله تعالى بالدعاء ويكثر من الصلاة، ومَن كان مع الله كان الله معه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وقد علَّمنا القُرآن وعلَّمتنا السُّنَّة والسيرة النبويَّة أنَّ اليهود أهل مكر وخديعة، لا يدَّخرون وُسعًا في الكيد للمسلمين والتأليب عليهم، واستغلال الأحداث وإلصاق التُّهم الجزاف بالمسلمين، وما أعظم هذا الوصف القُرآني لهم: ﴿ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 13]!


وقد علَّمنا القُرآن والسُّنَّة والسيرة أنَّ فرَج الله قريب، وأنَّ مع العسر يسرًا، وأنَّ المسلم طموح ذو همَّة عالية، لا تهوله الوقائع ولا ترعبه الأحداث، ولا يتزعزع يقينُه لأراجيف أو شائعات، أو تحول المِحَنُ عن توكُّله على ربه والثقة بنصر الله، بل كلَّما اشتدَّ البلاء رأى في ثَناياه الخير والعاقبة الحميدة، وقرَأ وتفكَّر في قول ربه تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وقول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لن يغلب عسرٌ يسرين))، والله غالب على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.


اللهمَّ انصُرْ كتابك وسنَّة نبيك وعبادك الصالحين، اللهمَّ ارحم المستضعفين من المسلمين في كلِّ مكان، اللهمَّ ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَّ أمرهم، واحفَظْهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، اللهمَّ عليك بالكفَرة الذين يُعادون دينَك ويقاتلون المسلمين، اللهمَّ عليك باليهود الغاصبين والصليبين الحاقدين، اللهمَّ ردَّ كيدهم في نحورهم، واكفِ المسلمين شُرورَهم، يا قوي يا جبَّار، يا عظيم يا قهَّار، يا مَن لا يُرَدُّ أمرُه، ولا يُهزَم جندُه، اللهمَّ أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كلِّ مكان، اللهمَّ فقِّهنا في دِيننا، وبصِّرنا عند الفتن يا كريم.


سبحان ربك ربِّ العزة عمَّا يصفون..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة معاصرة لغزوة الأحزاب
  • غزوة الأحزاب
  • دروس وعبر من غزوة الأحزاب
  • مع غزوة الأحزاب
  • غزوة الأحزاب (الخندق)

مختارات من الشبكة

  • غزوة الأحزاب: أحداث وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة العبر في خبر من عبر (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عبر وعبرات من ذكريات معتمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة تبوك وما فيها من عبر ودروس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عبر من غزوة بدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحياة عبر الزمن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أتعرض للابتزاز بسبب علاقة محرمة عبر الكاميرا(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • بغداد.. والغزوات عبر التاريخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وقد يجمع الله الشتيتين: 4- ولا أنشد الأشعار إلا تداويا(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب