• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الله الخالق الخلاق (خطبة) – باللعة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    علة حديث إيتاء القرآن قبل الإيمان
    رمزي صالح محمد
  •  
    غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    تفسير: (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    من أخطاء المصلين (3)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    عش على ما تتمنى أن تموت عليه
    أ. د. زكريا محمد هيبة
  •  
    عواقب الطغيان وخيمة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    عندما تختبر الأخلاق (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    درسا بليغا
    بدرية بنت حمد المحيميد
  •  
    الخطاب الأخير
    حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
  •  
    تحريم الاعتداء على البيئة في الإسلام: أدلة شرعية ...
    أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف حجاب
  •  
    التوسل إلى الله بصالح الأعمال (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    تفسير سورة المسد
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    صفة البصر
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب
علامة باركود

فقه الأولويات في القصص القرآني (خطبة)

فقه الأولويات في القصص القرآني (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/11/2025 ميلادي - 14/5/1447 هجري

الزيارات: 3314

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه الأولويات في القصص القرآني


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

يُعَرَّفُ فِقْهُ الْأَوْلَوِيَّاتِ: بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِالْأُمُورِ الَّتِي ثَبَتَ لَهَا حَقُّ التَّقْدِيمِ وِفْقَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ، فَيُقَدَّمُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، بِمَعَايِيرَ شَرْعِيَّةٍ صَحِيحَةٍ يَهْدِي إِلَيْهَا نُورُ الْوَحْيِ، ثُمَّ سَلَامَةُ الْعَقْلِ، فَلَا يُقَدَّمُ غَيْرُ الْمُهِمِّ عَلَى الْمُهِمِّ، وَلَا الْمُهِمُّ عَلَى الْأَهَمِّ، وَلَا الْمَرْجُوحُ عَلَى الرَّاجِحِ، بَلْ يُقَدَّمُ مَا حَقُّهُ التَّقْدِيمُ، وَيُؤَخَّرُ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ[1]. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَإِنَّمَا الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ، ‌وَشَرَّ ‌الشَّرَّيْنِ)[2].


عِبَادَ اللَّهِ.. وَمِنْ نَمَاذِجِ فِقْهِ الْأَوْلَوِيَّاتِ فِي الْقَصَصِ الْقُرْآنِيِّ[3]:

1- أَوْلَوِيَّةُ السَّجْنِ عَلَى فِتْنَةِ الْفَاحِشَةِ: تَعَرَّضَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُرَاوَدَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَعْصَمَ، وَلَمَّا شَاعَ خَبَرُهَا وَذَاعَ أَمْرُهَا؛ جَمَعَتْ لَهُ النِّسْوَةَ، وَتَكَرَّرَتِ الْمُرَاوَدَةُ الْعَلَنِيَّةُ مِنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَبِحُضُورِ النِّسْوَةِ، فَكَانَ كَيْدًا جَمَاعِيًّا، لَا فَرْدِيًّا، فَدَعَا رَبَّهُ قَائِلًا: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 33]. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (فَيُوسُفُ خَافَ اللَّهَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَمْ يَخَفْ مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَحَبْسِهِمْ إِذَا أَطَاعَ اللَّهَ؛ بَلْ آثَرَ الْحَبْسَ وَالْأَذَى مَعَ الطَّاعَةِ، عَلَى الْكَرَامَةِ وَالْعِزِّ، وَقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَنَيْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ مَعَ الْمَعْصِيَةِ)[4].


إِذًا؛ الْمُسْلِمُ إِذَا وَجَدَ نَفْسَهُ أَمَامَ هَذَا الِاخْتِيَارِ الصَّعْبِ؛ فَعَلَيْهِ أَلَّا يَتَرَدَّدَ فِي اخْتِيَارِ طَاعَةِ رَبِّهِ اللَّهِ، وَأَنْ يَهْتِفَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾.


2- الِاهْتِمَامُ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ: لَمْ يَمْنَعِ السِّجْنُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَمُمَارَسَتِهَا بِالصُّورَةِ الْمُنَاسِبَةِ، وَهُوَ يَخْتَارُ الْوَقْتَ وَالْحَالَ الْمُنَاسِبَيْنِ؛ فَاغْتَنَمَ فُرْصَةَ سُؤَالِهِمَا عَنِ الرُّؤْيَا وَتَأْوِيلِهَا، بِدَعْوَتِهِمَا إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ لَهُمَا: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يُوسُفَ: 39، 40].


فَبَدَأَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَهَمِّ؛ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَدَمُ الْإِشْرَاكِ بِهِ؛ فِقْهًا مِنْهُ فِي مَصَالِحِ الدَّعْوَةِ وَأَوْلَوِيَّاتِهَا، وَاخْتَارَ أُسْلُوبَ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ؛ فِي أَوْلَوِيَّةِ الْأُسْلُوبِ الدَّعَوِيِّ.


3- أَوْلَوِيَّةُ طَلَبِ الْوِلَايَةِ عِنْدَ وُجُودِ مَا يُسَوِّغُهَا شَرْعًا: بَعْدَ تَأْوِيلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرُؤْيَا الْمَلِكِ، وَتَنْبِيهِهِ لِمَا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ، وَقِلَّةِ الْمَؤُونَةِ، وَبَيَانِهِ كَيْفِيَّةَ التَّعَامُلِ مَعَ ذَلِكَ الظَّرْفِ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَّخَرَ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ التَّعَامُلِ فِي فِقْهِ النَّوَازِلِ – عِنْدَ النَّكَبَاتِ وَالْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا – فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ تَمَكُّنَ يُوسُفَ مِنْ إِيجَادِ الْحُلُولِ الْمُنَاسِبَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ قَالَ لَهُ: ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يُوسُفَ: 54]. فَأَجَابَهُ يُوسُفُ قَائِلًا: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يُوسُفَ: 55].


قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَا يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إِلَّا إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَاطِبًا إِلَى قَوْمٍ فَيُرَغِّبَهُمْ فِي نِكَاحِهِ، أَوْ لِيُعَرِّفَ أَهْلِيَّتَهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ؛ لِيَقُومَ ‌بِمَا ‌فَرَضَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً)[5].


مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ لَنَا: أَوْلَوِيَّةُ الْمُطَالَبَةِ بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ أَوِ الْوَظِيفَةِ؛ إِذَا شَعَرَ الْإِنْسَانُ بِجَهْلِ الْمُقَابِلِ لِمَقَامِهِ وَكَفَاءَتِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُطَالِبْ بِهَا؛ قَدْ يَلْحَقُ الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرُ، وَيَفُوتُهُ مِنَ الْمَصَالِحِ الْكَثِيرُ.


4- أَوْلَوِيَّةُ حِفْظِ الْكَثِيرِ بِتَفْوِيتِ الْقَلِيلِ: خَافَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى السَّفِينَةِ الْغَصْبَ، فَخَرَقَهَا؛ لِيَزْهَدَ غَاصِبُهَا فِي أَخْذِهَا، وَلِهَذَا قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى – مُعَلِّلًا تَصَرُّفَهُ: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الْكَهْفِ: 79]. قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (إِذَا كَانَتِ السَّفِينَةُ لِيَتِيمٍ يَخَافُ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَنْ تُغْصَبَ، وَعَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ ‌لَوْ ‌خَرَقَهَا لَزَهِدَ الْغَاصِبُ عَنْ غَصْبِهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَرْقُهَا؛ حِفْظًا لِلْأَكْثَرِ بِتَفْوِيتِ الْأَقَلِّ، فَإِنَّ حِفْظَ الْكَثِيرِ الْخَطِيرِ بِتَفْوِيتِ الْقَلِيلِ الْحَقِيرِ مِنْ أَحْسَنِ التَّصَرُّفَاتِ)[6].


وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الْفُقَهَاءُ: أَوْلَوِيَّةَ تَفْوِيتِ الْقَلِيلِ عَلَى حِسَابِ الِاحْتِفَاظِ بِالْكَثِيرِ، وَالْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَإِنِ اسْتَلْزَمَتْ مَفْسَدَةً مَرْجُوحَةً، وَالنَّظَرَ إِلَى مَآلَاتِ الْأَفْعَالِ؛ فَرُبَّ مَفْسَدَةٍ – فِي الظَّاهِرِ – آلَتْ إِلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَرُبَّ مَصْلَحَةٍ – فِي الظَّاهِرِ – آلَتْ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ.


5- أَوْلَوِيَّةُ الْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ: قَالَ السَّحَرَةُ – لِفِرْعَوْنَ –: ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 72، 73]؛ أَيْ: (خَيْرٌ ‌مِنْكَ ‌ثَوَابًا، وَأَبْقَى عِقَابًا)[7]. فَقَدْ أَعْطَى السَّحَرَةُ الْأَوْلَوِيَّةَ لِلْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ الْأُخْرَوِيَّةَ أَوْلَى مِنَ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ آثَرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى.


وَالْمَصَالِحُ الْمُرْتَبِطَةُ بِحِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ – وَأَوَّلُهَا الدِّينُ – هِيَ أَعْظَمُ الْمَصَالِحِ وَأَعْلَاهَا شَأْنًا؛ لِذَلِكَ اخْتَارَ السَّحَرَةُ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ.. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنْ نَمَاذِجِ فِقْهِ الْأَوْلَوِيَّاتِ فِي الْقَصَصِ الْقُرْآنِيِّ:

6- أَوْلَوِيَّةُ تَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ الظُّرُوفِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ: الْأَصْلُ فِي الْحُرُوبِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ قَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَعَنْ قَتْلِ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ الْكِبَارِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا شَأْنَ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا مَا كَانَ يُوصِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَادَةَ جُيُوشِهِ، وَمِنْهُمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَمِمَّا جَاءَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ: «‌لَا ‌تَقْتُلُوا ‌كَبِيرًا ‌هَرِمًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا وَلِيدًا، وَلَا تُخْرِبُوا عُمْرَانًا، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً إِلَّا لِنَفْعٍ»[8]. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ الْكُبْرَى".

 

وَلَمَّا خَانَ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ الْعُهُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَأْدِيبِهِمْ، فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَى أَنَّ قَطْعَ النَّخْلِ أَوْ حَرْقَهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ الْأَثَرُ فِي نُفُوسِهِمْ كَيْ يَسْتَسْلِمُوا، وَيَنْزِلُوا إِلَى حُكْمِهِ فِيهِمْ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الْحَشْرِ: 5]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَهُمْ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ؛ إِهَانَةً لَهُمْ، ‌وَإِرْهَابًا وَإِرْعَابًا لِقُلُوبِهِمْ)[9].


وَمِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ: أَوْلَوِيَّةُ عَدَمِ الْحَرْقِ وَالْقَطْعِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَوْلَوِيَّةُ تَغَيُّرِ الْحُكْمِ مِنْ حَالَةٍ إِلَى أُخْرَى، فَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مُلْكَهَا سَيَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ مِنْهَا وَمِنْ ثِمَارِهَا، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَهَا فِي أَيْدِي الْكَفَّارِ؛ فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي قَطْعَهَا.


7- أَوْلَوِيَّةُ تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ لِلدَّاعِيَةِ: فَمِنْ صُوَرِ الْأَوْلَوِيَّاتِ فِي قِصَّةِ غُلَامِ الْأُخْدُودِ: أَنَّهُ ضَحَّى بِنَفْسِهِ، وَآثَرَ الْمَوْتَ؛ لِيَبْقَى دِينُ اللَّهِ ظَاهِرًا بَعْدَهُ. فَقَدْ أَرْشَدَ الْمَلِكَ الظَّالِمَ إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمُجْدِيَةِ لِقَتْلِهِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؛ قَتَلْتَنِي»؛ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ النَّاسُ: «آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

فَقَدْ أَقْدَمَ الْغُلَامُ الْمُؤْمِنُ عَلَى عَمَلٍ مُبَارَكٍ: وَهُوَ الشَّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَخْتِمَ بِخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ، وَأَنْ تَحْيَا بِمَوْتِهِ أُمَّةٌ طَالَمَا عَاشَتْ فِي ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ؛ لِذَلِكَ آثَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ انْتِشَارِ هَذَا الدِّينِ.


وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ – عِنْدَ شَخْصٍ – فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ حَالٍ مُعَيَّنَةٍ؛ هِيَ كَتْمُ الْإِيمَانِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ، فَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي إِظْهَارِ الْإِيمَانِ، خُصُوصًا إِذَا آمَنَ بَعْضُ الْخَلْقِ بِسَبَبِ إِظْهَارِهِ لِإِيمَانِهِ؛ فَعِنْدَ هَذَا يَكُونُ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً وَهِيَ الْأَوْلَى، وَالْأَمْرُ دَائِرٌ بَيْنَ الرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ.



[1] انظر: فقه الأولويات السياسية والاقتصادية في ضوء القرآن الكريم، نهاد الغصين (1/ 37).

[2] مجموع الفتاوى، (20/ 54).

[3] انظر: فقه الأولويات في ظلال مقاصد الشريعة الإسلامية، د. عبد السلام الكربولي (ص44).

[4] مجموع الفتاوى، (15/ 132).

[5] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، (2/ 210).

[6] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، (2/ 59).

[7] تفسير الطبري، (165/ 118)؛ تفسير البغوي، (5/ 285).

[8] سنن البيهقي الكبرى، (9/ 153).

[9] تفسير ابن كثير، (8/ 61).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ضيافة الصديق سعة بعد ضيق (خطبة)
  • نملة قرصت نبيا (خطبة)
  • مهاجرو البحر لهم هجرتان (خطبة)
  • الفتور داء خطير (خطبة)
  • آيات كونية مرئية ومنسية (خطبة)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خمسون سرا من أسرار القصص القرآني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لطائف دلالات القرآن في خواتم سرد القصص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرية البدائل بين فقه الأولويات وفقه الضرورة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • أثر دلالة السياق القرآني في توجيه معنى المتشابه اللفظي في القصص القرآني(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • كتاب فقه القصص النبوي: نبذة وتعريف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • فقه الدعوة وفقه الرفق(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/5/1447هـ - الساعة: 16:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب