• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

الآيات الدالة على فضائل القرآن

الآيات الدالة على فضائل القرآن
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2022 ميلادي - 22/6/1443 هجري

الزيارات: 183645

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الآيات الدالة على فضائل القرآن

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

القرآن العظيم هو كتاب الله المبين، والتنزيل الحكيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فلقد أُحكمت آياته ثم فصِّلت من لدن حكيم خبير؛ لِيُخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم، وهو الحقُّ القاطع والنور الساطع المستقيم، والمنهج القويم الذي فرض الله على العباد أن يؤمنوا به، ويهتدوا بهديه، وينتهجوا سبيله، ويلزموا طريقه في الأقوال والأعمال، وسائر الشؤون والأحوال، ولم ينزل سِفرًا في التاريخ أو العلوم أو الأدب أو غيرها من المعارف الإنسانية، وإنما نزل لهداية البشرية جمعاء، ويُعد أدق وثيقة سماوية بين يدي المجتمع البشري.

 

وبهذا يفضل القرآنُ سواه من الكتب السَّماوية، ويتقدَّم على غيره من الكتب المُنزَّلة، فله فضائله التي أَبرزت عظمتَه ومكانتَه وقَدرَه، وهذا ما سنتناوله فيما يلي:

أولًا: القرآن كلام اللهِ المُنزَّل:

كفى بالقرآن العظيم فضلًا وشرفًا أنه كلام العليم الحكيم تبارك وتعالى، منه بدأ وإليه يعود، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]. تفيد هذه الآية الكريمة أن القرآن المتلوَّ المسموع المكتوب بين دفتي المصحف هو كلام الله على الحقيقة، وليس هو حكاية لكلام الله. وإضافته إلى الله عزّ وجل تدلُّ على أنه صفةٌ له قائمةٌ به، وليست كإضافة البيت أو الناقة؛ فإنها إضافة معنى إلى الذَّات.

 

ودلَّت هذه الآية أيضًا على أن القرآن منزَّلٌ من عند الله، بمعنى أن الله تكلَّم به، وقد تلقَّاه جبريل عليه السلام، فنزل به، وأدَّاه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما تلقَّاه من الربِّ جلَّ شأنه [1]. وفي هذه الآية الكريمة كذلك «حُجَّةٌ صريحة، لمذهب أهل السُّنَّة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق؛ لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافهُ إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها»[2].

 

فمن فضل القرآن أنه كلام ربِّ العالمين غير مخلوق، كلامُ مَنْ ليس كمثله شيء، وصفةُ مَنْ ليس له شبيه ولا ند، ولولا أن الله تعالى جعل في قلوب عباده من القوة ما مكَّنها من حمله لتتدبَّره وتعتبر به وتتذكَّر ما فيه من طاعته، وعبادته، وأداء حقوقه وفرائضه، لعجزت القلوب عن حمله، بل لتضعضعت منه، وأنى لها أن تُطيقه والله تعالى يقول: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، فأين قوة القلوب من قوة الجبال؟ ولكن الله رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلًا منه ورحمة [3].

 

ثانيًا: القرآن شَرَفٌ للعرب خاصةً وللأُمَّة عامةً:

لقد كان العرب يعيشون في الجاهلية جهلاء؛ حيث عمَّهم الفساد من نواحٍ شتى في العقيدة والعبادة والأحكام والسُّلوك والنُّظُم الاجتماعية، فانتقل بهم القرآن من أمة بلغت مِنَ التَّخلف والجهل والسُّوء أقصاه إلى أمة تسنَّمت ذروة المجد والكمال فكانت خير أمة أخرجت للناس فاعتزُّوا وسادوا على جميع الأمم.

 

فللقرآن العظيم أكبر الفضل على العرب خاصة، في نيل هذه المَنْقَبة، وبلوغ هذه المرتبة، فقد حَفِظَ كيانهم ووجودهم حين حفظ لغتهم، ولولا فَضْلُ الله تعالى على العرب بالقرآن لبادوا كما بادت أمم كثيرة.

 

بل مَدَّ القرآنُ العظيم سلطانَ العربية إلى حيث بلغ في مناطق الدُّنيا؛ كآسيا وإفريقيا وأوروبا (الأندلس) وغيرها، فأصبحت اللغة العربية لغة الحضارة والمدنيَّة، وأصبح كلُّ مسلم يشعر أن العربية لغته إذْ إنَّ القرآن قد نزل بها. فالقرآن الكريم إذًا هو أعظم وسيلة لتعريب الشُّعوب الأعجمية، ولنشر أفكار المسلمين وثقافتهم بين مئات الملايين من الناس غير العرب.

 

والمسلمون - ولا سيما العربُ منهم - مدعوون في الوقت الحاضر لإنقاذ العالم بقرآنهم العظيم من تكالب الأحزاب المادية المتصارعة لاستذلاله ونهب خيراته، كما أنقذوه بالأمس من سيطرة الإمبراطوريات الطَّبقية [4]. وقد وردت ثلاث آيات تدلُّ صراحةً على أنَّ القرآن شرف وفخر للعرب خاصَّة وللأمة عامة، وهي:

1- قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]. قال القرطبي رحمه الله: «يعني: القرآن شرفٌ لك ولقومك من قريش؛ إذْ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم؛ نظيره: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ [الأنبياء: 10]؛ أي: شرفكم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإيَّاهم خاطب؛ فاحتاج أهل اللُّغات كلها إلى لسانهم، كُلُّ مَنْ آمن بذلك فصاروا عيالًا عليهم؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء، فشرَفُوا بذلك على سائر أهل اللغات، ولذلك سُمِّي عربيًا»[5].

 

ونصُّ الآيةِ - كما ذكر المفسِّرون - يحتمل أحد مدلولين: الأول: أن القرآن تذكير للنَّبي صلّى الله عليه وسلّم ولقومه وسيُسألون عنه يوم القيامة، فلا حجَّة لهم بعد التذكير. الثاني: أن القرآن يرفع ذِكْرَكَ وذِكْرَ قومك. وهذا ما حدث حقًا.

 

فأمَّا رَفْعُه لذكره صلّى الله عليه وسلّم فإن مئات الملايين من أَلْسن المؤمنين تلهج بالصلاة والسَّلام عليه، وتذكره ذكر المحبِّ المشتاق آناء الليل وأطراف النهار منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ومئات الملايين من القلوب تخفق بحبِّه منذ ذلك الزمن البعيد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأمَّا رَفْعُه لذكر قومه؛ فقد جاءهم هذا القرآن والناس لا يعبؤون بهم، بل يزدرونهم، فجعل لهم دورهم الأكبر في تاريخ الأمم، فقد واجهوا به الدُّنيا فعرفتهم ودانت لهم طوال الزمن الذي استمسكوا فيه به.

 

2- قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]. فقوله تعالى: ﴿ فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾؛ أي: شرفكم، وفخركم، وارتفاعكم، فإذا امتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدركم، وعظم أمركم. فإن المؤمنين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، والذين تذكَّروا بالقرآن، من الصحابة فَمَنْ بعدهم، حصل لهم منه الرفعة والعلو الباهر، والصِّيت العظيم، والشَّرف على الملوك، ما هو معلوم لكل واحد [6].

 

ولقد كان ذكر العرب ومجدهم بالقرآن حين حملوا رسالته فشرَّقوا به وغرَّبوا، فلم يكن لهم ذكر قبله. ولا يملك العربُ من زاد يقدِّمونه سوى هذا الزاد، ولا يملكون من منهج يقدِّمونه للإنسانية سوى هذا المنهج، فلم يُعرَفوا إلاَّ بكتابهم وعقيدتهم، وسلوكهم القويم.

 

3- قوله تعالى: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾ [ص: 1]. قال السعدي رحمه الله: «أي: ذي القَدْر العظيم، والشَّرف، المُذَكِّرِ للعباد، كل ما يحتاجون إليه من العلم، بأسماء الله وأفعاله، ومن العلم، بأحكام الله الشرعية، ومن العلم، بأحكام المعاد والجزاء. فهو مُذكِّر لهم، في أصول دينهم وفروعه، وهنا لا يُحتاج إلى ذكر المُقسَم عليه، فإنَّ حقيقة الأمر، أنَّ المقسم به وعليه شيء واحد، وهو: هذا القرآن، الموصوف بهذا الوصف الجليل. فإذا كان القرآن بهذا الوصف، عُلِمَ أن ضرورة العباد إليه فوق كل ضرورة»[7].

 

إنَّ القرآن العظيم، هو كلمة الله العليا، ولا يداني كلامَه سبحانه كلامُ أحدٍ من خلقه، ولقد ارتفعت الأمَّة المُسلمة وشرفت وسَمَتْ؛ لأنَّها ارتفعت إلى كلمة الله العليا، فالعلوُّ يحتاج إلى الصُّعود والرُّقي، وبالفعل ارتقت الأمَّة لتصلَ إلى كلمة الله، فنالت من الشرَّف والمكانة في عصور ازدهارها ما هو معلوم للدُّنيا كلِّها، لا ينكره إلاَّ جاحد، وليس هذا إلاَّ بتمسُّكها بكتابها المُقدَّس، واستحقت أن تكون خيرَ أُمَّة أُخرجت للنَّاس؛ لأنَّها امتلكت كتاب ربِّها، فَجَذَبت إليها أنظار الأمم قاطبةً، وأدهشهم ما خرَّجت به عليهم من قيم وحضارة وعلم. ولا تزال هذه الأمَّةُ - رغم بُعدها عن منهج ربِّها، وعن كتابها - خيرَ أُمَّة وأشرَفها؛ لأنَّها تمتلك المنهج، وتملك أدوات التَّطبيق.

 

ثالثًا: القرآن يهدي للتي هي أقوم:

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]. «ذَكَرَ جَلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنَّ هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السَّماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدًا بربِّ العالمين جلَّ وعلا: ﴿ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾؛ أي: يهدي للطَّريقة التي هي أسدُّ وأعدل وأصوب. وهذه الآية العظيمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبَّعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا جميع القرآن العظيم، لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خير الدنيا والآخرة»[8].

 

والقرآن «يهدي للتي هي أقوم من هُدى كتاب بني إسرائيل الذي في قوله: ﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الإسراء: 2]. ففيه إيماءٌ إلى ضمان سلامة أُمَّةِ القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم »[9].

 

فكلُّ حالٍ هي أقوم في العقائد والأخلاق والأعمال، والسِّياسات، والصِّناعات، والأعمال الدِّينية والدُّنيوية، فإن القرآن العظيم يهدي إليها ويأمر بها ويحثُّ عليها.

 

فأمَّا العقائد: فإن عقائد القرآن هي العقائد النافعة التي فيها إصلاح القلوب وغذاؤها وكمالها؛ لأنها تملأ القلوب محبةً لله وتعظيمًا له وإنابة إليه. وأمَّا الأخلاق: فإنه يدعو إلى التَّحلِّي بكل خلق جميل، من الصَّبر والحلم والعفو، وحسن الخلق، والآداب، وجميع مكارم الأخلاق، ويحث عليها بكل طريق، ويرشد إليها بكل وسيلة.

 

وأمَّا الأعمال الدِّينية: فإنه يهدي إلى أحسنها من القيام بحقوق الله وحقوق العباد، على أكمل الحالات وأجلَّها، وأسهلها وأوصلها إلى المقاصد. وأمَّا السِّياسات الدِّينية والدُّنيوية: فهو يرشد إلى سلوك الطُّرق النافعة في تحصيل المصالح الكلية ودفع المفاسد، ويأمر بالتَّشاور على ما لم تتَّضح مصلحته، والعمل بما تقتضيه المصلحة في كلِّ وقت، بما يناسب ذلك الوقت والحال، حتى في سياسة العبد مع أولاده وأهله وأصحابه ومعامليه.

 

فلا يمكن أن توجد حالة يتفق العقلاء أنها أقوم من غيرها وأصلح، إلاَّ والقرآن يُرشد إليها نصًا أو ظاهرًا أو دخولًا تحت قاعدة من قواعده الكلية [10]. ومن هدي القرآن للتي هي أقوم هدايته إلى حلِّ المشكلات العالمية بأقوم الطُّرق وأعدلها [11].

 

رابعًا: القرآن كتاب مبارك:

وَصَفَ الله تعالى كتابه العظيم بأنه مبارك في أربعة مواضع، وهي: قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [الأنعام: 92]؛ وقوله: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]؛ وقوله: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 50]؛ وقوله: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

 

والبركة هي ثبوت الخير ودوامه، وكثرته وزيادته، وهذا شأن القرآن العظيم [12]. وهذا ما أكَّده العلاَّمة ابن القيم رحمه الله بقوله: «وهو [القرآن] أحقُّ أن يُسمَّى مباركًا من كلِّ شيء؛ لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه»[13]. ولأنه اشتمل على منافع الدَّارين، وعلوم الأوَّلين والآخرين [14]. بل «فيه كُلُّ هدى من ضلالة وشفاءٌ من كل داء، ونور يستضاء به في الظلمات. وفيه كُلُّ حُكم يحتاج إليه المكلَّفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طَرَقَ العالَمَ، منذ أنشأه الله»[15].

 

فالقرآن مباركٌ في أصله؛ لأنه كلام الله، ومبارك في حامله - جبريل عليه السلام - ومبارك في محلِّه - قلبِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - ومبارك في حجمه ومحتواه، فإنْ هو إلاَّ صفحات قلائل بالنسبة لضخامة الكتب التي يكتبها البشر، لكنه يحتوي في كلِّ آية منه ما لا تحتويه عشرات من هذه الكتب الضِّخام، ومبارك في تلاوته، ومبارك في علومه، ومبارك في معانيه ودلالاته، ومبارك في آثاره.

 

وهذا ما أكَّده أيضًا العلاَّمة ابن عاشور رحمه الله بقوله: «وَوَصْفُ القرآن بالمبارك يعمُّ نواحي الخير كلها؛ لأن البركة زيادة الخير؛ فالقرآن كلُّه خير من جهة بلاغة ألفاظه وحُسنها، وسرعة حفظه، وسهولة تلاوته، وهو أيضًا خير لما اشتمل عليه من أفنان الكلام والحكمة والشَّريعة واللطائف البلاغية، ولذلك اهتدت به أمم كثيرة في جميع الأزمان، وانتفع به مَنْ آمنوا به وفريق ممن حُرِموا الإيمان. فكان وَصْفه بأنه مبارك وافيًا على وصف كتاب موسى عليه السلام بأنه فرقان وضياء»[16].

 

وحينما نُوازن بين القرآن والتَّوراة في الحجم نجده أصغر منها، ولكن إذا تأمَّلنا البركةَ التي في القرآن فسنجدها بركةً لا تنتهي؛ فكلُّ يوم يُعطي القرآنُ المباركُ عطاءً جديدًا، ولا تنقضي عجائبه، ويقرأه الناس فيفهم هذا منه معنى، وآخَرُ يفهم معنى جديدًا. وهذا دليلٌ على أنَّ قائله تعالى حكيم، وَضَعَ في الشَّيء القليل الفائدةَ الكثيرة. فهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ص: 29]. وكلُّ كتاب سَبَقَ هذا الكتاب المبارك له زمن محدود، وعصر محدود، وأُمَّة محدودة، أمَّا القرآن فهو يُواجِه - منذ أن أنزله الله تعالى إلى قيام الساعة - قضايا متجدِّدة يَضَعُ لها حلولًا مناسبة.

 

وقد جاء القرآن المبارك متوافقًا مع طموح البشرية، وحضارتها وارتقائها في العقول، لذلك كان له السَّبْق دائمًا في مواجهة هذه الأمور التي يحتاجها البشر في كل مكان وزمان ولا يكون ذلك إلاَّ إذا كان مباركًا [17]. فنرجوا اللهَ تعالى القريبَ المجيبَ أن تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك في الدُّنيا والآخرة، إنه سميع عليم.

 

خامسًا: القرآن تبيانٌ لكل شيء:

قال الله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]. «قال ابن مسعود رضي الله عنه: وقد بيَّن لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء. وقال مجاهد رحمه الله: كل حلال وحرام. وقول ابن مسعود أعمُّ وأشمل؛ فإنَّ القرآن اشتمل على كلِّ علم نافع مِنْ خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحُكْمِ كلِّ حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم»[18].

 

فالقرآن حوى كثيرًا من علوم الدنيا تصريحًا، أو تلميحًا، أو إشارة، أو إيماءً، ولا يزال البحث العلمي في علوم الإنسان، والحيوان، والنبات والثمار، والأرض، والبحار، والفضاء، والأفلاك، والظَّواهر الكونية والأرضية يتوصَّل إلى معلومات حديثة مهمة، ذَكَرَها القرآن العظيم قبل قرون طويلة، مما جعل كثيرًا من الباحثين يؤمنون ويهتدون. فكلُّ ما يحتاج إليه البشر لإصلاح حالهم ومعادهم موجود في والوحي؛ قرآنًا وسُنَّة.

 

بَيَّن ذلك ابن عاشور رحمه الله بقوله: «و﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يفيد العموم؛ إلاَّ أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشَّرائع: من إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدنيّ، وتبيُّن الحقوق، وما تتوقَّف عليه الدَّعوة من الاستدلال على الوحدانية، وَصِدْقِ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدَّقائق الكونية، وَوَصْفِ أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلَّل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم.

 

وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف صالحة لأنْ تكون بيانًا لكل شيء على وجه العموم الحقيقي إن سُلِكَ في بيانها طريق التفصيل واستُنير فيها بما شرح الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما قفَّاه به أصحابه وعلماء أمَّته، ثم ما يعود إلى الترغيب والترهيب من وَصْف ما أُعدَّ للطائعين وما أعدَّ للمعرضين، ووصف عالم الغيب والحياة الآخرة.

 

ففي كل ذلك بيان لكل شيء يقصد بيانه للتَّبصُّر بهذا الغرض الجليل، فيؤول ذلك العموم العرفي بصريحه إلى عموم حقيقي بضمنه ولوازمه. وهذا من أبدع الإعجاز» [19].

 

سادسًا: القرآن فَضْلُ الله المُفْرِح لعباده:

قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «فَضْلُ الله»: القرآن، «ورحمتُه»: أن جعلكم من أهله. وقال قتادة رحمه الله: «فَضْلُ الله»: القرآن. «ورحمتُه»: الإسلام. فقد ندب الله تعالى للفرح بهذا القرآن الذي جاءهم بالهدى ودين الحق، وهو أعظم نعمة ومنة تفضَّل الله بها على عباده ﴿ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ من متاع الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.

 

وقد فقه الصَّحابة رضي الله عنهم هذه الآية كلَّ الفقه ولم تغرُّهم الدنيا ومتاعها الفاني «لمَّا قُدِّمَ خَراجُ العراق إلى عمر رضي الله عنه، خرج عُمَرُ ومولى له فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبتَ. ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ وهذا ممَّا يجمعون»[20].

 

ذاك هو فقه الصَّحابة رضي الله عنهم في النظر إلى الأشياء وتحديد قيمتها، لقد أنار القرآنُ العظيم حياتَهم وجعلهم يُؤثرون ما يبقى على ما يفنى، فاختاروا ما رَضِيَهُ الله لهم. كانوا يعدُّون الفَضْلَ الأوَّل والرَّحمة الأُولى، هي ما جاءهم من الله من موعظة وهدى. فأمَّا المال والثراء الذي يأتيهم من الله تعالى فهو تابع لذلك. فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم، فبذلك وحده فليفرحوا.

 

«وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى وقوتها، وشدَّة الرغبة في العلم والإيمان، الدَّاعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود. بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم. كما قال تعالى عن قوم قارون له: ﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]. وكما قال تعالى، في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل، المناقض لما جاءت به الرسل: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ ﴾ [غافر: 83] »[21].

 

سابعًا: القرآن هدى ورحمة وبشرى للمسلمين:

قال تعالى عن القرآن أنه: ﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]. «وخَصَّ بالذِّكر الهدى والرَّحمة والبُشرى لأهميتها: فالهدى: ما يرجع من التِّبيان إلى تقويم العقائد والأفهام والإنقاذ من الضلال. والرَّحمة: ما يرجع منه إلى سعادة الحياتين الدُّنيا والأخرى. والبُشرى: ما فيه من الوعد بالحُسنيين الدُّنيوية والأُخروية. وكل ذلك للمسلمين دون غيرهم؛ لأنَّ غيرهم لَمَّا أعرضوا عنه حَرموا أنفسهم الانتفاع بخواصِّه كلِّها»[22].

 

وهذا ما أكَّده العلاَّمة الشنقيطي رحمه الله بقوله: «وَيُفْهَمُ من دليل خطاب هذه الآية الكريمة - أي: مفهوم مخالفتها: أنَّ غير المسلمين ليسوا كذلك. وهذا المفهوم من هذه الآية صرَّح به جلَّ وعلا في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44]. وقوله: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]»[23]. «فللَّه الحمد والشُّكر والثَّناء، على أنْ جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورًا، وتبصرة وتذكرة، وعبرة وبركة، وبشرى للمسلمين. فإذا عُلِمَ هذا، علم افتقار كل مُكلَّف لمعرفة معانيه والاهتداء بها. وكان حقيقًا بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلُّمه وتفهُّمه بأقرب الطُّرق الموصلة إلى ذلك»[24].

 

ثامنًا: القرآن بصائر للمؤمنين:

قال الله تعالى عن القرآن: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203]. البصائر: جمع بصيرة وهي التي يظهر بها الحق، والآية فيها تنويه بشأن القرآن، وأنه خير من الآيات التي يسألونها؛ لأنه يجمع بين الدَّلالة على صِدْق الرسول بواسطة دلالة الإعجاز وصدوره عن الأمي، وبين الهداية والتعليم والإرشاد، والبقاء على مَرِّ العصور.

 

وإنما جمع «البصائر»؛ لأنَّ القرآن أنواع من الهدى على حسب النواحي التي يهدي إليها، من تنوير العقل في إصلاح الاعتقاد، وتسديد الفهم في الدين، ووضع القوانين للمعاملات والمعاشرة بين الناس، والدَّلالة على طرق النَّجاح والنَّجاة في الدُّنيا، والتَّحذير من مهاوي الخسران.

 

وأفرد الهدى والرحمة: لأنهما جنسان عامان يشملان أنواع البصائر، فالهدى يقارن البصائر، والرَّحمة غاية للبصائر، والمراد بالرحمة: ما يشمل رحمة الدنيا - وهي استقامة أحوال الجماعة وانتظام المدنيَّة - ورحمة الآخرة - وهي الفوز بالنعيم الدَّائم - كقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. وفي الآية تعريضٌ بأنَّ غير المؤمنين ليسوا أهلًا للانتفاع بالقرآن [25].

 

وهناك فرق بين البصر والبصائر: فالبصر من الأمور الحسية وهو مهمة العين، لكن هناك أمورًا معنوية لا تكشفها إلاَّ البصيرة، وجمعها بصائر، ويسمَّى صاحب هذه الرؤية المعنوية: صاحب بصيرة؛ لأنَّها تضيء القلب بالنور حتى يستكشف تلك الأمور المعنوية، ولا يمتلك القلبُ البصيرةَ حتى يكون مشحونًا باليقين الإيماني.

 

والقرآن العظيم بصائر؛ لأنه يعطي ويمنح مَنْ يؤمن به ويتأمَّله بصائر لِيَجِدَ الأمور المعنوية وقد صارت مُبْصَرَةً، وكأنه قادر على رؤيتها ومشاهدتها وكأنها عينُ اليقين. فالخلاصة: إن القرآن رحمةٌ لكلِّ الناس، وهدىً لمن يسأل عن الدَّليل، وبصائر لمن تيقَّن أصولَ الإيمان [26].

 

تاسعًا: القرآن نور:

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174]؛ وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]. سُمِّي القرآن نورًا؛ لأنه يُضيء الحقَّ ويُحيل ظلمات الجهل والشك والشرك والكفر والأخلاق السَّيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة.

 

قال ابن عاشور رحمه الله: «و(الظلمات والنور) استعارة للكفر والإيمان؛ لأن الكفر يجعل صاحبه في حيرة فهو كالظلمة في ذلك، والإيمان يرشد إلى الحق فهو كالنور في إيضاح السبيل. وقد يستخلص السَّامع من ذلك تمثيل حال المنغمس في الكفر بالمتحير في ظلمة، وحال انتقاله إلى الإيمان بحال الخارج من ظلمة إلى مكان نيِّر»[27].

 

إذًا فالغاية التي أُنزل من أجلها القرآن العظيم، هي إخراج هذه البشرية من ظلمات الوهم والخرافة والتَّقاليد الجاهلية، وظلمات الحيرة إلى نور التوحيد والحق والثبات، ولا تسل عمَّا يكون في دنيا الناس من فسادٍ ودمارٍ إذا حكمتهم أهواؤهم وضلوا السبيل.

 

ومن أجل إنقاذ الناس وهدايتهم قد جاءهم من الله نور وكتاب مبين؛ لمصلحتهم في الدنيا والآخرة، والله غني عن العالمين، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]. وَنُوْرُ القرآنِ العظيمِ جاء مِنْ أمْرٍ حسِّي؛ لأن النور يمنع الإنسان مِنْ أنْ يتعثَّرَ في مشيه أو يخطئَ الطَّريق أو أن يصطدم بالأشياء فيؤذيها وتؤذيه.

 

عاشرًا: القرآن حياةٌ للمستجيبين له:

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]. فالحياة النافعة تحصل بالاستجابة لله ولرسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت حياة بهيمية، مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. قال قتادة رحمه الله في قوله: ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ هو هذا القرآن، فيه الحياة والثَّقة والنَّجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.

 

فالحياة الحقيقية الطَّيبة إذًا هي حياة مَنْ استجاب لله والرسول ظاهرًا وباطنًا. هؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان. ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]. فأكمل الناس حياة أكملهم استجابة لهذا القرآن، ففيه الحياة الكاملة، ومَنْ فاته جزء من الاستجابة للقرآن فقد فاته جزء من الحياة الحقيقية الكاملة [28].



[1] انظر: شرح العقيدة الواسطية، لمحمد خليل هراس (ص153، 154).

[2] تفسير السعدي (2/226).

[3] انظر: التذكار في أفضل الأذكار (ص45).

[4] انظر: من أسرار عظمة القرآن، د. سليمان بن محمد الصغير (ص11 ـ 13).

[5] الجامع لأحكام القرآن (16/93).

[6] انظر: تفسير السعدي (3/269).

[7] تفسير السعدي (4/279).

[8] أضواء البيان (3/372).

[9] التحرير والتنوير (14/33).

[10] انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص146).

[11] انظر: أضواء البيان (3/412).

[12] انظر: التبرك أنواعه وأحكامه، د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع (ص45).

[13] جلاء الأفهام (ص178).

[14] انظر: روح المعاني (7/221).

[15] تفسير السعدي (4/287).

[16] التحرير والتنوير (17/66، 67).

[17] انظر: تفسير الشعراوي (7/4008).

[18] تفسير ابن كثير (4/601).

[19] التحرير والتنوير (13/203، 204).

[20] تفسير ابن كثير (4/289).

[21] تفسير السعدي (2/327).

[22] التحرير والتنوير (13/204).

[23] أضواء البيان (3/315).

[24] تفسير السعدي (1/12).

[25] انظر: التحرير والتنوير (8/409).

[26] انظر: تفسير الشعراوي (8/4541).

[27] التحرير والتنوير (12/216).

[28] انظر: الفوائد (ص88).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في ذكر فضائل القرآن العظيم
  • في ذكر فضائل القرآن العظيم وفاتحته
  • فضائل القرآن الكريم
  • فضائل القرآن يوم القيامة
  • الأحاديث والآثار الدالة على فضائل القرآن
  • الآيات الثمان المنسوخة في القرآن

مختارات من الشبكة

  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصادر الأولية لتفسير كلام رب البرية: المحاضرة الثانية (تفسير الآيات الناسخة للآيات المنسوخة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • عشر آيات كونية من الآيات القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 204 - الغاشية ج 30 - وقفة تدبرية في الآيات من 17 إلى الآية 20(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الآية القرآنية وفوائد معرفة الآيات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس (غير ما ذكر)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المناسبة في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الدرر الثمينة في فضائل الآيات والسور العظيمة(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
عبد الله النملة - السعودية 28-02-2024 07:25 AM

أحسن الله إليك بخير إحسان
أجدت وأفدت

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب