• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

السبيل إلى الأمن والرزق (2)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/11/2007 ميلادي - 3/11/1428 هجري

الزيارات: 29951

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السبيل إلى الأمن والرزق (2)

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها الناس: بعد ما خلق الله آدم عليه السَّلام وأسجد له ملائكته ﴿ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11]؛ استكبارًا على الله تعالى واحتقارًا لمن خُلِق من طين أن يسجدَ له من خُلق من نار؛ جرى التكليف على آدم وذريته، وسُلط الشيطان وجنده على إغوائهم، وصدهم عن سبيل الله تعالى؛ فمن أطاع الله تعالى دخل الجنة برحمته سبحانه، ومن سلك طريق إبليس وعصى الله تعالى استحق النَّار ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

لقد جعل الله تعالى الدنيا ميدانًا لهذا الابتلاء، وجعل الآخرة جزاءً عليه، فمن خاف الله تعالى فأطاعه، وعمِل بشريعته كان له الأمن الكامل، والرزق الدائم، والنعيم المقيم في الآخرة ﴿ إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 45 - 46]، وفي الآية الأخرى: ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ ﴾ [الدخان: 55]، آمنين من فقدانها، وآمنين من الموت، وآمنين من كل ما يُخاف منه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.

 

لقد جمع الله تعالى لهم بين الأمن والرزق، الأمن التام الشامل، والرزق المتتابع الذي لا ينقطع ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزُّخرف: 71].

إن قِوامَ حياةِ البشر، ومنتهى سعادتهم وفرحهم، وغاية مطلوبهم ومرادهم، يرتكز على الأمن والرزق، وإن منتهى تعاستهم وشقائهم يكمن في انعدامِ الأمن، وقلة الرزق؛ ولذا جاءت الآيات القرآنية تكرِّسُ هذا المفهوم في قلوب المكلفين، وتغرسه في أفهامهم، وتدلهم على الطريق التي يحصلون بها على الأمن والرزق الأبدي، الذي لا يعتريه خوف ولا وجل ولا قلة ولا ذلة، وهي طريق الله تعالى التي بينتها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وابتلي من أجلها المكلَّفون: توحيد الله تعالى وعبادته؛ فمن حقَّق ذلك من المكلفين توفتهم الملائكة طيبين ﴿ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]، ﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصِّلت: 30]. 

كما جاءت الآيات القرآنية تحذرهم من سلوك طريق الخوف والجوع، وهي الطريق التي يدعوهم إليها الشيطان، وتبين لهم أن من سلكها فلن يأمن مهما عمل، وسيُخلد في الجوع والخوف والحزن والعذاب ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ المَصِيرُ ﴾ [التغابن: 10]، ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزُّخرف: 77].

 

وكما أن النعيم في الجنة يرتكز على الأمن والرزق، والعذاب في الآخرة يكون بالخوف والحزن والحرمان· فإنَّ حياة البشر في الدنيا لا تستقيم إلا بتوافر الأمن والرزق، وبفقد أحدهما يفقد الآخر، وبفقدهما تستحيل حياة الناس شقاءً وعذابًا نسأل الله العافية؛ ولذلك فإن من حكمة الله تعالى ورحمته بالبشر لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض أن جعل فيها من مقومات الأمن والرزق ما يُمَكِّنُه وذريته من العيش فيها ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [الأعراف: 24]، والأرض لا تكون مستقرًّا لبني آدم إلا بتوافر الأمن؛ لأن من نتائج الخوف: الاضطراب وعدم الاستقرار، والمتاع ما يتمتع الناس به من رزق الله تعالى، ولو لم تكن الأرض آمنة - إلا من عدوان الناس بعضهم على بعض، وإخافة بعضهم بعضًا - لاستحال عيشهم فيها، ولو كانت خالية من الأرزاق لهلكوا. 

ولأهمية هاتين النعمتين الأمن والرزق نبَّه الأنبياء عليهم السلام أقوامهم عليها، وبيَّنوا عظيم منَّةِ الله تعالى عليهم بها؛ فهذا صالح عليه السَّلام يقول لقومه: ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾ [الشعراء: 146 - 148].

 

ودعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يؤمّن بيته الحرام، ويجبي إليه الأرزاق فقال عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ﴾ [البقرة: 126]. وفي الآية الأخرى: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].

ويوم أن ألهم الله تعالى الخليل عليه السلام أن يدعو بهذه الدعوات المباركة لم تكن مكة آهلةً بالسكان؛ بل كانت واديًا مهجورًا؛ فأراد الله تعالى بحكمته أن تعمر ويُعمر فيها بيته، وأن تصير مهْيع الحضارات، ومهوى أفئدة الناس، وذلك لا يكون إلا بحلول الأمن فيها، وتدفق الرزق والخيرات عليها، فالبشر يستوطنون ويعمرون حيث يوجد الأمن والأرزاق.

 

فاستجاب الله تعالى دعوة الخليل عليه السلام وجعل البيت مثابةً للناس وأمنًا، يثوب الناس إليه من كل مكان آمنين، بما قدره سبحانه فيه من أسباب الأمن والرزق، وبما توارثه سكانه من تعظيم للبيت عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام[1]. 

وحتى بعد شركهم وانحرافهم عن الحنيفية، بقي فيهم تعظيم البيت على مرّ العصور، وتتابع الأجيال، من عهد إبراهيم عليه السلام إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا دخلوا البيت وضعوا السلاح، وكفّوا عن الثأر، حتّى إنّ الرّجل ليرى قاتل أبيه فلا يمسّه بِسوءٍ تعظيمًا للبيت الحرام.

 

إن ما نعمت به مكة من أمن وأرزاق منذ دعوة إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا ما كان إلا بقدر من الله تعالى واختيارًا لهذه البقعة المباركة، التي ما كانت صالحة للعيش قبل ذلك، ثم جاءت شرائع الأنبياء عليهم السلام لتؤكد على أمنها، وتحث الناس على قصدها لعبادة الله تعالى فيها، فحصل الأمن والعمران، وتدفقت عليها الخيرات في وقت كان مَن حولهم لا يأمنون ولا يشبعون ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]. 

ولما رفض المشركون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من تعليلاتهم في رفضها أنهم إن تركوا إرث الآباء والأجداد اجتمعت العرب على حربهم؛ ففقدوا الأمن والرزق، ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [القصص: 57]  كان جواب الله تعالى عليهم: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 57].

 

قال ابن زيد: "كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضًا، فأمنت قريش من ذلك لمكانة الحرم، وقرأ ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57]"[2].

 

وقال ابن جزي: "وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم"[3].

 

ولما فتحت مكة، ودانتْ بالإسلام؛ أمنت وأمن أهلها بما شرع الله تعالى من الشرائع والحدود، والواجبات والحرمات؛ فكانتْ بلدًا آمنًا مطمئنًّا، تجبى إليها الأرزاق من كل مكان، ما دام أهلها قائمين بأمر الله سبحانه مستمسكين بشريعته.

 

وكانت هذه الشريعة المباركة التي أنزلت في البلد الأمين محققةً لما يحتاجه البشر من الأمن والرزق في الدنيا والآخرة؛ ولذا كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عامَّةً إلى الناس كلهم، منذ إرساله إلى قيام الساعة؛ ليعبدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئًا، فإن هم حققوا هذه العبودية حقق الله تعالى لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة. 

وبقدر انتقاصهم من عبوديـة ربّهم، وتفلتهم مـن شريعـته يحل عليهم ما يوازيه من الخوف والقلة، ويرفع عنهم مـن الرزق والأمن بقدر تفريطهم وعصيانهم، فالمشركون لا أمن لهم ولا رزق في الآخرة، وفي الدّنيا لا يكتمل لهم الأمن والرزق من كل وجه؛ بل يعتريه من النقص والخلل ما ينغّصه عليهم، ولا تكمل به لذتهم.

 

والعصاة من المؤمنين قد يُعاقبون في الدنيا على عصيانهم برفع الأمن والرزق عنهم، وحلول الخوف والحرمان عليهم. وقد يؤخر الله تعالى عقوبتهم لتكون في الآخرة، فيصيبهم فيها من الحرمان والخوف ما يكفر سيئاتهم، ثم مآلهم إلى الجنة برحمة الله تعالى. 

والطائعون لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة، وإذا أصابهم في الدنيا ما ظاهره القلة والخوف فإن الله تعالى يربط على قلوبهم، ويزيدهم يقينًا به؛ فلا يخافون في مواضع الخوف، ويكون ما أصابهم من نقص الأمن والرزق ابتلاءً تكفر به سيئاتهم، وترفع درجاتهم؛ ليكون لهم الأمن الكامل، والرزق التام، والنعيم المقيم في جنات عدن، جعلنا الله تعالى بكرمه من الآمنين في الدنيا والآخرة، ووقانا وبلادنا وبلاد المسلمين الفتن والخوف والجوع، إنه سميع مجيب.

 

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيها كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا عذابه فلا تعصوه؛ فإنه سبحانه عزيز ذو انتقام  ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

أيها الناس: هاجس الأمن والرزق هاجس لازَمَ البشرَ طوال تاريخهم؛ إذ لا يقوم لهم عيش إلا بأمْنٍ ينعمون به، ونِعَمٍ يرتعون فيها، وفي عصرنا هذا نجد أن جُلَّ موارد الأرض، وأرزاق الناس إنما تنفق لتحقيق هذين المطلبين؛ فأكثر خزائن الأمم، وميزانياتِ الدول تنفق على السلاح؛ لاستخدامه في الحماية، ورد العدوان، وردع الأعداء؛ ليتحقق الأمن. وليس خافيًا على أحد ما يُنفق على الاقتصاد والصناعة والتجارة من أموال طائلة؛ حتى صاروا يستغلون النفايات ويصنعونها من جديد، وليست نفايات البيوت والمصانع فحسب؛ بل حتى نفايات الإنسان والحيوان؛ وذلك بقصد الاستفادة من كل شيء لتوفير الأرزاق، وتحقيق الرفاهية. 

وعلى الرغم من ذلك كله فإن البشرية في مجملها تجد الخوف، وتحس بالجوع، ومن كان عنده قدر من الرزق والأمن فهو يعاني خوفًا آخر، وهو خوف فقده مع كثرة الحروب والقلاقل، وتقلبات الدول، واضطرابات الاقتصاد، فالحرمان من الأمن والرزق، أو الخوفُ من فقدانهما صار سمة من سمات هذا العصر المتقدم! وسبب ذلك أن البشرية باتت تحكم على الصعيد العالمي بما يخالف منهج الله تعالى، وصار يقرر مصيرها من لا يقيم للشرائع الربانية أي وزن. وسيطر على عقول الناس العيشُ للدنيا، والاستمتاع بها بلا ضوابط دينية، ولا قيود أخلاقية، إلا عند المؤمنين المتمسكين بدينهم، وهم يُحارَبون من أمم الأرض على تمسكهم هذا. 

ولأن كثيرًا من المسلمين وقعوا فيما وقع فيه غيرهم من حب الدنيا والتعلق بها؛ فإن هاجسَ الأمن والرزق صار مصدر رعب وقلق يقض مضاجعهم، فراح أكثرهم يستجلبون الأمن والرزق بالطرق المحرمة، والكسب الخبيث، والركون إلى الذين ظلموا ليؤمنوهم، في بُعْدٍ تام عمن بيده ملكوت كل شيء، وهو من يهب الأمن والرزق جلَّ في علاه!!

 

إن الأمة التي تريد تحقيق الأمن، وبسط الرزق، وكثرة الخيرات، وانعدام المشكلات عليها أن تتقي الله عزَّ وجلَّ وأن تأخذ بأحكام شريعته في كل شيء؛ ليتحقق لها ذلك. 

وإن من أعظم مما يسبب زوال الأمن، وقلة الرزق: كفر النعم، وكثرة العصيان، وقلة الاستغفار، وضعف التوبة والأوبة إلى الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

لاحظوا قوله تعالى: ﴿ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله ﴾ [النحل: 112]، الأنعم جمع قلة، أي: كفرت بأنعمٍ قليلة فعذبها الله تعالى بسلب الأمن، ورفع الرزق، وحلول الخوف والجوع مكانهما، والمقصود: التنبيه بالأدنى على الأعلى، أي: أن كفران النعم القليلة لما كان موجبًا للعذاب؛ فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب[4]. وكم في المسلمين من كفران للنعم، وعصيان للمنعِم في هذا العصر؟! نسأل الله العافية والسلامة، ونسأله أن لا يؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا. 

وعبَّر سبحانه عن عظيم ما أصابهم بالذوق واللباس ﴿ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ ﴾ [النحل: 112]، لإحاطة ما غشيهم من الجوع والخوف، وملازمته إياهم، أراد سبحانه إفادة أن ذلك متمكن منهم، ومستقرٌّ في بلادهم استقرار الطعام في البطن؛ إذ يُذاق في اللسان والحلق، ويُحس في الجوفِ والأمعاء، فاستُعير له لفظ الإذاقة تلميحًا، وجمعًا بين الطعام واللباس، والمعنى: أن الجوع والخوف محيطان بأهل القرية في سائر أحوالهم، وملازمان لهم، وقد بلغا منهم مبلغًا أليمًا[5]. 

ألا فاتقوا الله ربكم، واشكروه على نعمه، فلن يحقق عبدٌ الأمنَ الشامل الكامل، الذي لا ينغصه خوف بوجه من الوجوه في نفسه وأسرته وماله، إلا بإقامة شريعة الله تعالى في نفسه وبيته وماله، ولن تحقق أمة من الأمم الأمن الشامل بين رعاياها؛ حتى تقوم فيهم بشريعة الله تعالى في عَلاقاتهم مع أنفسهم ومع إخوانهم، ومع غيرهم من مسلمين وغير مسلمين. وبغير ذلك ستكون المحن والفتن، والقلاقل والاضطرابات، التي ينتج عنها اختلال الأمن، وانتشار الخوف، وقلة الأرزاق، وكثرة الجوع. نسأل الله أن يحفظنا وإخواننا المسلمين في كل مكان من ذلك ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 96 - 99].

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.

 


[1]انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1/ 709).

[2] "جامع البيان" (30/ 309)، و"الجامع لأحكام القرآن" (20/ 209)، و"فتح القدير" للشوكاني (5/ 498).

[3] "التسهيل لعلوم التنزل" (4/ 433).

[4] انظر: "التفسير الكبير" للرازي (20/ 102).

[5] انظر: "التحرير والتنوير" (14/ 307).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تقدير الرزق والأجل
  • الرزق والتوكل
  • قضية الرزق
  • القناعة
  • أمن المجتمع المسلم كما يصوره القرآن
  • خطبة المسجد الحرام 13 / 5 / 1430 هـ
  • خطبة المسجد الحرام 20 / 5 / 1430 هـ
  • الأمن نعمة
  • مقومات الأمن
  • رداء الأمن
  • نعمة الأمن
  • الأمن ومنزلته في الإسلام (1)
  • الأمن ومقوماته
  • في التذكير بسبب نقص بعض الثمار

مختارات من الشبكة

  • السبيل إلى الأمن والرزق (1)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمن في الحج(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • أسس الأمن الفكري في الثقافة لمحمد بن سرار اليامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سبل الوقاية من الانحراف الفكري وتحقيق الأمن الوطني (PDF)(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • أهمية بناء الأمن الفكري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أصول الأمن الغذائي في ضوء القرآن والسنة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر الإيمان بالله تعالى في تحقيق الأمن النفسي(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • الأمن في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- رضى ان شاء الله
عصام - فلسطين 16-06-2009 12:57 PM

اللهم ارزقني رزقا حلالا طيبا مباركا فية ورضيني بما قسمت لي واجعل الحمد على لساني دائما وابدا ما احييتني واجعلة الوارث مني يا كريم يا الله لا تجعل بين دعوتي وقبولك حجابا

والحمد الله رب العالمين .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب