• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

سورة يوسف والإعجاز الأدبي

<br />سورة يوسف والإعجاز الأدبي
أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/10/2020 ميلادي - 19/2/1442 هجري

الزيارات: 15052

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة يوسف والإعجاز الأدبي

 

قد يبدو مصطلح (أحسن القصص) الذي ارتبط (بسورة يوسف) في القرآن راجعاً إلى أنها القصة ذات الموضوع الواحد، وذات الحبكة الفنية التي يقوم عليها بناء القصة...

 

وربما كان ذلك واحداً من الأسباب؛ لكنَّ هناك أسباباً أخرى كثيرة تتفرد بها سورة يوسف في القرآن، فهي مع وحدتها الموضوعية وحبكتها الفنية تتنوع فيها الأساليب الجمالية، والمضامين التربوية؛ المستفادة من مجموع المواقف التي عرضت لها القصة، وكذلك من تنوع العلوم والمعارف؛ التي وجهتها القصة وجهة فنية تربوية، دون أن تحتاج في ذلك كله إلى عنصر الخيال؛ الذي يرتبط بالقصة التاريخية، ويُلوِّن الأحداث بغير ألوانها الحقيقية، وذلك لإثارة الانتباه، وإلهاب العواطف، وتجديد الرغبات والإيقاعات؛ لتتمكّن الأحداث الواردة من تحقيق الرياضة النفسية - على مختلف المستويات - بحيث تُحصِّن الفرد من جانب، وتقود الأمم والجماعات إلى النهضة من جانب آخر.

 

لكن سورة يوسف بخاصة، وقصص القرآن بعامة؛ تعتمد على سحر البيان بديلاً عن الخيال، كما تعتمد على الدقة، والصدق في تصويرها؛ لتفاعل الأشخاص مع الأحداث [1].

 

والفيصل هنا بين قصة يوسف وبين قصص القرآن الأخرى أنها - مع اعتمادها على كل ذلك - قدَّمَتْ قصةً كاملة في بناء درامي واحد، يبدأ بمجرد رؤيا، ثم تمضي الوقائع لتنتهي بتفسير هذه الرؤيا على أرض الواقع، ولعل من أهم ما يشار إليه من الإعجاز الأدبي في قصة يوسف - كما وردت في القرآن - أنها تقوم على هذه الرؤيا؛ التي رآها غلام في نحو ثلاثة عشر عاماً من عمره، وأن الوقائع جاءت بعد ذلك لتفسير هذه الرؤيا، فكأنَّ للسورة جناحين: (الرؤية ثم تفسيرها).

 

وهنا يمكن أن يقال: إن هذا القدْر من حقائق القصة متفق عليه بين ما ورد في (سفر التكوين) في (التوراة)، وما ورد في (القرآن)... لكننا نردّ على هذا بأنَّ كثيراً من القصص قد تلتقي في هذا الإطار الفني العام؛ لكنّ بناء القصة من الداخل، سواء في الأسلوب، أم في بناء الأحداث، أم في توظيف الوقائع؛ لتحقيق أهداف عليا سامية، توجه الفرد والجماعة إلى أساليب الصناعة الحقيقية للإنسان في صراعه مع قوى الشرّ الداخلية الموجودة في كيانه، والخارجية الموجود في المجتمع... - هو ما تفضل به قصة على أخرى، وهذا ما تفردت به سورة يوسف.

 

لقد تفردت قصة يوسف ببنائها الداخلي وحركة الأحداث، مع تنوع الأفكار والمعطيات.

 

إنَّ وقائع القصة تأتي منسجمة لتحقق التطبيق العملي للرؤيا، وبالتالي تتحدد الأدوار حسب مقتضيات (الحبكة الفنية)؛ التي تتصل (بالحكمة الإلهية)؛ فليعقوب الأب (عليه السلام) دوره؛ الذي يمكن أن يوصف بأنه دور سلبي، يقتصر في معظمه على الحزن، والبكاء، إلا أنه هنا في نطاق الحكمة والإعجاز يتحول إلى (بكاء إيجابي)، وإلى (موقف)؛ بل إلى (سياط) يجلد يعقوب بها معنوياً ضمائر أبنائه المتآمرين... هؤلاء الأبناء؛ الذين يعيشون في كل يوم معه، ويأكلون معه، مما يؤكد لنا أنَّ هذا (البكاء الإيجابي) أحبط الهدف الذي سعى إليه المتآمرون عندما قالوا: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ﴾[2]... فما خلا لهم وجه أبيهم؛ بل كان يوسف يعيش مع مشاعر أبيه أكثر مما يعيشون هم معه، وأصبح يوسف يمثل (الشعور)، بينما انزوى اخوته المتآمرون في دائرة (اللاشعور) بالنسبة لمشاعر أبيهم.


ثم إنهم ما كانوا بعد التخلص من يوسف (قوماً صالحين) كما وهموا؛ بل ظلوا موضع شك واتهام من أبيهم، وهو شك مقرون بالخوف من أبيهم على (بنيامين) شقيق يوسف، ويتجلى ذلك عندما طلبوا من أبيهم أن يذهب (بنْيامين) معهم لطلب الميرة من مصر، ففي هذا الموقف أظهر الأب المقهور الخائف من أبنائه ما كان يخفيه من مشاعر نحوهم، وشكوك فيهم قائلاً: ﴿ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ؟ ﴾[3].


وقد عهدنا في قصص القرآن - وفي القصة بوجه عام - أن تتعلق الرؤيا بموقف بسيط، أو بمواقف محددة، حتى في القصص التي وردت شبه كاملة، مثل قصص هود، وصالح، وشعيب، فإنها جاءت مجملة موجزة كل الإيجاز... فكأنها مجرد موقف أو مواقف للعظة والعبرة، أما قصة يوسف فإن الرؤيا فيها مركبة تختزل الأحداث كلها، و توحي بالأمرين المتناقضين معاً، وهما ما سيكابده يوسف في حياته، وهو الأمر الذي تنبأ به أبوه؛ الذي استشرف آفاق الغيب، فقال لابنه: ﴿ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ﴾[4] بكل ما تحمله من دلالة درامية، ثم النهاية السعيدة؛ التي تتمثل في قول يعقوب ليوسف بعد انتهاء مراحل الصراع (الدراما):﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾[5]... والقصة تقدم بين هاتين الشارتين (البداية والنهاية) تفاصيل دقيقة، تاريخية، ونفسية، وتربوية مع الاحتفاظ بالحبكة الفنية.


وكلمة (يجتبيك) تعْني (الاصطفاء)، والاصطفاء يعني النبوّة، أو إعلاء الدرجة وتعظيم المرتبة بصفة عامة، وهو ما يندرج أيضاً تحت النُّبوة التي هي قمة العظمة الإنسانية.


أما جملة ﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ فتعني معرفة الغيب الذي يمن الله به عليه، كما تعني تفسير الرؤى تفسيراً يأتي مطابقاً للواقع.


ونحن نعجب من وضوح الإعجاز؛ عندما تدخل الرؤيا عالم الواقع بهذه التفصيلات الدقيقة، وذلك - أولاً - في تحديد يعقوب (للخطوة الأولى) من خطوات المؤامرة؛ التي دبرها أبناؤه؛ بل ووسيلتها الكاذبة وهي (الذئب)... ثم في السياق المتدرج نفسه - ثانياً - وأخيراً في تحديد نتائج المؤامرة؛ التي دبرها إخوة يوسف وهي (تمام النعمة على يوسف واصطفاء الله له).


وبين هذين الإعجازين تتحرك الوقائع في سورة يوسف (أحسن القصص).

 

إن العرض القرآني لقصة يوسف يؤكد أنها (أحسن القصص)، ليس لمجرد الإعجاز الأدبي، أو الغيبي؛ الذي قام على أساس تطبيق واضح لرؤيا يوسف فحسب؛ بل هي (أحسن القصص)؛ لأنها تجمع كثيراً من العلوم؛ التي لا تجتمع في شخص واحد، ولا في عمل فني واحد... ففيها تجد علوم الاقتصاد، والإدارة، وإدارة الأزمات، والتخطيط، والرؤى، والأرواح، وتحليل النفس البشرية (علم النفس)، وفيها كثير من القيم التربوية، والأخلاقية؛ المستفادة من سير الملوك والممالك، وحسن السياسة، وتدبير الملك، وإقامة العدل، ونظام الدولة، ومكر النساء، والاصطبار على الأذى، والعفو، والتجاوز عن هفوات الأقارب.


ومن جانب آخر تتجلى مكانة القصة في أنها (أحسن القصص) لأمر عجيب نادر الوقوع في (القصص)، وفي (الواقع)... ففي البداية يخيم على القصة جوّ من التآمر الجماعي، والحزن؛ إذ أن إخوة يوسف كانوا مش-ْبعين بالحقد، والحسد، والخيانة، والتواطؤ، والكذب... وقد عانى يوسف الكثير خلال هذه الفترة، وكان أبوهم يواصل الأحزان، ويعاني الاكتئاب، والشعور بالمؤامرة.. ويخيل إليّ أن الإخوة لم يكونوا سعداء بعد المؤامرة.. فهم لم يكسبوا شيئاً منها... بل خيم نوع من الشك والحزن على الجميع...!!


ومن العجيب الذي يبصره أصحاب الرؤية الداخلية لوقائع العمل الأدبي؛ حركة الأحداث بعد ذلك بين أحزان ومسرات ومشاعر تبدو متناقضة...


فيعقوب: لم ييأس؛ بل كان يشعر بريح يوسف..


ويوسف: يصبح سيّد بيت عزيز مصر؛ المؤتمن على ماله، وعرضه، وقصره... ثم يتعرض لمؤامرة يدخل السجن بسببها..


ومن الإعجاز القرآني هنا؛ ما تحدث به القرآن عن هذه اللحظات التي يدخل فيها يوسف بيت عزيز مصر (خادماً)، ورقيقاً، ثم سيداً للخدم... إنه يسميها (تمكيناً)... مع أن يوسف دخل رقيقاً خادماً، وكان في الثالثة عشرة من عمره - حسب ترجيحنا - يقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾... فأي تمكين هذا؟ إنه الخطوة الأولى في طريق التمكين، وهو - أيضاً - النقلة الكبيرة... من الجب إلى القصر... لقد وضع يوسف في أرض المعركة... معركة اختبار معدنه ليصقل، ثم ليمكن التمكين الثاني والأخير... التمكين الذي يتبوأ فيه ما يشاء من أرض مصر...


إن هذه الآية في هذه المرحلة (بداية مرحلة الاسترقاق) إعجاز رباني... إنها تكشف مرحلة غيبية من مراحل التخطيط الإلهي... لكي نؤمن - راضين - بهذا التخطيط الذي يقلب المحن إلى منح...


♦ وأما إخوة يوسف - على الشاطئ الآخر للأحداث - فيواصلون التمثيلية؛ التي لم تواتهم الشجاعة، ولا صحوة الضمير للإفصاح لأبيهم عن حقيقة فعلهم الشنيع!


والحكمة الإلهية هي - وحدها - الفاعلة القادرة على توجيه الأحدث، فتتربص امرأة العزيز بيوسف، ثم يتحول السجن إلى مطلب عزيز ليوسف، لدرجة أنه يحبه، ويتمناه قائلاً:﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾[6]؛ حتى يحميه السجن من الوقوع فيما يدعونه إليه.


وليس ما يدعونه إليه إلا المجد الزائف القائم على الخداع، والانحطاط؛ الذي يسعى إليه كثير من ذوي النفوس المريضة، والأخلاق الوضيعة عبر كل العصور!!

 

ومع هذا تتحرك الأحداث متدرجة بدون قفزات إلى أن تظهر (رؤيا أخرى) يُتمّ الله بها أمره، ويتحول بها مسار حياة يوسف... من عبد وسجين إلى الرجل الأول في مصر بعد الملك... فيكاد يسيطر على أهم الوزارات، ويحمل لقباً يضاهي لقب (رئيس الوزراء) في عصرنا.. ويصبح (الملك الهكسوسيّ) مجرد رمز يملك، ولا يحكم...


♦ وفي نهاية الأحداث تقع مفاجأة ليس من المبالغة القول: إنها - بحدّ ذاتها - تمثل إعجازاً فوق طاقة البشر...


♦ إن كل الشخصيات المشتركة في الأحداث قد فازت بنهاية سعيدة... الجاني، والمجني عليه...


♦ لقد نجا يوسف من البئر، والإثم، والسجن، وسوء السمعة، وتبَّوأ عرش مصر - من الناحية العملية - والتقى بأبويه، وسجد الجميع له كما ورد في الرؤيا..


♦ إن يوسف يعترف بهذا التخطيط الربانيّ المحكم... فيقول لأبيه:﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقاًّ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ البَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ﴾[7].


♦ وانفرجت أزمة يعقوب، وردّ الله إليه بصره، وانتهت الأحزان، والآلام، ودخل مصر والداً لرئيس الوزراء...


♦ وقد عولجت قلوب إخوة يوسف - إلى حد كبير - من الحقد، والحسد... وطلبوا من أبيهم المغفرة... ومن يوسف التجاوز عن خطئهم... فعفا عنهم، وقال لهم:﴿ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾[8].


وكذلك أنقذت امرأة العزيز - والنسوة - من العار؛ الذي كان قد اقترب منهنّ، ومن الحبّ الحرام، ومن الإثم، والخيانة، واعترفن بالحقيقة... فبرئت ساحتهن، وشهدن في يوسف شهادة حق وصدق: ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ.. ﴾[9]، واعترفت امرأة العزيز بالحقيقة بأقوى بيان قائلة: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾[10].


بل إن أبناء مصر كلها [11] - ومن كان يعيشون حولها - قد أصابتهم الخيرات، وأنقذهم الله من الفوضى، والموت جوعاً.. بسبب يوسف.. وبسبب ظهور يوسف على مسرح الأحداث في تلك الفترة من الزمان...

 

تتميز قصة يوسف بطولها النسبي - بالنسبة للقصة القصيرة - وباستيعابها لعناصر القصة الأساسية... بيد أن طولها لا يبعدها عن حقل القصة القصيرة (أو الوسط) بين القصة القصيرة والطويلة، وتكاد حركة الأحداث فيها تصل بها من الناحية الكيفية، والتأثيرية إلى مستوى الرواية... وإن لم تصل لمساحة الرواية كمّياً...


والسؤال هنا: لماذا لا يكون لنا تقسيم خاص مستمدّ من تراثنا ومفاهيمنا للقصة..؟! إن قصة يوسف تقدم نموذجاً معجزاً في جمعه بين الكم المحدد؛ الذي تقف آياته عند (111 آية)... لكن تأثيره الفني، والتربوي يتجاوز تأثير الرواية الطويلة...


إننا نرى قصة يوسف تنقسم إلى حلقات، وكل حلقة تضم عدداً من المشاهد... وبين المشاهد توجد فضاءات متروكة لوعي القارئ يسعى من خلالها إلى إدراك التفصيلات الكثيرة الصغيرة؛ التي لا يرى البناء الفني، والحكمة الربانية فائدة من الوقوف عندها... ومن جانب آخر تدريباً للوعي - وجداناً وعقلاً - كي يتحرك فيها.


إننا لا ينبغي علينا أن نلزم إبداعنا بالمواصفات، والأطر نفسها؛ التي يلتزم بها غيرنا... وحسبنا أن نلتقي في الشروط الأساس شكلاً، ومضموناً، وحبكة فنية.


ومن الجدير بالتنويه - ابتداءً - أن قصة يوسف عملٌ فني، تتكامل فيه مراحل الحدث الثلاث من بداية، إلى وسطٍ، إلى نهاية، وتقوم بين هذه الأجزاء الثلاثة خيوطٌ واضحة؛ تسمى أحياناً بالعلاقة العضوية.


كما تتوافر في هذا العمل الفني (قصة يوسف) مقومات القصة؛ من شخصيات متعددة، وأحداث متساوقة بشكل طبيعي، وحوار موضوعي، وتدف-ّق، وسلاسة، كما تتحقق فيها الخصائص الفنية الضرورية؛ مثل السرد، والوصف، وعدم الاستطراد، والتشويق [12].


وتأخذ الشخصيات حجمها الطبيعي، فيوسف (البطل) بعالميه الداخلي والخارجي يأخذ المساحة الأكبر اللائقة به... إنه - في داخله - ملك كريم، يكاد يخرج من نطاق البشرية، كما أنه - في خارجه - شريف لم يعلم عنه سوء، أو فحشاء؛ بل هو مصطفى من الله.


وتأخذ الشخصيات الثانوية حجمها من علاقتها بالبطل؛ فمنهم من يظهر في موقف واحد، أو موقفين، ومنهم - مثل آل يعقوب - من يأخذون مساحة أكبر لعلاقتهم المصيرية بالبطل.


♦ ولم تخل القصة - لإعجازها - من أحداث غريبة على بعض العقول المرتهنة بمحصّلة البشر المحدودة من العلم في ظرف من الزمان، أو المكان، لكنَّ قدرة الله - سبحانه - غير إمكانات الإنسان... وهكذا كان، فقد شمَّ يعقوب النبيّ ريح يوسفَ من قميصه، واستعاد به بصره بعد إلقائه على وجهه [13].


لقد كانت مقومات الحبكة الفنية - في اختيارها للأحداث، وفي إنمائها، أو تجميدها، وما فيها من إثارة، وصراعات - حبكة ناجحة بداية بحالة التوازن الداخلي، وتوسطاً بكسر التوازن بطريقة مباشرة، وأخيراً بتأزم الموقف وبلوغه الذروة، وكسر حدة الصراع وصولاً إلى انفراج الأزمة الداخلية والخارجية.


وكل ذلك يمضي في تدرج صاعد نحو ذروة الأزمة، أو بتدرج هابط نحو الانفراج، كما يقول الدكتور/ محمد الزير في كتابه عن (القصص في الحديث النبوي).


ولم تخل القصة من تشويق يُعَمّق الحبكة في كل مراحل القصة، ولعل بدايات القصة ونهاياتها من أكثر المراحل تشويقاً وجاذبية.


كما لم تخل من بعض الغموض المعتمد على الغيبيات في أكثر الأحايين، وهي - ببعض الغيبيات الواردة فيها - تضفي روحاًً إيمانيَّة على الأحداث، وتقدم توازناً بين فعْل الله - سبحانه - وفعل الإنسان في حدود مسئولتيه.

 

ومن الجدير بالذكر أن قصة يوسف في القرآن تقدم نموذجاً لقصة لا تبلى كلماتها ولا دلالاتها؛ بل هي خالدة خلود القرآن - وهذا إعجاز في حدّ ذاته - إذ إن القصص البشري يرتبط بالزمان والمكان ارتباطاً إلزامياً تفصيلياً... بحيث تشم فيها رائحة زمان الأحداث ومكانها... دون أية روائح إضافية... لكن سورة يوسف لم تلتزم بهذا الاستغراق التفصيليّ في الزمان والمكان... بل أشارت إليهما، ثم عبرتهما عبوراً يشعرك إجمالاً بالزمان، والمكان؛ لكنه لا يجعلك أسيراً لهما... إنه إعجاز أدبي فريد؛ بل هو توجيه للأديب المسلم ألاّ تشغله التفصيلات الدقيقة للزمان والمكان عن الدلالات المستوحاة، وعن القيم؛ التي يمكن أن تستخلص... فليس الأديب المسلم - وهو يصور الأبعاد الزمانية والمكانية - صاحب (كاميرا فوتوغرافية)؛ بل هو انتقائي يأخذ من ملامح الزمان، ومعالم المكان ما يفيده في تحريك الوقائع المادية، واستخلاص قيم الجمال والكمال!!


إن الزمان يعانق الأحداث في قصة يوسف وفاقاً لهذه المنطقية الفنية، وبالتالي تترتب فيها النتائج على المقدمات، أو تنتقل الشخصيات من حالٍ إلى حال بدافع من أسباب سابقة، عبْر تسلسل زمنّي له أثره في السير بالأحداث إلى النهاية في حركات مضبوطة وخطوٍ منتظم، مع ملاحظة اهتمام القصة الرئيسي بزمن البطل.


أمّا أزمان الشخصيات الثانوية الأخرى فقد كانت تظهر في لحظة من حياة البطل الزمنية؛ لتؤدي دورها، وتغيب نهائياً، أو تعود؛ لإكمال ذلك الدور بعد حين.


أمّا الزمن - باعتباره ظرفاً تحدث فيه وقائع القصة التفصيلية - فلم تحدِّده القصة دائماً؛ إنما ذكرت الأزمان الضروريُّ ذكرُها في البناء القصصيّ مثل قول-ه تعالى: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾[14]، لما لهذا الوقت من دلالة، وأهمية في محاولتهم إخفاء بكائهم المصطنع على وجوههم عن أبيهم...


ولا يختلف تناول القصة للمكان عن تناولها للزمان، إذ تذكر أسماء الأماكن التي يجدر ذكرها؛ لإعانة القارئ على تحليل الأحداث الواقعة فيها، وفهمها حق الفهم، ولا يخفى ما لبيئة الأحداث من أهمية في وقوعها بالشكل الذي وقعت به... لقد أوردت القصة أنَّ يوسف بيع في مصر: ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾[15]؛ ليعلم القارئ أن الأحداث التي مرَّت ببطل القصة إنما كان مسرحها (مصر) كما تشير إحدى حوارات يوسف مع أهله بأنهم كانوا يسكنون البادية:﴿ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ البَدْوِ ﴾[16]؛ بل إن القصة أشارت إلى (البئر)؛ التي ألقي فيها يوسف، و(بيت العزيز)؛ الذي نشأ فيه، و(السجن)؛ الذي امتُحن به، و(العرش)؛ الذي رُفع إليه، فأضْفت - بإشاراتها تلك إلى الأمكنة - أجواءً من الجدّية، والحيوية، والواقعية على البنية القصصيّة [17].

 

لقد قدمت لنا قصة يوسف - كما جاءت في القرآن - معجزة في جمعها - وهي قصة تاريخية واقعية - بين مجموعة من الآفاق، والدلالات، فهي وقائع تاريخية صادقة تماماً، فالله - سبحانه وتعالى - لا يصطنع قصصاً غير واقعية لتعليم البشر، كما يقول (محمد خلف الله) صاحب كتاب (الفن القصصيّ في القرآن)، وأمثاله: "والله - حاشاه - لا يحتاج إلى تلفيق قصص على النحو البشري وهو العليم المحيط".


ومع تحقق الإعجاز التاريخي في هذه السورة؛ فإنها تقدم لنا (قصة واقعيّة) تتوافر فيها شروط القصة - دون حاجة إلى الخيال، أو التلفيق - مستعيضة عن ذلك بالمزج بين العناية الإلهية، وعالم الغيب، وفعل الإنسان، والعبر المستخلصة؛ التي تتناثر عبر القصة.


لكن هذه الواقعية الفنية الإسلامية... لا تعتمد الكذب أو الخيال، ففي الواقع ما يغني عن الكذب.. ثم إن الواقعية - كما نلمسها في سورة يوسف - ترفع هذه الواقعية إلى آفاق السموّ الإنساني... فلا تترك الواقعية تقتل القيم أو إنسانية الإنسان، وبالتالي تهبط باسم الواقعية إلى المستوى الحيواني - عرضاًً وإغراءً - كأن الإنسانية تعيش في حظائر، وليست في مجتمعات إنسانية... وحتى الواقعية الجنسية الممثلة في سلوك امرأة العزيز والنسوة اللائي أظهرن.


♦ بوضوح واقعي - رغبتهن في يوسف، وتغزَّلن فيه بطريقة سافرة... حتى هذه الواقعية تبقى في إطار المستوى الإنساني البعيد عن الهدم، وعن الهبوط بالقيمة الإنسانية... حتى وهي تتحدث عن الجنس؛ فإنها تتحدث عنه بحيث يبقى في المحيط الإنساني.


ولِعِلمِْ الله - سبحانه - بحديث الإفك؛ الذي سيرتكبه بعض المنحرفين، حين يزعمون أن القصص القرآنيّ لا يقوم على الصدق الواقعيّ، وإنما يقوم على الصدق الفني وحده - رَدَّ الله على هؤلاء في آخر القصة قائلاً للرسول محمد - ولنا جميعاً: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[18].


مؤكداً بهذا إمكانية الجمع بين الصدق الواقعيّ، والصدق الفنيّ، والعناية الإلهية، وفعل الإنسان في التاريخ... وهذا (المركب) في حدّ ذاته يجعل من قصة يوسف (معجزة) في المجال الأدبيّ، والفنيّ؛ الذي يجب أن يسترشد به الأدباء المسلمون.


لكن هذه السورة - إلى جانب الإعجاز التاريخي والقصصيّ - قد حفلت بالحديث عن آفاق اقتصادية، واجتماعية، ونفسية، وطبية، وتربوية... إلى غير ذلك من العلوم؛ التي ألمع إليها هذا البحث...


وقد دخلت هذه الآفاق في النسيج الأدبي والبياني للقصة، فكأنها - وهي علوم ومعارف - بعض إيقاعات، أو ضرورات العمل الأدبي، وليست نشازاً فيه.


ومن (الإعجاز) أن يقدم القرآن شخصية يوسف (البطل) - عليه السلام - على هذا النحو؛ الذي يمثل القمة في الجمال البشري، وفي العبقرية؛ التي يمتلك صاحبها كثيراً من هذه العلوم؛ التي امتلكها يوسف... وفي الكمال النفسي والخلقي والإيماني.

 

لقد قدمت سورة يوسف شخصية يوسف على أنه (معجزة) خلقها الله؛ لتبقى نموذجاً في الجمع بين الجمال، والعفة، ومقاومة الإغراءات، والعبقرية، والرضا بالرخاء والشدة... والصبر والتقوى: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ﴾[19]...



[1] د/ نواف الحليسيّ: المنهج الاقتصادي في التخطيط لنبي الله يوسف، ص: 54.

[2] سورة يوسف، آية: 9.

[3] سورة يوسف، آية: 41.

[4] سورة يوسف، آية: 5.

[5] سورة يوسف، آية: 6.

[6] سورة يوسف، آية: 33.

[7] سورة يوسف، آية: 100.

[8] سورة يوسف، آية: 92.

[9] سورة يوسف، آية: 51.

[10] سورة يوسف، آية: 51.

[11] محمد رشدي عبيد: قصة يوسف في القرآن الكريم، دراسة أدبية، ص: 46، 47 (بتصرف)، دار العبيكان، وانظر عمرو خالد: يوسف (عليه السلام)، ص: 51، 52، ط/1، أريج للنشر والتوزيع، القاهرة .

[12] عبيد: المرجع السابق (بتصرف)، ص: 25.

[13] المرجع السابق، ص:36.

[14] سورة يوسف، آية: 16

[15] سورة يوسف، آية: 21.

[16] سورة يوسف، آية: 100.

[17] عبيد: قصة يوسف (عليه السلام) في القرآن، دراسة أدبية، ص: 39- 42(بتصرف).

[18] سورة يوسف، آية: 111.

[19] سورة يوسف، آية: 90.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة يوسف والإعجاز التربوي
  • يوسف بن يعقوب بن إسحاق (1)

مختارات من الشبكة

  • لطائف وإشارات حول السور والآي والمتشابهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معنى السورة لغة واصطلاحا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من الكتب المؤلفة عن سورة النمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مدخل لدراسة النقد الأدبي عند العرب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الذوق الأدبي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جدول متابعة الحفظ للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التذوق الأدبي بين الشكل والمضمون(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب