أخذ الأب مكافأة ابنته الجامعية

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعدُ:

فإن كان هذا الوالدُ غنيًّا كما ذكرتِ أيتها الابنة الكريمة، فلا يَحِلُّ له أن يأخذَ مِن مال ابنته الطالبة شيئًا دون رضاها، ولها أن تَمنعه مِن أخْذِ المكافأة، ولا يُعتبر هذا عقوقًا، لما يلحقها مِن ضررٍ مِن جرَّاء ذلك، فلا تُمكنه مِن أخذ مالها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرَرَ ولا ضرار))؛ رواه الإمام مالك وغيره.

أمَّا كيفية إخباره بذلك، فتُحاول أن تستخدمَ التعريض، فإن عجزَتْ عن ذلك، فقد أجاز أهلُ العلم الكذِب إن كان لجلْبِ نفعٍ، أو لدفع ضرٍّ لا يتحقق إلا بالكذب، واستدلوا بحديث أُمِّ كلثوم رضي الله عنها، أنها سمعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس الكذَّاب الذي يُصلح بين الناس؛ فيَنمي خيرًا، أو يَقول خيرًا))؛ متفق عليه.

وروى أبو داود عن سُويد بن حنظلة، قال: خَرَجْنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخَذَهُ عدوٌّ له، فتحرَّج القومُ أن يَحلِفوا، وحَلفتُ أنه أخي، فخلَّوا سبيله، فأتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه أن القوم تحرَّجوا أن يَحلفوا، وحلفتُ أنه أخي، قال: ((صدقتَ؛ المسلم أخو المسلم)).

قال الإمام النووي في كتاب "الأذكار": "فهذا حديثٌ صريحٌ في إباحة بعض الكذِب للمَصلحة، وقد ضبَط العلماء ما يُباح منه، وأحسَنُ ما رأيتُه في ضبطه ما ذكَرَهُ الإمامُ أبو حامد الغزالي فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المَقاصِد، فكلُّ مقصودٍ محمود يُمكن التوصل إليه بالصدقِ والكذبِ جميعًا، فالكذبُ فيه حرامٌ؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصُّل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذبُ فيه مباحٌ، إن كان تحصيلُ ذلك المقصود مباحًا، وواجب إن كان المقصود واجبًا".

وإن كنا ننصح تلك الفتاة بالتلطُّف والرفق في التعامل مع والدها؛ فحقُّه عليها عظيمٌ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الوالدُ أوسط أبواب الجنة، فأَضِعْ ذلك الباب أو احفَظْه))؛ رواه أحمدُ، والترمذيُّ، وابن ماجَهْ، مِن حديث أبي الدرداء.

أما إكمال دراستها للماجستير مع رفض والدها، فلتُحاول أن تُقنعه بوجهة نظرها، فإن أَصَرَّ على الرفض فلها أن تُكملَ دراستها؛ لأن المَنْعَ في تلك الحال تعنُّت في استخدام الحقِّ، وليس هذا مِن المعروف الذي يجب طاعة الوالدين فيه، فطاعةُ الوالدين واجبةٌ ما لم يتعنَّتَا، وقد قُيدت الطاعةُ بما فيه نفع، ولا يشق على الابن ولم يضره، وإلا فلا طاعة.

ونسأل الله أن يُصلحَ أحوال المسلمين