• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عثمان السبت / مقالات
علامة باركود

أحكام الرطانة

الشيخ د. خالد بن عثمان السبت


تاريخ الإضافة: 9/8/2016 ميلادي - 5/11/1437 هجري

الزيارات: 9249

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحكام الرطانة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد:

فإن الله تعالى قد حبانا بلغة عظيمة هي لغة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم والكتاب الكريم الذي لم ينزل قبله مثله، ولن يُنزِل كتاباً بعده، فهو آخر الكتب الإلهية.

 

وإن مِنْ شُكْرِ هذه النعمة أن نُحافظ على هذه اللغة ونعتز بها، وأن نعلمها الأجيال، ونبعث في نفوسهم محبتها والحفاظ عليها. ومن الاعتزاز بها أن تكون وسيلة مخاطباتنا دائماً بحيث لا نلجأ إلى غيرها من غير حاجة، وكما أن هذا يُعد من الوفاء لهذه اللغة فهو كذلك من جملة الأمور التي تحفظ للأمة كيانها بل شخصيتها التي تميزها عن غيرها.

 

كما أن ذلك من الأمور التي تُؤثر في قلب الإنسان ونفسه ومزاجه المعنوي، وقد قرر ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله بقوله: «واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق»[1].

وذلك أن التكلم بلغة قوم فيه نوع محاكاة لهم، ولا يخفى أثر المحاكاة على نفس صاحبها.

 

«وأيضاً فإن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

 

ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن عمر بن زيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه: «أما بعد: فتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي». وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم» وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال؛ ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله»[2].

 

وبهذا تعلم أن هذه مسألة شرعية ينبني عليها بعض الأحكام الشرعية؛ ذلك أن الكلام بغير لغة العرب على قسمين، يتفرع عن كلٍ منهما نوعان على النحو الآتي:

القسم الأول: وهو ما كان من قبيل الألفاظ المفردة كأسماء الأشخاص أو الشهور أو الآلات أو غيرها، وهو نوعان:

النوع الأول: ما كان باقياً على أعجميته أي: أنه لم يُخالط اللغة العربية ولم يداخلها حتى يصير كأنه واحد من ألفاظها، وهو نوعان:

الأول: أن يكون من الألفاظ التي لا يُعرف معناها.

 

قال حرب الكرماني رحمه الله: «باب تسمية الشهور بالفارسية» قلت لأحمد: فإن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف [3]؟ فكره ذلك أشد الكراهة.

 

وروى فيه عن مجاهد حديثاً: أنه كره أن يقال: آذرماه[4]، وذي ماه[5] قلت: فإن كان اسم رجل أسميه به؟ فكرهه قال: وسألت إسحاق قلت: تاريخ الكتاب يكتب بالشهور الفارسية مثل: آذرماه، وذي ماه؟ قال: إن لم يكن في تلك الأسامي اسم يكره فأرجو. قال: وكان ابن المبارك يكره (إيزد) أن يحلف به، وقال: لا آمن أن يكون أضيف إلى شيء يعبد، وكذلك الأسماء الفارسية. قال:

وسألت إسحاق مرة أخرى قلت: الرجل يتعلم شهور الروم والفرس. قال: كل اسم معروف في كلامهم فلا بأس»[6].

 

وقد وجه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله قول الإمام أحمد في كراهة هذه الأسماء بأن الاسم الذي لا يعرف معناه يحتمل أن يكون له معنى محرم، والمسلم لا ينطق بما لا يعرف معناه[7].

وقال: «إن جهل معناه فأحمد كرهه»[8].

 

الثاني: ما له معنى معروف. وهو على نوعين:

أ - ما كان له معنى محرم.

فهذا يُمنع بلا ريب من باب أوْلى؛ حيث مُنع ما لا يُعرف معناه[9].

 

ب - ما كان له معنى غير محرم؛ فهذا على نوعين:

1 - أن يتكلم به لحاجة كأسماء بعض المصنوعات أو المصطلحات العلمية ونحوها مما لا يعرف لها مقابل في العربية أو كان السامع لا يفهم مراده إلا باللفظ الأعجمي[10] فلا بأس بالتكلم بها في هذه الحال؛ لكن ينبغي السعي في تعريبها حفظاً للغة العربية من الضمور والانحسار.

 

2 - أن يتكلم به لغير حاجة، وله صورتان:

الأولى: أن يقع ذلك منه على سبيل الإعجاب بالأعجمية ومحبتها وإيثارها فهذا لا ينبغي، وفاعله مبتلى بالنقص والهزيمة النفسية.

 

الثانية: أن لا يكون منشأ ذلك محبة الأعجمية والإعجاب بها؛ والذي يظهر أن هذا على قسمين:

1 - أن يكون ذلك قليلاً أو نادراً. وهذا لا حرج فيه إن شاء الله. قال البخاري رحمه الله: «باب من تكلم بالفارسية والرطانة»[11].

 

وأورد تحته ثلاثة أحاديث، الأول: حديث جابر رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير فتعالَ أنت ونفر. فصاح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سوْراً، فحيَّ هلا بكم»[12].

 

والشاهد هنا في قوله: «سُوْراً» بضم السين وسكون الواو وهو الطعام مطلقاً أو الطعام الذي يُدعى إليه. وهو بالهمز (السُّؤر) بقية الشيء. قال الحافظ: «والأول هو المراد هنا»[13] ونقل عن الطبري أنه من الفارسية. قيل له: أليس هو الفضلة؟ قال: لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه، إنما هو [أي معناه] بالفارسية: من أتى دعوة»[14].

 

الحديث الثاني: حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد؛ قالت: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعَلَيَّ قميص أصفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَنَهْ سَنَهْ»[15]. قال عبد الله (وهو عبد الله بن المبارك رحمه الله أحد رواة هذا الحديث): وهي بالحبشية: حسنة. والشاهد فيه قوله: «سَنَهْ سَنَهْ» بفتح النون وسكون الهاء، وفي بعض الروايات: «سناه» بزيادة ألف. والهاء فيهما للسكت وقد تحذف؛ وقد جاءت بعض الروايات بحذفها.

وأم خالد رضي الله عنها وُلِدت في الحبشة، وقدمت مع أبيها وهي صغيرة.

 

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: كخ، كخ! أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة؟»[16].

 

فقوله «كخ، كخ» كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يُستقذر، قيل عربية، وقيل أعجمية، وذهب بعضهم إلى أنها مُعرَّبة[17]. وصنيع البخاري يدل على أنه يرى أنها أعجمية. والله أعلم.

 

قال الحافظ: وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة أعجمية؛ لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله: «حسنه» محرف أوله إيجازاً، والثالث من أسماء الأصوات. وقد أجاب عن الأخير ابن المنيِّر فقال: وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل؛ فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته. قلت: وبهذا يُجاب عن الباقي»[18].

 

ولعل هذا الأخير لا يظهر؛ لأن هؤلاء جميعاً كانوا من العرب.

ويحتمل أن الأول والثالث من قبيل الدارج في لغة العرب الذي صار من جملة الألفاظ المستعملة عند أهل العربية.

 

وأما الثاني وهو حديث أم خالد فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله لهذه الجارية الصغيرة على سبيل الملاطفة والمداعبة لكونها قدمت من الحبشة؛ والغالب أنها تعرف بعض كلامهم. والله أعلم.

 

ومما ورد في هذا الباب ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه[19]، وساقه الذهبي بسنده[20] عن علي رضي الله عنه أنه قال للقاضي شريح وقد حكم في قضية بين يديه فأعجبه حكمه: «قالون» وهي بلسان الروم بمعنى: أحسنت أو جيِّد. ولم يكن شريح رومياً ولا مقيماً في أرض الروم، بل كان من كندة في أهل اليمن، وولي القضاء في الكوفة ستين سنة.

 

ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة وفيه من لا يُعرف أن أبا هريرة رضي الله عنه أشرف على السوق فقال: سحت وداست[21].

 

وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن منذر الثوري قال: «سأل رجل ابن الحنفية عن الجبن فقال: يا جارية: اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به ينيراً[22]، فاشترت به ينيراً ثم جاءت به»[23] يعني: الجبن.

 

وذكر القرطبي وعزاه للخطيب عن أبي عبد الملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال: أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي، فلما قام بالباب قال: أندر؟ قالت: أندرون[24].

 

وقال القرطبي: وذكر عن أحمد بن صالح قال: كان الدراوردي من أهل أصبهان نزل المدينة، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: (أندرون) فلقبه أهل المدينة «الدراوردي»[25] و (أندرون) كلمة فارسية تعني: «داخل، باطن» ونحو ذلك.

 

وقال حبيب بن أبي ثابت: «كنا نسمي أبا صالح:[26] «دزوزن» وهو بالفارسية: كتاب»[27].

فهذه الآثار تدل على أن السلف كانوا يتكلمون في أحيان قليلة بالكلمة من الأعجمية.

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: «ونُقِل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية.

 

وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجمياً، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه»[28].

 

2 - أن يكثر ذلك مع عدم الحاجة؛ فهذا ينبغي أن يُجتنب.

قال الشافعي رحمه الله: «سمَّى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً، إلا تاجراً. ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بأعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول:

ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأوْلى بأن يكون مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجمية»[29].

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين»[30].

 

النوع الثاني: من القسم الأول[31]: وهو ما خالط كلام العرب ودخل في لغتهم حتى صار بمنزلة مفرداتها الأصيلة، وهو المُعرَّب وما في حكمه. وهو نوعان:

أ - ما استعملته العرب قبل اختلاط ألسنتها[32].

فهذا معدود في حكم كلام العرب ولا غضاضة في استعماله[33].

 

ب - ما دخل على اللغة بعد اختلاط الألسنة، وقد وقعت الجمهرة من ذلك في القرنين الأخيرين؛ ذلك أن أكثر بلاد المسلمين وقعت تحت سيطرة أعدائها، إضافة إلى أن الأمة صارت تستقبل من غيرها أشياء كثيرة من الثقافة والصناعة وغير ذلك فتستقر اللفظة في الأمة غالباً بثوبها الذي جاءت به من حيث التسمية وغيرها.

 

فصار الناس ينطقون بتلك الألفاظ الأعجمية نطقهم بالعربية دون تنبه أو تمييز لأصلها؛ فهم حين يتلفظون بها لا يقصدون التكلم بالأعجمية سواء كانوا عالمين بأصلها أم لم يكونوا كذلك.

وفي هذه الحال لا يُعد من صدر منه مثل ذلك محاكياً للأعاجم أو متشبهاً بهم، ومن ثَمَّ فالحرج الشرعي مرتفع عنه.

 

لكن ثمة أمر آخر ينبغي مراعاته، وهو أن هذه الكلمات الدخيلة على اللغة ينبغي استبدالها بالألفاظ التي تقوم مقامها في العربية، كما ينبغي أن يُنبَّه الناس إلى أصل تلك المفردات ليكون ذلك معيناً على التخلص منها؛ ذلك أنها تزاحم مفردات العربية وإذا كثرت فإنها تفسد اللغة من أساسها وتقوضها كما لا يخفى.

 

• فائدة: من عادة العرب إذا نطقوا بلفظة أعجمية أنهم يلقونها على طريقتهم في النطق من غير تكلف، ودون ترقيق في اللفظ فضلاً عن نبرة الصوت، وقاعدتهم في ذلك «أعجمي فالعب به» كما قرر ذلك بعض المتقدمين من أئمة اللغة، وهذا على خلاف ما شاع في أوساط المثقفين من تمحُّل في إخراج اللفظة مصحوبة بنبرتها الأعجمية.

 

القسم الثاني: ما كان من قبيل التراكيب والجُمل وليس من قبيل اللفظة المفردة، وهو نوعان:

الأول: ما دعت إليه الحاجة فهذا لا بأس به كأن يكون المخاطب لا يعرف العربية. لكن ينبغي أن تتضافر الجهود على بث العربية ودعمها بكل وسيلة ممكنة حتى تكون هي لغة التخاطب بين العرب وغيرهم كما كان عليه الأمر في الأزمنة التي كانت فيها القوة والغلبة للمسلمين.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام و مصر، ولغة أهلها رومية، وأرض العراق و خراسان ولغة أهلهما فارسية. وأهل المغرب، ولغة أهلها بربرية عوَّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم. وهكذا كانت خراسان قديماً»[34].

 

ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه. إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.

 

الثاني: ما لم تدْعُ إليه الحاجة. وهو نوعان:

1 - ما كان الباعث له محبتها والإعجاب بها؛ فهذا لا ينبغي فعله سواء كان قليلاً أم كثيراً ويُخشى على صاحبه أن يقع في النفاق العملي كما لا يخفى وهو من ألوان محاكاتهم والتشبه بهم، وهذا يكثر وقوعه عادة بين من ابتُلوا بالهزيمة النفسية لا سيما في أوقات ضعف الأمة وتراجعها؛ فالأمم القوية تسعى لفرض ثقافتها على الأمم الضعيفة المغلوبة، وإنما يعبر ذلك كله على جسد اللغة.

 

ولغات الأمصار تكون عادة بلسان الأمة الغالبة عليها، ولما كان المسلمون غالبين على غيرهم من الأمم صارت اللغة العربية هي لغة التخاطب في كثير من البلاد التي هي في أصلها أعجمية[35].

 

قال ابن حزم رحمه الله: «فإن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم، وأما من تَلِفَتْ دولتهم وغلب عليهم عدوهم واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمونٌ منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سبباً لذهاب لغتهم، ونسيان أنسابهم وأخبارهم، وبُيود علومهم، هذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة»[36].

 

2 - ما لم يكن الباعث له الإعجاب بها ومحبتها. وله صورتان:

الأولى: أن يعتاد ذلك ويكثر منه. وهذا لا ينبغي أيضاً؛ لأن «اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون»[37].

 

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: «ما تعلَّم الرجل الفارسية إلا خَبُثَ[38]، ولا خبث[39] إلا نقصت مروءته»[40].

 

وأخرج عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: «ما بال المجوسية بعد الحنيفية؟»[41].

وأخرج عن عطاء قال: «لا تَعَلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم؛ فإن السخط ينزل عليهم»[42].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: «وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمِصْرِ وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه؛ فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم»[43].

الثانية: أن يقع ذلك نادراً؛ فهذا أسهل من الأول لكن ينبغي أن يُجتنب.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



[1] الاقتضاء، 1/ 470.

[2] ما بين الأقواس « » من كلام شيخ الإسلام في الاقتضاء، 1/ 470 471.

[3] أي لا يعرف معناها.

[4] أسماء لبعض الشهور في الفارسية.

[5] أسماء لبعض الشهور في الفارسية.

[6] نقلته بواسطة الاقتضاء، 1/ 461 462.

[7] انظر: الاقتضاء، 1/ 462.

[8] السابق، 1/ 462، وانظر نحوه، ص 464.

[9] السابق، 1/ 462، وانظر نحوه، ص 464.

[10] أخرج الطبراني في الكبير، 6/ 218، أن سلمان رضي الله عنه أصاب جارية فقال لها بالفارسية: صلِّي قالت: لا، قال: اسجدي واحدة إلخ.

[11] البخاري مع الفتح، 6/ 183، والرِّطانة بكسر الراء ويجوز فتحها هو كلام غير العربي انظر: الفتح، 6/ 184.

[12] البخاري في الجهاد باب من تكلم بالفارسية والرطانة، حديث رقم: (3070)، 6/ 183، وأورده في موضعين آخرين، حديث رقم: (4101، 4102).

[13] الفتح، 6/ 184.

[14] المرجع السابق.

[15] البخاري في الجهاد، باب من تكلم بالفارسية والرطانة، حديث رقم: (3071) 6/ 183، وذكره في مواضع أُخرى، انظر الأحاديث رقم: (3874، 5823، 5845، 5993).

[16] البخاري في الجهاد، باب من تكلم بالفارسية والرطانة، حديث رقم: (3072)، وذكره في الزكاة، باب ما يُذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم: (1491) 3/ 354.

[17] انظر: الفتح، 3/ 355.

[18] المرجع السابق، 6/ 185.

[19] مختصر تاريخ دمشق، 10/ 297.

[20] السير، 4/ 103.

[21] مصنف ابن أبي شيبة، 9/ 12.

[22] هكذا في المطبوع وبعض المعاصرين يرجح أن صوابها: «نيزا».

[23] المصنف، 9/ 12.

[24] الجامع لأحكام القرآن، 12/ 218.

[25] السابق، وذكره الذهبي في السير، 8/ 366.

[26] وهو أبو صالح مولى أم هانئ.

[27] نقله النسائي في الكبرى، 2/ 252.

[28] الاقتضاء، 1/ 468.

[29] نقلته بواسطة الاقتضاء، 1/ 465.

[30] نقلته بواسطة الاقتضاء، 1/ 465.

[31] وهو ما كان من قبيل الألفاظ المفردة.

[32] قال الأصمعي: «ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة، وهو آخر الحجج» تاريخ بغداد، 6/ 131 مختصر تاريخ دمشق، 4/ 87.

[33] على خلاف مشهور بين أهل العلم في أصله، هل هو أعجمي فأخذته العرب، أو العكس، أو أنه مما توافقت فيه اللغات إلخ.

[34] الاقتضاء، 1/ 469 470.

[35] لابن خلدون رحمه الله كلام مفيد في هذا الموضوع فراجعه إن شئت في المقدمة، ص 379.

[36] الإحكام، 1/ 31.

[37] ما بين الأقواس «» من كلام شيخ الإسلام في الاقتضاء، 1/ 463.

[38] هكذا في المطبوع، ولعلها: خبَّ: أي صار مخادعاً.

[39] هكذا في المطبوع، ولعلها: خبَّ: أي صار مخادعاً.

[40] المصنف، 9/ 11.

[41] المصدر السابق.

[42] المصدر السابق.

[43] الاقتضاء، 1/ 469.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • أحكام الجنائز: مقدمات الموت - تغسيل الميت - تكفينه - دفنه - تعزية أهله - أحكام أخرى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أحكام الحج أحكام يوم التشريق(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أحكام الاعتكاف وليلة القدر وزكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام فقهية وعقدية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • مخطوطة أحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قاعدة أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زبدة الأحكام من آيات الأحكام: تفسير آيات الأحكام (2) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوقوف بعرفة وحكم التعريف بالأمصار: أحكام وأسرار(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (النسخة 7)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأضحية: أحكام وحكم(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب