• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

خسران النفس: حقيقته وأسبابه كما ورد في ثمانية مواضع من القرآن العزيز

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/5/2016 ميلادي - 11/8/1437 هجري

الزيارات: 32789

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خسران النفس: حقيقته وأسبابه

كما ورد في ثمانية مواضع من القرآن العزيز

 

إن الحمد لله، نَحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فلا يرتاب أيُّ مسلم أنَّه في وجوده في هذه الحياة الدنيا، إنما خُلِق لغايةٍ واضحةٍ بيِّنة وهي عبادة الله جل وعلا؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56، 57]، وكما قال عز من قائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].

 

ولأجل ذلك يجزي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة من استجابوا واستقاموا الجزاءَ الأوفى، وأما من أعرض فإنَّ الله جل وعلا يجزيه على إعراضه، ويجعل الكافرين والمشركين في نار الجحيم.

 

أيها الإخوة الكرام، هذه الحياة الدنيا تجارةٌ مع الله جل وعلا، إنها تجارةٌ يعمل فيها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فيلقى بعض الجزاء في هذه الحياة، أما الجزاء الأكمل فهو في الدار الآخرة، ولا شك أنَّ هذه التجارة مع الله جل وعلا، فيها الرابحون الفائزون المفلحون الذين ينالون رضا الله جل وعلا، فيجزيهم جنةً عرضها السموات والأرض، ويجزيهم أعظم من ذلك، وهو الرضا الرباني الذي لا غضب ولا سخط بعده.

 

تأملوا أيها الإخوة، بينما أهل الجنة في نعيمهم وفي ملكهم الكبير، وفيما آتاهم الله من أنواع النعيم، إذا بهم يسمعون مناديًا ينادي: يا أهل الجنة، فيَشرئبون ويستعظمون هذا النداء، فإذا بهذا النداء يقول لهم: هل لكم من شيءٍ تودُّونه أكثر مما أنتم فيه؟ هل تودون شيئًا غير هذا النعيم وزيادةً عليه؟ فإذا بهم يكون جوابهم لربهم جل وعلا: ألم تُنجِّنا من النار وتدخلنا الجنة، وتبيِّض وجوهنا؟ فيقول الله لهم: إنَّ لكم ما هو أعظم من ذلك، قالوا: وما هو يا رب؟ قال: أُحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبدًا.

 

وأما أولئك في الدار الثانية في نار الجحيم وهم يَصطرخون فيها، وهم في أنواع العذاب الذي لا يحيون فيه ولا يموتون، ينادي منادٍ لأهل النار كل أحد في دركٍ من أدراك النار: يا أهل النار، فيشرئبون ويظنون به النجاة والفرج والخروج من هذا العذاب، فإذا بهم يقال لهم: يا أهل النار، خلودٌ فلا موت، فيزدادون في الحسرات، ويزدادون في النكال، ويعلمون أنَّه لا منتهى لهذا العذاب الذي هم فيه أبد الآباد.

 

إنَّ ذلك أيها الإخوة هو الخسران المبين، إنَّ ذلك هو الخسران الأكبر، وعند التأمل في كتاب الله جل وعلا وخبره سبحانه عن أنواع الخسارات التي تحلُّ بالعباد، فقد تكرر ذكر الخسارة في القرآن الكريم - خسران النفس - في ثمانية مواضع.

 

تأمل يا عبد الله أن يقال: خسر نفسه، خسروا أنفسهم، إنهم أهل النار، إنهم أهل الضلال، وقد جاءت هذه الآيات في ثمانيةِ مواضع من القرآن الكريم في سورة الأنعام؛ قال ربنا جل وعلا: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12].

 

وفي موضع آخر من سورة الأنعام، قال الله جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 20]، الذين يخسرون أنفسهم هم الذين لا يؤمنون بهذه الحجج الربانية والآيات الإلهية.

 

وفي الموضع الثالث قال الله جل وعلا: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8، 9]، خسروا أنفسهم؛ لأنهم خفَّت موازينهم، فلم تُملأ بالحسنات، وإنما كانت سيئاتهم راجحة، مع أن الحسنات في الدنيا مضاعفة معظَّمة، وأما السيئات فهي فُرادى، لا يجزي الله بالسيئة إلا مثلها أو يغفر، بينما الحسنة مع الله مضاعفةٌ أضعافًا كثيرة.

 

والموضع الرابع الذي أخبر الله فيه عن الذين خسروا أنفسهم في سورة الأعراف؛ قال الله جلَّ شأنه: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ ﴾ [الأعراف: 53]، إلى الدنيا: ﴿ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [الأعراف: 53]، قال الله: ﴿ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأعراف: 53]، خسروا أنفسهم؛ لأنهم صاروا إلى ذلك العذاب الذي وُعِدوا به في الدنيا، فلم يأخذوا حذرهم.

 

والموضع الخامس من خبر الله عن الذين خسروا أنفسهم، قال جل جلاله: ﴿ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾ [هود: 20 - 22].

 

هذا هو الخُسران الأكبر، هذه هي الخسارة الكبرى، خسارة النفس، وما يتبع ذلك من الضلال، وما يتبع ذلك من العذاب والنكال.

 

والموضع السادس من خبر الله عند الذين خسروا أنفسهم في سورة المؤمنون، قال جل جلاله: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 101 - 103]، خسِروا أنفسهم؛ لأن موازين الحسنات كانت خفيفة عندهم، كانت مثاقيل السيئات هي الراجحة.

 

والموضع السابع في خبر الله عن الذين خسِروا أنفسهم في سورة الزمر، قال الله جل وعلا: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 13 - 16]، أعذر الله وأنذر وأخبر سبحانه عن ذلك في مواضع من كتابه، ولكنَّ أكثر الناس يصدون عن هذه الذكرى وعن هذه العظات.

 

وأما الموضع الثامن في خبر الله عن الذين خسروا أنفسهم، ففي سورة الشورى، قال جل وعلا: ﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ﴾ [الشورى: 45].

 

هنالك اتحدت الكلمة - كلمة أهل الجنة وكلمة أهل النار - على أنَّ الخسارة الكبرى هي خسارة الذين خسروا أنفسهم، خسروها بأنهم لم يُنجوها من عذاب الله، لم يستقيموا على طاعة الله، أهلكوا أنفسهم بالذنوب والعصيان.

 

إنَّ الذين يتعاطون السيئات يجدون في بعضها لذةً حاضرة من لذائذ البطن، أو لذائذ الفرج، أو شهوة المال وتعاطيه، إنَّ ذلك إنما هي لذة حاضرة منقضية، تعقبها المنغصات والنكد والعذاب والحساب، ولذلك فإنَّ المؤمن الحق هو الذي ينظر إلى ما يكون به نجاته وفلاحه، وحسن عاقبته، وأن ينجو من هذا الخسران.

 

إنَّ الناس تتفاوت معاييرهم في الدنيا ومقاييسهم في مسألة الخسارة، وإنما يعدون الخاسر منهم الذي فاته المال أو فاته المنصب، أو فاته غير ذلك من أمور هذه الحياة الدنيا، لكنَّ الخسران الحقيقي الذين خسروا أنفسهم، فصاروا إلى النار بعصيانهم للملك الجبار.

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم لسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه هو إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام، إنَّ مفاهيمَ ومقاييسَ التجارة والربح والخسران، مقاييسُ مهمةٌ ومعاييرُ ضروريةٌ في تعاملات الناس في حياتهم، وما من أحدٍ إلا وهو يلاحظ هذه المقاييس، وإنما يكون الرابح من لاحظ هذه المقاييس، فمن الناس من يحقق ربحَه بالنظر إلى هذه المقاييس في أمور الحياة الدنيا، ومنهم من ينظر إليها بمعايير الآخرة ونظرته إلى الربح الأكبر، وهو عند لقائه الله جل وعلا وفوزه برضوانه وجنته.

 

ولذلك التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومًا إلى هذه المعاني التي يتعاطاها الناس في تعامُلاتهم، قال للصحابة: (ما تَعدون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس هو َمن لا دينار له ولا درهم)، بمفاهيم الناس في القديم والحديث، المفلس من يصبح أو يمسي وليس في يده شيء يملكه؛ لا دينار، ولا درهم، ولا دار، ولا غير ذلك، ويتفاوت الإفلاس؛ فمنهم من يبلغ به مبلغًا يصل به إلى الحجز على كل ماله، وإلى السجن وغير ذلك، ومنهم من قد يكون حرًّا طليقًا، لكنه لا يملك شيئًا من المال، فقال النبي صلى الله عيه وسلم: (لكن المفلس)، المفلس الحقيقي ليس بمعايير الدنيا، بل بالمعايير الكبرى معايير الآخرة، قال: (إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ثم يأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، فإن فنِيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم ثم طرح في النار).

 

إن هذا الحديث يدل على أمور عديدة؛ منها ما نحن بصدده، وهو قضية الإفلاس والربح، قضية الخسران والفلاح، قضية العملة التي ينبغي أن يلاحظها المؤمن، حتى ترجح معاييره، وترجح كِفته، وهي الحسنات والبعد عن السيئات.

 

ولذا تأملوا أيها الإخوة تَكرار الله جل وعلا في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تكراره قضيةَ الذين خسروا أنفسهم، وما يتبع ذلك من خسارة أهليهم، فهم يخسرون أهليهم أيضًا؛ إما أهلهم الذين في الدنيا، إذا صاروا إلى الجنة، وافترق عنهم، فهم في الجنة، وهو في العذاب في النار، وإما بمعنى خسرانه لأهله الذي كان ينبغي أن يصير إليهم في الجنة، ثم إنه لم يصل إليهم؛ لأنه خسر داره في الجنة، وخسر مكانه فيها، وخسر ملكه فيها، وصار إلى النار، والعياذ بالله.

 

﴿ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾: قال العلماء: الخاء والسين والراء (خسر) أصل يدل على النقصان، فالذي ناله هذا الخسران قد نقص وانتُقِص نقصًا عظيمًا، وذلك إنما يتجلى في الآخرة بخسارته لنفسه.

 

قال أهل التفسير: معنى ﴿ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾: أضاعوها كما يضيع التاجر رأس ماله، فالخسران مستعار هنا لإضاعة ما من شأنه أن يكون سبب نفع، فمعنى ﴿ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾؛ أي: عدموا فائدة الانتفاع ما ينتفع به الناس من أنفسهم وهو العقل والتفكير، فإن حركة النفس في المعقولات لمعرفة حقائق الأمور، وذلك أن هؤلاء المعرضين لما أعرضوا عن التدبر في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أضاعوا عن أنفسهم أنفعَ سبب للفوز في العاجل والآجل، فكان ذلك سبب ألا يؤمنوا بالله وبالرسول واليوم الآخر، فعدموا الإيمان الذي يؤدي بهم إلى الجنة وإلى رضا الرحمن جل وعلا، إنهم خسروا خسرانًا عظيمًا، فاتهم الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، ففاتهم السلامة من العذاب، وفاتهم أن يحلوا في جنة رب الأرباب، فهو خسران عظيم، لو أنه قدر على الذين أعرضوا عن ربهم وعن طاعته، أنهم يوقفون يوم القيامة على ما يصير إليه المطيعون بدخول الجنة، ثم إن هؤلاء المكذبين المعرضين لم يدخلوا النار، وإنما فاتهم دخول الجنة - لكان خسرانًا عظيمًا، ولو قدر لأحد أن يموت كمدًا على فوت شيء، لكان موته كمدًا على فوت الجنة، فكيف وأنهم يخسرون الجنة، ثم يصيرون إلى النار، لذلك كان هذا هو الخسران الأعظم، ذلك هو الخسران المبين الذي ليس بعده خسارة، فنسأل الله جل جلاله أن يعيذنا من الخسران في الآخرة والأولى!

 

ألا وصلوا وسلِّموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

اللهم ألِّف بين قلوبهم واجْمَعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم وفِّقهم لما تحب وترضى.

اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبْعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان.

اللهم احقن دماء إخواننا في سوريا وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم إنا نعوذ بك أن نضل.

اللهم إنا نعوذ بك من الخسران.

اللهم وفِّقنا لِما فيه خير الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخسران المبين (قصة قصيرة)
  • فقد خسر خسرانا مبينا
  • الإعراض عن الله عين الخسران

مختارات من الشبكة

  • خسران النفس حقيقته وأسبابه كما ورد في ثمانية مواضع من القرآن العزيز(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة العاشرة) للمنافقين خسران وللمؤمنين رحمتان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستنساخ البشري خسران مبين(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • كيف نفرح في العيد؟!(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير قوله تعالى: {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين النفس والعقل (3) تزكية النفس (خطبة) باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب