• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات
علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (29)

شرح العقيدة الواسطية (29)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/4/2016 ميلادي - 8/7/1437 هجري

الزيارات: 9608

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (29)


وَأَوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ الأُمَمِ أُمَّتُهُ، وَلَهُ فِي الْقِيَامَةِ ثَلاثُ شَفَاعَاتٍ: أَمَّا الشَّفَاعَةُ الأُولَى: فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَهُمْ، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ الأَنْبِيَاءُ: آدَمُ، وَنُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى ابْنُ مَريَمَ عَنِ الشَّفَاعَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ: فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَانِ خَاصَّتَانِ لَهُ، وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّالِثَةُ: فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ. وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَهُ وَلِسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ أَلاَّ يَدْخُلَهَا، وَيَشْفَعُ فِيمَنْ دَخَلَهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا.


شيخ الإسلام رحمه الله أخَّر الكلامَ عن الشفاعة إلى هذا الموضع - مع أن حق الكلام عن الشفاعة أن يُقدَّم إذا قام الناس من قبورهم في أول عرصات القيامة - وذلك لثلاثة أمور:

أولاً: إن هذا المتن مختصَر، وقد علَّقه مِن غير تحضير، ولا ترتيب، بل جاءه وليُّ الدِّين الواسطيُّ القاضي، وطلب عقيدته أن يكتبها له؛ ليدين بها هو وأهله، فكتبها له بين العصر والمغرب، وما وضع لها مخططًا، ولا عرَضه على الأقسام ليفحَصوه، وما ذهب، ولا أتى، وإنما أملاها من قلبه؛ ولهذا فإن ما يحصل فيها من التقديم والتأخير فإنه رحمه الله معذور.

 

ثانيًا: ها هنا جاء ذِكرٌ لنوعٍ مِن الشفاعة الخاصةِ به (وهي الشفاعة بدُخول الجنة)، والشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم عند الاستقراء أربع، أو خمس، والشفاعات كلُّها ثَمان، ونَذكُرها هنا تفصيلاً؛ لأن الشيخ لم يُرِد الاستيعاب وإنما ذكَرها لنا من باب ذِكْر أشهَرِها:

أُولى الشفاعات الخاصة به: الشفاعة العظمى، التي أشار إليها الشيخ، وهي شفاعةٌ إلى الله ليَجيء إلى فصل القضاء، يوم يتخلَّى عنها كلُّ عباد الله ومُصطفَيْه، فيأتي الناسُ آدمَ وهم في عرَصات القيامة وشدتها، فيَعتذِر بأن الله غَضِب اليوم غضبًا لم يغضب مثلَه قط، ولن يغضَب مِثله قط - وهذا فيه إثباتُ الغضب لله تعالى - وأنه قد عَصى الله بأكلِه من الشجرة، ثم يأتون نوحًا فيعتذر كذلك بهذا العذر؛ بأن الله غضِب غضبًا لم يغضَب مثله قط، ولن يغضبَ مثله قط، وأنه سأل الله ما ليس له به عِلم، وهو نجاة ابنه كنعان، فنوحٌ له أربعةُ أبناء: كبيرهم كنعان، والثلاثة: سام، وحام، ويافث. وكنعان هو الذي كان مِن المغرَقين؛ لأنه كان كافرًا، ثم يأتون إبراهيمَ فيعتذر كذلك، ثم موسى، فعيسى، وعيسى لا يعتذر بذَنب، وإنما يعتذر بغضَب الله، ويقول: ((اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ؛ عَبْدٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ)). فيَأْتُون نبيَّنا صلى الله عليه وسلم فيقول: ((أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا))[1]، فيذهب، فيَخِرُّ ساجدًا تحت العرش، ويفتح الله عليه أنواعًا مِن مَحامِدِه؛ أي: مِن الثناء عليه، وتمجيدِ ربِّه، لم يكن قد فتَحها عليه في الدنيا، فلا يزال ساجدًا هكذا، حتى يأتيَ الإذنُ مِن الله عز وجل: ((يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ))[2]، وهذا قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، وهذا المقام المحمود الذي يَغبِطه عليه الأولون والآخِرون، وهو الشفاعة إلى الله في الموقف العظيم؛ ليجيء لفصل القضاء، ويُريحَ الناسَ مما هم فيه من الهمِّ العظيمِ والبلاء.


والشفاعة إلى الله مِلكٌ لله تعالى في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44]، ولا تنفع الشفاعة إلا بشرطين:

الأول: إذن الله للشافع بالشفاعة: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، ملوكُ الدنيا مهما عَظُم مُلكهم يُشفَع عندهم بغير إذنهم، إلا مَلك الملوك جل جلالُه؛ فلَن يشفَع أحدٌ عنده إلا إذا أَذِن له.

 

الثاني: رضا الله عن المشفوع له؛ ولهذا فإن الكافرين والمنافقين لا ينفعهم الشافعون ولو شفعوا.

 

وهذه الشفاعة العُظمى - مع أنها تَطول المؤمن والكافر، والكفار تبعٌ للمؤمنين - لكنها لا تنفَعهم هذه الشفاعة، وإنما تُعَجِّلُ بعَذابهم وسعيرهم، وصِليِّهم النارَ وجَزائهم، فالرسول مع أن شفاعته طالت هؤلاء إلا أنها لا تنفعهم، والله تعالى قال: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، ولم يقل: ولا يَشفع فيهم الشافعون.


الشفاعة الثانية الخاصةُ به صلى الله عليه وسلم: ما أشار إليها الشيخُ من قولِه: ((فَيَشْفَعُ إِلَى اللهِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ))؛ وذلك أنه جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ آخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَقَالَ: أَنَا، فَأَسْتَفْتِحُ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ))، فيُفتَح له؛ لأنَّه يَشفَع إلى الله بدخول الجنة، فهو أول الداخلين إلى الجنة من بني آدم، ومن المكلفين إنسًا وجنًّا، وأمته أول الأمم دخولاً إلى الجنة، وهذا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((نَحْنُ الآخِرُونَ - أي: زَمانًا - السَّابِقُون يوم القيامة))[3]؛ أي: السابقون إلى الجنان. وأمته في الجنة، ذُكِر أنهم يَبلغون شطرَ، بل ثُلثَي أهل الجنة؛ وذلك أنه جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه فقال: ((إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَكَبَّرَ الصَّحَابَةُ كَانُوا فِي سُرَادِقٍ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلْثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَعَظُمَ تَكْبِيرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَكَبَّرُوا حَتَّى ارْتَجَّ السُّرَادِقُ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)). وهذه كرامة لهذه الأمة وخَصِيصَةٌ من الله لها على سائل الأمم.

 

الشفاعة الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب؛ فقد جاء في صحيح مسلم من حديث العباس رضي الله عنه أنه قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَبُو طَالِبٍ فَعَلَ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ - يعدد مآثره وحميته على رسول الله - وَقَدْ حَدَبَ عَلَيْهِ ظَهْرَهُ، فَهَلاَّ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ؟"، وأبو طالب هو الذي ربَّى النبي، وقد حدب أبو طالب ظهره على رسول الله ثلاثًا وأربعين سنة من عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أن كان عمر النبي ثمانيَ سنوات إلى وفاة أبي طالب بعد البَعْثة بعشر سنين؛ ثلاث وأربعون سنة وأبو طالبٍ حادبٌ ظهرَه على رسول الله، وما كانت قريشٌ ولا غيرُها يستطيعون أن يَنالوا من رسول الله شيئًا وأبو طالب حي، أبو طالب كان شأنه عجَبًا مع رسول الله، وكان دافِعُ ذَلك الحميَّة، مع أنه صرَّح بصِدْق رسول الله، وصحة دينه بلِسانه، لكنه لَمَّا أبى أن يقول: لا إله إلا الله. كان كفرُه كفرَ إباءٍ، وهو أحد أنواع الكفر الخمسة، وأبو طالب هو القائل:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ
مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلاَ الْمَلامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ
لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ
وَابْشِرْ فَقَرَّ بِذَاكَ مِنَّا عُيُونَا

 

أليس هذا القول قولَ مَن آمن بالرسول؟ بلى، هذا قوله، لكنه أبى أن يقول: لا إله إلا الله. وهو الذي قال في لاميته:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالِ الْيَتَامَى عِصْمَةٍ لِلأَرَامِلِ
تَلُوذُ بِهِ الْهُلاَّكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ
يُوَالِي إِلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ
فَوَاللهِ لَوْلا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ
تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ
لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ
مِنَ الدَّهْرِ طُرًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّخَاذُلِ
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ
لَدَيْنَا وَلا يُعْنَى بِقَوْلِ الأَبَاطِلِ

 

ومع ذلك لم يؤمن؛ أَبَى أن يقول: لا إله إلا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه يسعى وهو يعالج السكرات، فقال: ((يَا عَمَّاهُ، قُلْ كَلِمَةً أُحَاجَّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ))، واستدل بها طوائف المرجئة على أن مجرد قول: "لا إله إلا الله" يكفيه وينفعه، وهذا من جهلهم بحال أبي طالب وبحال النبي معه، بل مِن جهلِهم بتوحيد الله والإيمان به؛ لأن أبا طالب صدَّق بشِعره، لكنه أَبى أن يَقولها، فلما أَبَى أن يقولها لم ينفَعْه ذلك؛ لأنه أبى مع قدرته، وهذا دليلٌ عند أهل السنة على أن الإيمان لا بد فيه مِن النطق باللسان مع اعتقاده ومع قوله.

 

فالعبَّاس يقول للنبي صلى الله عليه وسلَّم: أَبُو طَالِبٍ هلاَّ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ، يُخْرِجُهُ اللهُ بِي مِنْ دَرْكِ النَّارِ فَيَجْعَلُهُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ))[4]، والضَّحضاح في اللغة: هو الماء إذا مَشى على الأرض، وبلَغ أسفَل القدَم، ولم يُجاوِز الكعبين يُسمَّى ضحضاحًا، سواء كان يَسيل أو كان راكدًا. قال النبي: ((فَيُوضَعُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ))؛ أي: إن النار لا تلبسه جميعًا، وإنما إلى كعبيه يَغلي منهما رأسه؛ يَظنُّ أنه أشدُّ الناس عذابًا، وهو في الحقيقة أقَلُّهم عذابًا، قال صلى الله عليه وسلم: ((وَلَوْلايَ لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ))؛ أي: لولا شَفاعتي فيه لكان في الدرك الأسفل من النار.

 

وجاء في الحديث الآخَر: ((إِنَّ أَقَلَّ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ يُلْبَسُ نَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا نَفُوخُهُ، يُرَى أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا، وَهُوَ أَقَلُّهُمْ عَذَابًا))! فأبو طالب لم تنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه من النار.

 

الشفاعة الرابعة: شفاعته في السبعين ألفًا: وفيها خلاف بين أهل العلم.

 

الشفاعة الخامسة: شفاعته في أهل الأعراف، وهم - على الراجح - مَن تَساوَت حسَناتُهم وسيئاتُهم، يشفع فيهم في دخولهم الجنان، وهذه فيها خلافٌ بين أهل العلم.

 

الشفاعة السادسة - وهي ليست خاصة به، بل هي له ولغيره من الأنبياء، والشهداء، والملائكة، والصالحين -: شفاعته في رفع درجات المؤمنين في الجنان؛ بأن يكونوا في درجات دنيا، فيُرفَعون إلى درجات عليا، ومن ذلك شفاعة الآباء في أبنائِهم، وعكسها من شفاعة الأبناء لآبائهم.

 

الشفاعة السابعة: شفاعته لأهل الكبائر: وقد ادَّخر صلى الله عليه وسلم شفاعته إلى يوم القيامة لأمته: ((شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي))[5]، وهذه التي يُنكِرها المعتزلةُ والجهمية (المسمَّون بالوعيديَّة)، بل الواقع أنهم لا يُقِرُّون إلا بشفاعةٍ واحدة، وهي العظمى، ويُنكِرون ما سواها.

 

الشفاعة الثامنة: شفاعته في أقوام قد دخلوا النار، وذاقوا صليَّها وعذابها، فيشفع هو والأنبياء عليهم السَّلام، والشهداءُ والصالحون إلى الله في خروجهم منها.

 

وفي شفاعته الثامنة يحدُّ له الله أربعةَ حدود كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه، وفي الصحيحين فيَحُدُّ الله له حدًّا، ويقول: ((يَا مُحَمَّدُ، أَخْرِجْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرِجُهُمْ، ثُمَّ يَحُدُّ لَهُ حَدًّا ثَانِيًا: أَنْ أَخْرِجْ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. ثُمَّ يَحُدُّ لَهُ حَدًّا ثَالِثًا فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. ثُمَّ يَحُدُّ لَهُ حَدًّا رَابِعًا، فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ))[6]؛ أي: إنهم لم يعمَلوا خيرًا ينفعهم، وقوله: ((قَطُّ)) على جهة التغليب، وأن سيئاتهم العظيمةَ غلبَت حسناتهم غلَبةً، حتى كادت الحسنات تضمحلُّ مع هذه السيئات، وليس معناها أنهم لم يَعمَلوا أعمالاً أبدًا؛ لأنَّ هذا الدليل استدل به المرجئة على نفيِ العمل عن الإيمان، ومعلومٌ أن العمل يَشمَل عملَ القلب وعمل الجوارح؛ فإن قالوا: إنه لم يعمَل عملاً، لا عمل قلب، ولا عمل جوارح. صار مذهبُهم مذهبَ غُلاة المرجئة، ومعلوم أنه لا إيمانَ لمن لا عمل له، سواء بالعمَلَين عمل القلب وعمل الجوارح؛ فإن فصَّلوا فأثبتوا عمل القلب دون عمل الجوارح فقد تحَكَّموا على دليل بغير مستَدَلٍّ.

 

نقول: من أين بالدليل قال: ((لم يعمل عملاً قط)) - أي: عمل الجوارح - إما أن تنفوا الجميع، أو تثبتوا الجميع. وليس لهم مَناصٌ عند السَّبْر والتقسيم إلا هذا؛ ولهذا فإن هذا الحديث في هذا الباب يعدُّ مشكِلاً إذا نُظِرَ إِليه بمجرَّده، أما إذا ضمَمتَه إلى بقية نصوص الوعد والوعيد يَزول الإشكال والاشتباه، كما عليه محقِّقو أهل السنة من أن هذا نَصُّ وعدٍ يُرجَع فيه إلى بقية نصوص الوعيد، فعندئذ يلئتم الأصل، ويجتمع عليه الشمل، ولا يختلف عليه قول أهل السنَّة.

 

((ثُمَّ يَأْخُذُ اللهُ تَعَالَى بِيَدِه غَرْفَةً مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: هَؤُلاءِ إِلَى رَحْمَتِي، وَلا أُبَالِي)). وهذه ليست شفاعةً، وإنما هي محضُ تفضُّلٍ من الله.

 

انحرف في الشفاعة أقوام، وممن انحرف فيها الوعيدية من الخوارج، والمعتزلة، وهم كادوا لا يثبتون إلا العظمى، وبعضهم يثبت شفاعة النبي في التنقُّل في الجنة، والتدرُّج فيها، وغلاةُ المرجئة يُنكِرونها؛ لأن الشفاعة إنما جاءت في الأحاديث، وهي عندهم مظنَّة الآحاد! وهي خارمةٌ لأصلهم؛ فإن مِن المرجئة مَن يقول: إن مَن عرَف الله مؤمن! فإذا كان العارف مؤمنًا فلا حاجةَ له إلى شفاعة، ومن قال: "لا إله إلا الله" وهو مؤمن كما هو مذهب الكرَّامية، فلا حاجة له إلى شفاعة، وهذا نتاج أصولهم الفاسدة، وعقائدهم في الإيمان الكاسدة.

 

وَيُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ؛ بَلْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَبْقَى فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ عَمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ:

أي: إنه يبقى في الجنة فضلٌ لم تمتلئ الجنة، والنار - وهي أقل مِن الجنة - لا تمتلئ حتى يضَع الرحمنُ فيها رِجلَه وقدَمَه، فتقول: قَدْني، قدْني. الجنة إذا دخلها كلُّ أهلها - ممن كتَب الله لهم دخولها، ومَن شفع فيهم الشافعون - يَبقى في الجنة فضلٌ؛ أي: مكانٌ لم يَدخله أحد، فيُنشئ الله لها أقوامًا يخلقهم لها، فيُدخلهم الله الجنة رحمةً منه؛ لأن الخلق خلقُه، والملك ملكُه، ولا يُسأل عما يَفعل، وهم يُسألون.

 

وَأَصْنَافُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّارُ الآخِرَةُ - مِنَ الْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ - وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي الكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَثَارَةِ مِنَ الْعِلْمِ الْمَأْثُورِةِ عَنْ الأَنْبِيَاءِ. وَفِي الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي، فَمَنْ ابْتَغَاهُ وَجَدَهُ:

الأصناف هي الأنواع؛ أي: أنواعُ مَن يدخل الجنة، وما يقَع في اليوم الآخر من أنواع المواقف في العرَصات؛ مِن تطايُر الصحف، والحساب، والحوض، والميزان، والشفاعات، والصراط، والقنطرة بعد الصراط، والجَسْر على متن جهنم، وما يكون فيها من إقرار الإنسان بعمله... فكل هذه الأصناف (الأحوال) مذكورة في كتب الله المنزلة، ومذكورة فيما أوحاه الله على رسُلِه من أثَارة العلم (العلم المأثور) عن أنبياء الله.

 

هذا حكاية من الشيخ لإجماعِ المرسَلين على الإيمان بهذه التفاصيل، تفاصيل اليوم الآخر؛ لأنها كما ذُكِرَت لنا ذُكِرَت له، لكن جاء في شريعة نبِّينا - من التفاصيل وذِكْرِ آحاد الأمور وأفرادها - ما لم يأت فيمن قبلنا؛ لأن شريعتنا هي الخاتمة، ومحمد هو خاتم المرسلين؛ ولهذا أبان من تفاصيل اليوم الآخر إبانة تفصيلية ما لم يذكرها نبي قبله، ولهذا جاء في الصحيحين: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْغَدَاةَ (الْفَجر)، ثُمَّ وَقَفَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، وَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَمَّ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَمَّ خُطْبَتَهُ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ إِلاَّ وَأَخْبَرَهُمْ مِنْهُ خَبَرًا، قَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم: عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ؛ أي: نسيه من نسيه. فإن الجهل هاهنا بمعنى النسيان؛ دلالة على أنه أبان لهم ذلك إبانة واضحة لا مرية، ولا التباس فيها.



[1] رواه البخاري (4712)، ومسلم (194)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[2] نفس السابق.

[3] رواه البخاري (6624)، ومسلم (855)، من حديث أبي هريرة.

[4] رواه البخاري (3883)، و (6208)، ومسلم (209) عن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه.

[5] رواه أبو داود (4739)، والترمذي (2435)، وأحمد (3/ 213)، من حديث أنس بن مالك.

[6] رواه البخاري (7510)، ومسلم (193، و326)، وأحمد (3/ 116).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح العقيدة الواسطية (24)
  • شرح العقيدة الواسطية (25)
  • شرح العقيدة الواسطية (26)
  • شرح العقيدة الواسطية (27)
  • شرح العقيدة الواسطية (28)
  • شرح العقيدة الواسطية (30)
  • شرح العقيدة الواسطية (31)
  • شرح العقيدة الواسطية (32)

مختارات من الشبكة

  • التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية لعبد العزيز الرشيد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. زياد بن حمد العامر)
  • شرح العقيدة الواسطية (39)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (38)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (37)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (36)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (35)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (34)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب