• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / عون الرحمن في تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ...}

تفسير قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ...}
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/5/2025 ميلادي - 7/11/1446 هجري

الزيارات: 180

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا... ﴾

 

قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 55 - 58].

 

قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.

 

قوله: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾ «إذ»: ظرف بمعنى «حين» متعلق بقوله: ﴿ وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 54]، أو بمحذوف تقديره «اذكر»، أي: اذكر يا محمد منوِّهًا بفضل عيسى ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾.

 

﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾: المراد بــ«الوفاة» هنا: الوفاة الصغرى بالنوم، لا الوفاة الكبرى بالموت، أي: إني متوفيك بالنوم، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 60]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]؛ أي: ويتوفى الأنفس التي لم تَمُت في منامها، أي: يتوفاها حين تنام تشبيهًا للنائمين بالموتى.

 

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم، قال: «الحمد الله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور»[1].

 

وهذا لا ينافي قول من قال معنى ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إليَّ ﴾؛ أي: قابضك من الأرض ورافعك إليَّ.

 

وأما قول من قال: معنى ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ أي: متوفيك وفاة موت، أي: إني مُمِيتك، فهذا يضعفه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من نزول عيسى في آخر الزمان؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتُل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد»[2].

 

وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ليهلنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا، أو ليثنينهما»[3].

 

وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس بيني وبينه نبي ‏- يعني: ‏‏عيسى- ‏وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل ‏‏مربوع ‏ ‏إلى الحُمرة والبياض، بين ‏مُمصَّرتين، ‏كأن رأسه يقطر وإن لم يُصِبهُ بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتُل الخنزير، ‏ويضع ‏الجزية،‏ ‏ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك ‏المسيح الدجال ‏فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم ‏ ‏يتوفى، فيصلي عليه المسلمون»[4].

 

﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾: الرفع يكون من أسفل إلى أعلى، أي: ورافعك إليَّ في السماء؛ كما قال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17].

 

وقال صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم لسيدها: «أعتقها، فإنها مؤمنة»[5].

 

والحكمة - والله أعلم - من توفيه بالنوم قبل رفعه: تيسير وتخفيف الانتقال عليه من الأرض إلى السماء.

 

﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: برفعي إياك إلى السماء، وتبرئتك بما رماك به الذين كفروا من الباطل - وهم اليهود - حيث رَمَوْه بالكذب فيما جاءهم به، وأنكروا رسالته، واتَّهموه بأنه ابن زنا، وأن أمه زانية، وغير ذلك أخزاهم الله؛ كما قال تعالى: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28].

 

وفي هذا تعريضٌ بأنه ولد زنا، وأن أمه زانية - عياذًا بالله - كما قال تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]، فأنطقه الله - عز وجل - وهو في المهد بقوله: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30 - 33].

 

وفي هذا أعظمُ التطهير له عليه السلام ولأمِّه رضي الله عنهما.

 

﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ الواو: عاطفة، و﴿ جاعل ﴾ أي: وجاعل كونًا وشرعًا ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

 

و«جاعل» هنا بمعنى «مُصيَّر» تنصب مفعولين: الأول قوله: ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾، و«فوق»: ظرف مكان متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني لــ «جاعل» تقديره: كائنين فوق الذين كفروا.

 

﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾؛ أي: الذين اتبعوك فيما جئت به من الشرع، وهم الحواريون ومن اتَّبعه بعد ذلك حتى نُسخت شريعته بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].

 

﴿ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: فوق الذين كفروا فوقية معنوية بجعل النصرة والرفعة لهم والظهور كونًا وشرعًا على الذين كفروا بك وجحدوا رسالتك وكذبوا شريعتك.

 

﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾؛ أي: إلى يوم البعث والمعاد والحساب والجزاء على الأعمال.

 

وأتباع عيسى عليه السلام حقًا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيسى عليه السلام بَشَّر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأوجب تصديقه واتباعه، كما قال تعالى: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].

 

وعلى هذا يدل قوله تعالى: ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وأن الدين الباقي إلى يوم القيامة هو دين الإسلام الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، والذي نسَخ جميع الشرائع السابقة، وكما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أَولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة»، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي»[6].

 

قال ابن القيم[7]: «فلما كان للنصارى نصيبٌ ما من اتباعه، كانوا فوق اليهود إلى يوم القيامة، ولما كان المسلمون أتبع له من النصارى، كانوا فوق النصارى إلى يوم القيامة».

 

ولهذا فإن عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان يحكم بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويقاتل الناس عليه ولا يقبل منهم إلا الإسلام.

 

وعلى هذا فليس لمن كذب محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنكر رسالته من النصارى وغيرهم، متمسك في هذه الآية؛ لأنهم ليسوا من أتباع عيسى حقًّا، وليسوا من الذين وُعِدوا بالفوقية على الذين كفروا إلى يوم القيامة، بل هم من الذين كفروا لعبادتهم المسيح، وقولهم هو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، وإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بالقرآن الكريم.

 

﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾: الخطاب لعيسى عليه السلام والذين اتبعوه والذين كفروا به، ويجوز كونه خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أو للجميع، أي: ثم إليَّ مصيركم ومآلكم ومآبكم يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

ومرجع الخلائق ومصيرهم ومردُّهم كلهم إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].

 

﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾: المراد بالحكم هنا الحكم الجزائي؛ لأن حكم الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: كوني وشرعي وجزائي، أي: فأحكم بينكم بالمجازاة لكل منكم، وإنصافه من الآخر.

 

﴿ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ «ما»: موصولة، أي: في الذي كنتم فيه تختلفون، فيحكم عز وجل بين أهل الكفر وأهل الإيمان، وبين الرسل وأقوامهم، ويُقيم الرسل البينة على أقوامهم أنهم بلَّغوا رسالات ربهم، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].

 

قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾.

 

هاتان الآيتان معطوفتان على ما سبق، وفيهما بيان وتفصيل لما أجمل في قوله: ﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.

 

قوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ «الفاء»: عاطفة للتفريع، و«أما» في الموضعين: شرطية تفصيلية.

 

﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ «الفاء»: تفريعية، و«العذاب» هو العقاب والنكال، وهو إيقاع المشقة والأذى بالمعَذَّب، فالمعنى: فأعاقبهم عقابًا شديدًا، أي: قويًا عظيمًا، كمًّا وكيفًا ونوعًا، وفي قوله: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ ﴾ بضمير المتكلم تعظيم لنفسه - عز وجل - وترهيب وتخويف من عذابه.

 

﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾: وهو ما يحصل لهم من القتل والجرح والأسر، وزوال الملك، وضرب الذلة والمسكنة عليهم، وأخذ الجزية، ونحو ذلك؛ قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14]، وكذلك ما يحصل لهم من المصائب والكوارث؛ قال تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]، وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

 

وما يحصُل لهم من العذاب المعنوي في قلوبهم من القلق، وضيق الصدور، وقلق النفوس بسبب كفرهم وعدم إيمانهم؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

 

﴿ وَالْآخِرَةِ ﴾: معطوف على ﴿ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: وأعذبهم في الآخرة.

 

وعذاب الآخرة أشد، وهو ما يلقونه فيها من الأهوال التي أعظمها الخلود في النار، وبئس القرار.

 

﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ «الواو»: عاطفة، و«ما»: نافية، و«مِنْ» في قوله: ﴿ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ لتنصيص وتأكيد عموم النفي، أي: وما لهم أيُّ أحد من الناصرين، و﴿ نَاصِرِينَ ﴾: جمع «ناصر» وهو الذي يدفع الضُّر؛ أي: وما لهم من ناصرين يدفعون ويمنعون عنهم عذاب الله قبل وقوعه أو يرفعونه بعد وقوعه؛ كما قال تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 8]، والولي الذي يجلب النفع، والنصير الذي يدفع الضُّر.

 

قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾.

 

توعَّد عز وجل في الآية السابقة الكافرين بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، وقدَّم ذِكر وعيدهم لأن السياق فيهم، ثم أتبع ذلك بذِكر ما أعدَّه للذين آمنوا من الأجور الوافية كما هي طريقة القرآن الكريم في ذِكر أهل الكفر وأهل الإيمان، وما أعدَّ لكل منهم جمعًا بين الترغيب والترهيب.

 

قوله: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: وأما الذين صدقوا بقلوبهم بكل ما يجب الإيمان والتصديق به.

 

﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾؛ أي: وعملوا الأعمال الصالحات، فانقادوا بجوارحهم، فجمعوا بين الإيمان والعمل، وبين العلم النافع والعمل الصالح، وحذف الموصوف في قوله: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾، وهو «الأعمال»؛ لأن شرط العمل أن يكون صالحًا، أي: خالصًا لله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «... فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»[8].

 

وأن يكون موافقًا للشرع؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ»[9].

 

وفي لفظ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ»[10]، ويجمع الشرطين مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 125]؛ أي: أخلص العمل لله، ﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [النساء: 125] ؛ أي: متبع شرع الله، ولا تتحقق المتابعة إلا إذا وافق العمل الشريعة في أمورٍ ستة: السبب، والجنس، والقدر، والكيفية، والمكان، والزمان.

 

فالموافقة في السبب مثلًا: أن يصلى للكسوف عند وجود سببه، فمن صلى صلاة الكسوف دون حصول الكسوف لم تصح منه.

 

والموافقة في الجنس مثلًا: أن يضحي من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم)، فمن ضحَّى بغيرها لم يُقبل منه.

 

والموافقة في القدر مثلًا: أن يصلي صلاة الظهر أربع ركعات، فمن زاد فيها أو نقص فصلاته باطلة.

 

والموافقة بالكيفية مثلًا: أن يقدم الركوع على السجود في الصلاة، فمن عكس لم تصح صلاته.

 

والموافقة في المكان مثلًا: أن يقف الحاج بعرفة يوم التاسع، فمن وقف خارجها لم يصح حجه.

 

والموافقة في الزمان مثلًا: أن يصلي الصلاة بعد دخول وقتها، فمن صلاها قبل وقتها لم تَصِحَّ منه[11].

 

﴿ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾ «الفاء»: رابطة لجواب الشرط.

 

قرأ حفص عن عاصم، ورُوِيَ عن يعقوب: ﴿ فَيُوَفِّيهِمْ ﴾ بالياء، وقرأ الباقون بالنون، أي: بنون العظمة، «نوفيهم» وفيها تنبيه على عِظَم الموفَّى لهم من الأجور.

 

والمعنى: فيعطيهم جزاء أعمالهم وافيًا من غير نُقصان؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ﴾ [هود: 109]؛ أي: فيوفيهم أجورهم في الدنيا والآخرة بدليل مقابله في ضده؛ لقوله: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾؛ أي: فيوفيهم أجورهم في الدنيا بالنصر والظفر والحياة الطيبة وحُسن الذِّكر، وفي الآخرة بجنات النعيم والعيش الكريم.

 

وفي قوله في ذِكر العذاب: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ ﴾ بينما قال هنا: ﴿ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾: التفات من التكلم إلى الغيبة للتنبيه، وهذه فائدة لفظية كما أن فيه فائدة معنوية، وهي إظهار السلطة والعظمة والعزة في باب ذِكر العذاب، وإظهار الفضل والإحسان للعاملين في باب ذِكر الثواب.

 

وسمَّى الله - عز وجل - جزاءً، وثواب عملهم أجرًا؛ لأنه - عز وجل - تكفَّل به وأوجبه على نفسه، كما أوجب أجرة الأجير على المستأجر، مع أن الله - عز وجل - لا يجب عليه شيء لخلقه، وإنما أوجب ذلك على نفسه تفضلًا منه وكرمًا؛ كما قال عز وجل: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54].

 

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾: الجملة تعليلية، فيها تعليل لما توعد به الذين كفروا من العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فتوعدهم عز وجل بهذا العذاب الشديد بسبب ظلمهم، وهو سبحانه لا يحب الظالمين بل يبغضهم؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55].

 

وفيها أيضًا تعليل لحكم الله تعالى بين الخلائق، ومجازاة الذين كفروا بالعذاب، ومجازاة الذين آمنوا بتوفيتهم أجورهم، فحكَم بينهم بهذا الجزاء بالعدل؛ لأنه سبحانه لا يحب الظلم وأهله؛ أي: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك بالله وعبادة غيره، وظلموا عيسى عليه السلام وأمه باتهامه أنه ولد زنا وأن أمه زانية.

 

قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾.

 

قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾: إشارة إلى ما سبق من ذِكر عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران: 45]، أو إليه وإلى ما سبق من ذِكر آل عمران، أي: من قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، أو إلى كل ما أنزله الله تعالى في القرآن الكريم، فكل هذا مما تلاه الله تعالى وأوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.

 

وفي الإشارة إليه بقوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ تعظيم له؛ كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108].

 

﴿ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ﴾؛ أي: نقرؤه عليك متتاليًا يتلو بعضه بعضًا، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: نقرؤه عليك بواسطة جبريل عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 - 195]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 17 - 19].

 

﴿ مِنَ الْآيَاتِ ﴾ «مِنْ»: بيانية، أي: من الآيات الكونية الدالة على صدقك في دعوى الرسالة، كما قال تعالى: ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص: 3].

 

﴿ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾: معطوف على الآيات، أي: «ذلك نتلوه عليك من الآيات الكونية، ومن الذكر الحكيم، وهو القرآن الكريم، أي: الآيات الشرعية.

 

والقرآن الكريم ذِكرٌ بالمعاني الثلاثة للذكر وهي:

أولًا: «الذكر» الذي يتقرب به إلى الله تعالى بتلاوته، وتدبر ألفاظه ومعانيه وأحكامه، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

 

ثانيًا: «الذكر» بمعنى التذكُّر والاتعاظ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، وقال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: 9].

 

ثالثًا: «الذكر» بمعنى الشرف والرفعة، للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه ولكل من تمسك به؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]؛ أي: إنه لشرف عظيم لك ولقومك، وقال تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]؛ أي: أعلينا قدرك وشأنك ومنزلتك.

 

والقرآن الكريم ذكر يُتذكر به ويُتقرب إلى الله تعالى بتلاوته وتدبره، وتذكرة وعظة يتذكر ويتعظ بها المؤمنون، وشرف ورفعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه وأمته، وبه نالت الأمة العزة والرفعة والشرف والظهور حين كانت متمسكة به محكِّمة له.

 

وما ضعفت الأمة وذلت وهان أمرها إلا بعد أن تخلَّت عن كتاب ربها، ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وهو التمسك بكتاب الله تعالى وتحكيمه.

 

﴿ الْحَكِيمِ ﴾: صفة لــ«الذكر»، أي: الذكر ذو الحكم والحكمة، وهو «فعيل» بمعنى (فاعل)، أي: «حاكم»، وهو «فعيل» بمعنى (مفعل)، أي: «مُحْكم».

 

ومعنى «حاكم» أي: حاكم يحكم بين الناس؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105].



[1] أخرجه البخاري في الدعوات (6312)، وأبو داود في الأدب (5049)، والترمذي في الدعوات (3417)، وابن ماجه في الدعاء (3880)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في البيوع (2222)، ومسلم في الإيمان (155)، والترمذي في الفتن (2233)، وابن ماجه (4078).

[3] أخرجه مسلم في الحج (1252).

[4] أخرجه أبو داود في الملاحم (4324).

[5] أخرجه مسلم في المساجد (537)، وأبو داود في الصلاة (930)، والنسائي في السهو (1218)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

[6] أخرجه مسلم في الفضائل، باب: [عيسى بن مريم] (2365)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 500).

[8] أخرجه البخاري في الإيمان (54)، ومسلم في الإمارة (1907)، وأبو داود في الطلاق (2201)، والنسائي في الطهارة (75)، والترمذي في فضائل الجهاد (1647)، وابن ماجه في الزهد (4227)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[9] أخرجه البخاري في الصلح (2697)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[10] أخرجه مسلم في الأقضية (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[11] انظر كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفسيره على قول الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]، (1/ 153-154).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
  • تفسير قوله تعالى: { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...}
  • تفسير قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}
  • تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته}
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم}
  • تفسير قوله تعالى: { أليس الله بكاف عبده }
  • تفسير قوله تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...}

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب