• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من هو السني؟ وهل يخرج المسلم من السنة بوقوعه في ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تفسير: (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    اذكروا الله كثيرا (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    من دروس خطبة الوداع: أخوة الإسلام بين توجيه ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وليس من الضروري كذلك!
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    محرومون من خيرات الحرمين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    في نهاية عامكم حاسبوا أنفسكم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: بداية العام الهجري وصيام يوم عاشوراء
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    خطبة: أهمية المسؤولية في العمل التطوعي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    أسباب العذاب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الذكر والدعاء
علامة باركود

الإلحاح في الدعاء (خطبة)

الإلحاح في الدعاء (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/5/2022 ميلادي - 22/10/1443 هجري

الزيارات: 29668

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإلحاح في الدعاء


الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، والطَّوْلِ والإنعامِ، عمّ خيرُه الأنامَ، ووسعت مغفرتُه الآثامَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملِكُ السلامُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه الكرامِ، أما بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... ﴾.

 

أيها المؤمنونَ، تيقُّنُ العبدِ عجزَه، وإبداؤه دومًا إلى اللهِ فقرَه أكملُ حالٍ للعبدِ يراه عليه مولاه، ويَتقربُ إليه به؛ لتحقيقِه الغايةَ التي خلقَ اللهُ الخلقَ لأجلِها، وكلما ازدادَ شعورُ العبدِ بذاك الحالِ، وعَظُمَ إظهارُه له، ازدادت للهِ عبوديتُه، وعَلَتْ منزلتُه لديه؛ يقولُ ابنُ القيمِ: "مَن أرادَ اللهُ به خيرًا فَتحَ له بابَ الذلِّ والانكسارِ، ودوامِ اللجأِ إلى اللهِ تعالى، والافتقارِ إليه، ورؤيةِ عيوبِ نفسِه وجهلِها وعدوانِها، ومشاهدةِ فضلِ ربِّه وإحسانِه ورحمتِه وجودِه وبِرِّه وغناه وحمدِه".

 

هذا وإنَّ الدعاءَ أعظمُ عبادةٍ تجلَّى فيها هذا الحالُ؛ فكان أكرمَ شيءٍ على اللهِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ليس شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ"؛ رواه أحمدُ وصحَّحه ابنُ حبانَ والحاكمُ. وأجْلى تجلياتِ الافتقارِ في افتقارِ الدعاءِ أنْ يُلِحَّ العبدُ على ربِّه في مسألتِه؛ بإقبالِه على دعائِه، وملازمتِه له، ومواظبتِه عليه، وتكريرِه له دون فتورٍ أو مللٍ أو استعجالٍ، وألا يزيدَه أَمَدُ الإجابةِ إلا حسنَ ظنٍّ بربِّه، واستدناءً لعطائه وفَرَجِه؛ فـالمُلِـحُّ "هو الملازمُ لسؤالِ ربِّه في جميعِ حالاتِه، اللائذُ ببابِ كرمِ ربِّه في فاقتِه ومُهِمَّاتِه، لا تقْطعُه المحنُ عن الرجوعِ إليه، ولا النِّعمُ عن الإقبالِ عليه؛ لأنَّ دعاءَ المُلِحِّ دائمٌ غيرُ منقطعٍ؛ فهو يسألُ ولا يَرى إجابةً، ثم يَسألُ، ثم يَسألُ فلا يَرى، وهكذا، فلا يزالُ يُلِحُّ، ولا يزالُ رجاؤه يتزايدُ، وذلك دلالةً على صحةِ قلبِه، وصدقِ عبوديتِه، واستقامةِ وجهتِه؛ فقلبُ المُلِحِّ معلَّقٌ دائمًا بمشيئتِه سبحانَه، واستعمالُه اللسانَ في الدعاءِ عبادةٌ، وانتظارُ مشيئتِه للقضاءِ به عبادةٌ؛ فهو بين عبادتين سِرِّيتين، ووِجهتين فاضلتين؛ فلذلك أحبَّه اللهُ تعالى"، قال ابنُ القيمِ: "الإلحاحُ بن القيمعينُ العبوديةِ"، وهو من أعظمِ الأدبِ الذي لا يَصلحُ ولا يَجملُ إلا مع اللهِ - كما حكاه ابنُ عبدُالبَرِّ عن السلفِ - ولذا كان دعاءُ الإلحاحِ أفضلَ الدعاءِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "يُقَالُ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ"، وقال ابنُ القيمِ: "ومن أنفعِ الأدويةِ الإلحاحُ في الدعاءِ".

 

ولعظيمِ خيرِ الإلحاحِ وبركتِه، استحبَّه أكثرُ أهلِ العلمِ - بل أوجبَه بعضُهم - ولا سيما فيما يعظمُ أمرُه من خيرِ الدينِ والدنيا، وخيرُ حالِ الإلحاحِ ما تواطأَ فيه القلبُ مع اللسانِ والهيئةِ؛ حين يكونُ القلبُ مستشعِرًا الافتقارَ والحاجةَ، وانفرادَ اللهِ بقضائها، وينطلقُ اللسانُ بالطلبِ المُكَرَّرِ الذي لا يَقلُّ عن ثلاثِ مراتٍ؛ إذ هو أقلُ الإلحاحِ ومُبْتَدأُ الكثرةِ في لغةِ العربِ، مُكثرًا الحمدَ لله والثناءَ عليه والصلاةَ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم والتوسلَ بأسماءِ اللهِ وصفاتِه؛ خاصةً ما وردَ الدليلُ بتكرارِه كـ "الربِّ" و"الحيِّ القيومِ" و"الودودِ" و"ذي الجلالِ والإكرامِ"، قال عطاءُ بنُ أبي رباحٍ: ما قال عبدٌ: "يا ربِّ يا ربِّ" ثلاثَ مراتٍ، إلا نظرَ اللهُ إليه، فذُكِرَ ذلك للحسنِ، فقال: أما تقرؤون القرآنَ؟ ثم تلا قولَه تعالى: ﴿ ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ﴾ [آل عمران: 191 - 195].

 

قال ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: "كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا"؛ رواه مسلمٌ.

 

ويَجْمُلُ الإلحاحُ باستقبالِ القبلةِ ورفعِ الأيدي، قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَة"؛ رواه مسلمٌ، وفي روايةِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما عند البخاريِّ: "فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ"، بل بَلَغَ إلحاحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في دعاءِ ربِّه اليوميِّ أنْ كان يسألُه غُفرانَ ذنوبِه كلَّ يومٍ مائةَ مرةٍ إذ يقولُ: "إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّة"؛ رواه مسلمٌ.

 

وبأدبِ دعاءِ الإلحاحِ كان أهلُ العلمِ والإيمانِ يسألون ربَّهم، ويستنزلون فضلَه، ويستدعون حِماه. قَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: "لَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ حَاجَةَ كَذَا وَكَذَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا أُعْطِيتُهَا وَلَا أَيَسْتُ مِنْهَا"، وقَالَ: "ما وجدتُ للمؤمنِ مَثَلًا إلا رجلًا في البحرِ على خشبةٍ؛ فهو يدعو: يا ربِّ يا ربِّ؛ لعلَّه أنْ يُنَجِّيَه"، وقال الإمامُ مالكٌ: "رُبَّمَا خَرَجَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُنْصَرِفًا مِنَ الْعَتَمَةِ (صلاةِ العشاءِ) مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَعْرِضُ لَهُ الدُّعَاءُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُنَادَى بِالصُّبْحِ، فَيَرْجِعَ إِلَى الْمَسْجِدِ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعَتَمَةِ"، وقال الذهبيُّ في تَرجمةِ العالِمِ إبراهيمَ بنِ عبدِالواحدِ المقدسيِّ: "وكان كثيرَ الدعاءِ بالليلِ والنهارِ، إذا دعا كان القلبُ يشهدُ بإجابةِ دعائه من كثرةِ ابتهالِه وإخلاصِه، وقد رُوي أنَّ اللهَ يحبُّ المُلِحِّين في الدعاءِ".

 

هذا وإنه ليس من أدبِ الإلحاحِ رفعُ الصوتِ بالمسألةِ والعويلِ بالبكاءِ، بل كان إلحاحُ السلفِ الصالحِ في دعائهم لا يُعلمُ إلا بالهمْسِ وطولِ المناجاةِ إنْ دَعَوا منفردين، قال الحسنُ البصريُّ: "كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا".

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ ...

 

أيها المؤمنون، إنَّ الإلحاحَ في الدعاءِ من مظاهرِ الرضا باللهِ ربًا، وليس فيه منافاةٌ للرضا بقضائه؛ إذ هو سبحانه مَن أحبَّ الإلحاحَ عليه كما أحبَّ الرضا بقضائه، هذا وإن مما يُستعان به على الوصولِ إلى درجةِ الإلحاحِ السامقةِ استشعارَ الداعي حقائقَ العبوديةِ الكبرى التي انطوى عليها شرفُ الإلحاحِ، ففي الإلحاحِ إظهارُ الافتقارِ إلى اللهِ، وانفرادِه بالإجابةِ، والاستسلامِ لأمرِه، وحسنِ الظنِّ به، وانتظارِ نوالِه وفرَجِه، والديمومةِ على أكملِ حالٍ يحبُّه اللهُ مِن عبدِه، واستشعارُ العبدِ محبةَ اللهِ للإلحاحِ وصاحبِه وقُرْبَ إجابتِه دعاءَه مِن أعظمِ ما يَجعلُه مُلازِمًا له في دعائه، قال ابنُ القيمِ: "فإنَّ الدعاءَ عبوديةٌ للهِ تعالى، وافتقارٌ إليه، وتذللٌ بين يديه؛ فكلما كثَّره العبدُ وطوَّلَه وأعادَه وأبداه ونوَّعَ جُمَلَه؛ كان ذلك أبلغَ في عبوديته وإظهارِ فقرِه وتذللِه وحاجتِه، وكان ذلك أقربَ له من ربِّه، وأعظمَ لثوابِه. وهذا بخلافِ المخلوقِ؛ فإنك كلما كثَّرتَ سؤالَه وكرَّرتَ حوائجَك إليه أبْرمتَه وثَقُلْتَ عليه وهِنْتَ عليه، وكلما تركتَ سؤالَه كان أعظمَ عنده وأحبَّ إليه، واللهُ سبحانه وتعالى كلما سألتَه كنتَ أقربَ إليه، وأحبَّ إليه، وكلما ألححتَ عليه في الدعاء أحبَّك، ومَن لم يسألْه يغضبْ عليه.

فاللهُ يَغضبُ إنْ تركتَ سؤالَه
وبُنَيُّ آدمَ حين يُسْأَلُ يَغضبُ

 

وقال ابنُ رجبٍ: "فما دام العبدُ يُلحُّ في الدعاءِ، ويَطمعُ في الإجابةِ من غيرِ قطع الرَّجاءِ، فهو قريبٌ من الإجابةِ، ومنْ أدْمَنَ قرعَ البابِ، يُوشك أن يُفتح له"، ومِن أعظمِ ما يَحملُ الداعيَ على الإلحاحِ استحضارُه غايةَ الدعاءِ ومقصودَه التي عبَّرَ عنه بعضُ العلماءِ بقولِه: "إنما يَعْجلُ العبدُ إذا كان غرضُه من الدعاءِ نيلَ ما سألَ، وإذا لم يَنلْ ما يريدُ ثَقُلَ عليه الدعاءُ، ويجبُ أنْ يكونَ غرضُ العبدِ من الدعاءِ هو الدعاءُ للهِ، والسؤالُ منه، والافتقارُ إليه أبدًا، ولا يفارقُ سِمَةَ العبوديةِ وعلامةَ الرِّقِّ، والانقيادُ للأمرِ والنهيِ والاستسلامُ لربِّه تعالى بالذّلةِ والخشوعِ، فإنَّ اللهَ تعالى يُحبُّ الإلحاحَ في الدعاءِ"، و"لا يكنْ تأخُّرُ أمدِ العطاءِ مع الالحاحِ في الدعاءِ موجِبًا ليأسِكَ، فهو ضامنٌ لك الإجابةَ فيما يَختارُ لك لا فيما تختارُ لنفْسِكَ، وفي الوقتِ الذي يريدُ لا في الوقتِ الذي تريد، ولا يُشَكِّكُ في الوعدِ عدمُ وقوعِ الموعودِ وإنْ تعيّنَ زمنُه ... ويكفي العبدَ عِوضًا من إجابتِه ما أُقيمَ فيه من المناجاةِ وإظهارِ الافتقارِ والانكسارِ، وقد يُمْنَعُ العبدُ الإجابةَ لرفعةِ مقامِه عند اللهِ، وقد يُجابُ كراهةً لسماعِ صوتِه ... فليحذرِ الداعي أنْ يكونَ حالَ دعائه ممَّن قُضِيَتْ حاجتُه لكراهةِ اللهِ له لا لمحبتِه".

 

وجَعْلُ وِرْدٍ يوميٍّ للدعاءِ مما يتحققُ به الإلحاحُ، وكان ذاك من هديِ السلفِ؛ كَانَ عروةُ بنُ الزبيرِ يُوَاظِبُ عَلَى حِزْبِهِ مِنَ الدُّعَاءِ كَمَا يُوَاظِبُ عَلَى حِزْبِهِ مِنَ الْقُرْآن. وإنْ أُكرِمَ العبدُ بخالصةِ الإلحاحِ ذاق حلاوةَ الدعاءِ، وتلذَّذَ بطولِ المناجاةِ الربانيةِ وانتظارِ المَنْحِ والفَرَجِ، والتي فاقتْ حلاوتُها كلَّ حلاوةٍ، قال مسلمُ بنُ يَسَارٍ: "ما تلذَّذَ المتلذِّذون بمثلِ الخلوةِ بمناجاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ"، قال بعضُ العلماءِ: "إنه لَتكونُ لي حاجةٌ إلى اللهِ، فأسألُه إياها، فيَفْتَحُ عليَّ من مناجاتِه ومعرفتِه، والتذللِّ له، والتَّمَلُّقِ بين يديه ما أُحِبُّ معه أنْ يُؤخِّرَ عني قضاءَها، وتدومَ ليَ تلك الحالُ!".

وهو الذي يُرجَّى لكلِّ عظيمةٍ
ومَن استجارَ به فنِعمَ الجارُ
وهو الذي رفعتُ إليه ضراعتي
في غَفْرِ ذنبي إنَّه غفَّارُ
وهو الذي عمَّ الورى إحسانُه
ما غاضَه الإلحاحُ والإكثارُ
وهو الذي ما زلتُ أرجو فضلَه
لأنالَ ما أَهوى وما أَختارُ
وهو الذي إنْ جئتُه أَلْفَيْتُه
ما دُوُنَ ما أمَّلْتُه أستارُ
وبه ندافِعُ ما نخافُ مِن الأذى
لا ما تحاوِلُه لنا الأنصارُ
وبه العنايةُ في المطالبِ كلِّها
ما صرَّحتْ أَولى به الأشعارُ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدعاء هو العبادة (خطبة)
  • خير الدعاء دعاء عرفة (خطبة)
  • الدعاء باب الخير كله
  • الدعاء المستجاب
  • الحاجة إلى الدعاء (خطبة)
  • سلاح الدعاء (خطبة)
  • الدعاء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: التعامل مع الشاب اليتيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اذكروا الله كثيرا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس خطبة الوداع: أخوة الإسلام بين توجيه النبوة وتفريط الأمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى من الناس عليه صدقة» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في نهاية عامكم حاسبوا أنفسكم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: بداية العام الهجري وصيام يوم عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية المسؤولية في العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: هدايات من قصة جوع أبي هريرة رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/1/1447هـ - الساعة: 15:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب