ملخص كتاب: إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف (2)

ملخص كتاب

(إتمام الرصف بذكر ما حَوَتْهُ سورة الصف من الأحكام والوصف) (2)

الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيء، وهدًى للعالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فيُعَدُّ كتاب (إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف)، لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب حفظه الله، من المؤلفات التي تجمع بين عمق الفهم ودقة التحليل، وفي هذا المقال، نواصل تلخيص هذا الكتاب القيِّم، الذي أبحر فيه المصنِّف في معاني سورة الصف، مُبرزًا ما فيها من الأحكام الشرعية، والدلالات اللغوية، والمعاني الإيمانية.

وقد تناول المصنف في هذا الجزء أربعة موضوعات رئيسية: سبب تسمية السورة، وسبب نزولها، ومدنيتها ومكيتها، ودلالات بعض ألفاظ العموم، نسأل الله أن يكون هذا المقال وسيلةً لفهم أعمقَ لمعاني هذه السورة المباركة، وإضافة نافعة للمكتبة الإسلامية.

الأول: سبب تسمية السورة بالصف:

قال المصنف حفظه الله: "وقد سميت سورة (الصف) بهذا الاسم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].

والثاني: سبب نزولها:

أما عن سبب نزولها، فعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: ((قعدنا نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعمِلناها؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا ﴾ [الصف: 1 - 3] حتى ختمها، قال عبدالله: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، قال أبو سلمة راوي الحديث عن عبدالله بن سلام: فقرأها علينا ابن سلام، قال يحيى بن أبي كثير راوي الحديث عن أبي سلمة: قرأها علينا أبو سلمة وهكذا...))[1].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلًا في حديث ذُكِرَ في أوله سبب نزولها، وإسناده صحيح، قلَّ أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه"[2].

وهذا أصحُّ ما ورد من سبب نزول هذه السورة المباركة؛ إذ ورد من أسباب نزولها:

1- أن الصحابة قالوا: لو علِمنا أحب الأعمال إلى الله لعمِلناه، فلما نزل الجهاد كرهوه، فأنزل الله السورة.

2- نزلت هذه السورة توبيخًا من الله تعالى لقوم من المنافقين، كانوا يعِدون المؤمنين النصر، وهم كاذبون؛ فقال تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].

ورجَّح القول الأول الطبريُّ رحمه الله ووجه ترجيحه: تعلُّق خطاب الإيمان بهم، والمنافقون ليسوا كذلك: "وقصارى الأمر أن الصحابة ضعُفت قوى قومٍ منهم عن القيام بواجب الجهاد، فنزلت السورة عتابًا لهم، وقَوِيَ آخرون فقاموا به، فكان لهم الفضل والشرف"[3].

وكلام الطبري رحمه الله متجه ظاهر؛ ومن ثَمَّ سننظر كيف رسمت هذه السورة المباركة دينَ الله، هذا الدين القيم؛ ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [يوسف: 40]، حتى نعتقد هذا الدين ونُحِبَّه وندافع عنه بالمال والنفس، ونردَّ عنه كيد المجرمين وعدوان المعتدين؛ ليرضى عنا ربنا، فهو حسبنا ونعم الوكيل.

والثالث: مكية السورة ومدنيتها، وأهمية البحث في المسألة:

قال المصنف حفظه الله: "وقد اختُلف في مكية هذه السورة ومدنيتها، والجمهور على أنها مدنية[4]؛ إذ إن القتال لم يؤذَن فيه إلا بالمدينة؛ فقال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]، ثم أُمِروا بمنابذة الكافرين، وذلك في مراحل تشريع الجهاد"[5]، ولم يكن هذا إلا بالمدينة، أما مكة، فلم يُرفع فيها سيف، ولم يُسفك فيها دم بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان مقتضى أمر الصحابة رضي الله عنهم جميعًا على الصبر والعفو والمسالمة؛ امتثالًا للنصوص الشرعية الموجِّهة لذلك الداعية إليه؛ كقوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وغيرها من النصوص، إذًا قول الجمهور هو الحقُّ الذي يجب المصير إليه؛ لكون السياق يدل عليه ويهدي إليه، والحمد لله رب العالمين.

والرابع: دلالات بعض ألفاظ العموم:

وهذا من المباحث الأصولية الهامة في فهم النصوص؛ قال المصنف حفظه الله في قوله تعالى: ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الصف: 1]: "وعبَّر هنا بلفظ (ما) ولم يأتِ بلفظ (من) مع دلالة كلتيهما على العموم[6]، ولكن الخلاف في نوع العموم، فعموم (من) غير عموم (ما)، فـ(ما) للدلالة على غير العاقل غالبًا، وأحيانًا تأتي أيضًا للعاقل؛ وذلك لأن (من) تدل على عين، أما (ما) فإنها تدل على وصف، فنقول: من أرسلك؟ ولا تقول: ما أرسلك؟ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، ولم يقل فرعون: (ومن رب العالمين؟) فإن (من) سؤال عن عينه يسأل بها من عرف جنس المسؤول عنه أنه من أهل العلم، وقد شكَّ في عينه، كما يُقال لرسول عُرِف أنه جاء من عند إنسان: (من أرسلك؟)، وأما (ما) فهي سؤال عن الوصف، يقول: أي شيء هو هذا؟ وما هو هذا الذي سميته (رب العالمين)؟ قال ذلك منكرًا له جاحدًا..."[7]، كما يمكن توجيه ذلك أيضًا، أن فرعون اللعين سخر من رب العالمين، فذهبت به سخريته أن نزله منزلة من لا يعقل مع يقينه بأن الله تعالى ليس كذلك؛ وهذا شبيه بقوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3][8]، أما (من) فإنها تدل على العاقل فحسب، والمعنى أن التسبيح عمَّ جميع ما فيها[9]، وذلك مراعاة لظاهر دلالة (ما) الدالة على العاقل وغيره، فكل الموجودات العلوية والسُّفلية، الجوية والأرضية، والمائية والنباتية والجمادية، كله يسبح لله تعالى.

كما يمكن توجيه الآية أنه أتى بـ(ما) تغليبًا للأكثر[10]، وهذا كثير في أسلوب القرآن الكريم؛ حيث يغلِّب غير العاقل نحو: ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 116]؛ لكثرته، وتارة يغلِّب العاقل لأهميته، وقد جمع المثال للأمرين في قوله تعالى: ﴿ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ [البقرة: 116][11] ، فغلَّب غير العاقل في قوله: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ [البقرة: 116]، وغلَّب العاقل في قوله: ﴿ قَانِتُونَ ﴾ [البقرة: 116]، هذا، وقد كرر الموصول (ما) في آية الصف؛ لزيادة التقرير، والتنبيه على استقلال كلٍّ من الفريقين بالتسبيح.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال، نحمَد الله على أن يسَّر لنا عرض خلاصة مما جاء في كتاب (إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف).

لقد أبان المصنِّف حفظه الله عن معانٍ عظيمة ودروس قيِّمة في هذه الآيات الكريمة، نسأل الله أن يجعلنا من العاملين بكتابه، المتفكرين في آياته، وأن يبارك في جهود العلماء الذين يسعَون لنشر العلم وتبيين الحق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.