• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}

{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/6/2023 ميلادي - 22/11/1444 هجري

الزيارات: 5399

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة: 67]

 

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 67 - 71].

 

ووجه مناسبة هذه الآية لِما قبلها أنه تقدَّم ذِكْرُ مخالفتهم لأنبيائهم، وتكذيبهم لهم، في أكثر أنبائهم، فناسب ذلك ذكر هذه الآية لِما تضمنت من المراجعة والتعنت والعناد مرة بعد مرة.

 

قال ابن عاشور: "تعرضت هذه الآية لقصة من قصص بني إسرائيل، ظهر فيها من قلة التوقير لنبيهم، ومن الإعنات في المسألة، والإلحاح فيها، إما للتَّفَصِّي من الامتثال، وإما لبعد أفهامهم عن مقصد الشارع، ورَومهم التوقيف على ما لا قصد إليه".

 

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾، وإضافة "القوم" إليه لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقول لهم إلا ما فيه خير؛ لأن الإنسان سوف ينصح لقومه أكثر مما ينصح لغيرهم.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾، صدَّر الأمر من الله تعالى، ولم يقل: آمرُكم، ولا قال: اذبحوا؛ ليكون أعظم وقعًا في نفوسهم، وأدعى إلى قبوله وامتثاله.

 

﴿ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾، وإنما اختص البقر من سائر الحيوانات؛ لأنهم كانوا يعظِّمون البقر، فاختُبِروا بذلك؛ إذ هذا من الابتلاء العظيم، وهو أن يُؤمَر الإنسان بقتل من يحبه ويعظِّمه.

 

﴿ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾؛ سخرية، وهي أبلغ من قول "أتستهزئ بنا"؛ لأن الأُولَى تفيد أنهم جُعِلوا محل استهزاء، بخلاف الثانية، فإنما تدل على حصول الاستهزاء، ولو بمرة واحدة.

 

وإنما قالوا ذلك؛ لاستبعادهم أن يكون ذبح البقرة سببًا لزوال ما بينهم من المدارأة.

 

وفيه دليل على سوء عقيدتهم في نبيهم وتكذيبهم له؛ إذ لو علموا أن ذلك إخبار صحيح عن الله تعالى، لَما كان جوابهم إلا امتثالَ الأمر، وجوابهم هذا كفر بموسى.

 

﴿ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ ﴾؛ أي: أعتصم بالله تعالى، والاستعاذة لا تكون إلا بالله عز وجل، وقد تكون بالمخلوق فيما يقدر عليه؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتنٌ القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يُشْرِف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا، فَلْيَعُذْ به))؛ [البخاري من حديث أبي هريرة].

 

﴿ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67]؛ من أولي الجهل، فأتخذ عباد الله هزوًا، والمراد بـ"الجهل" هنا السفه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ [النساء: 17]؛ أي: بسفاهة.

 

وهو تبرُّؤٌ وتنزُّهٌ عن الهُزْءِ؛ لأنه لا يليق بالعقلاء الأفاضل، فإنه أخص من المزح؛ لأن في الهُزُؤ مزحًا مع استخفاف واحتقار للممزوح معه، على أن المزح لا يليق في المجامع العامة والخطابة، فضلًا على أنه لا يليق بمقام الرسول؛ ولذا تبرأ منه موسى بأن نفى أن يكون من الجاهلين؛ كناية عن نفي المزح بنفي ملزومه، وبالغ في التنزه بقوله: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ ﴾؛ أي: منه؛ لأن العياذ بالله أبلغ كلمات النفي، فإن المرء لا يعوذ بالله إلا إذا أراد التغلب على أمر عظيم لا يغلبه إلا الله تعالى. وصيغة: ﴿ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ أبلغ في انتفاء الجهالة من أن لو قال: "أعوذ بالله أن أجهل".

 

وقال في البحر المحيط: "لما فهِم موسى عليه السلام عنهم أن تلك المقالة التي صدرت عنهم إنما هي لاعتقادهم فيها أنه أخبر عن الله بما لم يأمر به، استعاذ بالله وهو الذي أخبر عنه، أن يكون من الجاهلين بالله، فيخبر عنه بأمر لم يأمر به تعالى؛ إذ الإخبار عن الله تعالى بما لم يُخبر به الله إنما يكون ذلك من الجهل بالله تعالى".

 

وقوله: ﴿ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾، فيه تصريح أن ثَمَّ جاهلين، واستعاذ بالله أن يكون منهم، وفيه تعريض أنهم جاهلون، وكأنه قال: "أن أكون منكم"؛ لأنهم جوَّزوا على من هو معصوم من الكذب - وخصوصًا في التبليغ - عن الله أن يخبر عن الله بالكذب.

 

﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾، فأمروه أمرًا، ثم أضافوا ربوبية الله عز وجل إلى موسى، كأنهم متبرئون من ذلك؛ فلم يقولوا: "ادعُ ربنا"، أو "ادعُ الله".

 

﴿ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾، وهذا القول أيضًا فيه تعنيت منهم وقلة طواعية؛ إذ لو امتثلوا فذبحوا بقرة، لكانوا قد أتَوا بالمأمور، ولكن شددوا، فشدَّد الله عليهم.

 

﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ ﴾ من البَقْرِ؛ وهو الشق؛ لأنها تشق الأرض، والذَّكَرُ ثَور.

 

﴿ لَا فَارِضٌ ﴾: الْمُسِنَّة؛ لأنها فرضت سنها أي قطعتها، والفرضُ القطع، ويُقال للقديم: فارض، وقيل: ولدت بطونًا كثيرة فاتسع جوفها؛ لأن الفارض في اللغة: الواسع، أو الكبيرة الهَرِمة عند الجمهور.

 

﴿ وَلَا بِكْرٌ ﴾: الفتيَّة التي لم تلد، ولم يقرعها الفَحْلُ، مشتقة من البكرة، وهي أول النهار؛ لأن البكر في أول سنوات عمرها.

 

وهذا تفسير الكلمة، أو معرفة معنى الكلمة بمعرفة ما يقابلها، وله نظير في القرآن؛ مثل قوله تعالى: ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ [النساء: 71]، فكلمة: ﴿ ثُبَاتٍ ﴾ هنا يتبين معناها بما ذكر مقابلًا لها، وهو قوله تعالى: ﴿ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾، فيكون معناها: متفرقين أفرادًا.

 

وقوله: ﴿ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ ﴾ صفة للبقرة، والصفة إذا كانت منفية بلا، وجب تكرارها، لنفي ذَينك الوصفين، ولا يقصد إثبات وصف آخر وسط بينهما؛ كقوله تعالى: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴾ [المرسلات: 30، 31]، ﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (دخان شديد السواد) * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة: 43، 44].

 

﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾: متوسطة السن، قد ولدت بطنًا أو بطنين، وإنما جُعلت عوانًا؛ لأنه أكمل أحوالها، وجاء في جوابهم بهذا الإطناب دون أن يقول من أول الجواب: إنها عوان؛ تعريضًا بغباوتهم واحتياجهم إلى تكثير التوصيف؛ حتى لا يترك لهم مجالًا لإعادة السؤال.

 

﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68]، هذا الأمر من موسى، وليس من كلام الله عز وجل، والفاء هي الفصيحة، وموقعها هنا موقع قطع العذر مع الحث على الامتثال؛ حيث حرَّضهم على امتثال ما أُمِروا به شفقة منه.

 

﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ﴾، وذلك كله يدل على نقص فِطَرِهم وعقولهم؛ إذ قد تقدم أمران: أمر الله لهم بذبح بقرة، وأمر المبلِّغ عن الله، الناصح لهم، المشفِق عليهم؛ بقوله: ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68]، ومع ذلك لم يرتدعوا عن السؤال عن لونها.

 

﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا ﴾ شديد أو خالص أو صافي الصفرة؛ لأن صُفْرة البقر تقرب من الحمرة غالبًا، فأكَّده بفاقع، والفقوع خاص بالصفرة، كما اختص الأحمر بـ"قانٍ" والأسود بـ"حالك"، والأبيض بـ"ناصع".

 

﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ [البقرة: 69]؛ تبهج الناظرين إليها، وجاء بوصف الجمع في ﴿ النَّاظِرِينَ ﴾؛ ليوضح أن أعين الناس طامحة إليها، متلذذة فيها بالنظر، فليست مما تعجب شخصًا دون شخص؛ ولذلك أدخل الألف واللام التي تدل على الاستغراق.

 

والأصفر هو اللون المعروف، ولذلك أُكِّد بالفقوع والسرور، ولم يكتفِ بقوله: "صفراء فاقعة"؛ لأنه أراد تأكيد نسبة الصفرة، فحكم عليها أنها صفراء، ثم حكم على اللون أنه شديد الصفرة، فابتدأ أولًا بوصف البقرة بالصفرة، ثم أكد ذلك بوصف اللون بها، فكأنه قال: هي صفراء، ولونها شديد الصفرة.

 

﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ﴾؛ تعليل لتكرار هذا السؤال إلى أن الحامل على استقصاء أوصاف هذه البقرة، وهو تشابهها علينا؛ فإنه كثير من البقر يماثلها في السن واللون.

 

وقيل: اعتذار عن إعادة السؤال، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأولَيَينِ، واعتذروا الآن؛ لأن للثالثة في التكرير وقعًا من النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك، ولذلك كثُر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة.

 

وفي الحقيقة أنه ليس في هذا اشتباه؛ إذ ذكر لهم أنها بقرة، وذكر لهم سنها، وذكر لهم لونها، فأين التشابه؟! لكن هذا من عنادهم، وتعنتهم، وتباطئهم في تنفيذ أمر الله.

 

﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70] إلى عين البقرة المأمور بذبحها، وفيها تنشيط لموسى ووعد له بالامتثال؛ لينشط إلى دعاء ربه بالبيان، ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله: ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68]، ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال، وأن ليس قصدهم الإعنات؛ تفاديًا من غضب موسى عليهم.

 

والتعليق بـ﴿ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾؛ للتأدب مع الله في رد الأمر إليه، وإنابة وانقياد ودلالة على ندمهم على ترك موافقة الأمر.

 

﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ ﴾ بفتح الذال؛ بمعنى لان وسهُل، وأما الذُلُّ بضم الذال، فهو ضد العز.

 

﴿ تُثِيرُ الْأَرْضَ ﴾ إثارة الأرض حرثها، وقلب داخل ترابها ظاهرًا، وظاهره باطنًا، أطلق على الحرث فعل الإثارة؛ تشبيهًا لانقلاب أجزاء الأرض بثورة الشيء من مكانه إلى مكان آخر؛ كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الروم: 48]؛ أي: تبعثه وتنقُله، وقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ ﴾ [الروم: 9].

 

﴿ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ ﴾؛ لم تذلَّل بالعمل، لا في حرث، ولا في سقي؛ ولهذا نُفِيَ عنها إثارة الأرض وسقيها.

 

وقيل: المعنى أنها لم تبلغ سن أن يُحرَث عليها، وأن يُسقَى بجرها؛ أي: هي عِجْلَة قاربت هذه السن، وهو الموافق لِما حُدِّدت به سنها في التوراة.

 

﴿ مُسَلَّمَةٌ ﴾ سالمة من العيوب، ﴿ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾؛ الشِّيَةُ العلامة، من وشَى الثوبَ: إذا نسجه ألوانًا؛ أي: لا لون فيها يخالف لونها، من سواد أو بياض، ولا أي لون آخر.

 

﴿ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾؛ بحقيقة نعت البقرة، وما بقِيَ فيها إشكال، أرادوا بالحق الأمرَ الثابت الذي لا احتمال فيه، كما تقول جاء بالأمر على وجهه، ولم يريدوا من الحق ضد الباطل؛ لأنهم ما كانوا يكذِّبون نبيهم.

 

ومن المفسرين من قال: مقتضى كلامهم أنه أولًا أتى بالباطل، وقد صدَّروا هذه القصة بقولهم: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾ [البقرة: 67]؛ يعني: الآن عرفنا أنك لست تستهزئ، وإنما أنت صادق؛ هذا هو المتبادر من الآية الكريمة، وليس بغريب على تعنُّتِهم أن يقولوا مثل هذا القول.

 

قال في التحرير والتنوير: "فإن قلت لماذا ذكر هنا بلفظ "الحق"، وهلَّا قيل: قالوا الآن جئت بالبيان أو بالثبت؟

 

قلت: لعل الآية حكت معنى ما عبر عنه اليهود لموسى بلفظ هو في لغتهم محتمل للوجهين، فحُكي بما يرادفه من العربية؛ تنبيهًا على قلة اهتمامهم بانتقاء الألفاظ النزيهة في مخاطبة أنبيائهم وكبرائهم؛ كما كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعِنا، فنُهينا نحن عن أن نقوله بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا ﴾ [البقرة: 104]، وهم لقلة جدارتهم بفهم الشرائع قد توهَّموا أن في الأمر بذبح بقرة دون بيان صفاتها تقصيرًا، كأنهم ظنوا الأمر بالذبح، كالأمر بالشراء، فجعلوا يستوصفونها بجميع الصفات، واستكملوا موسى لما بيَّن لهم الصفات التي تختلف بها أغراض الناس في الكسب للبقر؛ ظنًّا منهم أن في علم النبي بهذه الأغراض الدنيوية كمالًا فيه؛ فلذا مدحوه بعد البيان بقولهم: ﴿ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾، كما يقول الممتحن للتلميذ بعد جمع صور السؤال: الآن أصبت الجواب، ولعلهم كانوا لا يفرقون بين الوصف الطردي وغيره في التشريع، فليحذر المسلمون أن يقعوا في فهم الدين على شيء مما وقع فيه أولئك وذُمُّوا لأجله".

 

﴿ فَذَبَحُوهَا ﴾؛ أي: بعد العثور عليها بأوصافها السابقة، ولم يقل: يذبحون؛ كراهية إعادة اللفظ تفنُّنًا في البيان.

 

وفي الإسرائيليات أن هذه البقرة كانت عند رجل بارٍّ بأمه، وأنهم اشترَوها منه بملء مسكها ذهبًا؛ يعني: بملء جلدها ذهبًا.

 

وبذلك يُعلَم أن أمرهم بهاته الصفات كلها هو تشريع طارئ، قُصِد منه تأديبهم على سؤالهم، فإن كان سؤالهم للمَطْلِ والتنصُّل، فطلب تلك الصفات المشقة عليهم تأديب على سوء الخلق والتذرع للعصيان، وإن كان سؤالًا ناشئًا عن ظنهم أن الاهتمام بهاته البقرة يقتضي أن يُرَاد منها صفات نادرة كما هو ظاهر قولهم بعد: ﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70]، فتكليفهم بهاته الصفات العسير وجودها مجتمعة تأديب علمي على سوء فهمهم في التشريع، كما يؤدَّب طالب العلم إذا سأل سؤالًا لا يليق برتبته في العلم.

 

وقد قال عمر لأبي عبيدة في واقعة الفرار من الطاعون: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة"، ومن ضروب التأديب الحمل على عمل شاق، وقد أدَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عباسًا رضي الله عنه على الحرص، حين حمل من خمس مال المغنم أكثر من حاجته؛ فروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال: انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أُتِيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة، جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله، أعطني؛ فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ، فحثا في ثوبه ثم ذهب يُقِلُّه - يرفعه ويحمله - فلم يستطع، فقال: يا رسول الله، اؤمر بعضهم يرفعه إليَّ، قال: لا، قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا، فنثر منه ثم ذهب يقله، فقال: يا رسول الله، اؤمر بعضهم يرفعه عليَّ، قال: لا، قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا، فنثر منه ثم احتمله فألقاه على كاهله، ثم انطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتبعه بصره حتى خفِيَ علينا عجبًا من حرصه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثَمَّ منها درهم)).

 

ومما يدل على أنه تكليف لقصد التأديب أن الآية سيقت مساق الذم لهم، وعُدَّت القصة في عداد قصص مساويهم، وسوء تلقيهم للشريعة بأصناف من التقصير عملًا وشكرًا وفهمًا؛ بدليل قوله تعالى آخر الآيات: ﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]، مع ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لو ذبحوا أي بقرة أجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدَّد الله عليهم".

 

وبهذا تعلمون أنْ ليس في الآية دليلٌ على تأخير البيان عن وقت الخطاب، ولا على وقوع النسخ قبل التمكن؛ لأن ما طرأ تكليف خاص للإعنات، على أن الزيادة على النص ليست بنسخ عند المحققين، وتسميتها بالنسخ اصطلاح القدماء.

 

﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]؛ أي: ما قاربوا أن يفعلوا، وقاموا بذبحها على مَضَضٍ، وذلك بإيرادهم الطلب عن سنها، ولونها، وعملها، وهذا تباطؤ يُبعِدهم من الفعل، لكنهم فعلوا.

 

والسبب الذي لأجله ما كادوا يذبحون هو: إما غلاء ثمنها، وإما خوف فضيحة القاتل، وإما قلة انقياد وتعنت على الأنبياء على ما عُهِد منهم.

 

وهذا تعريض بهم بذكر حال من سوء تلقيهم الشريعة؛ تارة بالإعراض والتفريط، وتارة بكثرة التوقف والإفراط، وفيه تعليم للمسلمين بأصول التفقه في الشريعة، والأخذ بالأوصاف المؤثرة في معنى التشريع دون الأوصاف الطردية.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه عن كثرة السؤال وقال: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم))؛ [مسلم].

 

وبيَّن للذي سأله عن اللُّقَطَةِ ما يفعله في شأنها؛ فروى البخاري عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: ((جاء أعرابي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله عما يلتقطه، فقال: عرِّفها سنةً، ثم احفظ عِفاصَها – وعاءها - ووِكاءَها - الخيط الذي تُشَدُّ به - فإن جاء أحد يخبرك بها، وإلا فاستنفقها، قال: يا رسول الله، فضالَّة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب - ورخَّص في ضالة الغنم؛ أي: إن لم تأخذها أنت، أخذها إنسان سواك، أو أكلها الذئب فخُذْها - قال: فضالة الإبل؟ فتمعَّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك ولها؟ معها حِذاؤها وسِقاؤها، ترِد الماء، وتأكل الشجر))؛ فغلَّظ في ضالة الإبل، وأراد بحذائها: أخفافها؛ أي إنها تقوى على قطع البلاد، وسقاؤها: تقوى على ورود المياه، وكذلك البقر والخيل والبغال والحمير، وكل ما استقل بنفسه؛ ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه لثابت بن الضحاك وكان وجد بعيرًا: "اذهب إلى الموضع الذي وجدته فيه فأرسله".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
  • تفسير: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)
  • تفسير: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا)
  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
  • وقفات مع آية: وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة...}

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع قوله تعالى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • تفسير: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير قوله تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حلق الحاج الذي لم تذبح أضحيته(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • حدود سلطة ولي الأمر فيما يأمر به وينهى عنه في قضايا النكاح وفرقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى}(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب