• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب الحرمين الشريفين / خطب المسجد النبوي
علامة باركود

خطبة المسجد النبوي 4/7/1433 هـ - الصبر على البلاء

الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2013 ميلادي - 9/2/1435 هجري

الزيارات: 146201

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصبر على البلاء


ألقى فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " الصبر على البلاء"، والتي تحدَّث فيها عن البلاء والكروب التي تحلُّ ببني آدم منذ أن أكلَ آدمُ أبو البشر - عليه السلام - من الشجرة، وأُهبِطَ إلى الأرض، وهم ينتقلون من بلاءٍ إلى بلاءٍ، وأن أعظمَ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الصالِحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، وبيَّن بالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية عِظَمَ البلاء، ووجوب الصبر عليه؛ لينالَ العبدُ الأجرَ بذلك.


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى لا يقبلُ ربُّنا غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها.


أيها المسلمون:

خلق الله آدمَ وأسكنَه جنَّته وكان فيها من المُكرَّمين، لا يجوعُ فيها ولا يعرَى، ولا يظمأُ فيها ولا يضحَى، ونهاه الله أن يقرَبَ الشجرةَ، ولما رأى الشيطانُ أن آدم مُنعَّمٌ في الجنة وسوسَ إليه، وأقسمَ له بالله أنه إن أكلَ من الشجرة لم يخرُج من الجنةِ، ولحِكمةٍ عصى آدمُ ربَّه وأكلَ من الشجرة، وبمعصيته هذه أُهبِطَ هو وزوجتُه إلى الأرض بعد لذَّة الجنةِ وراحتها، فكابدَ هو وذريَّتُه المشاقَّ والهمومَ، قال - جلَّ شأنه -: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾[البلد: 4].


قال الحسن - رحمه الله -: "يُكابِدُ مضايِقَ الدنيا وشدائدَ الآخرة".


ولم تصْفُ الدُّنيا لأحدٍ؛ فهي دارُ بلاءٍ، ولذَّاتُها مشوبةٌ بالأكدار، وأمرُها لا يدومُ على حالٍ، ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ليسعدُ تارةً ويحزنُ أخرى، ويعتزُّ حينًا ويُذلُّ حينًا.


وأشدُّ الناسِ بلاءً وكربًا في الحياة هم الأنبياء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن أشدَّ الناسِ بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثلُ»؛ رواه النسائي.


فقد لبِثَ نوحٌ - عليه السلام - في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، لاقَى منهم فيها شدَّة ومكرًا واستِكبارًا.


قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "وكانوا يقصِدون أذاه، ويتواصَون قرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ على مُخالفته".


فدعا على قومه فعمَّهم الطوفان، ونجَّاه الله منه ومن قومه؛ قال - سبحانه -: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنبياء: 76].


وإبراهيم - عليه السلام - ابتُلِيَ بذبحِ ابنه إسماعيل ففداهُ الله بذِبحٍ عظيمٍ، وأضرمَ قومُه نارًا لإحراقه فجعلَها الله عليه بردًا وسلامًا.


ويعقوبُ - عليه السلام - فقدَ أحبَّ أبنائِه إليه، ثم فقدَ آخر وبكى على فقدهما حتى جفَّ دمعُه وفقدَ بصرَه، قال - سبحانه -: ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، فبثَّ شكواه وحُزنَه إلى الله فجمعَ له ولدَيْه ورفعَه يوسف على عرشِه.


ويوسفُ - عليه السلام - أُلقِي في الجُبِّ وبِيعَ بثمنٍ بخسٍ ولبِثَ في السجنِ بِضعَ سنين، وفارقَ والدَيْه، فاصطفاه الله وجعلَه من المُرسَلين، وجمعَ له أبوَيه، وجعلَه على خزائنِ الأرض، وكان عند قومِه مكينًا أمينًا.


وفرعونُ آذى موسى وهارون ومن معهما من المؤمنين، فخرجوا فارِّين منه، فلحِقَهم فرعونُ بجنوده، فكان البحرُ أمامَهم وفرعونُ بجُنده خلفَهم، ﴿ وقَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فقال موسى - عليه السلام -: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، ﴿ فجعلَ الله لهم البحرَ طريقًا يبَسًا، فلما جاوَزوه أطبقَ الله البحرَ على فرعون وجُنودِه، فكانوا من الهالكين، قال تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 114، 115].


وأيوبُ - عليه السلام - طالَ عليه كربُ المرض فما أيِسَ من الله، وكان يدعُوه: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فرفعَ الله ضُرَّه ووهبَ له أهلَه وضِعفَيْن معهم.


وزكريَّا - عليه السلام - وهَنَ عظمُه واشتعلَ رأسُه شيبًا وبلغَ من الكِبَر عِتيًّا، وحُرِم الولد، فدعا ربَّه نداءً خفيًّا أن يهبَه ولدًا، فرزَقَه الله يحيى وأقرَّ عينَه بصلاحه، وجعله الله نبيًّا رسولًا.


ومريمُ - عليها السلام - كُرِبَت بما رُمِيَت به من ولادتها بعيسى من غير زوجٍ، فأنطقَ الله مولودَها وهو في المهد: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30].


ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - نشأَ يتيمًا، ومات جدُّه، ثم مات وجيهاه في الدعوة: أبو طالبٍ وخديجةُ في عامٍ واحدٍ، وأُسرِيَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدسِ، وعُرِج به إلى السماء السابعة، ثم عادَ من ليلته إلى مكَّة، وأخبرَ قُريشًا الخبرَ وخشِيَ ألا يُصدَّقَ فلا يُؤمِنوا، ففرَّجَ الله عنه كربَه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لقد رأيتُني في الحِجرِ وقُريشٌ تسألُني عن مسرايَ، فسألَتني عن أشياء من بيتِ المقدسِ لم أُثبِتها، فكُرِبتُ كربةً ما كُرِبتُ مثلَه قطُّ»، قال: «فرفعَ الله لي أنظُرُ إليه، ما يسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتُهم به»؛ رواه مسلم.


والدينُ وصلَ إلينا بعد عناءٍ ومشقَّة؛ فقد لاقَى النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدَّة الوحيِ ما لاقَى، فكان إذا نزلَ عليه الوحيُ يُنكِّسُ رأسَه، ويتفصَّدُ عرقُه من جبينِه في الليلة البارِدة، قال عُبادةُ بن الصامتِ - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أُنزِلَ عليه الوحيُ كُرِبَ لذلك وتربَّدَ وجهُه" - أي: تغيَّر؛ رواه مسلم.


واشتدَّت كُرُبات النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته؛ من أذى قومه له، وسُمِّه، وسحره، والكيدِ به، وموتِ أبنائِه، وكُربةٌ لاقاها جميعُ الرُّسُل، وهي: التكذيبُ والسُّخريةُ، قال - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [فاطر: 4]، وقال - جلَّ شأنه -: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].


ولا تزالُ كُروبُ الدنيا بالإنسان حتى تُنزعَ رُوحُه؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "لما ثقُلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلَ يتغشَّاه - أي: الموت -، فقالت فاطمة - رضي الله عنها -: واكربَ أباه. فقال لها: «ليس على أبيكِ كربٌ بعد اليوم» - أي: من كُروب الدنيا"؛ رواه البخاري.


ولئن انقضَت مِحنُ الدنيا بالموت، فسيُلاقِي الخلقُ كربًا قادمًا شديدًا عليهم؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «يجمعُ الله يوم القيامة الأولينَ والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ، فيُسمِعُهم الداعي، وينفُذُهم البصرُ، وتدنُو الشمسُ، فيبلُغُ الناسَ من الغمِّ والكربِ ما لا يُطيقُون وما لا يحتمِلون»؛ رواه مسلم.


وبعد، أيها المسلمون:

فالإنسانُ في بلاءٍ وشدَّةٍ حتى يضعَ قدمَه في الجنة، وبرحمة الله وفضلِه شرعَ - سبحانه - أسبابًا لزوالِ الخُطوبِ؛ فتوحيدُ الله هو أسرعُ مُخلِّصٍ للكُروب، وقد فزِعَ إلى ذلك يونسُ - عليه السلام - فنُجِّيَ من الغمِّ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «دعوةُ ذي النُّونِ: لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين، ما دعا بها مكروبٌ سبعَ مراتٍ إلا فرَّجَ الله كربَه»؛ رواه أبو داود.


قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "لا يُلقِي في الكُرَبِ العِظام سِوى الشرك، ولا يُنجِّي منها إلا التوحيدُ، وقد علِمَ المُشرِكون أن التوحيدَ هو المُنجِّي من المهالِكِ؛ ففرعونُ نطقَ بكلمةِ التوحيد عند غرقه لينجُو ولكن بعد فواتِ الحين".


والتوكُّلُ على الله وتفويضُ الأمر إليه يكشِفُ ما نزلَ، قال - سبحانه -: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ﴾ [الأنعام: 64].


ولما لجأَ الرجلُ المؤمنُ من آل فرعون إلى الله كُفِي شرُّ قومه، قال - سبحانه - عنه: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 44، 45].


والتضرُّع إلى الله بالدعاء سببُ تغيُّر الحال، قال - سبحانه -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].


والصلاةُ مُزيلةٌ للهموم كاشِفةٌ للغموم، والله - سبحانه - أمرَ بالاستعانةِ بها عند حُلولِ المصائبِ، قال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153].


وذكرُ الله أنيسُ المكروبين، قال - جلَّ شأنه -: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97، 98].


وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا نزلَ به كربٌ قال: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ العرشِ الكريم»؛ رواه البخاري.


والاستِرجاعُ عزاءٌ لكلِّ مُصاب، قال - جلَّ شأنه -: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156]. وحسبُنا الله ونِعم الوكيلُ قالَها الخليلان عند الشدائد.


والاستغفارُ سببُ تفريجِ الخُطوبِ؛ لأن الذنوبَ هي مُوجِبُ الكُروب، قال - سبحانه -: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].


والتوبةُ تحطُّ السيئات وتُفرِّجُ الكُرُبات، قال تعالى: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168].


ومن عاملَ اللهَ بالتقوى والطاعة في حال رخائِه عاملَه الله باللُّطفِ والإعانةِ في حال شدَّته، قال - عليه الصلاة والسلام -: «تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرِفكَ في الشدَّة»؛ رواه الحاكم.


قال أبو سُليمان الدارانيُّ - رحمه الله -: "من أحسنَ في ليله كُفِيَ في نهاره".


والتزوُّد من الطاعات تُفرِّجُ الهمومَ، قال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].


والصدقةُ والبرُّ وصِلةُ الرَّحِم سببُ زوالِ المِحَن، قالت خديجةُ - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلَ عليه الوحيُ وخشِيَ على نفسه، قالت له: "كلا والله، لا يُخزِيكَ الله أبدًا؛ إنك لتصِلُ الرَّحِم، وتصدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكلَّ، وتقرِي الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ"؛ رواه البخاري.


والله وعدَ عبادَه بالفرجِ بعد الشدَّة، وإذا اشتدَّ الكربُ لاحَ الفرَج، وحُسنُ الظنِّ بالله واجبٌ، والتفاؤُلُ بزوالِ ما نزلَ من المصائبِ من حُسن المُعتقَد، قال - سبحانه -: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].


قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لو دخلَ العُسر في حجرٍ لجاء اليُسرُ حتى يدخُلَ عليه".


والصبرُ أجرُه بلا حسابٍ، واختيارُ الله لعبده أرحمُ من اختيارِ العبدِ لنفسه، والحياةُ الباقيةُ هي الدارُ الآخرة.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.


أيها المسلمون:

من ابتعدَ عن الدين زادَت كُروبه، قال - سبحانه -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125].


ومن فرَّج الله كربَه ولم يشكُر نعمةَ الله على زوال الكُربة فقد توعَّدَه الله بمكره وعقوبَته، قال - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ﴾ [يونس: 21].


والمؤمنُ إذا ابتُلِيَ صبَرَ، وإذا أذنبَ استغفر، وإذا أُنعِمَ عليه شكَرَ.


ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.


اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً.


اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا.


اللهم عليك بمن آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم.


﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.


﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].


اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.


عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].


فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البلاء وما للإنسان فيه من منظور إسلامي
  • الحث على شكر النعماء والصبر عند البلاء
  • مرايا البلاء
  • الصبر على البلاء (خطبة)
  • الصدق في مواضع البلاء
  • خطبة قصيرة عن الصبر
  • تنبيه العقلاء إلى وجوب الصبر على البلاء
  • ارتقاء الدرج بأن الصبر من مفاتيح الفرج
  • الصبر ضياء (خطبة)
  • فضل الصبر على البلاء
  • الصبر والجزع (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • روسيا: المحكمة تغلق مسجدا بزعم بنائه بدون ترخيص(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة المسجد النبوي 18/3/1433 هـ - لا يرفع البلاء إلا الدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 11/7/1433 هـ - فضل المدينة والمسجد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل الذهاب إلى المسجد: ضيافة في الجنة لمن حافظ على الصلاة في المسجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • افتتاح أكبر مسجد في لاوتوكا بجزر فيجي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • افتتاح أكبر مسجد في ليدز بتكلفة تعدت مليوني جنيه إسترليني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفسير: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب