• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الأبحاث والدراسات
علامة باركود

قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه العثيمين

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/8/2016 ميلادي - 24/11/1437 هجري

الزيارات: 55217

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قواعد الترجيح عند تزاحم المصالح والمفاسد

وتطبيقاتها على الوسائل الدعوية من فقه الراسخين في العلم

(العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - أنموذجًا)

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فهذا بحثٌ مختصرٌ في جمع قواعد أهل العلم رحمهم الله تعالى في الترجيح بين المصالح والمفاسد عند تزاحمها أو تعارضها، مع ذكر تطبيقات عملية في مجال الدعوة إلى الله من فقه العلامة العثيمين رحمه الله تعالى،[1] جمعته لما رأيت شدة الحاجة لضبط هذه المسألة، مع كثرة الاجتهادات المتعارضة فيها، وعدم رسوخ قانون كلي في أذهان المتنازعين يحتكمون إليه، وقد فرّعتُ عليه بعض التطبيقات التي توضح معالمه، وتجلي مصداقيته من كلام عَلمٍ من الراسخين في العلم والتربية، وجعلته في سبع قواعد، يسبقها تمهيد، وتلحقها خاتمة، والله المستعان أن ينفع به، ويسدد خطى السائرين في الدعوة إلى الله، العاملين ابتغاء مرضاته، وتعجيلاً في البدء بالمقصود أقول:

تمهـيد:

المسألة التي بين أيدينا تسمى تزاحم المصالح والمفاسد، أو يطلق عليها رتب الأمر والنهي، أو تعارض الحسنات والسيئات، وفقه الأولويات، وقواعد الضرر، ومراتب الأعمال، ولها مجالاتها الكثيرة في فروع الشريعة؛ فمنها ما يتعلق بباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو باب السياسة الشرعية، وسيُخصص الحديث في هذا البحث بما يختص بباب تنظير الحكم على الوسائل الدعوية من جهة جوازها أو عدمه.

 

تعريف مفردات عنوان البحث:

والمصلحة في اللغة: اللذة والفرحة، و"جلب المنفعة، ودفع المضرة"، (المستصفى 2/139)، وضدها المفسدة، وقد يطلق على المصلحة في الشرع مسمى الحسنات، والنفع، والخير، والمعروف، ونحوها.

 

وتزاحم المصالح يقصد به حصولها في جانبي الفعل والترك، وتزاحم المفاسد أي حصولها في جانبي الإقدام والإحجام، وتعارض المصالح والمفاسد يراد به حصول المصالح في الفعل أو الترك مع ترتب المفاسد معها.

 

أما الوسائل فجمع وسيلة، والوسيلة في اللغة: قال الجوهري: "ما يتقرب به إلى الغير"، (الصحاح/ مادة وسل)، وفي الشرع: "الطرق التي يُسلك منها إلى الشيء، والأمور التي تتوقف الأحكام عليها من لوازم وشروط، فإذا أمر الله ورسوله بشيءٍ كان أمراً به، وبما لا يتم إلا به"، (المجموعة الكاملة لابن سعدي، 4/25).

 

والدعوية نسبة للدعوة، والمقصود الدعوة إلى دين الله تعالى وشرعه، وإنما تعرف وسائل الدعوة بما أرشدت إليه الشريعة، أو عُرف نفعه من خلال النظر الصحيح والتجربة المتقررة بشرط أن ينضبط بالضوابط الشرعية، قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: "أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشرع... وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات"، قواعد الأحكام، (1/11)، وقال كذلك (1/112): "لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بأنواع المصالح والخيور، ولا يتقرب إلى الله بشيءٍ من أنواع المفاسد والشرور".

 

هل وسائل الدعوة توقيفية؟

بخصوص إجابة هذا السؤال يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: "والتبليغ كما أنه لا يتقيد بكيفيةٍ معلومة، لأنه من قبيل المعقول معنى، فيصح بأيِّ شيءٍ أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة وغيرها، كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفيةٍ دون أخرى إذا لم يَعُد على الأصل بالإبطال؛ كمسألة المصحف، ولذا أجمع عليه السلف الصالح"، (الاعتصام، 1/238).

 

وقد سئل الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: ما هو القول الصحيح في وسائل الدعوة هل هي توقيفية أو اجتهادية؟ الجواب: "نعم، القول الصحيح في مسائل الدعوة أنها توقيفية، لا يُدعى إلا بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ؛ لكن إذا احتيج إلى التأليف والتقريب فلا بأس أن يستعمل الإنسان ما يكون به تأليف القلوب وتقريبها، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بالقرآن والسنة، ومع ذلك يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأجل أن يقربهم، فإذا قُدّر أن هناك شيئاً مباحاً يُستعمل للتقريب والتأليف فلا بأس به؛ لكن بشرط أن تكون الركيزة الأولى هي: الكتاب والسنة وطريق السلف الصالح"، لقاءات الباب المفتوح، (135/7)، وفي (222/36): "فإذا أراد أن يجذب شباباً بأن يخرج مثلاً بعد العصر للعب الكرة أو للمسابقة على الأقدام أو ما أشبه ذلك هذا طيب من باب التأليف"، وقال كما في فتاوى علماء البلد الحرام، ص(1117): "أما الإكثار منها، وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بحيث لا يتأثر المدعو إلا بمثل هذه الوسائل فلا أرى ذلك؛ بل أرى أنه محرم؛ لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فعل ذلك أحيانًا لا أرى فيه بأسًا إذا لم يشتمل على شيء محرم".


وينبه رحمه الله إلى أهمية وعي طلبة العلم لهذا الفقه في سياق رده على من يعترض على إقامة المراكز الصيفية بحجة أن وسائل الدعوة توقيفية، فكان من جوابه: "يجب أن يكون عند الإنسان إدراك ووعي، وأن يُنَزِّل الأمور منازلها، وألا يكون سطحياً يرى من فوق السقوف، بل يكون إنساناً واعياً يَسْبُر أغوار الأمور، وينظر ما الذي يترتب من المصالح والمفاسد على الأفعال، والقاعدة العريضة الواسعة الشاملة للشريعة الإسلامية إنما هي: جلبُ المصالح ودفعُ المفاسد، فقد أتت المراكز بالمصالح ودَفْع المفاسد... فنقول للأخ الذي اعترض هذا الاعتراض: فكِّر في الأمر، واعلم أن الدين أوسع من فكرك، وأوسع من عقلك، وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت، ما لم تشتمل على مضار مساوية أو غالبة فتُمْنَع، أما قوله: إن وسائل الدعوة توقيفية؛ فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية، فما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة، نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة؛ ما لم تكن محرمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد... وأكرر -ولا سيما مع طلبة العلم- لابد أن يكون طالب العلم ذهنُه واسعاً وتفكيرُه عميقاً، وألا يأخذ الأمور بظاهرها وسطحيتها، وأن ينظر مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من إصلاح الخلق، وألا يمنع ما يكون صلاحاً أو ما يكون درءاً لمفسدة أكبر، إلا إذا ورد الشرع بمنعه"، (لقاءات الباب المفتوح، 21/17- 18).

 

وقال كذلك في معرض الجواب عن حكم تعليق اللافتات التي تُذكر بذكر الله تعالى في الشوارع، وهل هي بدعة، وما هو ضابط البدعة؟: "الجواب: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه الله عزَّ وجلَّ هذه هي البدعة، أما وسائل العبادة فإنها ليست ببدعة، فهناك فرق بين المقاصد والوسائل، فلو قال قائل -مثلاً-: مكبر الصوت في الصلاة والخطبة والمواعظ كان غير موجود في عهد الرسول، فهو بدعة! لقلنا: هذا غلط؛ لأن ذلك وسيلة لإيصال الخير إلى الناس، وهذه اللافتات التي توجد في الطرقات وسيلة لتذكير الناس بذكر الله عزَّ وجلَّ"، (لقاءات الباب المفتوح، 25/24).

 

وعليه يتبين من مجموع ما سبق: أن الشيخ رحمه الله يفرق بين وسائل الدعوة ومقاصدها من جهتين: الأولى: أن الوسائل إذا كانت سبيلاً لإيصال الكتاب والسنة للناس فليست توقيفية، والثانية: أن الوسائل إذا كانت لقصد التأليف والتقريب فليست توقيفية كذلك؛ فيحل منها ما لم يشتمل على محرم بشرط ألا يكثر منه، أما المقاصد التي يجب أن تكون الوسيلة الأولى للتأثير في الناس فهي الكتاب والسنة؛ وهي بهذا توقيفية، والله أعلم.

 

شروط اعتبار أمرٍ ما وسيلة من وسائل الدعوة:

واعتبار الأمر المباح وسيلة للدعوة إلى الله لا بد أن ينطلق من تحقيقه لمصالح مقصودة للشارع، يوضحه هذا المثال: سئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم احتفالات حفظ القرآن، فقال: "أرى أن هذه الاحتفالات لا بأس بها، بل هي مشروعة، لكنها مشروعة لغيرها كيف ذلك؟ هذه الاحتفالات تجري فيها فوائد: أولاً: إدخال السرور على التلاميذ الذين حفظوا، فيسرون بهذا. ثانياً: أنه مظهر من مظاهر تعظيم القرآن الكريم، حيث جمع الناس له من أجل أن يحتفل به. ثالثاً: أنه يحصل به التلاقي بين الإخوة من كل جهة والتعارف. رابعاً: أنه لا يخلو من إرشادات وتوجيهات وبيان لفضل القرآن وحفظه وغير هذا، فهي مقصودة لغيرها في الواقع وفيها خير، فلا نرى بها بأساً، إن لم نقل إنها مطلوبة لما فيها من هذه الفوائد التي ذكرناها"، لقاءات الباب المفتوح، (201/13).


لكن يضبط ذلك ألا تتحول الوسائل إلى غايات مقصودة لعينها؛ يتعبد لله تعالى بها، ففي سؤال ورد للشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم إنشاء الجمعيات الخيرية المهتمة برعاية المساكين والأيتام، وتنشئة الشباب على القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن البعض يقول: إنها بدعة، وذكر السائل أن الخلاف وصل بين الشباب إلى حد السباب والشتائم، قال الشيخ: "لا بأس بتكوين لجنة لقبول الصدقات والزكوات وغيرها من النفقات الشرعية؛ لأن ذلك من الوسائل إلى ضبط هذه الأمور تحصيلاً وتوزيعاً، وهذا مقصود شرعي لا يقصد به إلا ضبط هذه الأشياء، وما كان وسيلة لمقصود شرعي فلا بأس به، ما لم يُقصد التعبد بنفس الوسيلة"، فتاوى في أحكام الزكاة، ص(466)، وانظر: ص(439).

 

ويشترط كذلك لاعتبار أمرٍ من الأمور وسيلة للدعوة ألا تعارضه مفسدة راجحة مقصود الشارع دفعها، وهو موضوع بحثنا هذا، وموضع تردد كثير من الدعاة بين الاستفادة من بعض الوسائل الدعوية؛ لعظيم أثرها، وتحقق أو ظن نفعها، أو تركها تورعًا من الإحداث في الدين، أو عودها لمفسدة في ثاني الحال، قال سماحة العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: "ولا شك أن البروز في التلفاز مما قد يتحرج منه بعض أهل العلم من أجل ما ورد من الأحاديث الصحيحة في التشديد في التصوير ولعن المصورين؛ ولكن بعض أهل العلم رأى أنه لا حرج في ذلك إذا كان البروز فيه للدعوة إلى الحق، ونشر أحكام الإسلام، والرد على دعاة الباطل عملاً بالقاعدة الشرعية وهي ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما إذا لم يتيسر السلامة منهما جميعاً، وتحصيل أعلى المصلحتين ولو بتفويت الدنيا منهما إذا لم يتيسر تحصيلهما جميعاً"، مجموع فتاوى ومقالات منوعة، (5/393 – 395)، وينظر: الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، ص(14)، فجاء هذا البحث ليجلي جانبًا من ذلك، ويُسهل مدركه.

 

ومحل النظر في هذا البحث: الوسائل التي لم توضع للإفضاء إلى المفسدة، ولم يُقصد بها المفسدة، وتردد الناظر في تغليب جانب المصلحة أو المفسدة، أو تردد النظر في تغليب المصالح بعضها على بعض، (يراجع لذلك: إعلام الموقعين، 3/109، أقسام الذرائع)، والله الموفق.

 

قواعد الترجيح عند تزاحم المصالح والمفاسد أو تعارضها:

أهمية هذا الفقـه وأثره:

الفقه في الدين هو معرفة رتب الأمر والنهي، وشروطهما، ومعرفة أصناف المخاطبين وأحوالهم، والحكم بما تقتضيه الشريعة من فعل أو ترك، قال ابن تيمية رحمه الله: "وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع"، الفتاوى، (10/512).

 

ويمثل لذلك في موضع آخر (23/343) فيقول: "فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضررٍ زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك، بل يصلي خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه؛ كالجمع والأعياد والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج والمختار ابن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادًا من الاقتداء فيهما بإمام فاجر؛ لا سيما إذا كان التخلف عنهما لا يدفع فجوره، فيبقى ترك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة، ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعات خلف أئمة الجور مطلقاً معدودين عند السلف والأئمة من أهل البدع، وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهو أولى من فعلها خلف الفاجر".

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله في منظومته في القواعد:

الدين جاء لسعادة البشر
ولانتفاء الشر عنهم والضرر
وكل أمر نافع قد شرعه
وكل ما يضرنا قد منعه
ومع تساوي ضرر ومنفعه
يكون ممنوعًا لدرء المفسده

 

فتارة نجد أن الشريعة تقدم المفسدة على المصلحة عند تعارضهما، من ذلك قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: ٢١٩]، وتارة تقدم المصلحة على المفسدة، من ذلك قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

ومن القواعد الترجيحية التي تحدد ذلك:

القاعدة الأولى: تقديم ما دلت النصوص على تقديمه؛ من جهة كثرة اعتبارها له، أو من جهة تقديمه في نظائر المسألة المبحوثة:

قال ابن تيمية رحمه الله: "اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة؛ فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها؛ وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها، وبدلالتها على الأحكام"، الفتاوى، (28/129).

 

أ- فمن ذلك: النظر للأولويات من خلال محدداتٍ من النص الشرعي، ومنه:

1- المصلحة أو المفسدة التي جاء النص بالتصريح بتقديمها: ومن ذلك ما أخرجه الطبراني في المعجم الصغير عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحب إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا"، ومنه ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة"، وحسّن الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن رجل من خثعم أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله: الإشراك بالله، ثم قطيعة الرحم".

 

2- المصلحة أو المفسدة التي ألغت النصوص بعض الأحكام الشريعة للمحافظة على جلبها أو دفعها؛ ومثالها: مصلحة اجتماع الناس خلف إمام واحد غُيّرت لأجلها هيئة الصلاة في حال الخوف، مع أنه بالإمكان الصلاة خلف إمامين دون تغيير صفة الصلاة؛ فدل على تقديم هذه المصلحة على الأخرى، وهكذا.

 

3- المصلحة أو المفسدة التي كثرت النصوص المخصصة لها والمخرجة لبعض أفرادها أضعف من التي لم تخصص؛ فمن ذلك أجاز الشافعية رحمهم الله كثرة الأفعال في الصلاة حال التحام القتال، ولم يجيزوا الصياح ونحوه ولو زجر الخيل؛ لأن المستثنيات من مبطل الحركة كثيرة في النصوص؛ بخلاف مبطل الكلام.

 

ومن أمثلة المصالح الدعوية التي اعتبرها النص: سئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم القيام الجماعي؟ فقال: "أما القيام أحياناً جماعة فلا بأس؛ لأنه ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قام معه بعض الصحابة أحياناً، كحذيفة بن اليمان وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عباس"، لقاءات الباب المفتوح، (110/19).


ب- ومن ذلك كذلك: النظر في محددات الترجيح من القواعد الشرعية لتتجلى نظائر المسألة، فمن ذلك:

1- أن الفضيلة المتعلقة بهيئة العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها؛[2] ومنه: لو تردد الأمر بين إطعام المحتاجين لضرورات الحياة، أو تفطير الصائمين في المسجد الحرام، كان الأول أولى؛لأن فضيلته تتعلق بنفس العبادة.

2- وإذا تقابل عملان تفاضلا في الكيفية والكمية؛ أحدهما ذو شرف ورفعة في نفسه وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة؛ كالمفاضلة بين بناء مسجدٍ كبيرٍ ذي مرافق متعددة، وبناء عدة مساجد؛ فأيهما يقدم؟.

رجح الشافعية والحنابلة[3] تقديم الكثرة، ومال ابن تيمية رحمه الله إلى تقديم الأشرف،[4] والذي يظهر أن في كلٍ مزية تفضيل، ولعل في مسائل الواقعات ما يميل بالترجيح إلى إحدى الجهتين؛ فينظر في كل مسألة بحسبها.

 

• وبقية القواعد الفقهية في اعتبار التفاضل، ودفع الضرر تراجع في مظانها.

ومن أمثلة اعتبار النظائر: سئل رحمه الله عن حكم تنظيم البرامج الدعوية في المراكز الصيفية والرحلات البرية؟ فكان الجواب: "لا بأس أن تنظم الجماعات في الدعوة إلى الله عز وجل في أي وقت وفي أي مكان، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم - ينظم أصحابه في الجهاد والصلاة والحج وفي كل شيء... فالتنظيم أمر جاء به الشرع ولكنه مطلق، ومعنى: كلمة مطلق، أنه يخضع لما تقتضيه المصلحة في كل زمان ومكان، قد يكون تنظيمنا هنا في البلد مناسباً وصالحاً، ولكنه في بلد آخر لا يكون مناسباً ولا صالحاً، ولهم أنظمة خاصة بهم، فكل يراعي ما تحصل به المصلحة، وليس ذلك شيئاً محدثاً أو محرماً في الشرع، فإنه من الأمور التي جاءت السنة بمثله"، لقاءات الباب المفتوح، (51/18).


ج- ومن ذلك اعتبار رتب الأمر والنهي: فيقدم الواجب على المندوب، وفرض العين على فرض الكفاية، ودفع المحرم على دفع المكروه، ودفع مفسدة الكبائر أولى من دفع مفسدة الصغائر.

ومن أمثلته: تقديم النفقة على العيال، على النفقة على الدعوة، والأخيرة على النفقة على الفقير.

 

ومن تطبيقاته: اعترض العثيمين رحمه الله على من أخرّ صلاة العشاء لكنه وقع في مفسدة تفويت الجماعة بالآتي: "الأفضل في صلاة العشاء التأخير، لكن بشرط ألا تتأخر عن نصف الليل، ولكن لا يجوز للإنسان الذي تلزمه الجماعة أن يؤخرها ويترك الجماعة؛ لأن التأخير سنة والجماعة واجبة، ولا تعارض بين السنة والواجب".


القاعدة الثانية: اعتبار رتب المصالح والمفاسد من جهة متعـلقها:

أ- ومن ذلك الترجيح بحسب ترتيب الضرورات الخمس؛ فيقدم ما تعلق بحفظ الدين، ثم النفس، ثم العقل، ثم العرض، ثم المال.

ومن أمثلة ذلك النصية: ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك"، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أيّ؟ قال: "وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك"، قلت: ثم أيّ؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك"، فقدم النبي – صلى الله عليه وسلم - المفسدة المتعلقة بالدين على المفسدة المتعلقة بالنفس، وأخرّ المفسدة المتعلقة بالعرض.

 

ب- ومن ذلك تقديم الضرروي (وهو ما تعلق بدفع الهلاك والضرر)، على الحاجي (وهو ما تعلق بدفع المشقة)، على التحسيني (وهو ما تعلق بحصول التمام والكمال).

 

ومن أمثـلته النصية: قول الله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة:١٩]، فقدّم سبحانه ما يتعلق بحفظ ضروري الدين على ما يتعلق بحفظ ما هو من تحسيناته.

 

ج- تقديم ما هو أصلي في حفظ الضرورات السابقة على ما هو من تتماته، أو يقال: تقديم ما كان من مقاصد الحفظ على ما كان من وسائله؛ فمن ذلك: تقديم الجهاد مع أئمة الجور على تركه؛ لأن مقصد الجهاد مع أئمة العدل إنما كان لتأكيد الجهاد وتثبيته؛ فلا يعود عليه بالإبطال.

 

ويأتي آخر البحث مثال دعوي تطبيقي لما سبق.

 

القاعدة الثالثة: تقديم ما كان أعظم أثرًا:

يقول ابن تيمية رحمه الله: "فإن كان المعروف أكثر أُمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم يُنه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذٍ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نُهي عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر، وسعياً في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمَر بهما، ولم يُنه عنهما"، الفتاوى، (28/129-130).

 

أ- من ذلك تقديم ما كانت مصلحته أو مفسدته خالصة، على ما إذا كانت راجحة.

 

ب- وتقديم ما كان أثره متعديًا (عامًا) على ما كان أثره قاصرًا (خاصًا): فمصلحة طلب العلم وبذله أولى من مصلحة العبادة.

 

ومن أمثلتهما: ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سئل أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"، فقدم ما كانت مصلحته خالصة وهو الإيمان بالله على ما كانت مصلحته راجحة متعدية وهو الجهاد في سبيل الله، وتقديم الجهاد على ما كانت مصلحته راجحة غير متعدية وهو الحج.

 

ج- ومنه التفاضل بين المصالح والمفاسد بحسب عموم أثرها وتعديه إلى الغير، ومن أمثلته: فتوى الشيخ العثيمين رحمه الله بترك إلقاء الموعظة في الأعراس، وعلل ذلك بقوله: "فلكل مقام مقال، وأنا أحب أن يتلقى الناسُ دينهم بانشراح وقـبول، وإذا قدرنا أن (10 %)، يريدون الموعظة، وأن (90 %) لا يريدونها فمَن نرجِّح؟! نرجَّح (90%)؛ لئلا نثقل على الناس"، لقاءات الباب المفتوح، (70/24).


د- ومن ذلك تقديم الأثر الدائم على المنقطع: دل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم -: "أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل"، متفق عليه، ومن أمثلته: تقديم الصدقة الجارية على غيرها.

 

ومن تطبيقاتها الدعوية: أن الشيخ العثيمين رحمه الله أنكر على الخطباء الذين يعمدون في خطبهم إلى ذكر بعض الجرائم التي تحصل مما يعد من إشاعة الفاحشة بين المسلمين؟، قال: "الذي أرى للخطباء ألا يثيروا شيئاً في الخطبة التي يخطبون بها أمام الناس، إلا إذا اشتهر الشيء وكثر وشاع، أما إذا كان في قضية واحدة وهي مما ينكر عليها إنكاراً عظيماً، فإن الواجب أن الإنسان يتصل بهذا الذي حصل منه هذا الشيء وينصحه، لأن الشيء إذا ذكر صار حديث الناس، وإذا لاكته الألسن سهل على النفوس، فيحصل في هذا مفسدة أكثر مما يحصل من المنفعة"، لقاءات الباب المفتوح، (78/4)، وأجاز ذلك في مجلسٍ خاصٍ لأشخاص معينين يخشى وقوعهم في هذه الفاحشة، لا على المنابر وفي الخطب، لقاءات الباب المفتوح، (179/16)، ومثل ذلك إنكاره ذكر أخبار التائبين والتائبات على هذا الوجه، وحكم بأنه اجتهاد خاطئ جدًا، ولا يجوز نشرها؛ لأنها من المجاهرة، ويهون الأمر في نفوس السامعين والقارئين، وفضيحة لعباد الله، لقاءات الباب المفتوح، (100/25)، فالمصلحة قاصرة على وقت إلقائها، والضرر منها دائم.


القاعدة الرابعة: تقديم المصالح بحسب درجة تحقق وقوعها، وتعـينها:

أ- ومن ذلك تقديم ما كان مقطوعًا بأثره أو متفقًا عليه على ما كان مظنونًا أو مختلفًا فيه، وما كان مظنونًا على ما كان متوهمًا:

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "كذب الظنون نادر وصدقها غالب، وكذلك يبنى جلب مصالح الدارين ودفع مفاسده على ظنونٍ غالبة متفاوتة في القوة والضعف والتوسط بينهما، على قدر حرمة المصلحة والمفسدة ومسيس الحاجة"، مختصر الفوائد في أحكام المقاصد، ص(133و134).

 

ب- ويتحقق كذلك بتقديم المتعين على غيره، فدفع المفسدة التي لا مندوحة عن الوقوع فيها مقدم على جلب المصلحة التي قد تتحقق بوسائل أخرى دون ارتكاب المحرم، والعكس، وكذا فإن المصالح التي تفوت مقدم جلبها على المصالح التي لا تفوت.

 

وكمثال للضابطين: سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: عن داعية انشغل عن الدعوة بعلاج الممسوسين بالجن، فهل يجوز تعطيل الدعوة من أجل هذا العمل؟ وكان الجواب: "الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم غيره مقامه، فإنها مقدمة على القراءة على مَن به مس من الجن؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة مُتَيَقَّنة، ومصلحة القراءة على من به مس من الجن مصلحة غير مُتَيَقَّنة، وكم من إنسان قرئ عليه ولم يستفد شيئاً! فيُنْظَر! إذا كانت الدعوة مُتَعَيَّنة على هذا الرجل، لا يقوم غيره مقامه فيها، فإنه يجب عليه أن يدعو، ولو ترك القراءة على من به مس من الجن؟ أما إذا كانت فرض كفاية فيَنْظُر إلى الأصلح، وإذا أمكن أن يجمع بينهما، وهو الظاهر أنه يمكن الجمع بينهما، بأن يخصِّص لهذا يوماً ولهذا أياماً حسب الأهمية، فيحصل منه الإحسان إلى إخوانه الذين أصيبوا بهذه المصيبة، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن حصل الجمع بينهما ما أمكن فهو الأولى"، لقاءات الباب المفتوح، (44 / 8).

 

القاعدة الخامسة: أن يُقدم عند الترجيح المقصود الخاص للشارع في كل حكمٍ من أحكامه على غيره:

أ‌- فلا يكون القصد إلى التابع يؤدي إلى انقطاع المقصود: كالصلاة لأجل الناس رياء، لا يؤكد ولا يبعث على الدوام، بل هو مقوٍ للترك ومكسل عن الفعل... فهذا القصد مضاد لقصد الشارع، ينظر: الموافقات، (2/398-400).

 

وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم الصيام الجماعي، فجعله نوع من البدعة؛ لأن الاجتماع على العبادات من الأمور الشرعية، إلا أن يكون الصيام وقع اتفاقًا، ثم اتفقوا على الإفطار عند أحدهم، وكان من تعليله: " فأرى أن يتخلوا عن هذا الطريق، وأن يكون الإنسان مستعيناً بالله عز وجل، وأن يعتد بنفسه، وإذا كان الإنسان لا يفعل العبادة إلا متوكئاً على عصا - أي إلا إذا فعلها غيره- فإن عزيمته ضعيفة"، اللقاء الشهري (25/4)، وقال في لقاء الباب المفتوح، (2/38): "فالإنسان يكفـيه أن يرغب بهما، أما أن يفعل مثل هذه الأمور أخشى أن تعود الديانات طقوسًا ظاهرية فقط"، وفي (215/16): "وثانياً: أنه يؤدي إلى أن الإنسان لو فارق هؤلاء قد لا يصوم؛ لأنه ما صام إلا من أجل متابعتهم أو موافقتهم. نعم، إذا صاموا بدون اتفاق فلا بأس"؛ فظهر أن اتجاه الشيخ إلى أن الصوم عبادة يغلب فيها مقصد تربية النفس تربية ذاتية لا جماعية؛ بخلاف غيره، فلا تشرع الوسائل المناقضة لهذا المقصد، والله أعلم.


ب‌- أو يؤدي إلى خلاف قصد الشارع، ومن أمثلة ذلك: سئل العلامة العثيمين عن حكم الموعظة بصفة دائمة على القبر؟ فكان جوابه المنع، وعلل ذلك بقوله: "لأن المقام في الحقيقة مقام خشوع وسكون، وليس مقام إثارة العواطف"، لقاءات الباب المفتوح، (3/27)، وسئل عن إلقاء المواعظ في الأعراس، فقال: "... وهذا يدل على أن المسألة مسألة فرح لا مسألة وعظ، لكن لو رأى الإنسان منكراً فهنا يحب عليه أن يقوم وينكر ويتكلم بما يفيد الحاضرين حول هذا المنكر، أو كان شخصاً معروفاً مشهوراً يتطلع الناس إلى كلامه ويحبون أن يسمعوا منه، فقام رجل من الناس، وقال: يا فلان! حدثنا، أو سأله سؤالاً ففتحوا باب الأسئلة والمناقشة فهذا طيب، أما أن تجعل هذه المناسبات موضع مواعظ بدون أن يكون الناس يتحرون هذا الشيء، وعلى غير هدي السلف الصالح، فهذا شيء مما ينظر فيه، وتعلمون أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - كان يتخول أصحابه بالموعظة حتى لا يملهم"، لقاءات الباب المفتوح، (11/8).

 

وسئل رحمه الله: بعض المدرسين يجعل جوائز تشجيعية للطلبة إن صام مثلاً عاشوراء أو عرفة فيجعل له جائزة، وأنكر عليه بعض المدرسين، فما رأيكم في هذا الشيء؟ الجواب: "رأيي أن الإنكار حق، ولا ينبغي لنا أن نعوّد الناس على جوائز دنيوية في مقابل أعمال دينية؛ لأن الإنسان يبدأ ينظر إلى هذه الجوائز، نعم يحثهم على هذا ويرغبهم في صوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ولتكن الأيام البيض، أما أن يعطيهم جوائز فلا، لكن لو فعلوا وأراد أن يعطي أحداً جائزة فأرجو ألا يكون في هذا بأس"، لقاءات الباب المفتوح (179/9).


وما سبق ليس مبنيًا على القول بمنع التشجيع بالجوائز مطلقًا، بل متفرعٌ على أن الصوم من العبادات المحضة؛ التي يُقصد منها خلق المراقبة في ذات المكلف، بخلاف غيره؛ لذا سئل الشيخ عن تشجيع الطلاب على العلم ببذل الجوائز، يقول السائل: بين الحين والآخر يقـوم المدرسون بتشجيع الطلاب على حفـظ جزء من القـرءان أو متن الأصول الثلاثة ثم يجعلون لذلك جوائز تشجيعية يزعم البعض أن في ذلك إفـساد للنيات، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب: "رأيي بذلك أنه لا بأس به، ولا حرج لأن هذا من باب التشجيع، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - فعل مثل ذلك أو قريبًا منه، فقد كان يقول في الجهاد:(من قتل قتيلاً فله سلبه) -يعني ما عليه من الثياب ونحوها- وهذا تشجيع بالمال، والله عز وجل قد جعل التشجيع بالمال حافزًا، وجعل الردع بالعقـوبة رادعًا، كم من إنسان لا يزني خوفًا من الحد، فهل نقـول أن في هذا غلطاً، لا يمكن، فلا أرى في ذلك بأسًا إطلاقًا"، الباب المفتوح، (2/8).

 

القاعدة السادسة: النظر عند الترجيح إلى المآلات (جهة التلازم)، وانفكاك جهة المصلحة عن المفسدة (جهة الانفكاك):

الفرع الأول: النظر في المآلات، وسد الذرائع إلى المفاسد المتوقعة:

يقول الشاطبي رحمه الله عن المجتهد: "لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة من المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعاً لمصلحة فيه تستجاب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه… فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية … وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق، محمود الغبّ، جارٍ على مقاصد الشرع"، الموافقات، (5/177).

 

ويقول الشنقيطي رحمه الله بعد أن ذكر أن الصحابة – رضي الله عنهم - وجميع المذاهب يتعلقون بالمصالح المرسلة: "لكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمرٌ يجب فيه التحفظ وغاية الحذر؛ حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها، أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال"، المصالح المرسلة له، ص(21).

 

أ- وإنما يتحقق اعتبار المآلات في مجال الدعوة إلى الله: بالنظر في هدي المصلحين، ومعرفة واقع الناس، والتفقه في النواميس والسنن التي وضعها الله تعالى في الأنفس والمجتمعات؛ فإنها لا تتبدل ولا تتغير.

 

وقد سئل العثيمين عن حكم إقامة المراكز الصيفية، فقال: " لا شك أن الحكومة وفقها الله تُشْكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية؛ لأنها تكف بهذه المراكز شراً عظيماً، وفتنة كبيرة، فلو أن هؤلاء الشباب، وهذه الجحافل الكثيرة العدد صارت تجوب الأسواق طولاً وعرضاً، أو تخرج إلى المنتزهات، أو إلى البراري، أو الشعاب، أو الجبال، فما ظنكم بالذي يحصل منها من الشر؟! أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع سيظن أن كارثة ما ستحصل للشباب من الانحراف، وفساد الأخلاق، والأفكار الرديئة، وغير ذلك..."، (لقاءات الباب المفتوح، 21/18).

 

ب- كما يتحقق بحصول الخبرة بما تتطور وتؤول إليه الوسائل الدعوية، ومعرفة طبيعة المتعاملين بها:

وقد سئل الشيخ رحمه الله عن حكم الوعظ عند القبر، فأجاب: "... وربما يؤدي في المستقبل إلى شيءٍ أعظم؛ ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول: انظروا إلى هذا الرجل! بالأمس كان يلعب، بالأمس كان يستهزئ، بالأمس كان كذا وكذا، والآن هو في قبره مُرْتَهَن، أو يتكلم في تاجر مثلاً، فيقول: انظروا إلى فلان، بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم والآن انظروا حالَه. فلهذا نرى ألا تُفْعَل هذه"، لقاءات الباب المفتوح، (23/7).

 

وسئل عن الأناشيد الإسلامية، فقال: " الأناشيد الإسلامية كثر الكلام حولها، وأنا لم أستمع إليها إلا من مدة طويلة، وهي أول ما خرجت لا بأس بها، ليس فيها دفوف وتؤدى تأدية ليس فيها فتنة، وليست على نغمات الأغاني المحرمة، لكنها تطورت وصارت يسمع منها قرع يمكن أن يكون دفاً ويمكن أن يكون غير دف، ثم تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطورت أيضاً إلى أنها تؤدى على صفة الأغاني المحرمة، لذلك: بقي في النفس منها شيء وقلق، ولا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال، ولا بأنها ممنوعة على كل حال"، (اللقاء الشهري، (11/14)، وقال في لقاءات الباب المفتوح (230/16): "فلهذا لا يمكن أن نحكم عليها بحكم عام حتى نعرف الشريط الذي في هذا".

الفرع الثاني: مراعاة انفكاك جهة المصلحة عن المفسدة:

1- إذا استطاع الناظر أن يضبط انفكاك جهة المصلحة عن المفسدة لم يعدل عن ذلك؛ جمعًا بين جلب المصالح ودرء المفاسد:

ومن تطبيقاتها: سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: عن حكم استغلال التلفاز في الدعوة إلى الله، فقال: "أرى أنه إذا كان هجر هذه الوسائل وعدم المشاركة فيها سبباً في ترك المنكر، فإنه يجب مقاطعتها ومهاجرتها حتى تترك هذا المنكر لما هو خير، أما إذا كان هذا الأمر لا يفيد وربما يزيد الطين بلة؛ بحيث تفرغ لنشر شر أكبر وأكثر، فأرى أنه يجب استغلال هذه الفرصة، ونشر الدعوة إلى الله تعالى من خلال هذه الوسائل، ثم هذا المنكر الذي يُعرض - كما يقول السائل - لا يعرض في الوقت الذي أنت تلقى فيه الخير، بل هو منفصل عنه، فيكون من أراد استمع إليه وشاهده، وإذا جاء الوقت الذي فيه المنكر يغلق المذياع أو التلفاز وينتهي منه"، (الصحوة الإسلامية، ضوابط وتوجيهات، ص178-917)، فقوّى الشيخ جانب مصلحة المشاركة في التلفاز لإفادة الناس؛ لأنها مصلحة مقطوع بها في الجملة على مصلحة هجرها للتأثير عليها؛ لأنها منظونة أو متوهمة؛ كما أنه يمكن تحصيل المصلحة دون الوقوع في المفسدة.

 

ب- إذا انفكت جهة المصلحة عن المفسدة؛ لكون الجالب للمصلحة هو فعل الداعية، والجالب للمفسدة فعل غيره، لم يؤاخذ الداعية على ما أوقعه غيره من المفاسد ما دام لم يتسبب في ذلك، بل عليه أن يسعى في تخفيف هذه المفاسد ما استطاع:

وقد سئل ابن تيمية رحمه الله: عن رجل متولٍ ولايات، وعليها من الكلف السلطانية ما جرت به العادة، وهو يختار أن يسقط الظلم كله ويجتهد في ذلك بحسب ما قدر عليه، وهو يعلم أنه إن ترك ذلك وأقطعها غيره فإن الظلم لا يترك منه شيء؛ بل ربما يزداد وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في إقطاعه فيسقط النصف والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه إسقاطه، فهل يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع كما ذكر؟ وأي الأمرين خير له؟

فأجاب: "إذا كان مجتهدًا في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه... بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه، وقد يكون ذلك عليه واجبًا إذا لم يقم به غيره قادرًا عليه"، الفتاوى، (30/356 وما بعدها).

 

ومن أمثلة ذلك: سئل الشيخ العثيمين بما نصه: ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت، علماً بأن أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟

"الجواب: أنا أرى أن الانتخابات واجبة، يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً؛ لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر، أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر، أتباع كل ناعق، فلابد أن نختار من نراه صالحاً، فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك، نقول: لا بأس، هذا الواحد إذا جعل الله فيه بركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولابد... أما القول: إن البرلمان لا يجوز، ولا مشاركة الفاسقين، ولا الجلوس معهم، هل نقول: نجلس لنوافقهم؟ نجلس معهم لنبين لهم الصواب"، لقاءات الباب المفتوح، (209/12).


القاعدة السابعة: على فرض التساوي: فإن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، أو يقال: إذا اجتمع الحلال والحرام غُلب الحرام.

ومن أهل العلم من يذهب إلى التخير: يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: "فإن تعذر درء الجميع - أي المفاسد - أو جلب الجميع - أي المصالح- فإن تساوت الرتب تخير"، قواعد الأحكام، (1/4)، ومنهم من يذهب إلى التوقف: يقول ابن تيمية رحمه الله: "وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمَر بهما، ولم يُنه عنهما"، الفتاوى، (28/129-130)، ومنهم من يذهب إلى منهج التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة عند التعارض؛ لحديث: "يسرا ولا تنفرا، وبشرا ولا تنفرا"، متفق عليه، ويرى الشنقيطي رحمه الله أن المقصود بالقاعدة: تقديم درء المفاسد التي تتعلق بحفظ الضروريات على جلب المصالح المتعلقة بحفظ الحاجيات؛ فتكون القاعدة داخلة في تضاعيف القواعد السابقة، والله أعلم.

 

وليعلم أن جميع ما سبق محكم حيث يتعذر الجمع إعمالاً لجميع المصالح ودرءًا لجميع المفاسد، فإن تيسر هذا تعين؛ لأن الإعمال أولى من الإهمال، قال ابن القيم رحمه الله: " الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وأن لا يفوت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع "، مفتاح دار السعادة، (2/19).

 

ومن فقه العثيمين رحمه الله في تطبيق مجموعة من القواعد السابقة على الوسائل الدعوية أنه سئل: من المعروف عندنا أن في ليلة المولد أو قبلها بأيام ينصبون الخيام، وكذلك في كل طائفة من الطرق الصوفية عندهم خيمة، فيذكرون الله ويتراقصون وما إلى ذلك، ثم أن هناك أيضاً خيمة لأهل السنة يعني: يتكلمون فيها، وبيان الأمر والنهي يعني: أنه لا بد من طاعة الله وتوحيد الله عز وجل وما إلى ذلك، فهل لهم أن ينصبوا الخيمة في هذا المكان مع أنها وسط خيام الصوفية وغير ذلك، هذا بالنسبة للخيمة نفسها؟

فأجاب: "فهمتُ كلامك الآن، أنت تريد أن تقول: إن عندكم أناساً مبتدعين، بدعتهم غليظة جداً، وأناساً غير مبتدعين، بل هم ملتزمون بالسنة؛ لكن ينصبون خيامهم عند خيام هؤلاء لجذب الناس، أو لحماية الناس عن البدع الغليظة التي يفعلها هؤلاء، فهذه المسألة تَجاذَبَها شيئان: الشيء الأول: بدعة، وهذا يقتضي أن تُمْنَع، وأنه لا يجوز لأهل السنة أن ينصبوا خياماً لهذه البدعة. ] قلت: هذه مفسدة المشاركة في المكان [، الثاني: حماية عن بدعة أعظم، ] وهذه مفسدة وقوع الناس في البدع الشركية [، وحينئذ نقول: لا بأس؛ لأن صد الناس عما هو أعظم بما هو أخف من الأمور المطلوبة شرعاً؛ لقوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)، ولأن أهل السنة لو لم يفعلوا ذلك لشنَّع عليهم هؤلاء، وأقاموا عليهم العامة، وقالوا: هؤلاء لا يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام، والعوام هوام، لا تعرفهم. ] وهذه مفسدة تؤول وتترتب من ترك المشاركة [، فإذا قالوا: نحن نفعل ذلك لنذكر الناس بأحوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وغزواته وجهاده ودعوته بدون غُلُو؛ لنحميهم عن البدع الكبيرة التي قد تخرجهم من الدين، ولندفع عن أنفسنا التهمة التي يجعلونها علينا، فينفِّرون الناس من الحق بهذا. أقول: لعل هذا إن شاء الله من الأمور المباحة إذا لم يمكن الطريقة الأخرى وهي: أن لا نشاركهم في خيامهم، ] يقصد الشيخ أن ننكر عليهم دون مشاركة في مكان خيامهم، حتى تكون المصلحة خالصة لا راجحة [، فإن أمكنت هذه بدون ضرر فهذا هو المطلوب. السائل: هل يحق لغيرهم -يعني: لغير الآمرين- أن يذهبوا إلى هذه الخيمة؟ مع العلم أن هذه بدعة وكذا؟ الشيخ: لا يذهبوا، نحن نتكلم عن نصب الخيمة، وأما غيرهم فلا يذهبوا؛ ] حتى لا يتعدى أثر المفسدة [، لكن من رأوه ذاهباً إلى الخيام التي فيها المفسدة الكبيرة يدعونه]حتى لا تقع مفاسد أعظم بسبب منعهم [، لقاءات الباب المفتوح، (131/23).


خاتمة: في ضوابط تطبيق ما سبق من قواعد:

تقرر أن الشريعة مبناها على جلب المنافع، ودفع المضار، وعند تزاحم المصالح والمفاسد يراعى تقديم أقواها من جهة الدليل، والرتبة، والأثر، ومراعاة مقصود الشارع، وعدم تذرعها إلى مفسدة أرجح حالاً أو مآلاً، وينبغي مراعاة ما يلي:

(1) سؤال الراسخين في العلم، فالراسخ في العلم هو الذي يستحضر ما تأمر به الشريعة وما لا تأمر به، قال الشاطبي رحمه الله: "إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه منها"، الموافقات، (4/105-106).

 

وعلى طالب العلم أن ينمي هذه الملكة الفقهية فيه، ومن طريقه لذلك الاعتناء بعلم القواعد الفقهية، وعلم الجمع الفرق، والاعتناء بالأشباه والنظائر، وفي ذلك يقول د. يوسف العالم: "فإذا كان فهم أصل الشريعة يخلق الملكة القوية في معرفة المصالح والمفاسد المقصودة للشارع؛ فإن ذلك لا يتم إلا باستقراء تصرفات الشارع، وباستقراء الجزيئات يمكننا أن نصل لمقصد كلي للشارع، والاستقراء نوعان؛ لأنه إما أن يكون استقراء للأحكام، وإما أن يكون استقراء لأدلة الأحكام"، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ص(115)، ومنه كذلك ما نصح به ابن خلدون رحمه الله، قال: "فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها"، المقدمة، ص(498)، وقال أيضًا: "أيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يقرب شأنها"، ص(377).

 

(2) اعتماد الاجتهاد الجماعي للوصول إلى النظر الصحيح، والبعد عن نوازع الإقرار بالمصالح الموهومة استجابة للواقع، أو رد المصالح المتحققة لضعف التجربة.

 

ومن أدلة الضابطين السابقين: سنة الفاروق عمر – رضي الله عنه -، فقد كان يسأل عن رأي الراسخين في العلم؛ فإن لم يجد جمع الصحابة – رضي الله عنهم - واستشارهم؛ فكان – رضي الله عنه - إذا أعياه أن يجد حكم مسألةٍ في الكتاب والسنة؛ سأل هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر – رضي الله عنه - قضاء قضى به، وإلا جمع علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به.

 

(3) التنبه إلى أن الفتوى في زمانٍ قد لا تناسب آخر، أو في مكان قد لا تنطبق على غيره؛ لأن الفتاوى المبنية على اعتبار جلب المصالح ودفع المفاسد والأعراف تتغير بتغير موجبها، ينظر: لقاءات الباب المفتوح، (225/27).


(4) ضرورة الإلمام بواقع الناس، وحاجات العصر، واستشراف المستقبل، مع ضميمة معرفة الشرع، قال ابن تيمية رحمه الله: " من لم يعرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح"، قاعدة في المحبة، (1/119).

 

(5) وليعلم أخيرًا؛ أن هذا الباب من مسائل الاجتهاد التي يدور فيها المتأهل بين الأجر والأجرين، ولا ينكر فيها على المخالف ما دام صحيح المسلك، وأكثر أحكام هذا الباب ظنية الدلالة لا قطعية، وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: "والوقوف على تساوي المفاسد وتفاوتها عزَّة لا يهتدى إليها إلا من وفقه الله تعالى، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب"، قواعد الأحكام، (1/29).



[1] هو محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين، أبو عبد الله التميمي، ولد بعنيزة في سبع وعشرين من رمضان سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف، كان عضوًا بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، نفع الله بعلمه ومؤلفاته، ومنها القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، والشرح الممتع على زاد المستـقنع، توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وألف، تنظر: مقدمة مجموع فتاويه، (1/9-13) .

[2] ينظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص(189)، والشرح الممتع، لابن عثيمين، (7/244) .

[3] ينظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص(184)، واستثنوا أشياء، وقواعد ابن رجب الحنبلي، (1/130).

[4] ينظر: المصدر السابق، (1/132)، ويراجع أيضًا: جامع أحكام القرآن، للقرطبي، (20/68-69) .





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قرائن الترجيح
  • شروط الترجيح بين الأدلة
  • شروط الترجيح وقرائنه

مختارات من الشبكة

  • نشأة القاعدة النحوية وتطورها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المختصر في القواعد الأصولية وتطبيقاتها لعبدالله بن صالح منكابو(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعريف القاعدة الفقهية لغة واصطلاحا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القواعد الأصولية: تعريفها، الفرق بينها وبين القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة القواعد والضوابط المفيدة في مسائل وقضايا المنهج والعقيدة (1) قواعد منهجية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أنواع القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قواعد قرآنية: 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة القواعد من المجموع المذهب في قواعد المذهب(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
أبو إسماعيل 30-08-2016 08:30 PM

شكر الله للباحث، فقد أجاد وأفاد، وتبدو على بحثه ملامح الجهد المبذول فيه

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب