كتاب السيرة والمغازي: محمد بن إسحاق (ت 213هـ / 828م)

كتاب السيرة والمغازي:
محمد بن إسحاق
(ت 213هـ / 828 م)

هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، وقيل: يسار بن كوتان - المطلبي بالولاء، المديني نسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أدرك ابن إسحاق بعض الصحابة ممن طالت أعمارهم؛ فقد رأى أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمَه المشهور رضي الله عنه، وتتلمذ على كبار التابعين، ومن أعيان علماء المدينة المنورة وفقهائها المعدودين المشهورين، ومنهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأبان بن عثمان بن عفان.

وهو أشهر تلاميذ الزهري على الإطلاق؛ فهو محمد بن إسحاق المتوفى سنة 151هـ (768م)، وهو من أصل فارسي، كان أبوه شغوفًا يجمع الأحاديث، وعنه ورث محمد بن إسحاق هذا العلم منذ الصغر، وقد أقام ابن إسحاق بالمدينة واتصل بكبار علماء عصره، مثل: عاصم بن عمر بن قتاده، والزهري، وهما من أبرز أساتذته، ولم يكتفِ بذلك، بل رحل إلى مصر وإلى العراق بغية جمع الأخبار والاستزادة من المعارف، واتصل في الحيرة بالخليفة المنصور الذي يقال: إنه طلب إليه تأليف كتاب منذ خلق الله تعالى آدم حتى زمنه، فألف كتابه في المغازي، ولكنه لم يصل إلينا كاملاً، وإنما وصل إلينا مختصرًا في سيرة ابن هشام المشهورة؛ حيث قام ابن هشام ببعض التعديلات فيه والاختصار كما فعل بالمدونات الأخرى.

الكتاب:

ويرجح أن كتابه في الأصل انقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ- المبتدأ: وفيه تعرض لتاريخ الرسالات قبل الإسلام وتاريخ الجاهلية، وقد تناول ابن هشام هذا الجزء أكثر من غيره بالحذف، ولا سبيل إلى الاعتماد على ابن هشام وحده لمعرفة مضمون هذا القسم، ومن حسن الحظ أن الطبريَّ حفِظ لنا جانبًا كبيرًا منه، كما حفظ لنا الأزرقي أخبارًا متفرِّقة تتعلق بتاريخ مكةَ القديم.

ب- المبعث: وقد أفرده لِحياة الرسول الكريم حتى السنة الأولى للهجرة، مبتدئًا بحياته في مكة، ثم هجرته وبداية استقراره بالمدينة.

جـ- المغازي: وقد أفرده لحياة الرسول في المدينة وغزواته حتى وفاته صلى الله عليه وسلم.

ويعد ابن إسحاق أول مَن عالج حياة الرسول بطريقة يميزها التسلسل الفني المتسلق، ووسَّع مضمون السيرة فضمَّنها تاريخ الرسالات والأنبياء المتقدمين، كما عُنِي بكتابة الأخبار العامة موحدة من الروايات المختلفة، فضلاً عن أنه لا يكتفي برواية الأخبار، بل يقف معقبًا على الحوادث، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للكتابة التاريخية.

ويذكر ابن النديم وياقوت أن ابن إسحاق ألف كتابًا آخر يكمل به التاريخ الإسلامي سماه: "كتاب الخلفاء"، ولكن لم يصل إلينا منه سوى فقرات حفِظها لنا الطبري تخص حوادث وقعت في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي، ويبدو أنه كان موجزًا، تناول فيه ابن إسحاق المغازي أيضًا، وحيث إن ابن إسحاق ينتمي أصلاً إلى أهل العراق كما أخذ عن الكثيرين من الرواة الذين عاشوا في العراق، فإن البعض يميل إلى اعتبار روايته تمثل إلى حدٍّ ما ما يسمى بالمدرسة العراقية، وهي تختلف بطبيعة الحال عن المدرسة المدنية التي يمثلها الكتَّاب السابقون، كما تختلف عن المدرسة اليمنية التي يمثلها وهب بن منبه ومهما يكن من أمر فإن لابن إسحاق الفضل في الجمع بين أساليب المحدثين والقصَّاص وكتابة السيرة بأفق أوسع وتفكير أرحب من تفكير سابقيه ومعاصريه.

قبل أن نطوي الحديث عن ابن إسحاق ينبغي أن نشير إلى الرجل الذي حفظ هذا الجزء من سيرته، وأعني به ابن هشام، وهو أبو محمد عبدالملك بن هشام، وأصله من البصرة، وعاش في مصر، وألَّف في أنساب حمير وملوكها، وله كتاب في شرح ما وقع في أشعار السير من غريب، وتوفي سنة 213هـ أو 218 هـ، وقد أخذ عليه البعض ما فعله بسيرة ابن إسحاق، وقالوا: أما كان أولى به أن يترك سيرة ابن إسحاق وغيره من مؤرخي السيرة، لكن على الرغم من التغيير الذي أجراه ابن هشام في مواضع كثيرة منها، فإنه صرح في غير مواربة بما حذفه من النص الأصلي، فضلاً عما قام به من التصحيحات والإضافات، وخاصة في الأنساب واللغة، وكان دائمًا ينبه على ما يضيفه، ويشير إلى ما يحذفه دون أن يغير في النص الأصلي.