• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / خطب الحج
علامة باركود

الأعمال العشر لعشر ذي الحجة (خطبة)

الأعمال العشر لعشر ذي الحجة (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2022 ميلادي - 30/11/1443 هجري

الزيارات: 207672

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأعمال العشر لعشر ذي الحجة

 

الخطبة الأولى

الحمدُ لله الذي دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛ ليشهدوا منافعَ لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، نحمَده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارْضَ اللهُمَّ عن آله، ومَنْ دعا بدعوته، وعمل بِسُنَّتِه، ونصح لأُمَّته، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

ألا يا باغِيَ الخيراتِ أقْبِل
إلى ذي الحجَّة الشَّهْر الحَرامِ
به العَشْرُ الأوائلٌ حِينَ هَلَّتْ
أحَبَّ اللهُ خَيْرًا للْأنامِ
بها النَّفَحاتُ مِنْ فَيْضٍ ونُورٍ
وعرفات فَشَمِّرْ للصِّيامِ
بها النَّحْرُ الذي قد قال فيه
إلهُ العَرْشِ ذِكْرًا للأنامِ
بها الميلادُ يَبْدأُ مِنْ جَدِيدٍ
إذا ما القَلْبُ طُهِّرَ مِنْ سَقامِ
وبالحَسَناتِ فرِّجْ كُلَّ ذَنْبٍ
إذا شِئتَ الوُصُولَ إلى المرامِ
ألا يا باغيَ الخَيْراتِ أقْبِلْ
فإنَّ الشَّهْرَ شَهْرٌ للكِرامِ
إذا استهواكَ شَيْطانٌ فأدْبِرْ
ولا تَرْكَنْ إلى الفِعْلِ الحَرامِ

 

كان سلفُنا الصالح يُعظِّمون هذه الأيام ويُقدِّرونها حقَّ قدْرِها، قال أبو عثمان النهدي كما في لطائف المعارف: "كان السلف يُعظِّمون ثلاثَ عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحِجّة، والعشر الأول من المحرم"، وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم"، يعني: في الفضل، ورُوي عن الأوزاعي أنه قال: "بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها، ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة".

 

يا له من موسم يُفتَح للمتنافسين! ويا له من غبن يحيق بالقاعدين والمعرضين! فاستبقوا الخيرات يا عباد الله، وسارعوا إلى مغفرة من الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، وإياكم والتواني، وحذَارِ من الدَّعة والكسل.

 

وإليكم أيها الأحباب عشرة أعمال ينبغي للمسلم أن يُسارع إليها، وأن يكون من أهلها، فأعِرْني سَمْعَك وقَلْبَك:

 

أولًا: التوبة والاستغفار:

اعلم- علمني الله وإياك- أن أول الواجبات عليك أن تُجدِّد العهد مع الله تعالى بالتوبة والأوبة إليه حتى تدخل هذه الأيام عليك وأنت قد بدأت صفحةً جديدةً مع الله، قال الربيع بن خيثم لأصحابه: الداء هو الذنوب، والدواء هو الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.

 

قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]، فما هي التوبة النصوح أيتها الغالية؟! قال عمر رضي الله عنه: التوبة النصوح: أن يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود.

 

ثانيًا: الإمساك عن الشَّعْر والأظفار:

أخي المسلم الحبيب، إن كنت ممَّن وسَّع الله تعالى عليه، وأردت أن توسِّع على عباده بالأضحية، فعليك أن تمسك عن أظفارك وشعرك حتى يوم النحر، فمما يتجنَّبه من عزم على الأضحية: من دخلت عليه عشر من ذي الحجة، وأراد أن يُضحِّي، فلا يأخذ من شعره، وأظفاره حتى يُضحِّي في وقت الأضحية؛ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((‌إِذَا ‌رَأَيْتُمْ ‌هِلَالَ ‌ذِي ‌الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ))[1].

 

والحكمة في النهي: أن يبقي كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبُّه بالمحرم[2].

 

ثالثًا: الصوم:

ومن الأعمال التي شرعها سيد الرجال صلى الله عليه وسلم أن تصوم تسع ذي الحجة؛ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌يَصُومُ ‌تِسْعَ ‌ذِي ‌الْحِجَّةِ، ‌وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" [3]، فصُمْ هذه التسعة كلَّها وإياك أن تُضيِّع منها يومًا واحدًا.

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «((مَنْ ‌صَامَ ‌يَوْمًا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا))[4] ، ومع فضيلة هذه الأيام، على كل حال.. أنت الرابح!

 

حال السلف في عشر ذي الحجة:

عن الحسن البصري أنه قال: صيام يوم من العشر يعدل شهرين[5]، وعن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقَدْر غزوة في سبيل الله، يُصام نهارُها، ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة [6]، وقال عبدالله بن عون: كان محمد بن سيرين يصوم العشر- عشر ذي الحجة كلها- فإذا مضى العشر ومضت أيام التشريق، أفطر تسعة أيام مثل ما صام [7]، وقال ليث بن أبي سليم: كان مجاهد يصوم العشر، قال: وكان عطاء يتكلفها [8]، وكان عيسى بن علي بن عبدالله بن عباس يصوم هذه العشر[9].

 

رابعًا: الصدقة:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحَبُّ إلى الله؟ أي الأعمال أحَبُّ إلى الله؟ فقال: عنْ عبدِالله بنِ عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ [وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟]، فقال‌: ((أحَبُّ ‌الناسِ ‌إلى ‌اللهِ ‌أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحَبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعًا، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَةٍ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ- يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْرًا، ومَنْ كَظَم غيْظَهُ- ولو شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أمْضاهُ- ملأَ الله قلْبَهُ يومَ القيامَةِ رِضًا، ومَنْ مَشى مَع أخيه في حاجَةٍ حتى يَقْضِيَها له، ثَبَّتَ اللهُ قدَميْه يومَ تزولُ الأقْدامُ)) [10]؛ [رواه الطبراني، وصححه الألباني].

 

خامسًا: التسبيح والتكبير:

ومن الأعمال الروحية التي حثنا عليها خير البرية صلى الله عليه وسلم في الأيام العشر الإكثار من ذكر العزيز الغفار؛ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، ‌فَأَكْثِرُوا ‌فِيهِنَّ ‌مِنَ ‌التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)) [11].

 

كان السلف رحمهم الله يُكثِرون ذكر الله في هذه العشر:

فقد قال مجاهد: كان أبو هريرة، وابن عمر رضي الله عنهما يَخْرجان أيام العشر إلى السوق فيُكبِّران، فيُكبِّر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك [12]، وعن ثابت البناني قال: كان الناس يُكبِّرون أيام العشر حتى نهاهم الحَجّاج، والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم يُكبِّر الناس في الأسواق في العشر [13]، وعن مجاهد أنه كره القراءة في الطواف أيام العشر، وكان يستحب فيه التسبيح، والتهليل، والتكبير، ولم يكن يرى بها بأسًا قبل العشر ولا بعدها [14]، وعن مسكينٍ أبي هريرة: سمعت مجاهدًا، وكَبّر رجل أيام العشر، فقال مجاهد: أفلا رفع صوته؛ فلقد أدركتهم وإن الرجل ليُكبِّر في المسجد فيَرْتَجّ بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح، فيَرْتَجّ بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد[15].

 

ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام، ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي؛ حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده.

 

سادسًا: الإكثار من الدعاء:

معاشر المحبين للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم، ومن الأعمال التي أرشدنا إليها سيد الرجال صلى الله عليه وسلم الإكثار من التضرع والدعاء إلى الكبير المتعال جل جلاله؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [16].

 

قال ابن عبدالبر: «وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب» [17]، وتأملوا إلى أحوال السلف؛ وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي، وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!

 

ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء: قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إليَّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.

 

سابعًا: الأضحية:

إخوة الإيمان، ومن السنن الخليلية الواردة عن خليلي الرحمن إبراهيم ومحمد عليهما أفضل وأزكى الصلاة والسلام سنة الأضحية والحكمة منها التقرب إلى الله تعالى بها، إذ قال سبحانه: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وقال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، والنُّسُك هنا هو الذبح تقرُّبًا إلى الله سبحانه وتعالى.

 

ومن حكمها إحياء سنة إمام الموحِّدين إبراهيم الخليل عليه السلام؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلًا عنه، قال تعالى: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107].

 

ثامنًا: التوسعة على العيال يوم العيد:

ومن حكهما أيضًا إشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين لما يتصدق عليهم منهم، ومن حكمها شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].

 

عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحًى إِلَى البَقِيعِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: ((إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ))، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟ قَالَ: ((اذْبَحْهَا، وَلا تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)) [18].

 

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلْيُعِدْ))، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لا [19].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته، كما صليت ربنا على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

 

أيها الأحبة، ومن الأعمال التي دلَّنا عليها سيد الرجال صلى الله عليه وسلم:

تاسعًا: الحج والعمرة:

اعلموا- علمني الله وإياكم- أن من نفيس ما تتقربون به إلى ربكم جل وعلا في تلك العشر المباركة؛ الحج والعمرة لمن استطاع إليهما سبيلًا، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحَجُّ المبرورُ ‌ليس ‌له ‌جزاءٌ ‌إلَّا ‌الجنةُ، والعُمْرتانِ أو العمرة إلى العمرة يكفّر ما بينهما)) [20].

 

عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ، سَمِعتُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: ((مَنْ حَجَّ فَلم يرْفُثْ وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّه)) [21].

 

عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالْذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)) [22].

 

وإن كنا عباد الله قد حُصِرْنا عن البيت الحرام بسبب ذلك البلاء، فينبغي لنا أن نزداد شوقًا وهيامًا وغرامًا بدعوة إبراهيم عليه السلام، والله تعالى هو الغني الكريم يُعْطي المؤمن على قدر نيَّتِه.

 

عاشرًا: الإكثار من الأعمال الصالحات:

اعلموا- بارك الله فيكم- أن محبةَ اللهِ تعالى للعمل الصالح فيها تفوقُ محبتهُ سبحانه للعمل الصالح في غيرها، عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ)) قالوا: يا رسول الله، ولا مثلها في سبيل الله؟ قال: ((إِلَّا مَنْ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ)) [23]؛ أي: جاهد في سبيل الله ولم يرجع.

 

فأكثروا من الصالحات والمسابقة إلى الخيرات، واحذروا عباد الله من الوقوع في السيئات؛ ففي حديثِ أَبِي ذَرٍّ رضيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ، وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ)) [24].

 

حادي عشر: صلاة عيد الأضحى ومن أعمال عشر ذي الحجة صلاة عيد الأضحى المبارك:

إخوة الإيمان، ومن أعمال العشر صلاة العيد، ولكل أمة من الأمم عيد يعود عليها في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها وأخلاقها، فمن الأعياد ما هو منبثق ونابع من الأفكار البشرية المبتدَعة والبعيدة عن وحي الله تعالى، وهي أعياد غير إسلامية، وأما عيد الأضحى وعيد الفطر، فقد شرعهما الله تعالى لأمة الإسلام؛ ومما جاء في تفسير قول الله تعالى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا ﴾ [الحج: 67]، ما أورده ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: "منسكًا؛ أي: عيدًا".

 

ومن أهم مقاصد العيد عباد الله إعلاء شأن العقيدة والجهر بها في الطرقات والساحات؛ ليعلم العالم كله أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فالله تعالى عباد الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في ملكه، والله تعالى ليس له شبيه ولا نظير؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4].

 

الغنيمةَ الغنيمةَ بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، ولا تقدر بقيمة، المبادرةَ المبادرةَ بالعمل، والعجلَ العجلَ قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء محبوسًا في حفرته بما قدم من عمل.

 

يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري، أما آن لقلبك أن يستنير أو يستلين؟ تعرض لنفحات مولاك في هذه العشر؛ فإن لله فيه نفحات يصيب بها من يشاء، فمن أصابته سعد بها يوم الدين.

 

الدعاء.



[1] أخرجه مسلم (3/1565، رقم 1977).

[2] ذكره النووي. [مسلم: شرح النووي:13120].

[3] «مسند أحمد» (37/ 24 ط الرسالة)، «وأخرجه أبو داود (2437)، والنسائي 4/205 و220 و221، والبيهقي 4/284-285»، (صحيح أبي داود 2129).

[4] «مسند أحمد» (13/ 370 ط الرسالة)، «وأخرجه النسائي 4/172».

[5] الدر المنثور ج 8 /501.

[6] شعب الإيمان 3 / 355.

[7] مصنف ابن أبي شيبة 2 /300.

[8] مصنف ابن أبي شيبة 2 /300.

[9] المنتظم لابن الجوزي 7 / 353.

[10] أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج (ص 47، رقم 36)، الصَّحِيحَة: 906، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 2623.

[11] «مسند أحمد» (10/ 296 ط الرسالة)، «وأخرجه مسلم (580) (115)، والدارمي 1/308، وأبو عوانة 2/224- 225، والبيهقي 2/130، والبغوي (674)»

[12] أخبار مكة للفاكهي 3 / 10.

[13] أخبار مكة للفاكهي 3 / 10.

[14] أخبار مكة للفاكهي 1 / 225.

[15] مصنف ابن أبي شيبة 3 / 250.

[16] رواه مالك "1/422- 423"، في الحج: باب جامع الحج "246"، وعنه عبدالرزاق "4/378"، "8125"، والبيهقي "4/285"، "5/117"

[17] [التمهيد (6/41)].

[18] أخرجه البُخَارِي 2/ 20 (951) و 7/ 132 (5560).

[19] أحمد 4/312 و313، والبخاري "985".

[20] «مسند أحمد» (12/ 309 ط الرسالة)، «وأخرجه الحميدي (1002) ، ومسلم (1349)».

[21] مسند أحمد ط الرسالة (12/ 38) وأخرجه مسلم (1350).

[22] أخرجه أحمد (1/387) (3669).

[23] أخرجه البزار كما في كشف الأستار: (2/ 28، رقم 1128)، انظر صحيح الجامع: 1133، صحيح الترغيب والترهيب.

[24] أخرجه الترمذي (1 / 354) والسياق له والبخاري في " الأدب المفرد " (128)، وابن حبان (864).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل عشر ذي الحجة
  • وظائف ذي الحجة
  • فضل الحج وعشر ذي الحجة
  • عشر ذي الحجة وأوضاع الأمة
  • فضل عشر ذي الحجة
  • فضائل عشر ذي الحجة وبعض حكم الحج
  • أحكام عشر ذي الحجة

مختارات من الشبكة

  • أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض الأعمال في العشر من ذي الحجة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الأعمال الصالحة وعشر ذي الحجة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة(مقالة - ملفات خاصة)
  • تنبيهان حول تخير أفضل الأعمال الصالحة في العشر والحذر من موانع قبول العمل(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فضل الأعمال في الـ 10 من ذي الحجة(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل الأعمال في الـ 10 من ذي الحجة (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: العشر من ذي الحجة: فضائلها والأعمال المستحبة فيها(مقالة - ملفات خاصة)
  • العشر من ذي الحجة: فضائلها والأعمال المستحبة فيها (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب