• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / ثقافة عامة وأرشيف
علامة باركود

الصورة وانعكاساتها على ثقافة الإنسان المعاصر

الصورة وانعكاساتها على ثقافة الإنسان المعاصر
حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/10/2012 ميلادي - 14/12/1433 هجري

الزيارات: 95729

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصورة وانعكاساتها على ثقافة الإنسان المعاصر


تُعنى كلُّ ثقافة من الثقافات الوثنية أو البدعية برمز معرفي أو طوطمي، يَتَّخذ من الكائنات المقيمة في العالم الذي نعيش فيه جوهرًا يُلبسه صورتَه، ويَخلع عليه بعضَ أو جميع الخصائص التي تشرَّب بها كِيانُه، وقد عرَف الإنسان منذ بدايات التاريخ السحيقة كيف ينشئ الصورة، ويتفنن في مطابقتها للواقع الذي يصفه، أو يخترع من خلالها عالمًا جديدًا، سبق أن عاشه في أحلامه التي تداعب خياله، ولكنها لم تتخذ كرمز لثقافة بأسرها، كما اتخذت في عصرنا الراهن، بعد أن أضحت المفتاح الذي نستطيع بواسطته فتحَ جميع مغاليق بوابات المعرفة المعلوماتية، التي تشخص أمامنا في الفضاء المعلوماتي، الذي يضم بيئة الإنترنت ونسيجها غير المتناهي.

 

لقد غدا التداخل والتشابك الفني والعلمي، والمضمون الثقافي والسياسي - كثيفًا ومختلطًا، لدرجة بات علينا ضرورة فرز وتصنيف الأبعاد المختلفة التي تتحكم في صياغة خطابنا المعرفي المعاصر، ومع بزوغ فجر العصر الرقمي، والانفجار المعلوماتي، والاقتصاد المعرفي، يبدو أنَّ إشكاليات اليوم تتجاوز الحدود التقليدية إلى ما بعدها؛ لذا بات من الضروري التفكير بجدية في تجديد المصطلحات، وإعادة صياغة الإشكاليات.

 

لقد أضحى الإنترنت مفردة ثقافية عولمية، تستوعب جميع مفردات ثقافتنا المعاصرة، وتسخِّر التقنيات المعلوماتية السائدة فيها؛ لمعالجة هذه المفردات، وعرضها بلغة الخطاب المعلوماتي، الذي يسعى إلى تأسيس منطق توظيف الصورة كمفتاح سحري يجمع بين العقد المعلوماتية، التي تقطن بيئة شبكة الإنترنت، والوسط البيئي الذي يلتصق به المستخدِم من جهة أخرى؛ لكي يتواصل مع الفضاء المعلوماتي السحري، الذي بات يشكل الخزين المعرفي الشامل للمعرفة الإنسانية.

 

الخصائص الذاتية للصورة:

تسهم الصورة بوصف الأشياء والكائنات، التي تقطن في عالمنا التقليدي على الهيئة التي يرتبط بها وجودها الآني، وتستمد الصورة مادتَها من المعالجة التي تمارسها على مفردات الكون، ولا تنشأ كنتيجة حتمية للمفردات الكونية ذاتها، وعلى هذا الأساس فإن الصورة - بمعناها التِّقْنِيّ الخالص - هي عبارة عن حالة صورية مؤرخة، تختزل الواقع المنظور في قارِّيته، أو في حركته، بتجرد يطبع مفرداتها المنظورة.

 

تعمد الصورة إلى تكثيف المحتوى المعرفي للمادة التي تعالجها، من خلال تمثل ذهني خالص ضمني، أو معبر عن الذات التي تم تصويرها، وتشيح بوجهها عن دلالة المحتوى بعد أن تركز قدراتها على وصف المظهر الخارجي، الذي يزخر بأطياف لونية، وتضاريس تحاول أن تصفها بأدق تفاصيلها، وكما أن الخطاب المعرفي النصي يحاول أن يستأثر بمعالجة شريحة محددة من الحدث الذي يقتطعه من دائرة المتغير المعرفي الآني، كذلك فإن الصورة تحاول أن تجتزئ جزءًا محددًا من المشهد الكلي الذي يشخص أمامها، وتحاول أن توجِّه المشهدَ من خلال اختيار المنظور المناسب للدلالة المرئية، التي تريد أن تظهر بوضوح عند معاينتها.

 

وعلى هذا الأساس تنشأ خاصية الصورة، التي تسقط أطيافها اللونية على شبكية عيوننا المبصرة من محورين:

الأول: خاصية تنشأ عن تمثل تقني صرف، يجعل الصورةَ مخرجًا من مخرجات التقنية الرقمية، التي تفكك مكوناتها إلى سيل من النبضات الرقمية، التي تترجمها المعالجات الحاسوبية إلى صورة مرئية.

 

والثاني: خاصية تنبع عن ماهية المنظور المعرفي، الذي يحيل معنًى على الصورة من خلال الخلفية المفاهيمية التي يتمثلها الفرد أو الجماعة لذاته، أو للآخر الذي نريد إيصال خطابنا المعرفي إليه.

 

قد يبدو لأول وهلة غيابُ القاسم المشترك بين التقاء دلالة هذين المحورين أو تكاملهما؛ فلكل من المعنيين فضاؤه الخاص، ولكل منهما أدواته وسياقه العام.

 

أصناف الصور: تحليل أوَّلي للماهية:

عرَف الإنسان الصورةَ ضمن ماهيات مختلفة، فبدأ منذ أعماق التاريخ القديم ينسج تفاصيلَ الصورة بيديه، ويختار التدرج اللوني لتفاصيلها، من خلال منظور فردي، يحاول من خلاله بيان انعكاسات المشهد على ذاته، وطبيعة التجليات التي تسود كيانه عندما يبصر الشريحة المقتطعة من عالمه اليومي.

 

وقد تباينت أشكال البصمات الفردية للمصورين على صورهم، واختلفت المفاهيم التي وظفوها في وصف الصور التي تركوها لإخوتهم من الأجيال اللاحقة، ونلاحظ أن هذه الصور تضع أمامنا مستويين من المفاهيم المصاحبة:

أحدهما: ينشأ عن ماهية الفكرة، التي أراد المصور أن يقتنصها من سلسلة الأحداث اليومية المحيطة به.

 

والثاني: يتخفى وراء الأسلوب السائد في تشكيل المفردات التي عالجها، بعد أن طبع مع الألوان بصمة شحوب الفكرة أو بريقها، الذي أراد أن يلصقه مع مفرداتها؛ لكي تعبر عما يريد من الوصف الرسومي للمشهد الذي استأثر باهتمامه؛ أي بمعنى آخر هناك نوع من إعادة التشكيل أو التشويه المتعمد لحقيقةِ ما تعكسه الصورةُ من أرض الواقع، يحاول المصور من خلاله قسرَ الصورةِ على تقبُّل محمولات جديدة، تعبِّر عما يختلج بذاته المتأثرة بالمنظور، والمنفعلة به.

 

وفي عام 1859 وصف هولمز "Oliver Wendell Holmes" صنفًا جديدًا من عمليات التصوير، هي تقنية التصوير الفوتوغرافي، وعدَّها من أهم الإنجازات في عصره؛ لأنها تمنح للإنسان فرصةَ عزل مفردة محددة من الخبرة البشرية، أو قطعة معينة من نسيج الأحداث التي تلف بنا، أو حجر إحساس من الأحاسيس التي تداعب أرواحَنا في زمان ومكان محدد، ضمن قالب مرئي، مع محافظة المشهد على جزء كبير من الروح المصاحبة للحدث (Thoman,1992)، لقد عد عملية التصوير إخضاعًا للمادة الصماء "Conquest Over Matter"، وانتزاع جزء من ماهيتها في مشهد قابل للمعاينة خارج حدود الزمن الضائع، لقد تنبأ هولمز بحقيقة باتت لا تقبل ردًّا في وقتنا الراهن، عندما عدَّ ظهور فجر الصورة الملتقطة بدايةً لعصر جديد، تطغى فيه ماهيتها على ماهية الكائنات ذاتها، وأنها ستحيل الكائنات المقيمة في العالم الفيزيائي إلى أجزاء لا تستأثر باهتمام الكائن البشري، بعد أن أحكم قبضتَه على صورتها، فلم تبقَ لديه حاجةٌ بالجوهر.

 

وقد عادت جدلية ثنائية المفاهيم المقيمة في الصورة الملتقطة بقالب آخر ينقسم إلى محورين:

الأول: يتألف من وصف دقيق للمشهد، وَفق آلية لا تُعْرف؛ لتزييف المشهد المنظور معنًى.

 

والثاني: انتقاء زاوية للمنظور، يمكن من خلالها إخفاءُ تفاصيل منتقاة بعناية؛ لإضفاء معنى جديد يمكن أن نُقنع به المشاهِدَ بقناعات مزيفة، لا تصف المشهدَ الكامل للمنظور الذي يعكس المعنى الحقيقي للحدث الملتقط من خلال الصورة.

 

ولم تستطع الصورة الملتقطة أن تزيف الواقع الذي تلتقطه، حتى ظهرت تقنيات المعلوماتية، التي بدأت تفكك مكونات الصورة، وتعبث بخصائصها اللونية، فأحالتها إلى عجينة مطاوعة لجميع مستويات التعديل والتغيير، لم يَعُد هناك عقبةٌ لا يمكن تجاوزُها بواسطة البرمجيات المستحدثة، وأصبحت جميع بقاع الصورة قابلةً لعمليات الانتهاك والتحريف، بحسب حاجات المستخدم الجديد، وأهوائه المتقلبة.

 

ولم يقتصر هذا الأمر على الصور الثابتة، حيث امتدت تقنيات المعالجة الصورية إلى الصور المتحركة، فأنتجت مسوخًا مرعبة، وكائناتٍ فريدةً، كنا لا نجرؤ على تصورها في أكثر لحظات تخيلاتنا البصرية، وعمد الكثير من العاملين في الخدع المرئية إلى توليد كائنات صورية، تنازعنا القدرة على تمييزها عن الصور الحقيقية الملتصقة بجوهر المخلوقات، التي تلازمنا في حياتنا اليومية.

 

لقد نجحت الصورة بتوليد طيف غير متناهٍ من التدرجات الصورية المرئية، لمخلوقات شتَّى، بعضها يمكن أن نعدَّه مسخًا اختياريًا، يمزج بين الحقيقة وعبث الخيال البشري، وآخر يلجأ إلى توليد صور جديدة لمخلوقات مستحدثة، لم تألفها النفس البشرية؛ بَيْدَ أنها قد بدأت تتعود على التفاعل معها، بعد أن عجز الخيال المودع في نصوصنا عن اللَّحاق بركب الإنشاء الصوري المعاصر بواسطة تقنيات المعلومات وأدواتها.

 

لقد أصبحنا حبيسين بين قضبان حضارة صورية عابثة، لم تَعُد تحسب للتناسق الكوني في انعكاساته المرئية أيَّ حساب، وأصبحت كل توليفة مرئية من أجزاء صورية متناثرة مقبولةً ما دامت قابلة للإنتاج بالتقنيات المعلوماتية الصورية المعاصرة.

 

الصورة والخطاب الديني:

لم تنجُ الصورة من الهجمات التي وجَّهتها إليها الشرائعُ السماوية؛ فقد بدأ النصارى حملتَهم على تصوير الكائنات البشرية منذ فجر انتشارها الكوني، وما ينتج عنها من تقديس صور الأنبياء والقديسين، وقد وظَّفت هذا الأمرَ الفئاتُ التي تحارب التماثيل والأصنام الدينية Iconoclasts، بعد أن عززوا مذهبَهم بالقاعدة التي تقول بأن أي تبجيل موجَّه صوب صورة قِدِّيس أو حواري، تُعارض بصورة مطلقة الوصيةَ الثانية من الوصايا العشر، والتي تنص بوضوح على منع مثل هذه الأمور (Greg Niemeyer,etal.,2000).

 

وقد ذهبت طائفة إلى: أن الصورة المرئية هي جزء لا يتجزأ من ذات القديس، ولم يتم التعامل معها على أساس كونها محاكاةً فنيّة لمظهر الذات المنطبع على أعيننا، وقد نجحت الكنيسة البروتستانتية بالتغلب على هذا التيار، والذي يطلق عليه اصطلاح: [1] Bildersturm، على يد مارتن لوثر، الذي بيَّن في تعاليمه بأن الصورة هي عبارة عن وصف مجرد لصورة الذات التي تصفها، وأنه ليس ثمةَ رباطٌ وجودي بينها وبين ذات صاحبها، مهما كانت المكانة التي يتبوؤها، وبهذه الطريقة خرجت المعالجات الصورية لدى الغرب من ساحة الخلاف مع العقيدة، بعد أن أصبحت عبارةً عن وصف مرئي، يوظَّف لعرض فكرة من الأفكار، أو قالب من قوالب الكائنات الأرضية.

 

لقد أضحت الصورة - منذ هذه النقطة في الثقافة الغربية - مادةً لتبادل الآراء والأفكار، وتحوَّل دور المصور من حِرَفي ماهر، يحاكي الكائنات الموجودة حوله، إلى مؤلف يصنع أفكارًا مقولبة في أطر مرئية.

 

أما الدين الإسلامي الحنيف، فقد عالج مسألة الصورة بوضوح تام، وجعل تصويرَ المخلوقات ذات الأرواح، محاولةً لمضاهاة فعل الخالق، وهو فعل يتطلب النهي عنه بشدة في الدنيا، ويستحق العقوبة في الآخرة.

 

لم يُفرغ الخطاب الإسلامي الصورةَ من مضمونها المعرفي؛ بل شدد على دورها في تركيز مَلَكة النظر، وتوجيهها صوب آلاء الله - تعالى - وآياته التي أودعها في هذا الكون العجيب؛ ليجعلها تذكرة لأصحاب العقول السوية، والقلوب المبصرة؛ للسير نحو معرفة الله، والسعي إلى نيل رضوانه، بعد أن كانت هذه الصور المعجزة دليلاً ترتاح له العين، ويستأنس به القلب، ويقطع حجة العقل بالعصيان على الخالق المبدع، ومن جهة أخرى نهى عن التجليات الصورية التي تسهم في لفت الانتباه البشري، وتوجيهه نحو الالتصاق بمظهرها، بعيدًا عن الجوهر الحق، فنهى المصلي عن الصلاة وهي شاخصة أمامه؛ لأنها تلفت انتباهَه عن خطاب الله - تعالى - الذي يتوجه إلينا عند صلاتنا، وعدَّ مادتَها موطنًا خصبًا للنزعات الشيطانية، فأمر - صلى الله عليه وسلم - بتمزيق نسيجها، وتحويلها إلى رقع ممتهنة؛ لتغييب تأثيرها النفسي والروحي على المسلم، الذي يجاورها، وتلتصق بنفسه فتنتها الآسرة.

 

الانتقال من خطاب اللغة إلى خطاب الصورة:

استخدم الإنسان الخطابَ الطبائعي، الذي قسم مفردات الكون إلى الطبائع الأربعة: (التراب، الماء، الهواء، النار) في بدايات رحلته العلمية، ثم تحول إلى الخطاب المادي (التركيبي/ التحليلي)، وبالغ في تقسيم الموجودات الكونية، بحيث بدأ يُنَقِّب في أغوار سحيقة، تجاوزتْ حدودَ إلكترونات الذَّرَّة وبروتوناتها، فأصبحت الأرقامُ - مهما كانت طبيعة الوحدات الملحقة بها - هي المفتاحَ المعرفي الذي يصف كل ما حولنا.

 

وفي عصرنا الراهن جاءت الحضارة الرقمية وثقافتها، فتحوَّل العالم بجميع تفاصيله إلى توليفة رمزية من الصفر والواحد، وتجلَّى خطابٌ جديد يوظف الصورة في مد جسور التواصل بين المستخدم والعالم الرقمي، عبر السطح البيئي الذي يفصل بينهما.

 

وبنفس الطريقة بدأ الخطاب اللغوي يتضاءل تدريجيًّا، بعد أن برز الخطاب الصوري الذي لم يعد يفتقر إلى آليات اللغة، وقواعد النحو، وضوابط البلاغة والبيان؛ لتداول المفردة المعرفية، وضمان وصولها إلى آخر بدون تشويه في المحتوى أو الدلالة.

 

لقد تحوَّلْنا من النص إلى الصورة، بعد أن أسهم النص التشعبي Hypertext في تفكيك البنية التركيبية للنص التقليدي، وأقحم في نسيجه المؤثرات الصورية، التي ساهمت إلى حد كبير في غياب سلطة الخطاب المنطوق، على حساب سيادة المتغير المرئي، الذي تحفُّ به الفتن من كل جانب، فتسحر المستخدم، الذي بدأ يشيح بوجهه تدريجيًّا عن النص المنطوق، ويفضل الغوص في مفردات الصورة، التي لا تتطلب جهدًا، ولا معاناة معرفية للتحديق في مادتها.

 

لقد تحولت الخلفية المفاهيمية للخبرة من معاناة معرفية، ومجاهدة دؤوبة للتنقير عن معاني ودلالات مفردات النص، وسبر فحوى الخطاب، إلى مهارة وتقنية متقدمة، تفتقر إلى ممارسة ميكانيكية تسترشد بمفردات علمية متواضعة، تساعد المستخدم على التلقي من الآخر، أصبح الإنسان المعاصر متلقيًا يتيه في متاهات العقد المعلوماتية، ولم تَعُد له حاجة إلى معرفة يجهد نفسه في تركيب مفرداتها من هذا المورد وذاك، فتضاءلت مفرداتُ الثقافة، وتحولت إلى تحديق بما تشخص صورته أمامنا على شاشة الحاسوب.

 

لقد تحولنا من شمولية اللغة، والقدرة الكبيرة لخطابها على استيعاب المتغير الثقافي، ووصف مفرداته بالتفصيل، إلى الإدراك المرئي عبر سلسلة من عمليات اختزال المتغير الثقافي، وقولبته وفق منظور الوصف المتوجه نحوه، وتغييب تفاصيل المفردات المعرفية في زخرف المظهر اللوني الساحر، فبدأت مفردات اللغة تَنْسَلُّ من بين أيدينا، وبدأت البلاغة بالغياب عن خطابنا، بعد أن أصبحت دقة المشهد الصوري معيارًا لتحديد فحوى الخطاب المعرفي المصاحب للخطاب الصوري.

 

وسينشب عن الحالة الجديدة غيابُ أهمية اللغة، بوصفها رابطًا متينًا يلمُّ شتات المثقفين، ويجمع تصوراتهم للكون الذي يتعاملون معه، ويسهمون في تحليل مكوناته وسبر دلالاتها، وتوحد الجميع برباط الخطاب الصوري الذي لا يفتقر إلى أبجدية تختص ببلد دون آخر، الأمر الذي سيسهم في تقليص دور الهُوِيَّة الوطنية، ويبذر بذورًا جديدة، ستُنْبت مفاهيمَ غريبةً عن تراثنا وأصالتنا التي نستمد منها هويتنا المعرفية، وعمق خطابنا المعرفي.

 

وستتحول الثقافة إلى ثقافة نخبة من المتخصصين، الذين لا يشاركوننا الهموم الثقافية ذاتها، ويقطنون ضمن البيئة الافتراضية للعالم المعلوماتي، وسنتخلى جميعًا عن الثقافة التي كنا نعدُّها قُوتَنا اليومي، الذي يؤسس مفردات حياتنا وسلوكنا اليومي الذي نوظفه للتعامل مع الآخر، ولن نجد ثقافة وطنية؛ بل ثقافة عولمية بلا هوية.

 

إن الفيض الغامر من الصور التي تقطن في كل مساحات المواقع على الإنترنت، وزواياها المظلمة والمضيئة - هو الذي يجعل المخيالَ الإنساني العام، يتجه بقوة وسرعة نحو ما يمكن أن نسميه بحالة فقد الاتصال بمحددات الزمان والمكان، التي تعين الإنسانَ على الإحساس القوي بمعنى وجوده ووجود الآخرين من حوله، وفي زحمة السياق الصوري المكثف، تفقد الكلمةُ جاذبيتها وهيبتها، بعد أن أصبحت تابعًا للصورة، حتى لكأن اللغة لم تَعُد بيت الكائن، كما كان يقول الفيلسوف الألماني هيدجر؛ لأن الصور أصبحت حلمه ومتاهته، وإن كان البعض يمتلك من فرص ووسائل التكيف مع هذه الوضعية الثقافية "الصورية" بمعنى ما؛ وذلك لقدرتها على إدراك فحوى الخطاب الجديد، وحضوره في كل تفاصيل حياته اليومية، فإن المواطن العادي سيعاني أشدَّ المعاناة تجاه وضعية كهذه؛ لأن ثقافة هؤلاء الأشخاص لم تعد تسعفهم كثيرًا عندما يميلون نحو التفاعل بشكل متوازن مع معطيات الراهن الكوني وتحدياته، التي لا تخلو من أخطار جديدة، تضع مصير المفاهيم العَقَدية والفكرية التي يتبنونها في دائرة الشك والمعاناة.

 


[1] تعني باللغة الألمانية "زوبعة الصور Image Storm".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثقافة الصورة

مختارات من الشبكة

  • الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلاغة السرد .. أو الصورة البلاغية الموسعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دور الإعلام والصحافة في حوار الثقافات والحضارات وتحسين الصورة النمطية للإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة وأجمل هيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرق بين (السورة) و (الصورة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في النهي عن وصف الملائكة بقبح الصورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون العقدية: حديث الصورة (الجزء الثاني)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الأربعون العقدية: حديث الصورة (الجزء الأول)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الصورة الذهنية للعلاقة الزوجية عند الرجل(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب