• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

تقديم كتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر

 تقديم كتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر
د. محمد مطيع الحافظ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/2/2016 ميلادي - 2/5/1437 هجري

الزيارات: 12078

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تقديم: كتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر

للأستاذ الجليل الدكتور شكري فيصل رحمه الله تعالى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

يقول محمد مطيع: تعود صلتي بالأستاذ شكري فيصل رحمه الله إلى زمن بعيد؛ بدأَتْ عندما كان بين الحين والآخر يزور حيَّنا - حيَّ العقيبة - الذي نشأ فيه زمَن صِباه؛ ليتَّصل بكبار العلماء والأعيان، فقد كان مَقدِمُه يَلفِت الأنظار حقًّا، بما كان يلقى الناس به من البشاشة والكلام الطيِّب، وفي جامعة دمشق ازدادت صلتي به قربًا ومحبَّة، وأنسًا وإكبارًا؛ لما كان يتمتع به من علم وتواضع، فتقربت منه ونهلت من مَعين أدبه وفضله، هذه الصلة التي بدأَت تلمذةً أصبحت تلمذة وصداقة ومحبة.

 

وازددتُ منه قربًا بعد أن طلَبَني لأعمل في مجمع اللغة العربية بدمشق، وضمَّني إلى لجنة تحقيق "تاريخ دمشق" لابن عساكر، فبعد أن كنت تلميذًا عنده في دراسة الأدب، تتلمذت له في التحقيق وأصوله، والكتابة، فتعلمت منه أشياء كثيرة، ودفعَني إلى عالم التأليف والكتابة والتحقيق، فأمضيتُ في كنَفه سنواتٍ طويلةً مفيدة، كان فيها تفتُّحي وتخرُّجي، واستمرت الصلة معه حتى بعد سفَره إلى الجزائر ثم عودتِه إلى دمشق، وكذلك عندما يَمَّم وجهه شطر المدينة المنورة أستاذًا للدراسات العليا في الجامعة الإسلامية، وبقيتُ على اتصال مستمرٍّ أنهَل مما أكرَمه الله به من علم وتوجيه ورعاية.

 

وفي المدينة المنورة كان لقائي الأخير في بيته وفي ضيافته خلالَ مَوسم الحج لعام 1404هـ/ 1984م، وكان قد أخذ منه الإعياءُ مأخذَه، وأظهَر لي من المودة والإكرام آنَذاك ما لم أجِد منه مِثلَها من قبل، وكان هذا اللقاءُ لقاءَ مودِّع.

 

وفي هذا اللقاء كتَب تقديمًا لـ "تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع الهجري" الذي اشتركتُ في تأليفه مع أخي وصديقي الدكتور نزار أباظة، وكان ذلك من أواخر ما كتب؛ لأن قلمه توقف بعد ذلك وجفَّ مداده! وصعَقني النبأُ المؤلم الذي وافى أهلَه بدمشق ينعي أستاذنا الجليل الذي لم يتحمل جسمُه مَباضع الجراحين السويسريين، وتوقَّف القلب الكبير عن الخفقان ليلةَ السبت 17/ 11/ 1405هـ - 3/ 8/ 1985م، ونُقل من جنيف إلى المدينة المنورة في 10/ 8/ 1985م؛ ليرقد بجوار مَنْ أحبَّ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرام في بقيع الغرقد، مطمئنًّا مع الذين أنعم الله عليهم بهذا الجوار، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله خيرًا، وأسبغ عليه واسع رحمته.

 

وهذا نص التقديم:

قال الدكتور شكري فيصل رحمه الله:

تشدُّك إلى هذا الكتاب - وأنت تقرؤه - جملةٌ من القيم الكريمة السامية، تستبدُّ بك فلا تُفلِت منها أو لا تَكاد، وتنزلق بك في مسارك هينةً لينة موفَّقة من الكلام، وفي مَعارِجَ رفيعة من العمل، فإذا أنت متشبثٌ بكل ما في الكتاب، متصلٌ به، ماضٍ في قراءته، لا تكاد ترفع عينيك عن الصفحة التي تقرؤها إلا لتستقبل الصفحة التي وراءها، وإذا أنت واجدٌ نفسَك وقومك ووطنَك في صور أخرى هي من صميم بلدك، ولكنها ليست الصور التي تعوَّد الكاتبون أن يطلعوك عليها، وتعوّد الباحثون أن ينظروا إليها وأن يتوقفوا عندها.

 

وقد تَعجَب أن يكون هذا شأنُ كتابٍ في التراجم، والتراجم فنٌّ من فنون التأريخ، عرَفَته ثقافتنا العربية والإسلامية منذ أخَذ العرب والمسلمون يتَناولون التاريخ بالتسجيل، وجعلوا فيه مئاتٍ من الأسفار في سيرة أعلام من الرجال والنساء، من العلماء والفقهاء، والمؤرخين والقراء، والمفسرين والنحويين، والأخباريين وذوي السلطان والمتسلطنين.

 

ولكن عجبك هذا لا يلبَث أن يضمحلَّ حين تلاحظ أنه إذا كانت كتب التراجم جميعًا تشترك في أنها تكوِّن صورة العصر للَّذين تترجم لهم، وأنها تستعيد ملامح طوائفِ العلماء الذين تتحدث عنهم - فإن هذا الكتاب لا يُقنعه منك أن يَرسُم لك صورة العصر، وأن يخطط لك ملامحَه، وإنما يتجاوز ذلك إلى أن يصحح هذه الصورة، وأن يُعيد إليها ألوانها التي عمل التزييفُ على طمسها وامتصاصِ ألَقِها، وطمس رُوَائها، وجهد بعض الباحثين في تلوينها باللون الذي يشاؤون.

 

وهذه واحدة من أُولى القيم الرفيعة التي تكفَّل بها هذا الكتاب؛ فقد درَج الذين يكتبون عن هذه الفترات المتأخرة من تاريخنا المعاصر على أن يقولوا: إن هذه القرون كانت أقربَ إلى التأخر والانحطاط، وعزَوا إليها كل مظاهر الجمود والتأخر، وألبسوها كل سيئة من القول والفعل، وكانوا ينظرون في ذلك إلى جانب دون الجوانب الأخرى التي تصاحبه.

 

والحقُّ في كتابة التاريخ أو رصد ملامح بعض العهود أن يُراعي الباحث أمرين:

أحدهما: ألَّا يقنَع بالظواهر، وأن يحاول النفاذ إلى ما وراءها.

 

والآخر: أن ينظر إلى الواقع من جوانبه كلها، لا يَستبد به جانبٌ فيحمله على أن يطغى على الجوانب الأخرى وأن يغفلها.

 

إن الحديث أحيانًا عن الحاضر القريب، والثناء عليه، وتمجيد ما تمَّ فيه - كثيرًا ما يحملنا على إغفال ما كان قبله، وعلى تجاوُز الجذور التي انسربَت إلى الأعماق؛ لتُقدِّم لنا الثمرة الطيبة.

 

ومهمة الجذور تبقى دائمًا بعيدةً عن الأعين؛ لأنها لو برزَت إلى السطح لضاعت منها قوتُها الفاعلة، والتاريخ الحق إنما يتمثل في معرفة هذه الجذور، وإدراك ما وراءها.

 

وهذا الكتاب حين يَعرِض إلى علماء القرن الرابع عشر الهجري في هذه الرقعة من الأرض العربية هو بحثٌ عن هذه الجذور، ورؤية الثمار التي ننعم بها اليوم في صورتها الأولى؛ التي هي عملٌ في الأعماق، ونفاذٌ إلى ما وراء السطح، وتكوين للثمرة بعيدًا عن المظاهر.

 

وتُدركك هذه القناعةُ وأنت تقرأ هذا الكتاب، أو تتوقف - لو استطعت التوقف - عند نماذجَ منه، ويستقرُّ في نفسك أن الذي ننعَم به في الجو الثقافي مَدين في جوانبَ كثيرة منه إلى هذه النماذج من العلماء؛ بالمعنى الذي كانت تُستعمل فيه هذه اللفظة آنذاك ولا تزال.

 

وهي النماذج التي كان نشرُ المعرفة هدفَها الأول، تَنذر له ذاتها، وتَقصُر عليه جهدها، تبدأ به وتنتهي إليه، تنطلق من أجله وتتوقف عنده؛ لأن هذه المعرفة متساوقةٌ في رحلتها مع رحلة الحضارة التي بدَأها الإسلام في آيته الأولى بلفظة: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1].

 

كانوا يَحرصون على أن يُشِيعوا هذه القراءة في كل مِصْر وقرية، وفي كل حي وبيت، في بيوتهم أو في أبنية التعليم، في المدارس القديمة التي جدَّدوها، وفي المدارس الجديدة التي بنَوها، في أنفسهم كانوا يقرؤون، ولغيرهم كانوا يَقرؤون، فُرادى كانوا يفعلون ذلك حينًا، وكانوا يصنعونه في عمل جماعي حينًا آخر... كانت المعرفة في حدودها التي توقفَت عندها في هذا القرن، وفيما يمكن أن تتفتَّق عنه بالمُدارسة والمطالعة والقراءة هي هدفَهم؛ فقد تحمَّلوا أمانة نشر العلم ومحاربة الجهالة بقدر ما تحملوا أمانة إذاعة المعرفة ومحاربة الظلم! كان المثل الأعلى عندهم متكاملًا من المعرفة والخير، ولم يكن خروجًا عن الجهل وتجاوزًا لظلماته قدرَ ما كان كذلك سعيًا وراء وَصْل ما انقطع من تاريخ هذه الأمة، ومن سيرتها في دروب الثقافة، وإحياءً لكل ما كانت عُنيت به من ضروب المعرفة! كانت - لا شكَّ - حركةَ إحياء، وكانت بدايةَ حركةِ استنارةٍ في محاولةٍ للوصول إلى التنوير.

 

إننا - لكي نُدرك ذلك بوضوح - في حاجةٍ إلى أن نتَمثَّل ما كانت عليه الحالُ لو لم ينهَض هؤلاء العلماءُ بكل هذه الجهود؛ كان عمَلهم في التعليم قبل أعمال الحكومات، وحين كانت الحكومات لا تملك إلا مدرسةً أو مدرستين في دمشق كلِّها كان لهم في كل زاوية مدرسةٌ، وفي كل مسجد ثانويةٌ، وفي كل حي ندوةٌ، وفي كل سوق في قلب الحياة التجارية ساعةٌ لطلب العلم، كانوا يجسِّدون فكرة: أنَّ طلب العلم فريضة، وأن الله إنما هَدى عباده حين وجَّههم إلى النظر في الكون، وحين طالبَهم أن يكونوا من ذَوي الألباب.

 

والحقُّ أن تَمثُّلَ مثل هذه الحقائق - التي يتكشَّف عنها ويقود إليها مثلُ هذا الكتاب - يحتاج إلى نوعٍ من التخيُّل يتجاوز الواقعَ، ويرتفع فوق ضغوطه وفوق ما يُخلِّف عندنا الإلفُ، وما تعاقب الباحثون على تأكيده وتعميقه.. نوعٍ من التخيُّل، يمثِّل لنا هؤلاء العلماءَ وهم يبدَؤون نَهارهم مع الفجر وقُبيل الفجر أحيانًا، وهم ينتَهون به مع الهزيع الأول من الليل! لا تَراهم وحدهم، وإنما هم في مِثل الحركة الدائبة بين العلم والتعلُّم، وبين المسجد والسوق، وبين طبَقاتٍ وأسنان من الناس يشدُّونهم دائمًا إلى المثُل العليا التي أبقَت الأيام في ذاكرة هذا الجيل.

 

إنَّ كثيرين من رجالاتنا الذين حمَلوا نهضتنا السياسية والاقتصادية، وقادوا جماعات الناس في دُروب الحرية، وعَمِلوا على إنقاذ الوطن مِن بَراثن الاستعمار، إنما نشَؤوا على أيدي هؤلاء العلماء وأمثالهم، وهؤلاء العلماء هم الذين نشَّؤوهم، ونفَخوا فيهم من روحهم التي حملَت ألقًا من ألق الحضارة الإسلامية والمعزة العربية، ومَنِ الذي ينسى المدرسة الكاملية، للعالم العامل كامل القصاب وأساتذتها وخرِّيجيها، أو مدرسة التهذيب الإسلامي للعالم المهذِّب محمود ياسين وحركة تجديد التربية والتعليم فيها، والمدرسة السفرجلانية، والمدرسة الأمينية، والمدرسة التجارية، ومدارس الجمعية الغراء، وعشرات من المدارس الأخرى تُواكبها وتعاونها، ومئات من الكتاتيب في هذه الأحياء لا نور فيها إلا نور القرآن؟!

 

ومن الذي يمكن أن ينسى رجالًا من رجالات الثورة مثل الشيخ محمد الأشمر، والشيخ صلاح الدين الزعيم؟!

ومن ينسى أفذاذًا من المربِّين الذين سلَكوا بالناس طريقَ الخير، وحفظوا عليهم السلوك المستقيم الذي هو عُصارة الحضارات، ومكَّنوا لهم من الحِفاظ على الجانب الأخلاقي من الأصالة العربية؛ من مثل الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ علي الدقر، والشيخ أبي الخير الميداني، والشيخ إبراهيم الغلاييني، والشيخ عطا الله الكسم؟!

 

ومن لا يذكر دائمًا بيوتاتٍ من بيوت العلم؛ من مثل بيت الحمزاوي والغزي والحلواني؟!

فإذا جاء مؤلِّفان في مطلع القرن الخامس عشر يتحدَّثان عن ذلك كله على نحوٍ غير مباشر، أو يُثيران الحديث عنه والانتباه إليه، ويؤرخان له بنوعٍ من التاريخ عن طريق هذه التراجم - فمعنى هذا أنه وُجد من يؤدي حقَّ الله وحق العلماء وحق هذه المجموعة التي حفظَت على الناس بهجة الإيمان، وكانت بداية الشعلة التي انشعبَت في شعبتين؛ شعبة كانت نورًا للجماعة العربية في هذه المنطقة، وشعبة كانت نارًا على أعدائها.

 

قلت: إن الكتاب يمثِّل جملة من القيم، هذه القيمة التاريخية التصحيحية تقع في الصميم منها.

ولكن الكتاب كذلك ينمُّ عن قيمة أخلاقية أخرى؛ هي قيمة الوفاء، وما أشدَّ ما أصبحنا نحتاج إلى خلق الوفاء، بعد أن تناكَر الناس بعضهم لبعض، وجهل بعضهم حق بعض!

 

إن هذا الوفاء الذي يمثله الحديث الشريف: ((ليس منَّا مَن لم يوقِّر كبيرنا ويرَحم صغيرنا))، أوشك أن يُنسى في خِضمٍّ من نموِّ الذات، وتضخُّم الأنا، وغلَبة النظر الضيق للذات الفردية، الجيل الحاضر يوشك أن يَنسى - إن لم يكن نسي فعلًا - فضل الجيل الذي سبَقه، والجيلُ الذي يأتي يوشك أن ينسى فضل الجيل الحاضر، و(الأنا) تَعصِف بالرؤوس والنفوس! على حين أن التاريخ حلقاتٌ تتسلسل واحدة منها إثر واحدة، والمجتمع أجيالٌ متعاقبة بعضها يَلي بعضًا، والحضارة لَبِنَات متماسكة يتكوَّن منها الصرح، وليس لِحَلْقة أو جيل أو لَبِنة أن تدَّعيَ لنفسها فوق الذي لها.

 

ومن هنا يأتي ما يكون من عملِ هذا الكتاب في نفسك؛ أن يُنمي فيها الشعور بالوفاء، والاعتراف بالجميل للَّذين تقدَّمونا على طريق بناء هذا المجتمع، في مرحلة التأسيس واستعادةِ عناصر الخير فيه، وإشاعتها في هذا الجيل في مِثل قوتها في الأجيال الزاهية من أجيال الحضارة العربية الإسلامية.

 

ويُصاحبك وأنت تقرأ الكتاب صورٌ من هذا الجهد الذي بذَله المؤلفان في تجميع مادته من هنا وهناك، وقد اندثر منها ما اندثر، وبقيت أطلاله المتناثرة دليلًا عليه، وتكوين الأصل من بقايا الطلل عمل شاقٌّ يدركه مَن عانى حركة البحث، ويقدره من قُدِّر له أن ينهض بالتأليف.

 

ولم تُقصَر المصادر التي استخدمها المؤلفان على ما هو مكتوبٌ أو منشور، وإنما عَمدا إلى إحياء المصدر الشفوي - على ما يُداخله أحيانًا من الحاجة إلى التثبت - فكانت له هذه المصادرُ الحية يسألونها فتُجيب، ويستنطقونها فتنطق، وما أشدَّ حاجتنا إلى مثل هذه المصادر الحية في كتابة صفَحات من تاريخنا العلمي أو الوطني أو التعليمي!

 

وبعدُ، فإن المؤلفَين حين يَقصُران الحديث عن علماء دمشق يُدركان كم كان جديرًا بهما أن تَكتمل لهما أدواتُ العمل حتى يشمل مُدننا كلَّها، أمصارها وقُراها، ومهما يَكُن من مكانة دمشق التي ركزَها شوقي عبارةً هي أدنى ما تكون صورة أدبية إلى تصوير الحقيقة الواقعية:

وعِزُّ الشرقِ أوَّلُه دِمَشقُ


فإنَّ ذلك لا يَعني دمشقَ بحدودها الخضراء، بقدر ما يَعني روح دمشق التي تتألف من هذه الروافد التي تأتي من الشمال والوسط والشرق؛ من حِمْص وحماة وحلب وتدمر، والقريتين ودير الزور واللاذقية، والتي تأتي كذلك من الجنوب؛ من القدس ونابلس وعمان والكرك وحيفا ويافا؛ لتكوِّن هذه الواحةَ التي اسمها الغوطة، وتُقيم هذا المِصْر الذي اسمه دمشق، وتَرتفع فيها هذه المآذن التي تتطلع كلُّ مئذنة منها إلى جهة من الجهات الأربع من رقعة هذا الوطن الصغير، وسط هذا الوطن الكبير.

 

إن دمشق هنا رمز، وأحسب أنه كذلك أرادها الباحثان! إنها هي الواجهة، وهي الروح، ولعل باحثِين آخَرين يعمدون إلى مثل ما عَمد إليه هذان المؤلِّفان الكريمان فيكشفون عن مثلِ ما كشفا، ويَدلُّون على مثل الذي دلَّا عليه، ويكون للمتقدِّم فضلُ السبق، وللمتأخر فضلُ تعلية البناء.

 

ومن المؤكد عندي أنَّ مثل هذه المادة الأولية حين تُجمع هنا وهناك، وحين تُصاغ في هذه الصورة ستَنتهي إلى حقيقة كبرى؛ وهي أن كثيرًا جدًّا من مظاهر نهضتنا المعاصرة لم تكن أثرًا لاتصالٍ بأجنبي، ولا بعثات خارجية، ولا مَدارس أجنبية جاءت من هنا وهناك، بقدر ما كانت من صَنيع أبناء هذا الوطن الذين خُلقوا من ترابه، وعاشوا على خُبزه الصَّافي وإدامه النقي، وفتَحوا عيونهم بدافع من الأصالة العميقة التي خلفَها الإرث العربي في العقول والقلوب والدماء، على قِيَمِنا وثروتنا الفكرية وسلوكنا الأخلاقي، وفتحوا أعين الناس عليها.

 

أما العوامل الخارجية فأُوشك أن أقول: إنها كانت في جملتها انحرافًا يَقترب أو يبتعد عن الصراط المستقيم، والخطوط السليمة في كتلة هذا الانحراف ضاعَت في الكتلة كلها، وإن لم تَخلُ من أثر.

 

وتلك - على كل حال - قضيةٌ أخرى، لا أريد أن أشغَل القارئَ بها قدرَ ما أريد أن أَلفِت إليها.

 

قلتُ في المقطع السابق: "وددت"، ولكني لم أستوفِ الإشارة إلى ما وَددت؛ ذلك أني وددتُ أيضًا لو أن المؤلِّفَين عمدا إلى تكوين صورة الحياة الثقافية والعمل للإحياء الثقافي.

 

وقد وقَعا على بعضِ ذلك في المقدمة حين تهيَّأ لهما أن يُصوِّرا بعض مراحل هذا العمل الثقافي لهؤلاء العلماء في الكتاتيب أولًا، ثم في حركة المساجد، ثم في حركة المدارس، وهي صورة ما أشدَّ حاجتنا إلى الإغناء والتفاصيل، ولكنهما لم يَقصدا في عملهما إلى كل شيء، وقد يكون حسبُهما أنهما بلَغا ما يقصدان إليه من الرصد والتسجيل، وإحياء الذاكرة وتنشيطها، ورفع الحجُب التي ألقَتها بعضُ البحوث والكتب والدراسات فوقها.

 

وكان لهما من الله حسنُ الجزاء، ومن العلماء حسنُ التقدير على عملٍ نستطيع أن نرى منه صورةً مُثلى من صور الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري.

 

ومن حسن الحظ أن يَصدر هذا الكتابُ في إطار السنوات الخمس الأولى للاحتفاء بهذا القرن الجديد الذي نأمُل أن تَلفَّنا فيه مشاعر الحب والصفاء، والتسامح والعفو والتجاوز، وتنمية الشعور بالمسؤولية التاريخية التي يجب أن يَحمل كل فرد منها ما يُطيق؛ حتى نستدرك في هذا القرن ما فات، ونُجدِّد ما يلي: ونَلحق بالرَّكب الإنساني المتقدم.

 

وبعد، جزى الله العامِلين - أيًّا كانوا، وأيًّا كانت مَواقعهم في وطننا هذا الذي يؤلِّف قلبَ الوطن العربي - كلَّ خير، ويسَّر الله أن نهتدي بمثل هديهم، وأن نُتابع بمثل خُطاهم في عزيمةٍ أشدَّ، وإيمانٍ أقوى، وفي تبصُّر وأناةٍ تتيح لنا أن نأخذ ما نأخذ عن بيِّنة، وأن ندَع ما ندعُ عن بينة.

 

اللهم ألهمنا رشدنا، وسدد خطانا على طريق الإلفة والمحبة والخير.

 

شكري فيصل

المدينة المنورة 26 ذو الحجة 1404هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التعريف بكتاب: موسوعة البيوتات العلمية بدمشق
  • شارع النصر بدمشق ( قصة إنشاء جمال باشا السفاح له )
  • التعريف بكتاب ( الأربعون النبوية في فضائل الشام ودمشق المحمية )
  • من أسر العلم في دمشق : آل المبارك وآل الحسني
  • التعريف بكتاب ( أعلام النساء الدمشقيات )
  • العلم والأدب في دمشق
  • المدرسة البادرائية في دمشق: تحقيق تاريخي
  • مقدمة الطبعة الثانية لكتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر
  • تقديم كتاب (علماء أضراء خدموا القرآن وعلومه) تأليف الدكتور عبدالحكيم الأنيس
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار
  • الشيخ أحمد النويلاتي (1285 - 1357هـ)

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة المصطفوي (كتاب فريد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • شرح كتاب الصيام من كتاب العمدة في الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي (600 هـ) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتابي: (الشهادات والدعاوى)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب