عرض كتاب: العادات العشر للشخصية الناجحة، للدكتور إبراهيم بن حمد القعيد

عرض كتاب:

العادات العشر للشخصية الناجحة

للدكتور إبراهيم بن حمد القعيد

يُقَدِّم الدكتور إبراهيم بن حمد القعيد في كتابه "العادات العشر للشخصية الناجحة" - أبرز المفاهيم والمهارات والاتجاهات المطلوبة لتحقيق السعادة، بطريقةٍ قد تكون - كما يقول المؤلف -: أكثرَ نضجًا وتفصيلاً ووضوحًا وتنظيمًا واحترافًا، فالنجاحُ - الذي ينشده الجميع - مجموعةٌ من العادات، ولكنها عادات عظيمة راسخة، يَتَطَلَّب بناؤها المزيد من الجهد والوقت، وتتطلب الصبرَ والتضحية والتصميم، وهذا سيضمن حُصُول النتائج المرجوَّة والحاسمة، التي قد تغيِّر نمط حياة الإنسان رأسًا على عقب، وتجعل المستقبلَ أمرًا واعِدًا، ومتميزًا ومختلفًا.

ولهذا يختلف كتاب د. إبراهيم القعيد: "العادات العشر للشخصية الناجحة" عن كتابه السابق: "دليلك الشخصي للسعادة والحياة"، الذي خرجت طبعتُه الأولى قبل سبعة أعوام، ففي كتابه: "العادات العشر" يُقَدِّم مزيجًا من الأفكار والمهارات، وعمق الخبرة والشمولية في النظرة والتحليل، فالكتابُ الأول كَتَبَهُ وهو يمارس العمل الأكاديمي أستاذًا في جامعة الملك سعود؛ ولذلك غلب عليه هذا الجانبُ، وطغتْ عليه المفاهيمُ النظرية، أما الكتاب الأخير، فقد مَزَجَ فيه بين الأستاذ الأكاديمي، والمنهج العلمي الموضوعي، وبين المهارة التي اكتسبها في معترك الحياة، وخِضَم العمل الخاص، بعد تقاعُده من الجامعة، وتفرُّغه لأكثر المجالات متعة وإثارة - على حدِّ تعبيره - وهو مجال الاستشارات والتدريب، وتنمية الموارد البشريَّة، التي هي ألزم ما يحتاجه عالمُنا الإسلامي اليوم، وتنفيذ الدورات التدريبية المتخَصِّصة، ونشْر الكتب في هذه المجالات.

فالانتقال من عمل إلى عمل، ومن محراب الجامعة والعمل الأكاديمي المنهجي إلى معتركِ الحياة العامة بآفاتها الواسعة، ومزيجها المختلط، بشرائح مختلفة منَ البشر، وأمزجة متنوعة، ومصالح مختلطة - يستوجب عملية تأهيل جديدة، وتغييرًا للدور التقليدي الذي مارسه المؤلف في أروقة الجامعة، وحلقات الدرس، وقاعات المحاضرات، والطموح كان العمل الاستشاري المتخصص، والمبني على أُسُس منهجيَّة، والمتسلح بالمخزون التدريبي الاحترافي من برامج التدريب على مستوى العالَم؛ ولذلك لم تخلُ عملية الانتقال من طرافة وصعوبة في البداية، ولكن مع التصميم والصبر والمزيد منَ الجهد، تحقَّق النجاح المطلوب، وجاء هذا الكتاب ثمرة الجهد الكبير والعناء الطويل والبحث المتعمق.

وكتاب: "العادات العشر للشخصية الناجحة" يتناول "الوسائل والآليات المطورة لتحقيق النجاح والتفوق في مجال العمل والحياة الخاصة"، وطبقًا لعنوان الكتاب كانت فصوله عشرة، وقد بدأ المؤلف بالتمهيد للكتاب، وكيف تَطَوَّرَ فكر المؤلف، ومرحلة الانتقال من الأكاديمية إلى الاحتراف.

ثم يتناول بعد ذلك قاعدة الانطلاق إلى أي عمل ناجح، والأسس التي يجب الارتكاز عليها، وإطارات النجاح، والعادات العشر للشخصية الناجحة.

ويُحَدِّد الكاتبُ العادات العشر للشخصية الناجحة في "السعي للتميز"، و"تحديد الأهداف"، و"ترتيب الأولويات"، و"التخطيط"، و"التركيز"، و"إدارة الوقت"، و"جهاد النفس"، و"البراعة الاتِّصالية"، و"التفكير الإيجابي"، و"التوازُن"، ويقدِّم المؤلف نماذج عملية لممارسة هذه العادات وكيفية تطبيقها.

• الاهتمام المُبَكِّر:

يقول الكاتبُ: لقد بَدَأَ اهتمامي بأفكار هذا الكتاب منذ وقت مبكِّر، فعندما كنت طالبًا في المرحلة الجامعيَّة بجامعة الملك سعود، بداية التسعينيَّات الهجرية - السبعينيَّات الميلادية - وقع في يدي كتابان: "كيف تكسب الأصدقاء، وتؤثِّر في الناس"، و"دع القلق وابدأ الحياة"؛ للكاتب الأمريكي المشهور ديل كارنجي، وكغيري من الشباب الباحث عن السعادة والنجاح، قرأت الكتابين واستوعبتُ ما يحملان من معانٍ، فأعجبتُ بهما، ولكن لم أكن متأكِّدًا من أنهما سيجلبان السعادة والنجاح.

ومن حُسن الحظ أنني عثرت على رسالة صغيرة؛ للشيخ الجليل عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - وهو من أبرز علماء نجد، وكان عنوان الرسالة: "الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة"، ويصف د. القعيد هذه الرسالة: "إنها أجمل ما كتب بالعربية في مجالها، وإن كانت صغيرة"، ولكن قرأتها مرات ومرات، وأعجبت بها أيما إعجاب.

• بين كارنجي والسعدي:

وبدأت مفاهيم كارنجي والسعدي تُؤتِي أكلها في نفس الكاتب، وتؤثِّر فيه؛ مفاهيم ومبادئ السعدي اختمرتْ في الذهن، وأطروحات كارنجي وطريقته في عرض الأفكار فتحتْ آفاقًا جديدة أمام الكاتب، والاثنان وهَمَّهما الأول والأخير: "كيف يحقِّق الإنسانُ السعادة والنجاح"، وقد انْصَبَّ اهتمام كارنجي في معالجته على الآليات والطرق والأساليب التي تؤدي إلى النجاح، وتجعل الإنسان في حياته وتعامُله مع الآخرين مؤثِّرًا وفاعلاً.

أما الشيخ ابن سعدي، فكان تركيزُه منصبًّا على الغايات، والأهداف الكبيرة في الحياة، وربط ذلك بقضية الإيمان بالله، والعبودية الحقَّة، والهدف الرئيس من حياة الإنسان على الأرض، وهو تحقيق سعادة الدارين: سعادة الدنيا، وسعادة الآخرة.

• الابتعاث والانفتاح:

وجاءتْ فترة الابتعاث للمؤلف إلى الخارج؛ لاستكمال دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكث في مجتمع مفتوح متلاطم الأمواج ست سنوات، ويحاول الاقتراب من هذا المجتمع ومعرفة أسباب تقدُّمه، ويقارن بين مفاهيم "كارنجي" ومبادئ "ابن سعدي"، ويدرك تمامًا أن القضية ليست في الاختلاف بين كاتبين؛ أحدهما: ينتمي إلى منطقة جغرافية وحضارة، والآخر إلى جغرافيا وحضارة مختلفة، فالاختلاف والتبايُن بين مفهومين وحضارتين ونظريتين مختلفتين للكون والإنسان والحياة، فابن سعدي يمثِّل بقوةٍ الحضارة الإسلامية، ومفاهيمها ومرتكزاتها، ونظرتها الإصلاحية للحياة والكون، وتواصل السَّعي في الدُّنيا بالآخرة، وارتباط هذا بالهدف منَ الخلق، أما كارنجي فإنه يمثِّل الحضارة الغربية المادية، وارتباط أهدافها بالسعي من أجل الدنيا، وما يقرب أهدافها من قول أو عمل.

فالإيمان عند ابن سعدي أعظم الأسباب التي تؤدي إلى النجاح والسعادة، وأساسه الإيمان بالله والعمل الصالح، والمؤمن سعادتُه في الإحسان إلى الخلق والاشتغال بالعمل النافع المُفيد، والإكثار من الذكر، والتحدُّث بنعم الله، والسعي في إزالة أسباب الهموم، وقوة القلب وعدم انزعاجه.

أما كارنجي فتتمحور مفاهيمه حول ثلاثة: لا تنتقدْ، أو تستنكرْ، أو تشتكِ، وإعطاء استحسان أمني، وحفز الآخرين وتشجيعهم، ثم يُقَدِّم بعض الطُّرق والأساليب التي تقرِّب الإنسان إلى الناس، والتأثير فيهم وكسب وجهة نظرهم إلى وجهة نظرك، من خلال الاهتمام بهم والابتسام لهم، والاستماع الجَيِّد لما يقولون، وتجنُّب الجدل، واحترام الآخرين، والاعتراف بالخطأ، والتعاطف مع الآخرين.

• تفريغ القيم:

وينْتَقِد د. القعيد أُطرُوحات كارنجي والمفاهيم الغربية بصفة عامَّة؛ لأنها - على حدِّ قوله - مفرَّغة من القِيَم، وتركز على الوسائل والآليات التي تساعد على النجاح والسعادة المادية؛ ولذلك فطن كثيرٌ من الفلاسفة والكتَّاب الغربيين إلى قصور النظرة الغربية في تحقيق هذه السعادة، ويورد وجهة نظر ستيفن كوفي في كتابه: "العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية"، حيث يقول: "إن تحليلي لما كتب خلال السنوات الخمسين الماضية في العالم الغربي يوحي أن أغلب ما كتب تشوبه السطحية، ويقدِّم وصفاتٍ مهدئةً سهلة، جاهزة للتعامُل مع مشكلات ضخمة، وهذا لا يسهم في حل هذه المشكلات إلا بصفة مؤقتة، والنتيجةُ أن هذه المعضلات تعود مرة أخرى لتظهرَ على السطح".

ويعتبر كوفي أن الكتَّاب الغربيين عندما يعترفون بأهمية الأخلاق في النجاح، يعتبرونها جزءًا فقط، وليست القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها البناء، وهذا الذي جَعَلَ الحديثَ عن الأخلاق أمرًا مظهريًّا، بينما التركيزُ مُنصَبٌّ على الأساليب السريعة الجاهزة؛ لتعزيز القوة الشخصية والتأثير في الآخرين بمهارات الاتصال، واتجاهات التفكير الإيجابي.

• كيف نستفيد؟

أما السؤال الذي شغل الدكتور/ إبراهيم القعيد في كتابه، فهو: كيف نستفيد؟ كيف نستفيد من هذا الكتاب، أو من أية فكرة أو عادة تحقق النجاح؟ ولذلك يطرح عدة طرق لذلك، تبدأ بالدراسة الفرديَّة، ثم الدراسة في مجموعات، ثم أخذ جرعات من الدورات المتخصِّصة في الموضوع، وبعد ذلك صقل هذه المعارف والمهارات بحُضُور المحاضرات العامة حول الموضوع.

وبصفة عامة: فالكتاب مزيج من الرؤية العلمية الأكاديمية، والمهارات والخبرات التي اكتسبها المؤلِّف في حياته الجديدة التي غامر فيها في بداية الأمر، ولكن بالصبر والجلد والمثابرة والجدية استطاع أن يجد له مكانًا متميزًا في عالمه الجديد.