قرأت لك: المنهج السلفي للدكتور مفرح القوسي

قرأت لك:

المنهج السلفي: تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه

تأليف الدكتور/ مفرح بن سليمان القوسي

إنَّ ممَّا بيَّنه الله - تعالى - في كتابه، وأرْشد إليه النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سُنته، وتواتر عليه اتّفاقُ الصَّحابة والتَّابعين وأهل العلم: الاعتصام بالفهْم الصَّحيح لمقاصد الوحي، وضبط قواعده وأُسُسه، وأرساه الصدرُ الأوَّل من السَّلف الصَّالح من آلات للفهْم والإدْراك، بها يتمكَّن المرءُ من الوقوف على حقيقة الإسلام في العقائد والعبادات، والمعاملات والسلوك، وغير ذلك من الأحكام الشَّرعيَّة، فعلى إثره يتبيَّن الحقُّ من الباطل، والسنَّةُ من البدعة، ووجهُ الإسلام من الوجوه التي أُلصِقت به وهو منها بريء، ويمكن التعبيرُ عن هذا المنهج باسم (المنهج السلفي)، ذلك المنهج الذي يُرادف الوجه الصَّحيح من قراءة الإسلام وفهمه كما فهمه الصدرُ الأول ومضت الأجيال على الاعتصام به.

ومرجحات كونه المنهجَ الحقَّ هي بناؤه على اعتِقاد وقول وفعل طائفة عاصرتِ الوحي، وعايشت التَّنزيل، ورضِي الله -تعالى- عنها، ومات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - راضيًا عنها مبلغًا بفضلها على مَن بعدها من العصور والقرون.

وفي هذا المنهج قرأت بحثًا نال به المؤلفُ درجة الدكتوراه، وهو الشَّيخ مفرح بن سليمان القوسي المدرس بكلية الشَّريعة بجامعة الإمام بالرّياض، وهي رسالة بالِغة الأهمّيَّة في بيان هذا المنهج وتاريخه وخصائصه، كما سيأتي الإشارة إليْه.

وهذه الرسالة وإن كانت قد نوقشت سنة 1420هـ إلاَّ أنَّها بالغة الأهميّة في عرض هذا المنهج، وبيانه، ومناقشة مميزاته، وموقفه من عدَّة قضايا، وسموّه على غيره، وإظهار قواعده وأسسه ومجالاته، وهذا يتبيَّن من خلال عرض عامّ للكتاب ومباحثه.

فالشَّيخ - حفظه الله تعالى - قد قسَّم الكتاب إلى:

1- مقدمة.

2- تمهيد.

3- بابين كلّ منهما احتوى على عدد من الفصول والمسائل.

فالمقدمة تعرَّض فيها الشيخ إلى:

1- أسباب اختيار البحث، وهي إجمالاً:

• كون المنهج السَّلفي يمثل الإسلام نفسه.

• سبب تعثُّر المسلمين المعاصر هو الانحراف عن هذا المنهج وفهْم الإسلام ومبادئه وأحكامه وعقائده.

• كون كثيرٍ ممَّن تكلَّم عن هذا المنهج من المستشْرقين أعداء الدّين.

ثمَّ ذكر خطَّة البحث وصعوبته، التي أرجعها إلى عنصريْن:

1- صعوبة التأريخ للسَّلفيَّة في فترة زمنيَّة طويلة من أوائل القرْن الثَّالث إلى عصْرنا الحاليّ.

2- سَعة موضوع البحث وتشعُّبه وكثرة مسائله.

ثمَّ ختم المقدمة بالكلام عن منهج البحْث الَّذي اعتمد فيه كما صرَّح بذلك على منهجَين:

1- المنهج التأريخي.

2- المنهج الوصفي.

وأمَّا التَّمهيد، فعقد فيه مبحثين:

1- حدَّد فيه مصطلحات البحث، فتعرَّض لمعنى "المنهج" و "السَّلف" لغة وشرعًا واصطلاحًا من خلال الفكر الإسلامي قديمًا وحديثًا، وفي الفكر الغربي، وذكر جملة من الشَّواهد والأدلَّة، ثمَّ بيَّن معنى (المنهج السَّلفي) كمركَّب إضافي.

2- تعرَّض فيه للمْحة تاريخيَّة عن المنهج السَّلفي، وذكر العوامل التي أثَّرتْ في تكْوينه وتشْكيله وتَمييزه عن غيره؛ مثل: وجود الفِرق، واتِّساع رقْعة الإسلام، وتفشِّي حالة الجهل بالعربيَّة، وترجمة الكتُب والثَّقافات الغربيَّة إلى العربيَّة، ثمَّ تعرَّض لمراحل نشْأة الفِكْر السَّلفي بمفهومه الخاصّ، مبيِّنًا ذلك في مختلف العصُر، وأبرز وأشهر عُلماء المنهج منذ عهد الإمام أحمد بن حنبل، مرورًا بزمن ابن تيميَّة، إلى الشَّيخ المجدّد محمَّد بن عبدالوهَّاب، إلى عصرنا الحالي، مع الإشارة لحالات الرّكود العلمي والتعصُّب المذهبي، وسبب ضعْف الخلافة، والمحن التي تعرَّضت لها الأمَّةُ، والحروب مع التَّتار والصَّليبيِّين، وأثر ذلك في المنهج والفِكْر السلفي.

ثمَّ في الباب الأوَّل ذكر مجالات المنهج السَّلفي، وبيَّن ذلك في ثلاثةِ فصول:

الأوَّل: مجال العقيدة، وقسَّمه إلى ستَّة عناصر:

1- توحيد العبادة.

2- الصفات.

3- التأويل.

4- القدر.

5- السلوك والتعبُّد.

6- الإمامة.

ثمَّ في الفصل الثاني ناقش موقف المنهج السَّلفي من مجال المعرفة، ممثّلاً في خمسة مباحث:

1- الوحي.

2- الحس.

3- العقل.

4- الفطرة.

5- الكشْف والرؤى.

ثمَّ ختم هذا الفصل بمنهج المعرفة عند السَّلف مبيّنًا في:

الآيات القرآنيَّة، قياس الأوْلى، قياس التَّمثيل، السَّبر والتَّقسيم، الاستِدلال بالمتَّفق عليه على المختلف فيه.

ثمَّ خصائص المعرفة لديْهم، وذكر فيها:

ارتباطها بالله - تعالى - من حيث المصدر والمحصّلة، اتّزان النَّظر إلى مصادر المعرفة، تكامُل الوحْي والعقل والحسّ، مسؤوليَّة الإنسان عن الحواسّ والملَكات الَّتي زوَّده الله -تعالى- بها، وضرورة الإقلاع عن الذّنوب والمعاصي لتحْصيل المعرفة الشَّرعيَّة.

وفي الفصل الثَّالث تعرَّض الشَّيخ إلى المنهج السَّلفي في مجال التَّشريع، وذكر الموقف السَّلفي من المصادر المتَّفق عليها والمختلف فيها.

وفي الباب الثَّاني الذي جعله على فصلَين:

الأوَّل في قواعد المنهج السلفي، وهي:

1- الاستِدلال بالآيات والأحاديث.

2- الاستِرْشاد بفهْم الصَّحابة والتَّابعين ومَن التزم بنهجهم.

3- اتخاذ الكتاب والسنة ميزانًا للقبول والرَّفض.

4- استخدام الأدلَّة المنطقية والأقيِسة العقليَّة المستنبطة من النصوص الشَّرعيَّة.

5- نفْي تعارُض النّصوص الشَّرعيَّة.

6- تقديم النَّقل على العقْل مع نفْي التَّعارُض بينهما.

7- رفْض التَّأويل الكلامي.

8- عدم معارضة الوحْي بعقْل أو رأي أو قياس.

9- قبول أخْبار الآحاد والعمل بها.

وأمَّا الباب الثَّاني فذكر فيه خصائص المنهج السَّلفي، وهي:

1- الشمول.

2- التوسُّط والاعتدال.

3- محاربة البِدَع والتَّحذير منها.

4- اجتناب الجدَل المذْموم في الدّين.

5- نبذ الجمود الفِكْري والتعصُّب المذهبي.

6- الثَّبات على الحقّ والاتّفاق في مسائل الاعتِقاد.

7- الوضوح والبيان والسَّلامة من التناقُض والاضطِراب.

8- مسايرة الفطرة القويمة والعقل السليم.

وختم كتابه بمُلْحق ذكر فيه أبرز النَّتائج التي توصَّل إليها في بحثه، والمقترحات والتَّوصيات.

وفي الجملة، فالكتاب مفيد في بابه، سديدٌ في عرضه ومناقشته للمسائل بأدلَّتها، مع الإيجاز والاقتصار على الفائدة الَّتي بها يبرز منهج السلف.

وأنصح نفسي وإخواني بقراءة هذا الكتاب مرارًا، وفهمه وتداوله في المجالس العامَّة والخاصَّة؛ ليدرك أهل السنة وغيرهم فضيلة هذا المنْهج وحقيقته الربَّانية وقواعده وضوابطه، ممَّا يُعين على الالتِزام به والدَّعوة إليه على بصيرة.