لوامع الأنوار في شرح صحائح الأخبار لشمس الدين ابن الموصلي

لوامع الأنوار في شرح صحائح الأخبار لشمس الدين ابن الموصلي

صدر حديثًا كتاب "لوامع الأنوار في شرح صحائح الأخبار"، تأليف: الإمام الحافظ "أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم البعلي شمس الدين ابن الموصلي" (699-٧74 هـ)، تحقيق: "حسنين سلمان المهدي"، نشر: "دار الكمال المتحدة للنشر والتوزيع"، و"دار المنهاج القويم للنشر والتوزيع".

وهذا الإصدار السابع ضمن إصدارات موسوعة صحيح البخاري، ويطبع هذا الكتاب وينشر للمرة الأولى، وهو نظم شرح غريب الموطأ وصحيحي البخاري ومسلم.

والمنظومة نظم لكتاب "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" لابن قرقول، على بحر الرجز، مع إضافات اقتبس معظمها من أصل المطالع: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض، قال في مَطلَع مَنظُومته مبرزًا مَعالم مَنهجيَّته العِلميَّة المتَّبعة فيها؛ قائلًا:

[20]. وَلَمْ أُخِلَّ بغَريبٍ يُشْرَحُ واسْمٍ يُقَيَّدُ ومَعنًى يُوْضَحُ [21]. مَا لَمْ يَكُنْ في غَايةِ الوُضُوحِ ظَاهِرُهُ يَلُوحُ كَالمَشرُوحِ [22]. مَعْ ضَبْطِ مَا يُشْكِلُ بالحُرُوفِ أَو وَزْنِ لَفظٍ وَاضِحٍ مَعرُوفِ [23]. فَفِي "المَطَالعِ" الكَثيرُ ضُبِطَا بالحَرَكَاتِ؛ فَرَوَوهُ غَلَطَا [24]. وَأَذْكُرُ الخِلَافَ في التَّأوِيلِ وفي الرِّوَايةِ علَى التَّفصيلِ [25]. مُقَدِّمًا في كُلِّها الأَصَحَّا رِوايةً وَلُغَةً وَشَرْحَا [26]. وَقَدْ أَنُصُّ بالمَقَالِ الوَاضِحِ -في بَعضِها- علَى الصَّحيحِ الرَّاجِحِ

علَى أنَّه لم يَكتَفِ بهذه الإشارات والتَّلميحاتِ إلى وُجُود الخَلَل في مَضمُون الكتاب، وإنَّما دَعَّم ذلكَ بالتَّصريح في بعض الأَحيان، تارةً في نصِّ المنظومة؛ مُناقِشًا ما وَرَد في "المَطَالع" باستقلاليَّةٍ تامَّةٍ تبلُغُ حدَّ المخالَفَة الصَّريحة أَحيانًا، وتارةً في بعض الهوامش التَّوضيحيَّة الَّتي كان يقيِّدُها علَى حَواشي نُسختِه المُسوَّدة منها.

وتم تحقيق المنظومة على ثلاث نسخ رئيسة هي الأصل، وخمس نسخ إضافية استعان بها المحقق في ضبط النص، وإثبات فروقه، والنسخ الرئيسة هي:

1) نُسخةٌ محفوظةٌ بمكتبة (المسجد الأقصى)، برقم: (278- الحديث/ 56)، وهي نُسخةٌ تامَّةٌ الكِيان، وهي نُسخةُ المصنِّف الأُولَى (المسوَّدة) من المنظومة؛ لكثرة التَّصحيحات والتَّعديلات والاستدراكات والزِّيادات المُلحقة بهوامشها.

2) نُسخةٌ محفوظةٌ في مكتبة (رَئيس الكُتَّاب) بمدينة (إسطنبُول)، برقم: (242). وهي نُسخةٌ تامَّةٌ مُتقَنَةُ النَّسخ والضَّبط.

3) نُسخةٌ محفوظةٌ في مكتبة (لا له لي) بمدينة (إسطنبول)، برقم: (634). وهي نُسخةٌ تامَّةٌ الكِيان شَكلًا وضَبطًا

.

أما النُّسخُ المساعدةُ فهي نسخ محفوظة في (المكتبة الأزهريَّة) بمدينة (القاهرة)، وفي مكتبة (الأحقاف/ آل يحيى) باليمن، وفي مكتبة (لا له لي)، ومكتبة (حَكيم أُوغلي باشا) بمدينة (إسطنبول)، ومكتبة (الحرم المكِّيِّ الشَّريف).

وقام المحقق بالمقابَلة بينَ النُّسخ الخطِّيَّة؛ مُثبتًا نصَّ المنظومة مقيَّدًا اختلافاتِ النُّسخِ المذكورةَ في هوامش النُّسخِ الخطِّيَّةِ كلَّها.

مع ضَبط النَّصَّ باستخدام قواعد الإملاءِ الحديثة والَّتي استقرَّ العُرفُ العِلميُّ على اتِّباعها، مع التنبَّيه إلى التَّعديلات والتَّصحيحات والتَّغييرات الَّتي قامَ بها المصنِّفُ حتَّى استقرَّ نصُّ المنظومة على ما هو عليه الآنَ.

وقد قام المحقق بنَقل تَعليقات وهوامش المصنِّف - الَّتي قيَّدها على حواشي نُسخته المسوَّدة- كلَّها، مع عزوِ نُصوصها ونقولها - إن وُجِدت- إلى المصادر الَّتي ينقُل منها، مع عزو الآيات وتخريج الأحاديث والرِّواياتِ والألفاظ الَّتي فاتَ مُحقِّقي "مَطالع الأنوار" تَخريجُها في الكتُب الثَّلاثة ("الموطَّأ" و"الصَّحيحان") أو في غيرها، والترجمة لأعلام النص، وعَزَو النُّصُوص الَّتي ذَكَرها المصنِّفُ إلى مصادرها الَّتي نَقَل عنها مُصرِّحًا بأسمائها، وما لم يصرِّح باسمه عَزاه إليه على وجه التَّخمين المعتمِد على معرفة مصادر المعلومات المعتمَدة لَدَى المصنِّف بالتَّتبُّع والاستقراء.

وقد نبَّه المحقق إلى الارتباطات العلميَّة بين تفاصيل النَّصِّ؛ بالإحالة على مواضع التَّكرار للمعلومة في المنظومة، أو بالإحالة على الموادِّ المتشابهة المتعلِّقة بالموضوع المُشتَرَك فيها.

وقان بالتنَبيه إلى الأخطاء العِلميَّة الَّتي وَرَدت في كلام المصنِّف أصالةً من نِفسه، أو تبعيًّةً للموجود في "مطالع الأنوار"؛ بتوضيح الصَّواب مؤيَّدًا بالمصادر والمراجع اللَّازمة لتوثيق ذلكَ، وقد اشتمَلَ ذلكَ التَّنبيهَ إلى الأحاديث والرِّوايات والألفاظ المشروحة الَّتي لَيست واردةً ضمنَ نُصُوص الكُتُب الثَّلاثة المقصُودة بالشَّرح؛ دَفعًا لتسرُّب الوهم إلى ذِهن المُطَالع بكونها موجودةً فيها؛ اعتمادًا على ذِكر المصنِّف لها في المنظومة.

وصاحب المنظومة هُوَ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الكَرِيمِ بنِ رضْوَانَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ البَعْلِيُّ ثُمَّ الطَّرَابُلُسِيُّ، أبُو عَبدِ الله الدِّمَشْقِيُّ، شَمسُ الدِّينِ الشَّافعيُّ، الشَّهِيرُ بِـ (ابنِ المُوْصِلِيِّ).

ولد سنة 699 هـ- 1300 م في بعلبك ونشأ وتعلم بها وبدمشق وحماة. من شيوخه في الحديث جمال الدين يوسف العزازي، وشمس الدين محمد الحنبلي، وقطب الدين اليونيني، وجمال الدين يوسف المزي، وشمس الدين الذهبي، ومن شيوخه في الفقه بدر الدين التبريزين وشمس الدين محمد بن المجد البعلي، وشرف الدين البارزي، ومن تلاميذه عماد الدين الذاذيخي، وأحمد بن حجي بن موسى.

سكن دمشق أعوامًا وتصدر بالجامع الأموي للتدريس. دخل القاهرة وأقام بطرابلس الشام. توفي بدمشق سنة 774 هـ/ 1372 م بالغًا الخامسةَ والسَّبعين مِن سِنيِّ حياتِه ودفن بباب الصغير.

وقد أثنى عليه أهل العلم:

فقال العلَّامةُ ابنُ حَبِيبٍ: (عَالِمٌ عَلَت رُتبتُه الأَثِيرَة، وَبارِعٌ ظَهَرَت في أُفُقِ المعارِفِ شَمسُهُ المُنيرة، وبَلِيغٌ تُثْنِي علَى قَلَمِه أَلسِنَةُ الأَدَب، وخَطِيبٌ تَهتَزُّ لِفصَاحتِه أَعوَادُ المنابِرِ مِن الطَّرَب، كَان ذا فَضِيلَةٍ مَخطُوبة، وكِتَابةٍ مَنسُوبة، وقَرِيضٍ عُقُودُه فَاخِرَة، وَتَرَسُّلٍ بِحَارُهُ زَاخِرَة، وخِبرةٍ بالفُنُونِ الأَدَبيَّة، ومَعرفةٍ بالفِقهِ واللُّغة العَرَبيَّة، أَقامَ بِطَرابُلُسَ بالِغًا مِن الرِّفعة مُرَادَه، ثمَّ سَكَنَ دِمَشقَ وتَصَدَّرَ بجامِعِها للإفادَة، نَظَمَ "فِقهَ اللُّغة" و"المِنهَاج" للنَّوَاوي، وأَتَى فيهما بما يُشَنِّفُ سَمعَ النَّاقلِ والرَّاوي).

وقال العُثمانيُّ (قاضي صَفَد): (الشَّيخُ الإِمامُ، بَقيَّةُ المشايِخِ الأَعلام، إمامُ طَرابُلُسَ وشَيخُها ومُفتِيها، ثمَّ قَدِمَ دِمَشقَ؛ فأَقامَ دَهرًا يَشغَلُ بالجَامعِ الأُمَويِّ، وأُعطِيَ وَظَائِفَ فَعُونِدَ فيها، فجَمَعَ خَاطِرَه وقَنَعَ بما تيسَّرَ؛ فبُورِكَ له في رِزقِه، اشتَمَلَت تَرِكتُه على نَحوِ سِتِّين أَلفَ دِرهمٍ، غالبُها كُتُبٌ؛ فإنَّه كان يَتَّجِرُ في الكُتُب، ويُلَازِمُ الاشتِغَالَ دَائمًا، اجتَمَعتُ به في رِحلَتي إلى شيخِ الإسلامِ السُّبكيِّ؛ سنةَ أَحَدٍ وخَمسينَ وسبع مئةٍ، وسمعتُ علَيه أشياء من مصنَّفاتِه... ولَه مصنَّفاتٌ جَلِيلَةٌ نَافِعَة، وَكَتَبَ الخطَّ الرَّطبَ، وكَانَ لَطِيفًا).

وقال الحافظُ ابنُ حِجِّي: (كَان يَحفَظُ عِلمًا كَثيرًا؛ من حَديثٍ ولُغَةٍ ومَذَاهِب العُلَماءِ، ويُفتِي علَى مَذهَب الشَّافعيِّ، ونَظمُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ، وَخَطُّه فَائقٌ مَنسُوبٌ)، ووصَفه - حينَ ذَكَرَه في "مُعجم شيُوخِه المجرَّد"- بقولِه: (الشَّيخُ الإِمامُ العالِمُ البارِعُ الحافِظُ الأَديبُ الأَوحَدُ، بقيَّةُ السَّلَف).

وقال الحافظُ وليُّ الدِّينِ ابنُ العِراقيِّ: (كانَ أَحَدَ أئمَّة الأَدبِ، لَه مَعرفةٌ تامَّةٌ باللُّغة العَربيَّة، ونَظمُهُ ونَثرُهُ في الذُّرْوة... وكانت غالبُ إقامتِه بطَرابُلُسَ، ثمَّ انتقَلَ إلى دِمشقَ قَبلَ وَفاتِه بنحوٍ مِن بِضعٍ وعِشرينَ سنةً، وتَصَدَّر بجامعِها للإفادَة).

وغير هذا كثير.

ومن مؤلفاته:

1- لَوامعُ الأنوار في شَرح صَحَايِح الأَخبار.

2- نَظْمُ "مِنهَاجِ الطَّالبين" للإمام النَّوويِّ.

3- القصيدةُ النَّبويَّة.

4- الدُّرُّ المنتظِم في نَظْمِ أَسرارِ الكَلِم، عبارةً عن منظومةٍ لنصَّ كتاب "فقه اللُّغة وسرِّ العربيَّة" للإمام أبي منصورٍ الثَّعالبيِّ (المتوفَّى سنةَ 429 هـ)، وقد كان (ابنُ الموصليِّ) بذلكَ أوَّلَ مِن يُقدِم على نَظم هذا الكتاب النَّفيس، إن لم نَزعُم أنَّه الأديبُ العالِمُ الوَحيدُ الَّذي فَعَل، والله أعلم.

5- مختصر "الصَّواعق المرسَلَة على الجهميَّة والمعطِّلة" لابن قيِّم الجَوزيَّة.

6- حُسن السُّلوك الحافظ دولة المُلوك. مطبوع. وهو ذاته: غايةُ الإحسان في قَولِه تعالى: {إنَّ الله يأمُرُ بالعَدل والإِحسان} [النَّحل: 90]، وهو: الفوائد الحِسَان في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكَر.

7- قصيدةٌ في ذِكر الجَنَّة وصِفاتِها.

8- شرح "لوامع الأنوار في شرح صحايح الأخبار".

9- سَيفُ السُّنَّة الرَّفيعة في قَطع رِقاب الجَهميَّة والشِّيعة. ولعله: هو "مختصر الصَّواعق المرسلة" المتقدِّم وصفُه.