بين دفتي مجموع خطي

بين دفَّتَي مجموعٍ خطّي

إذا وُصف التراث الإسلامي بأنه زاخرٌ متجدِّد، فذلك يعني أنه، على كثرة ما أبدى، يخبّئ الكثير، وأنه، مهما ظنَّ الظانُّون أن غيثَ دُرَره قد انقطع، فما زالت سماؤه ملبَّدةً بالغيوم.

ما معنى أن نَقِفَ اليومَ على رسائل لاثنين من أكبر علماء القرن الثامن الهجري، لم نجد فيما قبلُ إشارةً إلى الوقوف عليها؟ وما معنى أن نَقِفَ اليومَ على الكتاب الإسلامي الأول في سلسلة تواريخ مدينة المجد (دمشق)، بعد أن غاب ذِكرُه خمسةَ قرونٍ كاملةٍ وأكثر؟ بل ما معنى أن نَقِفَ على إحدى أقدم منظومات معتقد أهل السنة والجماعة، عقبَ تَوَاريها نحوَ سبعمائة عام؟

نعم، نكباتُ التراث كثيرة، والكوارثُ التي أضرَّت بنفائسِه إن تُحصَ لا تُحصَر، لكنَّ الجانبَ الآخرَ، الجانبَ الذي سلَّمه الله من عوادي الأيام، يستحقُّ النظر، بل دعونا نفتِّشْ في الجانب المنكوبِ نفسِه، فنبحثْ عن الغنيمة في رُكام المعركة، ونتلمَّسِ النَّضرةَ في الأرض البور: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾، دعونا نستنقذْ تراثَنا ما بقي فيه رمقٌ من حياة، وما بقي فينا رمقٌ من حياة.

إن التراثَ يمدُّ إلى أهله أسبابَه، وينادي بهم ليَهُزُّوا إليهم بجذوع نوادره، إذ كثيرٌ منها قريبٌ متيسِّر، لا يحتاج إلا إلى قليلٍ من التنقيب والفحص، والبحثِ فيما وراء الفهارس والأدلَّة والمعلومات، لا فيما أمامها فحسب، وتركِ الدَّعَة والتُّكلة على ذلك، وعلى ما أشبه ذلك.

ولا تعدو (المجاميع الخطية) أن تكون مناجمَ علميةً تراثية، يستخرج منها المنقّبون كرائمَ الكتب والرسائل والأجزاء، بأنواعها وموضوعاتها وأحجامها. وما أكثرَ ما كانت فرائدُ المؤلَّفات، ونفائسُ الإفادات، مخبوءةً في أكناف تلك المجاميع، لا يَتوصَّل إليها إلا جَلْدٌ مثابر.

وليست "مناجم التراث" هذه على درجةٍ واحدة، إذ منها ما يكون مجهولًا بالأصل، لا يُعرف عن وجوده -مع وجوده-، ولا يُدرَى ما الذي يتضمَّنه. ومنها ما يكون معروفَ الوجود، قريبًا، متناوَلًا، إلا أن معرفةَ مضامينه هي التي تفتقر إلى مطالعةٍ وتأمُّل.

بين أيدينا الآن مجموعٌ من هذا الضرب الأخير.

ككثيرٍ من أوعية التراث، تعرَّض هذا المجموع، كيفما كان تعرَّض، للمصادرة، وانتقل تحت "رحمة" قومٍ غرباء، أجانبَ عن لُغتِه ومادَّتِه، فقبع في رفوف المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس منذ يومٍ من أيام القرن التاسع عشر الميلادي.

ومع أنه يتضمَّن رسائلَ عديدةً في موضوعاتٍ شتى، فقد جاء تصنيفُه في المكتبة، وترتيبُه في فهرسها، بالنظر إلى الرسالة الأولى فحسب، ولم يجرِ اعتبارُ الرسائل الأخرى في ذلك[1]، ثم جاءت فهرسةُ محتواه ضعيفةً غيرَ كاشفة، فأضحى مجموعُ ذلك جنايةً عليه، فوقَ ما تحمَّل قبلُ من جنايات.

وبعد أن نهضت مكتبة باريس الوطنية إلى رفع مخطوطاتها على موقعها الإلكتروني، في خطوةٍ مشكورةٍ ننتظر أن تحذوَ حذوَها جهاتٌ إسلاميةٌ كثيرةٌ لم تفعل بعد، بل أن تحذوَ فيها حذوَ جهاتٍ إسلاميةٍ فعلت، أقول: بعد أن رفعت المكتبةُ مخطوطاتِها على موقعها يسَّر الله ليَ الوقوفَ على هذا المجموع، وذلك قبل نحو سنةٍ من الآن (19/ 5/ 1438هـ)، وعرفتُ، بعد تصفُّحٍ يسير، أنه كنزٌ من كنوز التراث المدفونة. وهذا آنُ البيان:

يتكوَّن المجموعُ ذو الرقم (Arabe 2322) من 186 ورقةٍ ذاتِ وجهين[2]، من الحجم المتوسط (18سم × 13سم)، وهو بحالةٍ ماديةٍ ممتازةٍ في الجملة، حيث لم يتأثَّر من أوراقه شيءٌ بشيء، سوى بيسيرٍ من الرطوبة في أوراقٍ يسيرة.

ويوجد على زوايا عدَّةِ أوراقٍ من المجموع ترقيمٌ كَلِميٌّ لكراريسه، ففي (ق11أ): «ثاني عـ..»، وفي (ق31أ): «رابع عـ..»، وفي (ق51أ): «سادس..»، وفي (ق69أ): «عشرون»، وفي (ق78أ): «حادي..»، وفي (ق87أ): «ثاني عشر..»، وفي (ق96أ): «ثالث ..»، وفي (ق106أ): «خامس عشرين»، وفي (ق116أ): «سادس عشرين»، وفي (ق158أ): «رابع عشرين»، وفي (ق168أ): «ثامن عشرين»، وفي (ق175أ): «سابع عشرين»، ولم يتضح الترقيم في (ق21أ، 41أ).

ومن الواضح، من خلال هذه الترقيمات، أن المجموعَ كان أكبرَ مما هو عليه الآن، فقد انتُزعت منه عدةُ كراريس (1-11، 17-19)، كما يتَّضح أنه وقع خللٌ في إعادة ترتيبه عقب ذلك، ويبدو أن ثمَّةَ كراريسَ أُلحِقَت في المجموع لم تكن منه أصلًا.

وتصعب معرفةُ مُرَقِّم الكراريس، لصعوبة تمييز الخط إذا كان النموذج منه ضئيلًا، كهذه الكلمات، إلا أن من المحتمل أنه المحدثُ أبو محمود ابن هلال المقدسي، الذي سيأتي كونُه ناسخَ بعض رسائل المجموع، ومنها ما هو أشبهُ بالكنانيش والمسوَّدات الخاصَّة، وفي هذا ما يقرِّب أن المجموع كان بيده أولَ الأمر.

ولعل أُولى محاولات فهرسة المجموع كانت على يد أحد مالكيه القدماء، حيث كُتِبَ على وجه الورقة الأولى منه، بخطٍّ نسخيٍّ شامي، من خطوط القرن الثاني عشر/ الثالث عشر تقديرًا، ما يلي:

"مجموع فيه رسائل:

فوائد من أقاليم التعاليم - وفيه أحاديث المصححة موخذة من كتاب الإحياء - وفيه فضائل بيت المقدس

وأيضا مسائل في تعاريف الحيض - وفيها أيضا تحفة الراغب وعجالة الراكب - وفيها مسائل في الفقه لأبو المعالي

وفيها أيضا شرح قصيدة ابن سينا - وفيها أيضا كتاب في آداب المحدِث والمحدث - وفيها أيضا قصيدة منسوبة ابن الأسود في بيان مذهب أهل السنة والجماعة"

وظاهرٌ في هذه الفهرسة ركاكتُها الشديدة، وضعفُ دقَّتها، واختصارُ بياناتها، فضلًا عما سيتبيَّن لاحقًا من إغفالها بعضَ رسائل المجموع.

وبعد دخول المجموع في حوزة المكتبة الوطنية الفرنسية، جاءت فهرستُه، في فهرس المكتبة الذي أشرف على تحريره المستشرق الفرنسي البارون دي سلان بين عامي 1883-1895م، كما يلي (ص406):

"1- مختارات من «أقاليم التعاليم»، للقاضي شمس الدين ابن الخويي.

2- (ق60) قائمة من الأحاديث التي ليس لها إسناد، مما ورد في «إحياء علوم الدين» للغزالي.

3- (ق106) أحاديث مأخوذة من كتابٍ في فضائل بيت المقدس.

4- (ق109) أحاديث أخرى حول الموضوع نفسه.

5- (ق119) حول حديث نبوي متعلق بالأرملة أو المطلقة.

6- (ق129) تحفة راغب وعجالة راكب. تأليفٌ لأبي المعالي محمد بن علي الأنصاري في بعض المسائل المتعلقة بواجبات الحج.

7- (ق136) رسالة للمؤلف نفسه حول قوة تأثير أقوال أئمة الشريعة.

8- (ق145) مجموعة من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالشريعة.

9- (ق154) قصيدة ابن سينا في النفس، مع شرحها.

10- (ق158) مجموعة من الأحاديث المتنوعة.

11- (ق168) مجموعات أخرى من النوع نفسه.

12- (ق175) عرض للعقيدة الإسلامية في أبيات شعرية، تأليف ابن أبي الأسود."

ومع أن هذه الفهرسةَ أكثرُ تفصيلًا وأوفى من سابقتها بكثير، إلا أنه يُلحظ فيها بعضُ ما لُحِظ في تلك، إجمالًا، وقلةَ دقَّة، وإغفالًا.

وفيما بعد، جاءت الفهرسة المطبوعة على الآلة الكاتبة، والموشَّحة بتعليقاتِ المستشرق الفرنسي جورج فاجدا وتصحيحاتِه، وهي فهرسةٌ مفصَّلةٌ للمخطوطات العربية في المكتبة الوطنية الفرنسية، استغرق تحريرُها نحوَ ثلاثين سنة (1940-1969م).

وقد وقعت فهرسةُ المجموعِ محلِّ البحث فيها في 4 صفحات، إضافةً إلى صفحةٍ ملحقةٍ بخط اليد. ومن الغريب أنها فهرسةٌ ناقصةٌ جدًّا، حيث فُهرِسَت فيها الرسالتان (ق129-135، ق136-144)، والقصيدتان (ق154-157، ق175-184)، فحسب، بذكر تواريخها التعيينية أو التقديرية، ومدى اكتمالها، وأولها، وآخرها.

ولا حاجة للقول إن المجموعَ أكبرُ من هذه الرسائل الأربع، ولعل الاستقصاءَ لم يكن مقصودًا في هذه الفهرسة لسببٍ أو لآخر.

وبالنُّقلة إلى عالمنا العربي، فقد تحصَّل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض على مصوراتٍ للمخطوطات العربية المحفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية كاملةً، وهي تقارب 8000 مخطوط، وعمل على مسحها وفهرستها[3]، وأصدر فهرستَه، ضمن ما أصدر، في قاعدة البيانات الضخمة (خزانة التراث).

وبالبحث عن رقم المجموع في قاعدة البيانات تلك، لم أجد منه إلا ثلاث رسائل مفهرسة، وهي، كما وردت هناك:

1- أقاليم التعاليم، المؤلف: أحمد بن خليل، بدون تحديد فن.

2- إحياء علوم الدين، المؤلف: أبو حامد الغزالي، الفن: تصوف.

3- تحفة الراغب وعجالة الراكب (وقع في تسجيلة أخرى: تحفة راغب وعجالة راكب)، المؤلف: محمد بن علي الأنصاري (في التسجيلة الأخرى: توفي في القرن العاشر)، الفن: وعظ وإرشاد.

وفضلًا عن النقص الكبير في هذه الفهرسة، فالأخطاء فيها كبيرةٌ جدًّا أيضًا، كما سيتبيَّن بعد قليل.

فيما يلي فهرسةٌ تفصيليةٌ للمجموع، أبذل فيها جهدي في جمع ما يفيد الناظر فيه وفي رسائله من معلومات، من غير أن ألتزم الحرفيَّةَ المعمولَ بها في بطاقات الفهرسة وكتب الفهارس، طلبًا لمزيد فائدة.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

تنطوي دَفَّتا المجموع على الرسائل والأجزاء التالية:

(1)

فوائد من كتاب «أقاليم التعاليم»، للقاضي شمس الدين محمد بن أحمد الخُوَيِّي (ت 693هـ). لا يُعرف المنتقي، وقد يكون هو الكاتب نفسه. 56 ورقة (ق1ب-56أ). مكتوبة بخط نسخي مجوَّد، من خطوط القرن الثامن الهجري تقديرًا.

يشتمل الكتاب الأصل: «أقاليم التعاليم»، الموجود مخطوطًا في عدة مكتبات، على سبعة فنون: التفسير، والحديث، والفقه، والأدب، والطب، والهندسة، والحساب، حيث يذكر المؤلف فوائدَ ولطائفَ في كل فنّ، مقسَّمةً أسباعًا، بمنهجية معينة.

ولأجل ذلك وقع تصنيفُ هذا المجموع في قسم الموسوعات ودوائر المعارف (ENCYCLOPÉDIES) من مكتبة باريس الوطنية وفهرسها[4]، نظرًا لتعلُّق أول رسالةٍ منه بكتابٍ من هذا النوع.

وليس المرادُ بهذا القسم: المجاميعَ التي تتضمَّن عدةَ كتب، بل لذلك في المكتبة قسمٌ آخر، والمرادُ هنا الكتبُ التي تبحث في العلم والتعلُّم، أو التي تتضمَّن عدَّة فنون، ولذا فُهرِسَت فيه كتبٌ من نحو: «فاتحة العلوم»، «تعليم المتعلم طريق التعلُّم»، «أقاليم التعاليم»، «جامع الفنون وسلوة المحزون»، «مفيد العلوم ومبيد الهموم»، «إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد».

(2)

فوائد من كلام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، من كتابٍ أرسله إلى أصحابه في الحجاز، في الوعظ والإرشاد. لا يعرف المنتقي، وقد يكون هو الكاتب نفسه. 4 ورقات (ق56ب-59ب). بخط ناسخ الرسالة السابقة.

نسخة فريدة، إذ لا يُعرف أصلُ الرسالة التي انتُقِيَت منها هذه الفوائد فيما بَلَغَنا خبرُه من تراث ابن القيم.

(3)

فصل فيه ما وقع في كتاب «إحياء علوم الدين»، للغزالي، من الأحاديث التي ليس لها إسناد. لتاج الدين عبدالوهاب ابن السبكي (ت 771هـ). 47 ورقة (ق60ب-105أ)[5].

نسخة جيدة بخط ناسخ الرسالتين السابقتين.

وهو فصل مطوَّل، أورده ابن السبكي في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» (6/ 287-389)، ومن ذلك عُلِمَ المؤلف في هذه النسخة التي لم يُذكر اسمُه فيها.

(4)

منتقى من كتاب «فضائل بيت المقدس»، لأبي المعالي المشرف بن المرجى بن إبراهيم المقدسي. انتقاء الناسخ، وهو المحدِّث أبو محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي (ت 765هـ). 10 ورقات (ق106أ-115ب).

والكتاب الأصل مطبوع.

قال المنتقي في مطلعه: «الحمد لله. الإمام أبو المعالي المشرف بن المرجى بن إبراهيم المقدسي، من أهل بيت المقدس، صنَّف كتابًا نفيسًا في فضائل بيت المقدس، وفيه فوائد جمة بـ"أخبرنا" و"حدثنا"، لكنه جمع فيه من الغث والسمين. ومنه استمدَّ الحافظ ابن عساكر حين جمع "الجامع المستقصى في فضل المسجد الأقصى"...».

ونقل المنتقي في آخر سطور منتقاه مسألةً مسندةً من كتاب «المذيل»، لابن السمعاني (ت 562هـ)، وهو ذيله على «تاريخ بغداد»، للخطيب البغدادي.

ولم يصرِّح الناسخ باسمه، لكنني تعرَّفتُ عليه من خلال مقارنة خطه بخطوطٍ أخرى ثابتةِ النسبة إليه، وكذلك الأمرُ فيما سيأتي في هذا المجموع مما هو بخطه.

(5)

منتقى من كتاب «البعث والنشور»، للبيهقي (ت 458هـ). انتقاء الناسخ، وهو أبو محمود ابن هلال المقدسي. 3 ورقات (ق116أ-118أ).

والكتاب الأصل مطبوع.

(6)

فصل في عدم وقوع طلاق الحائض. لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبد السلام ابن تيمية (ت 728هـ). 10 ورقات (ق119أ-128أ).

قال المؤلف في أوله: «قد تنازَعَ الناسُ في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر -رضي الله عنه-: "مُرْهُ فَليُراجِعها حتى تحيض، ثم تطهُر، ثم تحيض، ثم تطهُر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طَلَّق، فتلك العِدَّة التي أمر اللهُ أن تُطَلَّق لها النساء"، هل المراد أنه وقع به طَلقة، فمُرْهُ فليردَّها كما تُرتجع المطلَّقة التي وقعت بها طَلقة، وتكون معه على ثنتين؟ أو المراد به أنه لم يقع به طلاق، لكونه طلَّق قبل الوقت الذي أذن اللهُ فيه بالطلاق، فمُرْهُ فليَرجع إليها، ولتَرجع إليه، حتى يجيءَ وقتُ الطلاق، فيُطلِّقُها فيه إن شاء؟ والقول الثاني -والله أعلم- هو الذي أرادهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، من وجوهٍ متعددة...». ثم ساق خمسة عشر وجهًا، بأكثر تفصيلًا وإسهابًا من إجماله في مواضع أخرى من فتاويه (33/ 22، 99).

نسخة نفيسة، لفرادتها، حيث لا تُعرف لهذا الفصل نسخةٌ أخرى، ولم يُنشر من قبل، ولكونها مكتوبةً بخط أحد أعلام عصر المؤلف المشاهير، وهو الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي (ت 761هـ)، الذي نقلها من نسخةٍ منقولةٍ من خط المؤلف ومقابَلَةٍ عليه.

ولم يبيِّن الناسخُ تاريخَ النسخ، لكنه أرَّخ موضعَين لاحقَين من المجموع بسنة 717هـ -كما سيأتي-، فيحتمل جدًّا أن تاريخَ النسخ هنا مقارب.

وقد قدَّم العلائيُّ الفصلَ بمقدِّمةٍ أبان فيها عن عدم ارتضائه رأيَ ابن تيمية فيه، وعن تأليفه ردًّا عليه في كتابٍ سمَّاه: «تقرير الحكم الشرعي في تنفيذ الطلاق البدعي»[6].

(7)

رسالة في التفضيل بين أنساك الحج. لكمال الدين أبي المعالي محمد بن علي بن عبدالواحد الأنصاري الشافعي، المعروف بابن الزملكاني (ت 727هـ). 7 ورقات (ق129ب-135أ).

قال المؤلف في أولها: «أما بعد: فهذه تحفة راغب، وعجالة راكب[7]، أشار بتلخيصها بعضُ الإخوان في الله، ممَّن تُلبَّى دعوتُه، وتُسعَف رغبتُه، في إفراد الحج، والتمتع، والقِران، أيّها أفضل، وذِكر مذاهب العلماء في ذلك، والإشارة إلى نوعٍ من الاستدلال، وحكم الهَدي في الاستحباب، وبعض ما يتعلَّق بذلك...».

نسخة نفيسة، إذ لا تُعرف للرسالة نسخةٌ غيرُها، وهي بخط الحافظ العلائي، الذي تخرَّج على المؤلف، وكان كثيرَ التعظيم له[8]، نقلها من خطه ليلةَ السادس والعشرين من رجب، سنة 717هـ.

وقد كتب العلائيُّ بآخر النسخة (ق135ب) قيدَ قراءةٍ للرسالة على مؤلفها في منزله بدمشق، في النهار المعاقب لِلَّيلة المذكورة، وذكر أنه قرأ عليه الرسالةَ التاليةَ أيضًا.

(8)

مسألة في الاجتهاد والتقليد[9]. سئل وأجاب عنها ابن الزملكاني -مؤلف الرسالة السابقة-. 9 ورقات (ق136ب-144ب).

وهي عبارةٌ عن سؤال رُفع إلى المؤلف، فحواه أن المتفقِّه على أحد المذاهب الأربعة، إذا ارتفع في طلبه إلى درجة الفهم والاستبصار، واشتغل بالرواية ومعرفة الأحاديث والآثار، فرأى أحاديثَ تُخالف مذهبَ إمامه، وقد ذهب غيرُ إمامه إليها، فهل يجوز له تقليدُ إمامه، أم يتعيَّن عليه الأخذُ بالحديث؟

نسخة نفيسة، لا يُعرف لها نظير، وهي بخط العلائي، تلميذ المصنف، وقد نقلها من خطه، وقرأها عليه -مع الرسالة السابقة- في السادس والعشرين من رجب، سنة 717هـ.

وقد لخَّص الزركشي في «البحر المحيط» (8/ 345) شيئًا من كلام ابن الزملكاني في هذه الرسالة.

(9)

فتاوى القاضي حسين بن محمد المروروذي الشافعي (ت 462هـ). 10 ورقات (ق145ب-153/ 2ب)[10]، قطعة مبتورة الآخر. مكتوبة بخط نسخي، من خطوط القرن الثامن الهجري تقديرًا.

ليس على النسخة عنوان، وبُدئت بالبسملة والتوكل فحسب، وهي، بخلاف المطبوع عن نسختَين، غيرُ مرتبةٍ على أبواب الفقه، بل متداخلةُ الموضوعاتِ تداخلًا شديدًا، مع أنه وقعت في موضعٍ منها إحالةٌ إلى موضعٍ لاحق، حيث قال (ق153/ 2أ): «وفي مسألة الصداق طريق لأصحابنا سنذكره في موضعه»، فظاهرٌ أن النسخةَ منقولةٌ عن أصلٍ مرتَّب.

وتقع بين هذه النسخة وما يقابلها من المطبوع فروقاتٌ في الكلمات وبعض العبارات.

(10)

شرح قصيدة ابن سينا في النفس. لعبدالرحمن الصوفي. 4 ورقات (ق154أ-157أ). مكتوبة بخط تعليق رديء، من خطوط القرن العاشر تقديرًا، ويبدو أنها مكتوبة بقلمين.

(11)

قصيدة ابن سينا في النفس. صفحة واحدة (ق157ب). بخط أحد ناسخَي الرسالة السابقة.

(12)

جزء فيه خبر المسجد الجامع بدمشق وبنائه. لأبي بكر أحمد بن المعلَّى بن يزيد الأسدي الدمشقي (ت 286هـ). 9 ورقات (ق158ب-166أ). بخط أبي محمود ابن هلال المقدسي.

نسخة نفيسة، فريدة، كاملة، لأقدم كتابٍ في تاريخ دمشق العمراني[11]، وهو كتابٌ مبوَّب، مرويٌّ بالأسانيد، وبآخره زياداتٌ لبعض رواة الكتاب. وقد اعتمد ابن عساكر على هذا الجزء في أوائل «تاريخ دمشق»، حتى لعله استوفاه فيه مفرَّقًا.

والنسخة غيرُ معنونة، غيرَ أنه أمكن التعرُّف على الجزء بسهولةٍ من خلال الإسناد الذي ابتدأَ الناسخُ نسختَه به.

وقد كان الكتاب يُظَنُّ مفقودًا[12]، وكان آخرُ عهد الباحثين به ورودُه في معجم مرويَّات الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) «المعجم المفهرس»[13]، وفي سرد تواريخ البلدان في «الإعلان بالتوبيخ»، للسخاوي (ت 902هـ)[14].

وبهذا، بحمد الله، يتحقَّق ما احتمله د. صلاح الدين المنجّد قبل 64 سنة، حيث عدَّ هذا الجزءَ مفقودًا، لكنه قال: «ونقصد بكلمة: "مفقود": أن المصادرَ التي بين أيدينا لم تُسعِفنا بمعرفته، ومن المحتمل أن يُعرَف في يومٍ قريبٍ أو بعيد...»[15].

(13)

منتقى من كتاب «أدب المحدِّث والمحدَّث»، لعبدالغني بن سعيد المصري (ت 409هـ). انتقاء الناسخ، وهو أبو محمود ابن هلال المقدسي[16]. 4 ورقات (ق168ب-171ب).

نسخة نفيسة، فريدة، ولا يُعرف من الكتاب الأصل أكثرُ من هذا المنتقى[17]، وهو منتقًى كاشفٌ عن طبيعة أصله من جهة كونه مسندًا، متضمنًا للأحاديث والآثار في موضوع الكتاب، ولبعض التعليقات من المصنف.

وقد نُشر المنتقى عن هذه النسخة في مجلة «الإصلاح» الجزائرية، بتحقيق الشيخ عمار تمالت[18].

(14)

منتقيات مسندة من أجزاء حديثيَّة مختلفة. انتقاء أبي محمود ابن هلال المقدسي. 3 ورقات (ق172أ-174أ).

تتضمن منتقيات من:

1- الفوائد المنتقاة من حديث الحافظ أبي بكر أحمد بن عبدان عن شيوخه، انتقاء الحافظ أبي سعد بن مردانشاه (لا يعرف أنه موجود، بل لم أجد مَن ذكره). انتقى منه: 3 أحاديث.

2- الجزء الخامس من الفوائد المنتقاة من حديث القاضي أبي طاهر الذهلي، انتقاء الحافظ الدارقطني (يوجد منه الجزء الثالث والعشرون، ومنتقى من الجزء الثالث عشر). انتقى منه: حديثًا واحدًا.

3- مسند أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، تخريج الإمام أبي جعفر الطحاوي (لا يعرف أنه موجود، بل لم أجد مَن ذكره). انتقى منه: حديثًا واحدًا.

4- جزء فيه أحاديث في أجر الصبر على المرض، من أمالي الحافظ ابن عساكر (لا يعرف أنه موجود، ولم أجد من سمَّاه). انتقى منه: 6 أحاديث.

(15)

قصيدة الإمام الأديب أبي جعفر أحمد بن عبدالرحمن بن الفيض الضبي الأصبهاني، المعروف بابن أبي الأسود، في بيان مذهب أهل السنة والجماعة. 10 ورقات (ق175أ-184أ). بخط أبي محمود ابن هلال المقدسي.

نسخة نفيسة، فريدة، لا تُعرف لها ثانية.

كتب الناسخ في ظهر الورقة الأولى منها، تعريفًا بالناظم، وبقصة النظم: «كان رجلًا كاتبًا للسلطان، أديبًا عفيفًا، له ديوان، وكان يُنادم بدرًا الحمامي، أميرَ أصبهان، ثم تنسَّك، وقال بعد ذلك بدلَ كل بيتٍ قاله في الغزل بيتًا في الزهد والندم على ما فاته من الانشغال بالله -تعالى- وعبادته، حتى صار رأسًا في النسك. فظهرت بدعةٌ في أصبهان، فسأله أبو الحسن علي بن محمد بن المرزبان... أن يقول قصيدةً في السنة، ليتعلَّمَها الصبيان في المكاتب، لينشؤوا عليها. وكان هذا، ابنُ أبي الأسود، من أهل العلم والحديث، إذ أخرجها على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. رحمه الله -تعالى-».

وقد وقعت القصيدة من مرويَّات ابن خير الإشبيلي (ت 575هـ)، حيث قال في فهرسته: «قصيدة أبي جعفر أحمد بن عبدالرحمن بن الفيض، ابن أبي الأسود[19]، الضبي الأصبهاني، في السنة، والرد على أهل البدعة، مستخرجً ذلك من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثني بها أيضًا الحافظ أبو الطاهر السِّلَفي -رضي الله عنه-[20] إجازةً، قال: أخبرنا بها الشيخُ أبو محمد هبة الله بن أحمد[21] الأكفاني بدمشق، عن علي بن الحسن بن سكر البغدادي، عن علي بن الحسن المالكي، عن أحمد بن عبدالرحيم الأصبهاني، عن الحسن بن علي بن أحمد الأهوازي[22]، عنه»[23].

والظاهر من هذا الإسناد، ومن التعريف الذي كتبه ابن هلال المقدسي، أن ابن أبي الأسود عاش في أواخر القرن الثالث الهجري، وأوائل الرابع، إذ كانت ولاية بدر الحمامي على أصبهان بين سنتي 295-300هـ[24]، وكانت وفاة ابن المرزبان، الذي طلب إلى ابن أبي الأسود إنشاءَ قصيدته، سنة 333هـ[25].

كما أن والدَ ابن أبي الأسود، أبا الأسود، عبدَالرحمن بنَ الفيض بن سندة بن ظهر، رجلٌ من محدِّثي أصبهان وثقاتها، توفي سنة 321هـ[26]، وله كتاب في دلائل النبوة[27].

وهنا يَبرُز إشكالٌ في نسبة القصيدة، إذ قد قال الذهبي في ترجمة والد ابن أبي الأسود: «وله أرجوزةٌ في السنة»[28]، والظاهر أنه اختلط عليه بابنه، وأصحُّ من ذلك ما في نسخة القصيدة، وما في إسنادها الذي ينتهي إلى الابن.

عِدَاد أبيات القصيدة: 231 بيتًا، وهي على بحر الرجز.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

وبعد:

فقد دفعتُ عددًا من رسائل المجموع إلى من يقوم بحقها -بإذن الله- تحقيقًا وعناية، ومنها رسالة ابن تيمية، ورسالتا ابن الزملكاني، وجزء خبر جامع دمشق لابن المعلى، وقد نجز تحقيق الأخير على يد أخي العزيز الشيخ د. محمد خالد كُلَّاب، وقريبًا يُنشر بهيَّ الحُلَّة، وعسى أن يتيسَّر نجاز الأُولَيَات على خير.

والحمد لله على فضله وتوفيقه وفتحه كثيرًا.

♦ ♦ ♦ ♦ ♦

رابط المجموع في موقع المكتبة الوطنية الفرنسية:

http:/ / gallica.bnf.fr/ ark:/ 12148/ btv1b11001999d