اللآلئ المكللة في تفضيل المعلاة على المسفلة للسيوطي

اللآلئ المُكللة في تفضيلِ المَعْلاة على المَسْفلة للسيوطي

(تنشر لأول مرة عن نسخة وحيدة)

هذه رسالةٌ نادرةٌ للشيخ جلال الدين السيوطي (849 - 911هـ)، انتقاها من كتابٍ نادرٍ، هو "الأنباء المُسْندة والمُرْسلة بما فُضِّلتْ به المعلاة على المسفلة" لتقي الدين ابن فهد.

والظاهرُ أنه انتقاها في سنة 871 أو قبلها، إذ ذكر ابنَ فهد هذا وقال: "حفظه الله"، وقد كانت وفاتُه في سنة 871هـ[1].

وهذه الرسالة ذكرها السيوطي لنفسهِ في سيرته الذاتية "التحدُّث بنعمة الله"[2]، وتحرَّف اسمُها إلى: "اللآلئ المُكللة في تفضيل المعملة على المشغلة"[3]!

وذكرها الحاج خليفة، وإسماعيل البغدادي، وجميل العظم باسم: "اللآلئ المكللة في تفضيل الغلاة على المفضلة"[4]!

وقد حاول الأستاذُ أحمد الشرقاوي إقبال تفسيرَ هذا العنوان المستغرب ولم يخطرْ له أنه مصحفٌ فقال: "لعله بيَّنَ فيه أنَّ الذين يغلون في تفضيل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أحسن حالاً من الذين ينتقصونه، كما هو ظاهرٌ مِنْ نصِّ العنوان"[5]!

وذكره الباحثون بالاسمين المُصحَّفين، ولم يعرف أحدٌ صوابَ العنوان، ولم يتوقعه، حتى اكتشفتُ النسخةَ الوحيدةَ منها ضمن تذكرة السيوطي "الفلك المشحون"، وقد أوردها في الجزء السابع منها (الورقة 58 - 59 حسب ترقيمي).

وكان اكتشافُ صوابِ العنوان مفاجأةً سارةً، وأظهرتْ صورةً مضحكةً مما يصنعُ التصحيفُ مِنْ عجائب!!

وقد رأيتُ نشر هذه الرسالة مصححةً مضبوطةً لتُضافَ إلى المكتبة المكية، وإن كانت المادة العلمية لا تخرجُ عمّا في "أخبار مكة" للفاكهي (ت بعد: 272هـ)[6]، والأزرقي (ت نحو: 250هـ)[7]، لكننا استفدنا معرفةَ كتابِ ابن فهد، وتحديدَ بعض المواقع في القرن التاسع[8]، وبعضَ أسانيد السيوطي.

♦ ♦ ♦

قال السيوطي رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لمُوليهِ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ، وآلهِ، وذويهِ.

هذا مُنتقى من "الأنباء المُسْندة والمُرْسلة بما فُضِّلتْ به المَعْلاة على المَسْفلة" للحافظِ الإمامِ تقيِّ الدين بنِ فهد الهاشميِّ المكيِّ - حفظهُ اللهُ - وخرَّجتُ أحاديثَهُ بأسانيدي، وسميتُهُ بـ "اللآلئ المُكللة، في تفضيل المَعْلاة على المَسْفلة".

وينحصرُ في فصلين:

الأول

في ما جاء في فَضْل المَعْلاة على المَسْفلة

♦ أخبرني أبو العباس القليوبي والخضرُ بنُ محمد المِصري، قال الأولُ: أنبأنا أبو علي الفاضل. والثاني: أنبأنا إبراهيمُ بن صديق، قالا: أنبأنا يونسُ بن إبراهيم، عن علي بن الحسين، عن الحافظ محمد بن ناصر، أنبأنا أبو الحسين أحمدُ بن محمد بن النقور، أنا أبو طاهر محمدُ [بن][9] عبدالرحمن المخلص[10]، أونا[11] أحمدُ بن سليمان بن داود الطوسي، أنا أبو عبدالله الزبيرُ بن بكار الزبيري، حدَّثني حمزةُ بن عُتبة اللهبي، قال: سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم لمّا حدَّ المشاعرَ بالمَعْلاة: عرفة، ومِنى، والجمار، والصفا، والمروة، والمَسعى، والرُّكن، والمَقام، والحِجْر، برَزَ صلى الله عليه وسلم إلى أسفلَ مكة، فنظرَ يميناً وشمالاً، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس للهِ - تباركَ وتعالى - فيما ههنا حاجةٌ". يعني مِنَ المشاعر.

رواه الإمامُ أبو محمد بنُ إسحاق [بن][12] العبّاس الفاكهي في "تاريخ مكة"[13] عن الزُّبير بن بكّار كما سقناهُ، فوقعَ لنا موافقةً له عاليةً.

♦ ♦ ♦

♦ وبه إلى ابنِ النَّقُّور قال: أنا أبو الحسن عليُّ بن بكير بن محمد الحربي، ثنا أبو عبدُالله أحمد بن الحسين بن عبدالجبار الصوفي، ثنا أبو زكريا يحيى بن معين، ثنا هشامُ بن يوسف، عن رباح بن عبيدالله بن عمر، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي اللهُ عنه - قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بئسَ الشِّعبُ جِياد. مرتين أو ثلاثاً.

قالوا: بِمَ ذاك يا رسولَ الله؟

قال: تخرجُ منهُ الدابّة، فتصرخُ ثلاثَ صرخاتٍ، فيَسمعُها مَنْ بينَ الخافقين[14].

♦ ♦ ♦

الفصل الثاني

في حدِّ المَعْلاة والمَسْفلة

♦ وبالإسناد إلى ابنِ ناصر قال: أنا محمد، أنا أحمد، أنا الزبير، حدَّثني حمزة قال:

لما غلبَ قصيٌّ على مكة، ونفى خزاعةَ، قسمَها على قريش [فـ]أخذَ[15] لنفسهِ وجهَ الكعبة فصاعداً، وبنى دارَ النَّدوةِ فكانتْ مسكنَهُ[16] - وقد دخلَ أكثرُها في المسجد -، وأعطى بني مخزومٍ أجيادين، وبني جُمَح المَسْفلة، وبني سَهْمٍ الثنيّة، وأعطى بني عديٍّ أسفلَ الثنية، فيما بين[17] حقِّ بني جُمَح وبني سهمٍ[18].

♦ ♦ ♦

♦ وبه إلى ابن المعتر[19]، أنا أبو بكر أحمدُ بن المقرِّب بن الحسين الكرخي، ثنا أبو الحسين المباركُ بن عبد الجبار [ ][20]، أنا أبو طالب محمدُ بن علي بن الفتح العُشَاري، أنا الشريف أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي، أنا أبو إسحاق إبراهيم، أنا أبو الوليد محمدُ بن عبد الله بن أحمد بن محمد المكي، قال[21]:

حدُّ المَعْلاة من شقِّ مكة الأيمن: ما حازت[22] دارُ الأرقم، والزُّقاقُ الذي على الصفا يصعد منه إلى جبل أبي قبيس مُصْعداً في الوادي، فذلك كلُّهُ من المَعْلاة، ووجه الكعبة، والمَقام، وزمزم، وأعلى المسجد.

وحد المَعْلاة من الشقِّ الأيسر: مِنْ زُقاق البقر الذي عند الطاحونة دارا[23] عبدالصمد بن علي، اللتان[24] مقابل دار يزيد بن منصور الحميري خال[25] المهدي، [التي][26] يُقال لها دار العروس، مُصْعداً إلى قُعيقعان، ودار جعفر بن محمد[27]، ودار العَجَلة، وما حاز سيلُ قُعيقعان، إلى السويقة، وقُعيقعان[28] مُصْعداً، فذلك كلُّهُ من المَعْلاة.

وحدُّ المَسْفلة مِنَ [الشقِّ الأيمنِ][29]: الصفا إلى أجيادين، فما[30] أسفل منه، فذلك كلُّهُ من المَسْفلة.

وحدُّ المَسْفلة من الجانبِ الأيسرِ: مِنْ زقاق البقر مصعداً[31] مُنحدراً إلى دار عمرو بن العاص - رضي اللهُ عنه - ودارِ ابن عبدالرزاق الجُمَحي، ودارِ زُبيدة، فذلك كلُّه من المَسْفلة.

فهذه حدودُ المَعْلاة والمَسْفلة.

دارُ الأرقمِ تُعْرفُ الآن بدار الخيزران.

ودارُ جعفرِ بنِ محمدٍ تُعْرفُ الآن بدار أبي سعيد.

ودارُ العجلة قريبٌ منها.

ودارُ زبيدة داخلَ بابِ إبراهيم[32].

♦ ♦ ♦

♦ وبهذا الإسناد إلى أبي الوليد قال[33]: حدَّثني جدِّي، ثنا سعيدُ بن سالم بن عثمان بن ساج قال: أخبرني أبو إسحاق قال: حدَّثني بعضُ أهل العلم قالوا:

كانت العماليقُ ولاةَ الحُكم بمكة، فضيَّعوا حُرْمةَ الحرم، واستحلوا منه[34] أموراً عظاماً، ونالوا[35] ما لم يكونوا ينالون، فقامَ رجلٌ منهم يُقالُ له عمُوق فقالَ: يا قومِ أبقوا على أنفسِكم، فقد رأيتمْ وسمعتمْ بما جرى لمَنْ هلكَ مِنْ صدرِ الأمم قبلَكم: قومِ هود، وصالح، وشعيب، فلا تفعلوا، وتواصلوا[36].

♦ ♦ ♦

آخر المُنتقى، وللهِ الحمدُ، وصلى اللهُ على سيِّدنا محمدٍ، وآلهِ، وصحبهِ، وسلَّم تسليماً كثيراً، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والحمدُ للهِ وحده.