الإغارة على الكتب

الإغارة على الكتب

هذه جملة من الكتب ذكرها السخاوي أبو الخير محمد بن عبدالرحمن (ت: 902) في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر[1]"، عن صاحب الترجمة في الكتب التي أصلها كتب أخرى مع بعض التعليق وضعتها بين [ ]:

فصل: فيمن أخذ تصنيف غيره فادَّعاه لنفسه، وزاد فيه قليلًا ونقص منه، ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل:

[تعليق: ولم يبين في مقدمة الكتاب].

♦ "البحر [بحر المذهب]"؛ لـ الروياني [أبي المحاسن عبدالواحد بن إسماعيل (ت: 502)]: أخذه من "الحاوي [شرح مختصر المزني]" لـ: الماوردي أبي الحسن علي بن محمد (ت: 450).

[تعليق: قال السبكي عبدالوهاب بن علي (ت: 771): وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب، إلا أنه عبارة عن "حاوي" الماوردي، مع فروع تلقَّاها الروياني عن أبيه عن جده، ومسائل أخر، فهو أكثر من "الحاوي" فروعًا، وإن كان "الحاوي" أحسن ترتيبًا، وأوضح تهذيبًا؛ اهـ[2]].

♦ "الأحكام السلطانية"؛ لـ: أبي يعلى [محمد بن الحسين بن الفراء (ت: 458)]: أخذها من كتاب ["الأحكام السلطانية"؛ لـ]: الماوردي، لكن بناها على مذهب أحمد.

♦ "شرح البخاري"؛ لـ: محمد بن إسماعيل التيمي: من شرح أبي الحسن ابن بطال [علي بن خلف (ت: 449)].

[تعليق: قال السخاوي في "شروح البخاري": ومحمد بن التيمي: واعتنى بشرح ما لم يذكره الخطابي [أبو سليمان حمد بن محمد (ت: 388)]، مع التنبيه على أوهام له؛ اهـ[3].

واعتمد عليه ابن حجر في "الفتح[4]"].

♦ "شرح السنة"؛ لـ البغوي [أبي محمد الحسين بن مسعود (ت: 516)]: مستمدٌّ من شرحَي الخطابي على البخاري [أعلام الحديث] وأبي داود [معالم السنن].

♦ "الكلام على تراجم البخاري"؛ لـ: البدر بن جماعة [محمد بن إبراهيم (ت: 733)]: أخذه من "تراجم البخاري"؛ لـ: ابن المنير [أحمد بن محمد (ت: 683)] باختصار.

♦ "علوم الحديث"؛ لـ: ابن أبي الدم [إبراهيم بن عبدالله (ت: 642)]: أخذه من "علوم الحديث"؛ لـ: ابن الصلاح [أبي عمرو عثمان بن عبدالرحمن (ت: 643)] بحروفه، وزاد فيه كثيرًا.

♦ "محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح"؛ لـ: شيخنا [عمر بن رسلان] البلقيني (ت: 805): كل ما زاده على ابن الصلاح مستمدٌّ من "إصلاح ابن الصلاح"؛ لـ: مغلطاي [بن قليج (ت: 762)].

♦ "شرح البخاري" [التوضيح لشرح الجامع الصحيح]؛ لشيخنا ابن الملقن [أبي حفص عمر بن علي (ت: 804)]، جمع النِّصف الأول من عدَّة شروح، وأمَّا النصف الثاني، فلم يتجاوَز فيه النقل من شرحَي ابن بطال [أبي الحسن علي بن خلف (ت: 449)] و[عبدالواحد] ابن التين (ت: 611)، يعني: حتى في الفروع الفقهية؛ كما سمعتُ ذلك من صاحب الترجمة.

وقرأتُ بخطِّه أيضًا على "ذيل لشيخه" ابن الملقن مرتَّب على الحروف، اشتمل على أزيد من أربعمائة نفس، ذيَّل به على "طبقات الشافعية" المرتَّب على طباق ثلاثة، اشتملت على أزيد من ألف ومائتي نفس له [ابن الملقن] أيضًا، ما نصه: نظرتُ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وقابلتُ التراجم جميعها، على كتاب "الطبقات الوسطى"؛ لـ: القاضي تاج الدين [عبدالوهاب بن علي] السبكي (ت: 771)، فوجدت الجميع إلا اليسير منقولًا منها بحروفها، والقدر اليسير الزائد - لعله عشر تراجم - لا يزيد على ذلك، ولقد طال تعجُّبي من شيخنا فيما اعتمده من ذلك، فما كان يضره لو قال في خطبته: إنَّه التقطه من تصنيف مَن سبقه إليه، أتراه ظنَّ أنَّ "طبقات" تاج الدين [السبكي] تُدفن معه في القبر فلا تظهر؟ وما جوَّز قط أن ينقل منها نسخة أخرى، إنَّ هذا لشيء عجيب!

قال [ابن حجر]: ولم أقف على "طبقاته" التي هذه ذيل عليها، وأظنها ملخصة من "الطبقات الكبرى"، ومن "طبقات الإسنوي"، والعلم عند الله تعالى؛ انتهى.

وكذا قرأتُ بخطِّه [أعني صاحب الترجمة] على "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"؛ لـ: الزركشي [أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن بهادر الزركشي الشافعي (ت: 794)] ما نصه: أصل هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبدالمحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي الفقيه المحدث المشهور، رأيته في مجلدة لطيفة، وجملة ما فيه من الأحاديث خمسة وعشرون حديثًا، وكان الكتاب المذكور عند القاضي برهان الدين [محمد بن إبراهيم بن سعد الله] بن جماعة (ت: 733) [قال الزركشي في مقدمة الكتاب: وأهديتُه إلى بحر علم ثمين جوهره، وأفق فضل أضاء شمسه وقمره، وروض آداب يانعة ثماره، ساطعة أزهاره، سيدي قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة...]، فما أدري: هل خفي عليه وقت تقديم هذا له أو أعلمه به؟ نعم، لمصنف "الإجابة" حسن الترتيب والزيادات البينة والعزو إلى التصانيف الكبار، والأول - على عادة مَن تقدَّم - يقتصر على سوق الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه، وجملة من أخرج ذلك عنه من شيوخه نحو من ثلاثين شيخًا من شيوخ بغداد ومصر، وغيرهما، ولا يعزو التخريجَ إلى أحد، وقد نقل هذا المصنف [الزركشي] عن أبي منصور في هذا الكتاب [في مواضع، وسمَّاه "أبو منصور البغدادي"، وقال في موضع: روى أبو منصور البغدادي في كفايته[5]، فقد يكون العنوان - والله أعلم - "الكفاية فيما استدركته عائشة على الصحابة"]، فعلم أنه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبِّه على ذلك...

قلتُ [السخاوي]: وأبو منصور هذا، ليس هو مصنِّف الأصل؛ بل هو شيخه، والمصنف إنما هو: الأستاذ أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت: 429)، وقد وقفتُ على النسخة التي أشار إليها شيخُنا، فسبحان مَن لا يسهو!

وقرأتُ بخطِّه أيضًا على نسخة من "شرح العمدة [عمدة الأحكام]"؛ لـ: البرماوي [أبي عبدالله محمد بن عبدالدائم (ت: 831)] ما نصه: يقول الفقير [ابن حجر] أحمد بن علي الشافعي: إن هذا الكتاب مشى فيه الشيخ شمس الدين [البرماوي] - عفا الله تعالى عنه - على شرح شيخنا الشيخ سراج الدين ابن الملقن [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام] كان من أوَّله إلى آخره ينتخب فوائده، ويحصِّل مقاصده، وربما لم يزد فيه إلا الشيء اليسير؛ بحيث لو تصدَّى حاذق إلى انتزاع ما زاده، لم يزد على كراس أو كراسين، ولو تصدَّى لتتبُّع ما حذف من شرح شيخنا من الفوائد التي تضاهي ما انتخبه، لكان قدر ما كتبه، ولو كان تجرَّد لعمل نُكت على كتاب شيخنا تحريرًا واستدراكا ونحو ذلك، لكان أظهر لبيان فضيلته، وقوة نفسه مع السلامة من الإغارة على كلام شيخه، من غير أن ينسبه إليه، فليس ذلك من شكر العلم، والله المستعان.

وقرأتُ بخطِّه أيضًا: "شرح البخاري" [عمدة القاري شرح صحيح البخاري] لـ: بدر الدين [محمود بن أحمد الحنفي] العيني (ت: 855)، أخذه من "فتح الباري"؛ لابن حجر، ونقص منه وزاد فيه قليلًا، ولكن أكثره يَسوقه بحروفه، الورقة والورقتين وأقل وأكثر، أو يعترض عليه اعتراضات واهية.

قلت: وقد بيَّنها صاحب الترجمة في مصنفه "انتقاض الاعتراض" رحمهم الله أجمعين.

[تعليق: قال ابن حجر في "الانتقاض": ثمَّ ذكر [العيني] مقدمة لطيفة انتزعها من القطعة التي كتبها شيخ الإسلام [أبو زكريا يحيى بن شرف] النووي (ت: 676)، ولو كان نسخها من نسخة صحيحة ونسَبها إليه لاستفاد السلامة ممَّا وقع في خطه من التصحيف لكثيرٍ من الأسماء والسمات، والتحريف لبعض الكلمات، وقد تتبَّعتُ ما وقع به من ذلك في تلك الكراسة التي ابتدأ بها خاصَّة، فزاد على ثمانين غلطة، فأفردتُ ذلك في جزء سميته "الاستنثار على الطاغي المعثار"...

ثمَّ لما مضى من هذه القصَّة عدَّة سنوات عاد المذكور لِما كان شرع فيه من الشرح بزعمه بعد أن كثرَت النسخ بما كمل من شرح كاتبه، فاستعار من بعض الطَّلبة ما حصله منه أولًا فأولًا، وقرأتُ بخطه أنَّه شرع في شرحه في شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة، فكتب منه مجلدين في سنة، ثمَّ ترك إلى أن أكمل المجلد الثالث في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين، فلم يَعد إلى الكتابة فيه حتَّى شارف "فتح الباري الفراغ"، فصار يَستعير من بعض مَن كَتب لنفسه من الطلبة فينقله إلى شرحه من غير أن ينسبه إلى مخترعه، وقد رأيتُ أن أسوق في ذلك أمثلة كثيرة يتعجَّب منها كل من وقف عليها، ثمَّ أعود إلى إيراد ما أردتُ منه الجواب من اعتراضاته على فتح الباري؛ اهـ[6].

زاد السخاوي في "الضوء اللامع" - ترجمة العيني -: وطوَّل البدرُ شرحَه بما تعمَّد شيخنا حذفه من سياق الحديث بتمامه وتراجم الرواة واستيفاء كلام اللغويين ممَّا كان القصد يحصل بدونه وغير ذلك، وذكر لشيخنا عن بعض الفضلاء ترجيحه بما اشتمل عليه من البديع فقال بديهةً: هذا شيء نقله من شرح لـ: ركن الدين، وكنتُ قد وقفتُ عليه قبله، ولكن تركت النقلَ منه لكونه لم يتمَّ، إنما كتب منه قطعةً يسيرة، وخشيتُ من تعَبي بعد فراغها في الاسترسال في هذا المهيع بخلاف البدر؛ فإنه بعدها لم يتكلَّم بكلمة واحدة في ذلك، وبالجملة فشرح البدر أيضًا حافل، لكنه لم ينتشر كانتشار شرح شيخنا، ولا طلبه ملوكُ الأطراف من صاحب مصر، ولا تنافس العلماء في تحصيله من حياة مؤلفه وهلم جرًّا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء[7]؛ اهـ[8]].

قال بوعلام محمد بجاوي: و"شرحه على سنن أبي داود" من "معالم السنن"؛ للخطابي، وأكثَرَ من إسناد الكلام إليه].

وقرأتُ بخطِّه أيضًا في ترجمة الأديب المؤرِّخ الشهاب أحمد بن عبدالله بن الحسن بن طوغان الأوحدي (ت: 811) ما نصه: اعتنى بعمَل خطط القاهرة، ومات عنه مسودة، فبيَّضه الشيخ تقي الدين المقريزي [أبو العباس أحمد بن علي (ت: 845)، وسماه: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.

[تعليق: قال السخاوي في "الضوء اللامع" في ترجمة ابن طوغان الأوحدي: واعتنى بالتاريخ وكان لهجًا به، وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة تعب فيها وأفاد وأجاد، وبيَّض بعضها، فبيَّضها التقي المقريزي ونسبها لنفسه مع زيادات؛ اهـ[9].

وقال في ترجمة المقريزي: وصارت له فيه جملة تصانيف، كـ: "الخطط للقاهرة"، وهو مفيد لكونه ظفر بمسودة الأوحدي - كما سبق في ترجمته - فأخذها وزادها زوائد غير طائلة؛ اهـ[10]].

قلت [السخاوي]: وكذا عمل في "تاريخ مصر"؛ للقطب [قطب الدين عبدالكريم بن عبدالنور] الحلبي (ت: 735)؛ فإنه لم يبيِّض منه غير المحمدين وبعض الهمزة، فأخذ المسودة بتمامها، ولخَّص تراجمها، ولم ينسب له - فيما رأيت - ولا الترجمة الواحدة؛ اهـ نهاية النقل.

♦ [المقصود "المقفى الكبير - مطبوع بدار الغرب، غير تام"، يسمِّيه السخاوي "تاريخ مصر"؛ كما في الضوء اللامع (1 / 135، 175، 179، 191، 240)، وفي مواضع كثيرة يَكتفي بـ "تاريخه" (1 / 19، 27، 41، 144)، وكذا يسمِّيه المقريزي نفسه، قال في "السلوك لمعرفة دول الملوك": وقد اقتصصتُ في تاريخ مصر الكبير المقفى أخبار المرقص هذا؛ فانظره في حرف الميم تجده؛ اهـ[11]، وهو خاص بالتراجم، قال في مقدمة "السلوك": ويحوي أكثر ما في أيامهم من الحوادث والماجريات، غير معتنٍ فيه بالتراجم والوفيات؛ لأنِّي أفردتُ لها تأليفًا بديعَ المثال بعيد المنال؛ اهـ[12].

♦ وكتاب القطب الحلبي مفقود، والموجود "المنتقى من تاريخ مصر"؛ لابن خطيب الناصرية (ت: 843) مطبوع.

وصرَّح المقريزي - بعد ذلك - في ترجمة ابن طوغان في "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" باستفادته منه، قال: علَّقتُ عنه جملة أخبار، واستفدتُ منه كثيرًا في التاريخ (يريد المقفى)، وأعانني الله بمسودات من خطه في خطط القاهرة ضمَّنتُها في كتابي الكبير المسمى بكتاب "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"؛ اهـ[13]، وأسند عنه جملة أخبار[14]، ولعل سبب ذلك دفع التهمة عن نفسه].

والمقصود ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ [الأعراف: 85]، والقيام بحقِّ الأموات على الأحياء.