نصيحة الوزراء للشيخ مرعي الكرمي المقدسي الحنبلي

نصيحة الوزراء

للشيخ مَرْعي الكَرْمي المقدسي الحنبلي

الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي، المولودُ في طور كرم في فلسطين سنة 988 ونزيلُ القاهرة المتوفى فيها سنة 1033هـ، من العلماء الأعلام، وله مؤلفات متنوعة كثيرة، وطبع منها الكثير.

ومِنْ كتاباته هذه "النصيحة"، التي تُذكِّرُ بالعدل والإحسان، ورعاية العلم والعلماء.

وقد جاءتْ هذه "النصيحة" بلا عنوانٍ، ملحقة بـكتابه:

♦ "قلائد العقيان في قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان" في نسخة مدرسة الحجّيات في مكتبة الأوقاف العامة في الموصل[1].

♦ وجاءتْ كذلك في آخر كتابه الآخر "الكلمات البينات في قوله تعالى: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات" في نسخة برلين، ولكنها ناقصة من آخرها.

وعن هاتين النسختين أخرجها، لفائدتِها، ولما تلقيه من ضوءٍ على شخصية كاتبها وعصره، وهي لسانُ حاله، فقد عانى من الظلم كثيرًا.

وأُشيرُ إلى النسخة الأولى بـ (الأصل)، وإلى الثانية بـ (ب).

وقد جعلَ الشيخُ مرعي خاتمة كتابه "نزهة الناظرين في تاريخ مَنْ ولي مصر من الخلفاء والسلاطين" نصيحةً وموعظةً للسلطان مهمة، وهي تدلُّ كذلك على حرصهِ البالغِ على الخير، وميلهِ الشديدِ لإقامة العدل، وصلاحِ الحال، واستقرارِ الأمور. وفيها مِنْ "نصيحة الوزراء" بعضُ الجُمل.

♦♦♦♦♦♦

"نصيحة الوزراء"

(هذا، والدين النصيحة[2].

وشرفُ الوزراءِ الكرام، وأربابِ المناصب الفخام، هو فعلُ الخيرات، وإجراءُ الصَّدقات، ونشرُ الإنصاف والعدل، وإسباغُ النَّعماء والفضل، ونصرُ الخلق، ومعونة المُسْتحِق، والأخذُ بيد الضعيف، وإقامةُ الحقِّ على الشريف.

وإسعافُ فقراءِ العلماء مِنْ لوازم الدين، وشِيَمِ الملوك المَرضيين، إذ هُمْ حمَلةُ شريعة سيِّد المرسلين.

فامشِ - أيها الملكُ - على إثرِ أقوالهم، وإذا سُئِلتَ غدًا فاجعل الحوالةَ على سؤالهم، وأقمْ حدودَ الله على الشريف كما تُقام على المَشروف، فلا معروفَ إلا في التسوية بين أوامرِ المعروف.

واعملْ بوصيّة مولانا علي المُرتضى، لولديه الحسن والحسين - عليهم من الله الرضا -[3]، حيثُ قال لهما عند موته:

"قولا الحقَّ، وارحما اليتيمَ، وأعينا الضعيفَ، واصنعا للآخرة، وكُونا للظالم خصمًا، وللمظلوم أنصارًا، واعملا لله، ولا تأخُذْكم في الله لومةُ لائم".

فهي وصيةٌ جديرةٌ بأنْ تُتلقى بالقبول والتسليم، ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].

واللهُ تعالى يَجزي الحَسَنة بعشرِ أمثالِها، ولا يُضيعُ لنفسٍ مثقالَ ذرةٍ مِنْ أعمالِها.

فعليكَ باتّباع السيرة الحَسَنة، لتكونَ ممَّنْ سنَّ سُنَّة حَسنة.

ومِنْ ذلك التبصُّر في حال المظلوم، وجبرُ قلبهِ المكلوم.

فخيرُ سُنن الخير ما بقيَ على الدوام مخلدًا، وعُمِلَ به حتى يكون أجرُه على تردُّد الأيام مُردَّدًا.

وارحمْ مَنْ في الأرض يرحمك مَنْ في السماء، وقابل المظلومَ بسوابغ العدل والنَّعماء، اغتنامًا لدعائهِ فإنَّ دعاءَه مستجاب، ويرفعُ اللهُ دعوتَه فوق الغمام والسَّحاب.

وعليكَ[4] بجبرِ قلب مَنْ قصدَك، وبذلِ النوال لمَن استرفدَك، فما عُبِدَ اللهُ بأفضل[5] مِنْ جبر الخواطر، فاجعلْ ذلك دأبَك في الأول والآخر، فحكمة الله[6] مطويَّة فيما يأمرُ به على ألسنةِ رسله، وليستْ ممّا يستنبطه ذو العلم بعلمه، أو يستدلُّ عليه ذو العقل بعقله، ولم يأتِ نبأ الله إلا ليعبد له الدين، قائما على أصولهِ، صادعًا بحكم الله تعالى فيه[7] وحكم رسوله.

ومِنْ حُكم الله تعالى[8] أنَّ الشريفَ والمشروفَ في الحق سوا، ولا عبرة باتّباع الأغراض والهوى.

والفقيرُ[9] الضعيفُ في باب الإحسان أولى بالمُراعاة، مِنْ أرباب ذوي المال والجاه[10].

هذا، وقد صار طالبُ العلم، والمتوشحُ بوشائح[11] الفضل والحلم، والمنتظمُ في عِقد الشرع[12] وشرطهِ، والمُتَّسق في سلك[13] الخير وسمطهِ، لا قيمةَ له ولا مقدار، ولا يُعبأ به بين أهل هذه الدار[14]، إنْ تظلَّم فلا يُؤخذ بيدِه، وإن استرفدَ عُوِمل بضدِّه، إلا أنْ يُغيثه اللهُ بعبدٍ صالحٍ ذي مكانة، قد ثبَّت اللهُ في الخير مكانَه، فيَأخذُ بيده ويُسعفُه، ويُنجدُه وإنْ كان لا يعرفُه، طلبًا للأجر والثواب، واغتنامًا للفوز والاقتراب.

وفَّقنا اللهُ لما يُحبُّ من القول والعمل، وبلَّغنا المطلوب والأمل،

آمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين)[15].