رؤوس أقلام (2)

رؤوس أقلام (2)

♦ سعادة من نوع خاص:

أشعر بسعادة غامرة حين أنفي عن عالمٍ كتابًا ليس له، وأعيدُه - بتوفيقٍ من الله - إلى مؤلِّفه الحقيقي.

وكأني عندئذٍ أشاركُهما السرور:

سرور مَنْ نُفِيَ عنه ما لم يَقلْهُ، وما ليسَ له، ولا يتحمَّلُ مسؤوليته، وسرور مَنْ عاد إليه حقُّه الضائع.

•     •     •

♦ مِنْ حكمة داود:

عن حميد بن سالم أنَّ داود عليه السلام قال:

"رُبَّ كلامٍ ندمتُ عليه، وما ندمتُ على صمتٍ قط"؛ رواه الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق"؛ انظر: "مختصره" لابن منظور (83 / 3).

وهذه الحكمة جديرة أن تُكتب وتُعلق في مكان بارز، يذكِّر الإنسان بها نفسَه، وأهلَه، وزوَّارَه.

وهي تتجاوز قولَ الشاعر:

ولئن ندمتَ على سُكوتِكَ مرَّةً ♦♦♦ فلقد ندمتَ على الكَلامِ مِرارَا

•     •     •

♦ تقريبُ المتباعِدَين:

من فضائل الأعمال: إصلاحُ ذات البين، وتقريبُ النفوس المتهاجِرة، وتحبيبُ القلوب المتنافرة، وتجميعُ الوجوه المتدابرة، ولهذا في شريعتنا الغراء مكانة معلومة، وقد عجبتُ حين قرأت قولاً للتابعي الجليل وهب بن منبه الصنعاني أنَّ شريعة النبي المبتلى الصابر أيوب عليه السلام كانتْ بعد التوحيد: "إصلاح ذات البين"؛ كما في سيرته العطرة في "تاريخ دمشق" (59 / 10).

والواقع أنَّ هذا عمل شاق، ويَحتاج إلى فراسة وكياسة، وصبر ومُصابَرة، ولكن مَنْ جرَّبه رأى له مُتعةً عَجيبةً، وأحسَّ في نفسه منه قوة غريبة.

قال بعضُهم:

رأيتُ مِنْ أمٍّ شَكًّا في مشاعر ابنٍ لها، فبادرتُ إلى تأكيد حبِّ ذلك الابن لها، وذكرِه إياها بالجميل من القول في غيبتها، وإظهارهِ نيته بالبرِّ بها، وخدمتها، وتأمين متطلباتها... فهدأتْ نفسها، وارتاح قلبُها، وزال الشكُّ والعتبُ والتوجُّس.

أما أنا، فشعرتُ بسعادة كبيرة أني نجحتُ في شَعْبِ قلبين لا ينبغي لهما أنْ يَنكسِرا.

•     •     •

♦ الشروع ملزم:

دعوتُ في مقالٍ بعنوان: "مقالات متناثرة" إلى جمعِ مقالاتِ عددٍ من العلماء المحقِّقين، وفاتني أن أذكر منهم الشيخ عبدالقادر المغربي، وله مقالاتٌ لغويةٌ وتاريخيةٌ مهمَّةٌ جدًّا، وقد تصدَّى لجمعها لنفسه الأخُ العزيزُ سيِّد أحمد بن جمال نورائي (وهو خريج كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة)، وله أعمالٌ أخرى، فقد دأب مدةً على تتبع المجلات والمنشورات القديمة، ولكنه لم يَطبع من أعماله شيئًا إلا بحثًا واحدًا بعنوان: (كتاب "إحياء النحو" وأثره في محاولات تيسير النحو) كان قد قدَّمه في مادةٍ مقررةٍ في برنامج الدراسات العليا (الماجستير) في جامعة الشارقة، ونُشر في المجلة الأحمدية، العدد (21) (1426هـ - 2005).

وقد اجتاز الأخُ المذكورُ السنة التمهيدية بامتيازٍ، وسجَّل عنوانَ رسالة علمية في التخصص، مادَّتُها لديه ولكنه لم يَكتبْها، وأعرض عن البرنامج كله!

وأقول له هنا: يا سيِّد أحمد، الفقهاء يَقولون: الشروع ملزم.

•     •     •

♦ أبيات حسان:

لابن خلكان ذوقٌ شعريٌّ عالٍ؛ يَظهر في اختياراته وإنشاداته في "وفَيَات الأعيان".

وفي مكتبة مطهري في إيران مخطوطٌ بعنوان "الأبيات الحسان المجرَّدة من وفيات الأعيان" لمجهولٍ، يقع في (200) ورقة، والنسخة مكتوبة سنة 1252هـ، ورقمها (3314).

وليت أحد الأدباء يعتني بنَشرِه.

•     •     •

♦ الأحاديث القصار:

للعلامة علي القاري الحنفي المكي "أربعون حديثًا من جوامع الكلم" في صفحة واحدة، نسختُها عام 1400هـ من نسخةٍ في مكتبة المتحف العراقي ببغداد، ونشرتُها في مجلة الضياء، الصادرة عن دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي.

ورأيتُ للشيخ الباحث أديب الكمداني: "من قصار الأحاديث النبوية الصحيحة"، وهما يشتركان في الأحاديث الآتية - والأرقام لكتابِ الكمداني -:

6 - ((لا تغضبْ)).

75 - ((الندمُ توبة)).

76 - ((تهادوا تحابُّوا)).

77 - ((أكرموا الخبز)).

80 - ((اشفَعوا تُؤجروا)).

82 - ((أعلِنوا النكاح)).

93 - ((المستشار مُؤتمن)).

104 - ((الدين النصيحة)).

111 - ((العينُ حقٌّ)).

112 - ((أرحامَكم أرحامَكم)).

120 - ((العارية مؤدَّاة)).

145 - ((الأيمن فالأيمن)).

170 - ((كبِّر كبِّر))، وعند الشيخ القاري: ((الْكُبْرَ الْكُبْرَ))؛ الشيخان.

وللسيوطي من قبل: "درر البحار في الأحاديث القصار" لم يُطبَع، ولأحد العصريين وهو الشيخ عبدالله التليدي كتابٌ في ذلك أيضًا هو: "جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار"، وثم غيرهما.

•     •     •

♦ أسئلة عن كتب:

♦ سألتُ الأستاذ الشيخ محمد عوامة في أول عهدي بطلب العلم عن كتاب "عرائس المجالس"؛ للثعلبي، فنهاني عن اقتنائه وقراءته.

♦ وسألتُ الأستاذ الشيخ عبدالفتاح أبو غدة عن كتاب "مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء" الذي طُبع في بغداد بتحقيق الأستاذ محمد جاسم الحديثي منسوبًا إلى أبي حامد الغزالي، فقال لي: الغزالي نبْع، وهذا جَمْع.

♦ وسألتُ الدكتور الشيخ محمد عبدالرحيم سلطان العلماء عن نسبة كتاب "سواد العينين في مناقب أبي العلمين" إلى الإمام عبدالكريم الرافعي (ت: 623هـ)، فقال: "أسلوبه لا يُشبِه أسلوب الرافعي، وفيه أشياء غريبة".

•     •     •

♦ المسلمون والمساجد:

حبَّذا تشجيع المسلمين على تقوية علاقتهم ببيوت الله، ويكون هذا بوسائل؛ منها نشر كتب تولت بيان فضائلها، ومن ذلك:

♦ إتحاف الساجد لفضيلة المساجد؛ لحسن بن هاشم بن محمد العيدروسي، أوله: "الحمد لله الفتاح الوهاب"، منه نسخة بخط المؤلف، فرغ منه يوم السبت 4 من محرم سنة 1267هـ، ويقع في 132 ص، وهو ضمن مخطوطات المكتبة العباسية في البصرة برقم ب - 74؛ انظر: الفهرس (ص: 212).

♦ ومنها: "فضل عمارة المساجد" المذكور في "أسانيد المصريين" (ص: 509).

وحبذا تَقصِّي ما جمعه العلماءُ وألَّفوه في هذا الموضوع أيضًا.

•     •     •

♦ تراجع الزمان:

في صحيح البخاري: عن الزُّبَيرِ بن عَديٍّ قال: أتينا أنَسَ بن مالك فشكونا إليه ما نَلقى من الحَجَّاج فقال: "اصبِروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعده شرٌّ منه حتى تلقَوا ربكم، سمعتُه من نبيِّكم صلى الله عليه وسلم".

وقد عبَّر الشعراء عن ذلك، فقال أبو العتاهية:

يا ربِّ لم نبكِ من زمانٍ ♦♦♦ إلا بكينا على زمانِ

كما في ديوانه (ص: 433).

وقال آخر:

رُبَّ يومٍ بكيتُ فيهِ فلمَّا ♦♦♦ صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليهِ

وقال آخر:

عتبتُ على عَمْروٍ فلما تركتُهُ ♦♦♦ وجرَّبتُ أقوامًا بكيتُ على عَمْرِو

•     •     •

♦ نقد عادات:

لبعضِ الناسِ همٌّ في المعالي فلا ينفكُّ نحوَ المجدِ سَيْرَا وبعضٍ ما له همٌّ سوى أنْ يُنظِّفَ أنفَهُ في اليومِ عَشْرَا!