• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

ويضل الله الظالمين

خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/4/2014 ميلادي - 28/6/1435 هجري

الزيارات: 32376

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ويضل الله الظالمين


حين يَكثُر الظلم، ويشتدُّ القهر، وتَشتعِل الأرض، ويُداهن العالِم، ويَنتفِش الظالم، وتأخذه العزة بالإثم، وتُفرحه كثرة الظلم والطغيان، وتُسكِره لذة القتل والعصيان، وتُسعِده مَشاهد الأجساد المؤمنة المُحترقة - يتَّجه المؤمن إلى سورة إبراهيم، وساعتها تتكشف له آيات كريمة، ومعجزات عظيمة، فأستار الزيف والوهم التي يَسوقها الظالم لتبرير أعماله والتمادي في ظلمه ما هي إلا عدم توفيق من الله له، وكل تلك الأسباب تتزايد حين يأمر المستبدُّ جنوده بصرف الألوهية له، وحين يُكرِه الناس على السجود لشخصه، وحين يدمِّر دين الله باسم الجبروت ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].

 

يُخبر تعالى أنه يُثبِّت عباده المؤمنين الذين وقر الإيمان في قلوبهم وصدَّقوه بالعمل، يُثبِّتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالهداية إلى الحق المُبين، يُؤثِرون مراد الله على مرادِهم، ويَجعلون أمر الله فوق أمرِهم، ويُطيعون ربهم دون ما سواه، فلا يَنزلِقون عند الشدائد، ولا يتزلزلون أمام المكايد، وعند الموت بالثبات على الإسلام، والتوفيق لحسنِ الختام، وفي القبر بالجواب الصَّحيح عند سؤال الملكَين، إذا قيل للميت: "مَن ربك؟ وما دينُك؟ ومَن نبيُّك؟"، هداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن: "الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي"، ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ عن الصواب في الدنيا والآخرة، وما ظلَمَهم الله ولكنهم أنفسهم يَظلِمون، فلا تبشُّ لهم أرضٌ، ولا تتَّسع لهم قبور، ولا تَبكي عليهم سماء؛ لأنهم بدَّلوا نعمة الله كفرًا، وخرَبوا البلاد، وظلموا العباد، وجعلوا لله أندادًا؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ [إبراهيم: 28 - 30].

 

ثبات المؤمنين أمام مكر الظالمين وابتلاء رب العالمين... كيف؟ هناك مِن زمن بعيد كان يوجد ملك جبار ظالم، يَعبده الناس خوفًا من بطشه، وفي مكان بعيد عن قصره كان يَعيش راهب يَعبُد الله وحده، وفي هذا الوقت ظهر غلام ذكيٌّ والتقى الراهب، الذي أخذ يُحدِّثه عن الجنة والنار، والثواب والعقاب، وفي أحد الأيام شاهَد الغلام دابةً عظيمة تمنَع الناس من المرور وهم خائفون منها، فأخذ الغلام حجرًا وقذَف الدابة به وهو يقول: اللهمَّ إن كان كلام الراهب حقًّا، فاقتل الدابة، فماتَت، ففرح الناس ومرُّوا، وانتشرت قصة هذا الغلام بين الناس حتى وصلت إلى الملِك، وكان من بين رجال الملك رجل أعمى، فذهب إلى الغلام وقال له: اشفِني، فردَّ عليه الغلام قائلاً: إن آمنتَ بالله ودعوتَه شفاك، آمَن الرجل بالله ثم دعا الله أن يَشفيه فشفاه الله وردَّ إليه بصرَه، نظر الملك إلى الرجل قائلاً: من الذي ردَّ إليك بصرَك؟ قال الرجل: ربي، عندئذٍ تهلَّل وجه الملك وقال: أنا الذي شفيتُك، فردَّ عليه الرجل قائلاً: لا، إن الذي شفاني هو الله، قال الملك: وهل لك ربٌّ غيري؟ أجاب الرجل: نعم، ربي وربك هو الله وحده، غضب الملك وبعث جنوده إلى الغلام فأحضَروه، فقال له الملك: كيف رددتَ على الرجل بصره؟ قال الغلام: أنا لم أردَّ عليه بصره، ولكن ربي - عز وجل - يستجيب دعاء المؤمن إذا دعاه! قال الملك: تَقصدني أنا طبعًا؛ فأنا ربكم جميعًا، رد الغلام: لا، إن ربي وربك هو الله الذي خلَقني وخلقك وخلقَ كل الناس، وخلَق كل شيء في الكون، أمر المَلِك رجاله أن يُعذِّبوا الغلام حتى أرشدهم إلى مكان الراهب فجاؤوا به، وقال له الملك: ارجع عن دينك، فرفض وثبت على مبدئه الحق، كان يجب على الملك أن يعود؛ لكن أضله الله فما عاد! فوضع المنشار في رأسه حتى شقَّه نصفَين، ثم جاء بالغلام وقال له: ارجع عن دينك، فرفض الغلام، أمر الملك رجاله أن يأخذوا الغلام إلى جبل مُرتفِع ثم يَقذفوه من أعلى الجبل، وعندما بلغوا قمَّة الجبل دعا الغلامُ ربَّه أن يَحميه، فاهتز الجبل برجال الملك فسقطوا جميعًا، ورجع الغلام إلى الملك، فقال له الملك: ماذا فعل رجالي معك؟ ردَّ الغلام بقوله: حماني الله تعالى منهم، كان يجب على الملك أن يعود؛ لكن أضله الله فما عاد! بعث الملك رجالاً آخَرين وأمرَهم أن يَقذِفوه في البحر، فدعا الغلام ربه، وغرق رجال الملك وعاد الغلام سالمًا إليه، فتعجَّب الملك مِن أمرِ الغلام، كان يجب أن يرجع عن عناده؛ لكن أضله الله فما رجع! وأصرَّ على أن يقتله، وعندئذٍ قال الغلام: أيها الملك، إذا أردتَ أن تَقتُلني فاجمع الناس في مكان واحد ثم اربِطني على جذع شجرة وخذ سهمًا ضعه في القوس ثم ارمني به وأنت تقول: باسم الله رب الغلام، فعَل الملك ما أشار به الغلام، ثم رماه بالسهم فوقع السهم في وجه الغلام ومات، فقال الناس جميعًا بصوت واحد: آمَنَّا برب الغلام، قال الجنود للمَلِك: لقد حدَث ما كنتَ تَخافه؛ فقد آمن الناس كلُّهم برب الغلام، وتأكَّدوا أنك لست ربًّا لهم، فغضب الملك على مَن رفضوا أن يَستمروا في عبادته وعبدوا الله وحده، أمر الملك الظالم بحفر الأخاديد (الشقوق المستطيلة في الأرض) وأشعل فيها النيران، وألقى المؤمنين وهو جالس مع جنوده على الكراسي حول الأخاديد يَنظرون إلى المؤمنين وهم يَحترقون، وهذا ما سجَّلته سورة البروج: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 1 - 8].

 

وابتَلى الله فراعنة بني إسرائيل بالآيات الواحدة تلو الأخرى؛ لكنهم لم يَثوبوا إلى رشدِهم، ولم يُقلِعوا عن ظلمهم، ولم يرجعوا إلى ربهم؛ ﴿ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 48]؛ آية العصا: ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 107]، ثم آية يده البيضاء: ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الأعراف: 108]، هل رجعوا؟ هل اتَّعظوا؟ كلا!

 

ثم توالت الآيات: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130] قحطٌ ونقص الثمرات، وبعد سنين القحط جاءت الآية الخامسة، وهي الطوفان، والطوفان حادث يتكرَّر في أرض مصر، وفيه خير كبير، ولكن إذا كان زائدًا عن حدِّه، وطال الزمن قبل انحساره، أصبح نقمة بدلاً من أن يكون نعمة، ثم الجراد، الذي قضى على أحلامهم بإتلافه الزرعَ من بين أيديهم، فالقمل الذي يَكثُر ويَزداد في الأرض الرطبة بسبب الطوفان، فكان مصدر قلق وعذاب كبير، فالضفادع؛ حيث تكوَّنت الترع والبِرَك بعد انحسار الطوفان، وكثر وجود الضفادع، فزاحمتهم في أماكن عيشهم ومياه شربهم، وعكَّرت صفْوَ أيامهم ولياليهم، ثم كانت آية الدم؛ حيث ابتُليت أرض مصر بانتشار مرض البلهارسيا بسبب قواقع تعيش في المياه الراكدة، فسبَّبت لهم نزف الدم مع البول، وقد جُمعت تلك المعجزات في قوله تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ﴾ [الأعراف: 133]، هل اتَّعظوا؟ هل تابوا؟ هل استقاموا؟ كلا؛ وإنما أخذهم الاستكبار والإجرام فأضَلَّهم الله؛ ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133].

 

﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ [إبراهيم: 27]، كل تلك الآيات المُزلزلة لفرعون وجنده وقومه، لم تَزِد فرعون سوى تجبُّرًا وعنادًا وإجرامًا، لكنَّ هناك أمرًا جللاً؛ ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63].

 

وعندما ذهب موسى عليه السلام برسالة ربِّه إلى فرعون الذي طغى، وأظهَرَ له آيتين من آيات ربه، وهما العصا التي تَنقلِب ثعبانًا، واليد التي يُخرجها بيضاء، فادَّعى فرعون أن ذلك سحر، وطلَبَ مِن موسى وهارون تحديدَ موعد آخر؛ حتى يَجمع السحرة ليُبطلوا ما جاء به موسى من آيات، فحدَّد لهم موسى عليه السلام الموعد - كما جاء في القرآن - في يوم معلوم، هو يوم الزينة؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 59]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الشعراء: 38]، فجمع الناس، وأراد الظالم المستكبر فرعون أن يصرف الناس عن موسى عليه السلام وأن يدحض الآيات، فانقلب السحر على الساحر؛ ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]، ﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 120 - 122]، فكان ردُّ فعل الغبي: ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، فردُّوا عليه: ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73].


كان الأَولى لفرعون بعد أن رأى تلك الآية المُعجزة أن يفرَّ هاربًا مذعورًا إن كان مصرًّا على عناده وكفرِه، لكن لأنه ظالم أضلَّه الله، لم يفعل أيًّا مِن ذلك فرعونُ، بل كعادة كل الطغاة سار باطمِئنان الجاهل، واستِخفاف الغافل، يُريد اللحاق بهؤلاء الفارِّين، تصوَّرَ المغفَّل أن البحر الذي انشقَّ بهذه الصورة المُعجزة ليُنجي موسى وبني إسرائيل سيُنجيه معهم، بل وسيُمكنه من الإمساك بهم، فوجد الغبي نفسه فجأة في وسط الماء، فأدرك مَصيره المحتوم؛ وحاول أن يَستدرِك ما فاته، ولكن الله العدل لم يُمكنه مِن النطق بكلمة التوحيد إلا في الوقت الضائع؛ حيث لا ينفع أحدًا إيمانُه، فكان سوء الخاتمة جزاءً وفاقًا لما ارتكبه مِن جرائمَ وحشية في حق الشعب، ومِن تطاوُل على رب العزة حين ادَّعى - وهو الحقير الذليل - أنه الإله المعبود، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن جبريل عليه السلام جعل يدسُّ في فم فرعون الطين؛ خشية أن يقول: لا إله إلا الله، فيَرحمه الله))؛ أخرجه ابن حبان والترمذي وصحَّحه الألباني.

 

غرق فرعون بجهله وغبائه، بعناده واستكباره، وتحقَّق أمر الله العليِّ العظيم، حين قال: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]، نعم، يضلُّ الله الظالمين، يُسلِّط عليهم الغفلة والغباء، فتكون بها نهايتهم، والتي فيها عِبرة لكل مُعتبِر.

 

غرق فرعون في الماء في اليوم العاشر من شهر محرم، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم يوم عاشوراء كل عام؛ احتفالاً بهلاك الظالم، واحتفاءً بانتصار الحق؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على الأيام إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء"؛ متفق عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وصيام يوم عاشوراء؛ إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنَة التي قبله))؛ رواه مسلم.

 

أما فرعون، فقد أضلَّه الله ثم بيَّن مصيره ومن معه: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

 

كانت قريش أكثر عددًا، وأقوى عدَّة، وخرجت ظلمًا وبغيًا، والبغي مدمِّر، والظلم عواقبه وخيمة، أدرك ذلك أبو سفيان؛ فأرسل إلى قريش يأمرُهم بالرجوع؛ فالعير قد نجَت، فأبَى أبو جهل وقال قولةَ البغي والاستعلاء: "والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا، فنقيم عليه ثلاثًا، ننحر الجذور، ونشرب الخمور، وتُغنينا القيان، ويتسامَع بنا العرب؛ فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر"، ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ عند ذلك صاح أبو سفيان - وقد استشعَرَ فداحة الهزيمة -: واقوماه! هذا عمل عمرو بن هشام، كره أن يَرجِع؛ لأنه ترأس على الناس فبَغى، والبغي منقصة وشؤم، إن أصاب محمد النفيرَ ذَللْنا، هكذا الطغاة الظالمون يَحلمون بالتسلط، ويَفرحون بالاستبداد، ويتشبثون بالعناد، لكن الله لا يريد ذلك للمؤمن فحذَّره أن يكون كهؤلاء: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [الأنفال: 47]، فأين هذا المخرَج من خروج الذين قال الله عنهم: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وقال الرسول في دعائه لهم: ((اللهمَّ إنهم جياع فأَشبِعهم، عُراة فاكْسُهم، حفاة فاحْمِلْهم))؛ رواه أبو داود.

 

المؤمنون استجلَبوا التثبيت، فكانوا يَقطعون طريقهم بذكر الله، ويَستسهِلون صعبه بالصوم والصلاة، ويتغلَّبون على وعثائه بالحب والإخاء، وفوق كل ذلك كانوا في صحبة رسول الله الذي خلا بهم، وفرغ لهم، يُصبِّحهم ويُمسِّيهم، يُراوِحهم ويُغاديهم، ما يَحجبه عنهم ليل، وما يَحجبهم عنه ستار، والأقدار الرحيمة تُبعدهم عن رغائبهم، وتُثبِّتهم على دينهم الحق ومبدئهم الأصيل: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، ويد الله الرحيمة تُدنيهم إلى ما أراده الله لهم، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 7].

 

الكافرون الظالمون - ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254] - حطَّمهم الغرور الأحمق، والجهل المُطبق، والاستهانة بقوة المؤمنين، فخدَعهم الشيطان؛ ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48]، وهكذا يُزيِّن لهم الشيطان، ويُضلُّهم الرحمن، ويتبرأ منهم الإيمان، فلا يُفلحون في الحياة الدنيا ولا في الآخرة ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ﴾، وفي الأخير فِعلُ الله فوق فعل البشر، وأمر الله فوق أمر البشر، وقوَّة الله فوق قوة البشر؛ فهو الناهي الآمر، وهو القاهر القادر يأمر بما يُريد، ويفعل ما يشاء؛ ﴿ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع الظالمين
  • ولله مع الظالمين سنن وأيام
  • الاقتصاص من الظالم للمظلوم والإيمان بالجنة والنار
  • لنهلكن الظالمين (خطبة)
  • تحريم معاونة الظالم في ظلمه
  • يالحسرة الظالمين، ويالسوء منقلبهم!
  • يا ويح الظالمين! ماذا ينتظرهم!

مختارات من الشبكة

  • ندم الظالمين (ويوم يعض الظالم على يديه)(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنيس المظلومين (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الحكمة من تأخير هلاك الظالمين؟(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وما هي من الظالمين ببعيد}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عاقبة الظالمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب