• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

حتى لا تغرق السفينة

حتى لا تغرق السفينة
سالم محمد أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/3/2025 ميلادي - 22/9/1446 هجري

الزيارات: 793

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حتى لا تغرقَ السفينة

 

تخيلوا سفينةً عظيمةً تمخر عُباب البحر، تحمل على متنها قومًا من شتى المشارب والطِّباع، تتلاعب بها الأمواج، وتعصف بها الرياح، وهي في رحلتها بين الحياة والموت، وفجأة، يخرج بعض ركَّابها بفكرة "بريئة"، يقولون: "لماذا نزعج غيرنا في كل مرة نحتاج فيها إلى الماء؟ فلنخرق نصيبنا من السفينة، فنأخذ حاجتنا دون أن نؤذي أحدًا"!

 

إنها فكرة تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طيَّاتها الهلاك، فلو تُرك لهم الأمر، لَغرقت السفينة بأسرها، ولكان الجميع في أعماق البحر سواءً بسواء.

 

بهذا التصوير البليغ، يضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا لحال المجتمعات، وكيف أن مصيرها بأيدي أهلها، فإن سكتوا عن الفساد، وتركوا العابثين يخرِقون سفينتهم، غرِقوا جميعًا، وإن قاموا بواجبهم في منع الباطل، نجا الجميع.

 

فما أشبه هذا المَثَل النبوي بحالنا اليوم! والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن ممن يحفظ السفينة، أم ممن يخرقها بأيدينا؟

 

أولًا دعونا ننظر في نصِّ هذا الحديث البليغ العجيب؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ القائم على حدود الله والواقعِ فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء، مروا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا، ونجَوا جميعًا))؛ [رواه البخاري].

 

نعم، يُحدِّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث العجيب، فيرسم أمام أعيننا صورةً تكاد تتحرك بالحياة، صورة سفينة في بحر لجيٍّ، امتلأت بأقوام قُسمت بينهم بالمساهمة والمقاسمة، فكان لبعضهم أعلاها، وكان لبعضهم أسفلها، والبحر يموج بهم بأمواجه، والرياح تعصف بهم كما تعصف الأيام بالأُمم والمجتمعات.

 

هذه السفينة ليست سفينةً من خشب ومسامير، بل هي سفينة الحياة التي تحملنا جميعًا، سفينة المجتمع الذي يعيش فيه البَرُّ والفاجر، والمحسن والمسيء، والقائم على حدود الله والمنتهك لها، ولو تأملنا هذا المثل النبويَّ العظيم، لوجدناه يعكس صورةً خالدةً لحال الأمم عبر العصور؛ إذ لا تخلو أُمَّة من فئتين: فئة تعيش في طاعة الله، تحفظ حدوده، وتقيم أمره، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأخرى متساهلة متهاونة، لا تبالي بالحلال والحرام، ولا تقيم للدين وزنًا، وقد تكون هذه الفئة في مواقع مختلفة من المجتمع، لكنها متصلة به لا محالة، كما يتصل من في أسفل السفينة بمن في أعلاها.

 

إرادة الإفساد باسم المنفعة:

انظروا كيف كانت حيلة أهل السفينة الذين في أسفلها، لم يكونوا يفكرون في الإضرار بأحد، ولا كانوا من أهل العناد والمشاكسة، بل هم في نظر أنفسهم قوم عمليُّون، يريدون أن يُسهلوا على أنفسهم الحياة، وأن يتجنبوا المرور على من فوقهم، كلما احتاجوا إلى الماء، فكانت فكرتهم "البسيطة" أن يخرِقوا نصيبهم من السفينة، بحُجة أنهم لا يريدون إزعاج أحد.

 

لكن الجريمة لا تصبح عدلًا لمجرد أن صاحبها زيَّنها لنفسه، والباطل لا ينقلب حقًّا؛ لأن فاعله يراه أمرًا يسيرًا، فلو تُرك لهم الأمر، ولو أُخذ بمنطقهم، لكانت العاقبة أن تغرَق السفينة كلها، لا هؤلاء وحدهم، بل من فوقهم أيضًا، بل كل من فيها، بلا استثناء.

 

وهذا هو حال المجتمعات حين يُترك الفساد يستشري، ويرتفع صوت دعاة الانحلال الذين يتذرعون بالحرية، ويروِّجون للإباحية، ويدَّعون أن لكلٍّ "مساحته" في السفينة، لا يحِق لأحد أن يمنعه من التصرف فيها كيف شاء، ولا يدركون أن السفينة واحدة، وأن خرقها في أي موضع منها هلاكٌ للجميع.

 

السبيل إلى النجاة:

وفي ختام هذا المثل العظيم يضع لنا النبي صلى الله عليه وسلم القاعدة التي لا بد منها لحفظ السفينة ومن فيها: ((فإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا))، فليس الإصلاح أن ينشغل الصالح بنفسه، ويعتزل الناس، ويقول: "أنا في مكاني آمن"، بل إن نجاة السفينة مرهونة بأن يقوم أهل الحق بواجبهم، فينهوا الجاهل عن جهله، ويردعوا الظالم عن ظلمه، ويمنعوا المخطئ من خطئه، ويُوقفوا المفسد عن إفساده، فإن فعلوا ذلك نجَوا هم، ونجا معهم غيرهم، أما إن تهاونوا، واكتفَوا بالجلوس في أماكنهم مطمئنين بأن الخرق بعيد عنهم، فإن الغرق سيأتيهم لا محالة.

 

وهكذا هي سُنن الله في الأمم، فحينما يسكت الأخيار، ويستكين الصالحون، ويدَعون أهل الفجور يعيثون في الأرض فسادًا بحُجة أنهم "أحرار فيما يفعلون"، تكون النهاية أن يغرق الجميع، وليس أدلَّ على ذلك من سنن التاريخ، فأين هي الأمم التي شاعت فيها الفاحشة، وانتشرت فيها المنكرات، وترك فيها المُصلحون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين هي تلك الحضارات التي أعرضت عن شرع الله، وظنت أنها في مأمن من عذابه؟

 

السفينة ما زالت تُبحر:

إن سفينتنا اليوم تمخر عباب هذا الزمان المضطرب، تتقاذفها الفتنُ من كل جانب، وقد ظهر بيننا من يريد أن يخرقها باسم الحرية، أو التقدم، أو الحقوق؛ ولكن الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا))، لا نجاة إلا إذا قام أهل الحق بمسؤوليتهم، لا نجاة إلا إذا أخذوا على أيدي العابثين، وحفِظوا السفينة من الغرق، وأقاموا حدود الله التي بها تحيا الأمم، وتستقيم المجتمعات.

 

ولكن دعونا نقف بعض الوقفات بشيء من العمق من هذا المثل النبوي:

• الأمة سفينة واحدة: إن المجتمع بأفراده يشبه السفينة التي تجمع الركاب على ظهرها، لا فرق في المصير بين من كان في أعلاها، ومن كان في أسفلها، فإن غرِقت غرِق الجميع، وإن نجت نجا الجميع، فليس في الدنيا عزلة مطلقة، وليس فيها نجاة فردية، بل هي سنة الله في خلقه؛ فإن الخير والشر في المجتمع مشترك الأثر، فمن ظن أن الشر إذا وقع، أصاب أصحابه فقط، فقد أخطأ، فإن النار إذا اشتعلت في طرف السفينة لم تقف عنده، بل تأتي على كل ما فيها، والماء إذا دخلها غرِق الجميع.

 

• المنكر لا يكون شرًّا في ظاهره فقط، بل في عواقبه: نظر أهل الطابق السفليِّ إلى حاجتهم للماء، ورأوا أن خرق السفينة حلٌّ عمليٌّ وسريع لمشكلتهم، ولم يدركوا أنهم بذلك يفتحون باب الغرق لهم ولغيرهم، وهكذا شأن كل من يظن أن المنكر أمر شخصي لا علاقة للآخرين به، فكم من معصية بدأها صاحبها في دائرته الضيقة، ثم انتشرت حتى أفسدت أممًا بأسرها!

 

• المصلحون هم صِمام الأمان للمجتمع: لو تُرك أهل الطابق السفلي لفعلتِهم، لهلكوا وهلك الجميع، ولكن لو قام أهل الطابق العلوي بمنعهم من فعلتهم، نجَوا ونجا الجميع، وهكذا يكون المصلحون في كل زمان، هم حرَّاس المجتمع، فإن سكتوا عن الفساد واستسلموا، نزل البلاء على الكل، وإن وقفوا في وجه الباطل وأصلحوا ما فسد، كان فيهم النجاة، ولو بعد حين.

 

• الحرية المطلقة وَهْمٌ خطير: يظن بعض الناس أن له الحق في أن يفعل في "مساحته الخاصة" ما شاء، كما ظن أهل الطابق السفلي أن لهم الحق في خرق السفينة في "نصيبهم"، ولم يدركوا أن السفينة واحدة، وأن الضرر سيصيب الجميع، فلا حرية لأحد في أن يفسد، ولا خصوصية لمن يضر غيره، والمجتمع ليس ساحة مفتوحة لكل عابث، بل هو أمانة يُسأل عنها الجميع.

 

• ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للهلاك الجماعي: إن من أعظم أسباب هلاك الأمم سكوتَ أهل الحق عن الباطل، وتركهم للمنكرات تنتشر بلا إنكار؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]، فليس الخطر في وجود الشر وحده، بل في سكوت الناس عنه حتى يصبح أمرًا واقعًا يكتوي بناره الجميع.

 

• الفساد يبدأ صغيرًا ثم يعُم الجميع: لم يكن خرق السفينة إلا فكرةً عابرةً في عقول أصحابها، ولكن لو لم يُمنعوا لأصبح واقعًا، ولَتحولت قطرة الماء المتسربة إلى طوفان يبتلع الجميع، وهكذا كل فساد؛ يبدأ في ركن مهمَل، ثم ينتشر حتى يُغرق المجتمع كله، فلا بد من الوقوف ضده من بدايته، ووأده في مهده.

 

• المجتمع وحدة متماسكة، وفساد جزء منه يُفسد الكل: لو أن إنسانًا اشتعلت النار في بيته، فلن يقف ساكنًا لأن بقية الحي آمن، بل سيصرخ طلبًا للمساعدة؛ لأن النار لا تعرف الحدود، وكذلك الشر إذا بدأ في مكان ما من المجتمع، فلا يجوز أن نقول: "هذا شأنهم"، بل لا بد من إطفاء الحريق قبل أن يأتي علينا جميعًا.

 

• العقوبة الجماعية نتيجة طبيعية للإهمال الجماعي: حين تترك المجتمعات الظلمَ ينتشر، والفساد يستشري، والمعاصيَ تتكاثر، فإنها بذلك تمهِّد الطريق للهلاك العام؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب))؛ [رواه الترمذي]، فالعذاب حين ينزل لا يفرق بين الصالح والطالح، إذا لم يقُم الصالح بواجبه في منع الشر.

 

• المصلحون ليسوا مجرد واعظين، بل هم حرَّاس المجتمع الحقيقيون: كثيرون يظنون أن دور الناصحين والمصلحين هو مجرد الكلام والوعظ، ولكنهم في الحقيقة جنود على ثغور المجتمع، يحرسونه من السقوط، ويحمونه من الهاوية، فلولاهم لغرِق المركب، وهلك الجميع؛ ولذلك كان الأنبياء والعلماء والمصلحون عبر التاريخ هم سبب نجاة الأمم، وهم الذين يوقظون الغافلين قبل فوات الأوان.

 

• كل فرد مسؤول عن السفينة، ولا يُعفى أحد من دوره: ليس في الحديث ذِكر لحاكم أو قاضٍ أو رجل ذي سلطة، بل الحديث موجه لكل فرد في السفينة، سواء كان في أعلاها أو أسفلها، فلا يظُنَّنَّ أحد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على العلماء أو الحكَّام فقط، بل هو مسؤولية فردية على كل قادر على التغيير، ولو بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة، فبذلك تُحفظ السفينة، ويُكتب للناس النجاة.

 

فيا أيها الناس، إن الله قد جعل لكل أمة سفينةً تحملها عبر أمواج الحياة المتلاطمة، تحملها في بحر الزمان، تارةً تنجو بها الرياح اللطيفة، وتارةً تتقاذفها العواصف العاتية، وإن سفينتنا هذه، سفينة مجتمعنا وأمتنا، قد أثقلتها الذنوب، وأرهقتها المعاصي، وقد اشتدت عليها رياح الفتن حتى أوشكت أن تغرَق، فهل نحن من الناجين أم من الهالكين؟

 

إن في حديث السفينة الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عِظةً لكل ذي قلب سليم، فهو ليس مجرد تصوير بليغ لحال القوم الذين استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، بل هو رسم دقيق لمصير الأمم، حين يغفُل المصلحون، ويطغى الغافلون، فيظن أهل الشر أنهم أحرار فيما يفعلون، ويظن أهل الخير أن لا دخلَ لهم في إصلاح السفينة، فيكون الهلاك للجميع.

 

إن القوم الذين كانوا في أسفل السفينة لم يكونوا يريدون إيذاء أحد، لم يكونوا يحقدون على من فوقهم، بل أرادوا حلًّا لمشكلتهم، فقالوا: ((لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ من فوقنا))، وهكذا هو حال كثير من الناس اليوم، يفتح باب المنكرات، ويجلب الفساد إلى بيته، ويظن أنه لا يضر إلا نفسه، يقول: "أنا حرٌّ في حياتي، لا شأن لأحد بي"، ولكنه لا يعلم أن السفينة واحدة، وأن الخراب الذي يُحدثه، إن تُرك وشأنه، فسيأتي على الجميع، فلا يُبقي على أحد.

 

أيها الناس، إن النار حين تشتعل في بيت في الحي، لا تبقى محصورةً في جدرانه، بل تنتقل إلى جيرانه، حتى تأكل الأخضر واليابس، وإن المعصية إذا استُصغرت، والفساد إذا تُرك دون نهيٍ، لم يبقَ شره مقتصرًا على صاحبه، بل انتشر حتى يعم الأمة كلها، فتنزل العقوبة، ويحل الهلاك، ولا يفرَّق بين الصالح والطالح؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].

 

يا أيها الصالحون، لا تتركوا السفينة تغرق:

إن كثيرًا من أهل الخير اليوم قد اعتزلوا الأمر، يئسوا من الإصلاح، وانشغلوا بأنفسهم، وقالوا: "دعونا وشأننا، نعبد الله في بيوتنا، وننأى بأنفسنا عن هذا الطوفان الهائج"، ولكن هل ينجو الراكب في السفينة إذا اشتعلت النيران في أسفلها؟ هل يمكن أن يعيش أحد وحده سالمًا إذا غرق المركب بأسره؟

 

لا وربِّ الكعبة، بل إن السكوت عن المنكر، والتغاضي عن الفساد، هو أعظم أسباب الهلاك؛ ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية حديث السفينة: ((فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا، ونجَوا جميعًا)).


فيا عباد الله، إن الأمة لا تنجو إلا إذا قام أهل الحق بواجبهم، لا تنجو إلا إذا وقفوا في وجه العابثين، الذين يخرقون السفينة بأيديهم، بحجة الحرية، وبذريعة التطور، وباسم الانفتاح.

 

أيها المؤمنون، انصروا دين الله يحفظكم الله:

ألَا ترون كيف كانت حال الأمم قبلنا؟ أمَا سمعتم عن القرون التي أهلكها الله، لمَّا شاع فيهم الفساد، ولم يكن فيهم من ينهى عن المنكر؟ أمَا قرأتم كيف أهلك الله بني إسرائيل، لأنهم ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79]؟ أما علمتم أن سنة الله ماضية، وأن الهلاك إذا نزل، فلن يستثني أحدًا؟

 

فقوموا إلى دينكم، احفظوا سفينتكم، لا تكونوا ممن يرَون الشر فيسكتون، ولا ممن يسمعون صوت الانحراف فيغضُّون الطرْفَ عنه؛ فإن هذه السفينة أمانة في أعناقنا جميعًا، فإما أن نحافظ عليها فتصل إلى بر الأمان، وإما أن نُهملها، فنجلس ننتظر لحظة الغرق، ولا ينفع حينها بكاء ولا ندم.

 

إن هذه السفينة التي نحيا عليها هي سفينة واحدة، نركبها جميعًا، نتشارك في مصيرها، وتستقيم بوجودنا جميعًا أو تهلك بانعدامنا؛ فلا مجال للفرار من المسؤولية، ولا مكان للسكوت أمام الفساد، فإن تركنا الفساد يستشري، والخرق يتسع، فإننا جميعًا سندفع الثمن؛ لأن الهلاك حين يأتي لا يفرِّق بين صالح وطالح، فلنكن نحن من يقف في وجه الرياح العاتية، لنكُن من يحمل لواء الإصلاح في زمن كثر فيه الفساد، ولنكن أهل الحق الذين يأخذون على أيدي العابثين، الذين يروِّجون للشر في كل زاوية؛ فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا))، إن الأمة التي تسكت عن الباطل لا تستحق النجاة، وأمتنا اليوم بحاجة إلى من يقف شامخًا في وجه العواصف، ويصلح ما فسد، ويأخذ على أيدي من يهدم سفينتنا، فلتكن دعوة كل واحد منا: "سأكون الجسر الذي يعبر بنا إلى النجاة، سأكون الصامد في وجه العاصفة، وسأكون اليد التي تحفظ سفينتي وسفينة إخواني"، فالوقت قد حان لننقذ سفينتنا قبل أن تغرق بنا جميعًا.

 

فهذا الحديث النبوي العجيب ليس مجرد حكاية عابرة، بل هو درس خالد في بناء الأمم، وسر بقاء المجتمعات، وهو يضع أيدينا على حقيقة يغفُل عنها الكثيرون: إننا جميعًا في سفينة واحدة، ومسؤوليتنا مشتركة، فإما أن يأخذ بعضنا بأيدي بعضٍ نحو النجاة، أو نترك الفساد يعُم حتى تأتي الأمواج، فلا تُبقي منا أحدًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقيبتك من الكتب الرمضانية.. اختيارات واقتراحات
  • مختصر أحكام الصيام
  • إطلالة على كتاب: قواعد تدبر القرآن وتطبيقات على قصار السور
  • كيف تراجع كتابا (نموذج مقترح لمراجعة كتاب)
  • من الفوائد الإيمانية والتربوية لأحاديث عمدة الأحكام (2)
  • قبل أن يهل رمضان اقرأ هذه الكتب
  • غمسة محو الذاكرة
  • فانظروا عمن تأخذون دينكم

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تكرهوا الملمات الواقعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حدود الله بين القائم عليها والواقع فيها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حديث: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حتى تعود لنا (أرضنا المباركة)، وحتى نعود لها بإذن الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قدوم جعفر وأصحاب السفينة ثم عمرة القضاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الدرة الثمينة على مختصر السفينة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السفينة (نشيد للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب