• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

شخصية الداعية رأس ماله

شخصية الداعية رأس ماله
محمد سامر أبو الخير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/7/2023 ميلادي - 7/1/1445 هجري

الزيارات: 2278

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شخصية الداعية رأس ماله

 

مهمة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

 

يحمِّل الله رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحمل أمته من بعده مسؤوليةَ الناس وإخراجهم من ظلمات الكفر المتعددة، إلى النور الهادي بإذن ربهم، إلى صراط العزيز الحميد؛ إلى الصراط الذي يوصل إلى العزة، وإلى الحمد، بالاعتراف بنِعَمِ الله فلا يتكبر إنسان بلغه هذا النور، بنعمة أنعم الله بها عليه، ولكنه دائمًا يقِرُّ لله بالفضل والنعمة، ويتجرَّد ويتخلى عن حوله وقوته إلى حول الله وقوته.

 

لتخرج هذه البشرية من الظلمات؛ ظلمات الوهم والخرافة، وظلمات الأوضاع والتقاليد، وظلمات الحيرة في تِيهِ الأرباب المتفرقة، وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين... لتخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور، النور الذي يكشف هذه الظلمات، يكشفها في عالم الضمير وفي دنيا التفكير، ثم يكشفها في واقع الحياة والقيم والأوضاع والتقاليد.

 

للخروج من الظلمات إلى النور لا بد أن يُؤخَذ القرآن بهَدْيِ مَن طبَّقه ودعا إليه؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؛ أي: هلَّا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله"[1].

 

فقد جعل الله عز وجل الأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم للإنسانية كلها، ولم يحصرها في وصف أو خُلُق، أو عمل معين، وما ذلك إلا من أجل أن يشمل الاقتداء كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

عن المقدام بن مَعْدِيكَرِب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألَا إني أُوتيتُ الكتاب ومثله معه، ألَا يُوشِك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه؛ ألَا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع))[2].

 

والنبي صلى الله عليه وسلم هو مُبلِّغ الرسالة والدين عن ربه عز وجل، وهو أول وأعظم من فَهِم القرآن الكريم، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يقدِّم تفسيره للقرآن الكريم في أقوال منطوقة - أحاديث نبوية - فحسب، ولكنه قدم هذا التفسير من خلال حياته العملية، فكانت مواقفه وحياته ترجمةً فعلية للقرآن الكريم، ومن ثَمَّ تُعَدُّ أحداث السيرة النبوية أرضًا خِصْبة للمفسرين، بما توفره من معرفة أسباب نزول الآيات القرآنية، والمواقف التي نزلت فيها، وكيفية تطبيق الصحابة لها، حتى يكاد يستعصي الفَهم الصحيح لبعض معاني القرآن الكريم في مَعزِل عن السيرة النبوية المطهرة، إضافة للاستفادة منها في طرق الدعوة وأساليبها، وكيفية التعامل مع الناس ومخاطبتهم، والتعرف على مواصفات الداعية، والمهارات الواجب عليها اكتسابها.

 

قال ابن القيم رحمه الله: "فقد بيَّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميعَ ما أمره به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحلَّه، وجميع ما حرَّمه، وجميع ما عفا عنه، وبهذا يكون دينه كاملًا؛ كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3][3].

 

في بداية الدعوة قبل نزول القرآن الكريم نجد أنه قد نجحت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دخول عدد من الصحابة الإسلام؛ كالسيدة خديجة، وسيدنا أبي بكر، وسيدنا علي، وسيدنا زيد، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين؛ حيث كان رأس مال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم هو شخصيته صلى الله عليه وسلم يدعو فيستجيبون له؛ ومن هنا نرى أن شخصية الداعي وأسلوبه مهم جدًّا في دعوة الناس.

 

ومن ملامح شخصية النبي صلى الله عليه وسلم المتميزة في المجتمع قبل البعثة:

1- الصدق والأمانة:

رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدقَ الناس وأبرَّهم، وأكملهم علمًا وعملًا، وإيمانًا وإيقانًا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم، بحيث لا يُدعَى بينهم إلا بالأمين محمد؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيما قال له: "أو كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل: فما كان لِيَدَعُ الكذب على الناس، ويذهب فيكذب على الله عز وجل"[4].

 

كانت حياته صلى الله عليه وسلم أفضل مثال للإنسان الكامل، الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطًّا ثابتًا لا يحيد عنه قِيدَ أُنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السَّجِيَّة والطبع، فعُرف بذلك حتى قبل البعثة؛ وكان لذلك يُلقَّب بالصادق الأمين، واشتُهر بهذا، وعُرف به بين أقرانه، وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم من الصدق الذي اشتُهر به بين أهله وعشيرته مدخلًا إلى المجاهرة بالدعوة:

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((لما نزلت: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صعِد النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تُغِيرَ عليكم، أكنتُم مُصدِّقِيَّ؟ قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا...))[5].

 

لما أُعيد بناء الكعبة وبلغ البناء موضع الركن – الحجر الأسود - اختصمت قريش فيه، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه، وظل التخاصم والتشاور بضعة أيام، حتى أشار أحدهم بأن يكون أول من يدخل من باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر فَرَضُوا بذلك، فكان أولَ داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: "هذا الأمين، رضينا، هذا محمد"، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال عليه الصلاة والسلام: ((هلمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعًا))، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه[6].

 

وكانت قريش كلها تعرف عنه ذلك، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة، لَجعلوها دليلًا على تكذيبه في الرسالة، ومن لزِم الصدق في صغره، كان له في الكبر ألزم، ومن عُصِم منه في حق نفسه، كان في حقوق الله أعصم[7].

 

فحَرِيٌّ بالداعية أن يكون صادقَ اللسان، صادقَ الأفعال، صادق النية، وهذا الصدق شاقٌّ على النفس؛ ولهذا قال ابن القيم: "فحَمْلُ الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة لا يجد له صاحبه ثقلًا ألبتة، فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كُلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله"[8].

 

2- نصرة المظلوم:

كان للنبي صلى الله عليه وسلم حضور في الندوات والاجتماعات التي يعقدها قومه لبحث القضايا المهمة؛ ومن ذلك دخوله فيما سمي بـ(حلف الفضول)، وهو عَقدٌ تمَّ بين مجموعة من قبائل مكة، كان منها بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد وغيرها، واتفقوا على حماية المظلوم ونصرته، ومواجهة الظالم مهما كانت مكانته وسلطته، وقد مدح صلى الله عليه وسلم هذا الحلف؛ وقال عنه: ((شهِدتُ في دار عبدالله بن جُدعان حلفًا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيتُ إليه في الإسلام لأجبتُ))[9].

 

دروس وعِبر وفوائد من حلف الفضول:

أ- إن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين، فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها، حتى لو صدرت من أهل الجاهلية.

 

ب- كان حلف الفضول واحة في ظلام الجاهلية، وفيه دلالة بيِّنة على أن شيوع الفساد في نظام أو مجتمع لا يعني خلوَّه من أي فضيلة، فمكةُ مجتمع جاهلي هيمنت عليه عبادة الأوثان والمظالم، والأخلاق الذميمة؛ كالظلم والزنا والربا، ومع هذا كان فيه رجال أصحاب نخوة ومروءة يكرهون الظلم ولا يُقِرُّونه، وفي هذا درس عظيم للدعاة في مجتمعاتهم التي لا تحكم الإسلام، أو تحارب الإسلام.

 

ج- إن الظلم مرفوض بأي صورة، ولو وقع الظلم على أقل الناس، إن الإسلام يحارب الظلم ويقف بجانب المظلوم، دون النظر إلى لونه ودينه، ووطنه وجنسه.

 

د- وعلى المسلم أن يكون في مجتمعه إيجابيًّا فاعلًا، لا أن يكون رقمًا من الأرقام على هامش الأحداث في بيئته ومجتمعه؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محطَّ أنظار مجتمعه، وصار مَضْرِب المثل فيهم، حتى لَيُلقبوه بالأمين، وتهفو إليه القلوب بسبب الخُلُق الكريم الذي حبا الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم، وما زال يزكو وينمو حتى تعلقت به قلوب قومه، وهذا يعطينا صورة حية عن قيمة الأخلاق في المجتمع، وعن احترام صاحب الخلق ولو في المجتمع المنحرف[10].

 

3- شخصية متزنة بعيدة عن نزوات الشباب:

كان الشباب في مكة يلهون ويعبثون، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يعمل ولا يتكاسل؛ يرعى الأغنام طوال النهار، ويتأمل الكون، ويفكر في خَلْقِ الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن أُوتِيَ النبوة ذلك العمل، فقال: ((ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قَرارِيطَ لأهل مكة))[11].

 

إن الله قادر على أن يغني محمدًا صلى الله عليه وسلم عن رعْيِ الغنم، ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد، وعرق الجبين، ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد.

 

روى البخاري عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده))[12].

 

ولا شك أن الاعتماد على الكسب الحلال يُكْسِب الإنسان الحرية التامة، والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها، وكم من الناس يُطَأْطِئون رؤوسهم للطغاة، ويسكتون على باطلهم، ويجارونهم في أهوائهم؛ خوفًا على وظائفهم عندهم، إن إقبال النبي صلى الله عليه وسلم على رعي الأغنام لقصد كسب القوت والرزق، يشير إلى دلائلَ هامة في شخصيته المباركة؛ منها: الذوق الرفيع، والإحساس الدقيق، اللذان جمَّل الله تعالى بهما نبيه صلى الله عليه وسلم، لقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة، وكان له في الحنوِّ والشفقة كالأب الشَّفوق، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما إن آنَسَ في نفسه القدرة على الكسب، حتى أقبل يكتسب ويتعب نفسه؛ لمساعدة عمه في مؤونة الإنفاق، وهذا يدل على شهامة في الطبع، وبر في المعاملة، وبذل للوسع.

 

والدلالة الثانية: تتعلق ببيان نوع الحياة التي يرتضيها الله تعالى لعباده الصالحين في دار الدنيا، لقد كان سهلًا على الله أن يهيئ للنبي صلى الله عليه وسلم - وهو في صدر حياته - من أسباب الرفاهية ووسائل العيش ما يغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام؛ سعيًا وراء الرزق.

 

ولكن الحكمة الربانية تقتضي منا أن نعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بكدِّ يمينه، ولقاء ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه وبني جنسه[13].

 

4- ذكاء ومهارة في التجارة:

كان صلى الله عليه وسلم ذا ذكاء شديد ومهارة في التجارة، وليس أدل على ذلك مما عمله صلى الله عليه وسلم في مال خديجة، فرُوي أنه "لما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبًا"[14].

 

أي: إنه صلى الله عليه وسلم عاد من رحلته في تجارة خديجة بربح مضاعف، ولا شك أن الأسواق التي كان يغشاها رسول الله صلى الله عليه وسلم - مثل سوق عكاظ - كانت تمتلئ بالتجار ذوي التجارب ممن يكْبُرونه سنًّا وخبرة.

 

إضافة إلى ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بالفطنة في المعاملات التجارية، وفَهم التجار.

 

فالأمانة سبيل نجاح التاجر، وأهم رأس مال يستثمره في التجارة، فإذا اجتمع مع الأمانة الصدقُ، توافرت الأرضية التجارية السليمة، وهو ما اجتمع للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد عُرف صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة بالصادق الأمين، فسُمعته التجارية الطيبة ولقبُه الأمين جعلا له قَبولًا بين الناس.

 

وقصته صلى الله عليه وسلم مع التاجر الذي يغش مشهورة؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرَةِ - أي: كَومة - طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابه المطر يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشَّ فليس مني))[15].

 

فمن النظرة الأولى للطعام بدا فائقَ الجودة والنضارة، لكن بعد الفحص الدقيق فطِن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما كان خافيًا، فقد أدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة إلى تلك الكومة، فإذا بها مُبتلَّة على نحو يوحي بقرب فسادها، فلم يكتفِ بالنظر لظاهر السلعة المعروضة، بل قام بالفحص والتدقيق للتأكد من جودتها ظاهرًا وباطنًا[16].

 

إذًا على الداعية أن يخالط الناس ويكوِّن معرفة بشؤون دنياهم وخبرة بحياتهم، ويكون لديه الفطنة لمعرفة معادن الناس، ذا شخصية قوية بعيدة عن السذاجة التي تجعله موضع التهميش والاستبعاد وعدم الثقة، بل لربما السخرية أيضًا.

 

5- صحبته الصالحة (سيدنا أبو بكر الصديق):

لقد تمثَّلت الصحبة الصادقة العظيمة الكريمة الرائعة في تلك العلاقة النبيلة الجليلة الطاهرة، التي ذكرها الله في كتابه بين نبيه صلى الله عليه وسلم وخليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي وفَّى للرسول بقلبه ولسانه، وماله وأعماله، وجازاه النبي صلى الله عليه وسلم وفاءً بوفاء، وإخلاصًا بإخلاص، واعتزَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الصحبة اعتزازًا عميقًا واضحًا.

 

قال ابن حجر في ترجمة أبي بكر: "وصحِب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به"[17].

 

عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لم أعقِل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرَّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طَرفَي النهار، بكرةً وعشيةً، فلما ابتُلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِماد لَقِيَه ابن الدَّغِنَة، وهو سيد القَارَةِ، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخْرُج ولا يُخرَج؛ فإنك تَكْسِبُ المعدوم، وتصِل الرحم، وتحمِل الكَلَّ، وتَقِري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخْرُج مثله ولا يُخرَج، أتُخْرِجون رجلًا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدَّغِنة، وآمَنُوا أبا بكر))[18].

 

حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في كل مراحل حياته على الصحبة، عاش حياته في مكة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بُنِيَتْ عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل عليه السلام عن صاحبه في الهجرة، كل هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل الناس تحتاج إلى صحبة، ويُعلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبحث عن الصحبة الصالحة[19].

 

إن ميزان الإنسان أصدقاؤه، فقل لي: من صاحبك؟ أَقُلْ لك: من أنت؟ فالناس تعرف المرء صالحًا أو طالحًا من خلال من يصاحب، بل إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق - الصحبةَ، فإن كانت صحبةَ أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صحبة أشرار، فمن المؤكد أنها ستترك بصماتها، فصحبة أهل الشر داء، وصحبة أهل الخير دواء.

 

إن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصَفِيِّه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرء إنما تُوزَن أخلاقه، وتُعرَف شمائله بإخوانه وأصفيائه، ولقد جسَّد ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[20].

 

ولقد وجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الجليس المصاحب أثرُه ظاهر على المرء، ونتائجه سريعة الظهور؛ ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحْرِقَ ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة))[21].

 

"يحذيك" بضم أوله ومهملة ساكنة وذال معجمة مكسورة: أي: يعطيك وزنًا ومعنًى[22].

 

إن صديق السوء لو لم تجنِ منه إلا السمعة السيئة، لكفاك سوءًا، وصديق الصلاح لو لم يصِلْك منه إلا السمعة الحسنة، لكفاك[23].

 

6- لم يختص النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لنفسه عن المسلمين ولم يتميز عنهم:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عَقَلَهُ، ثم قال: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا بن عبدالمطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك))[24].

 

يسأل عنه؛ لأنه لم يعرفه من قبل، ولا يرى شيئًا يميزه عمن حوله من مجلس أو ملبس وهيئة، وقد تكرر مثل هذا السؤال من الغريب الذي يأتي ولم يعرف شخص النبي القائد صلى الله عليه وسلم من قبل، فلا يرى ما يميزه عن أصحابه فيسأل عنه: "أيكم محمد؟" ومما يزيدك إجلالًا وتوقيرًا لأعظم قائد عرفته الدنيا صلى الله عليه وسلم، أن أصحابه يدلُّون السائل، أو الرسول الكريم نفسه يدل السائل، فيشير إلى نفسه دون أي رسميات، أو همز ولمز، أو قضم شفاه، أو تقطيب جِباه، أو حتى على الأقل ابتسامة مغضب، لا، لم يحصل من ذلك شيء، بل ولا حتى حديث نفس؛ لذا إن تاقت النفس للمعالي، فلن تجد أفسح مجالًا، ولا أمتع حديثًا، ولا أصدق حالًا، من سيرة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم[25].

 

عن أبي هريرة قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده، لَأخرجني الذي أخرجكما، قوموا))[26].

 

عن البراء رضي الله عنه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض بطنه))[27].

 

وفي الحديث الطويل الذي يرويه عمر رضي الله عنه: ((... وإنه صلى الله عليه وسلم لَعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أَدَمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا، وعند رأسه أُهُب معلَّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أمَا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟))[28].

 

وكان عند رجليه قرظ مصبوب، والقرظ؛ قيل: نوع من الشجر يُدبغ به الجلود، والمراد بعض ثمر القرظ كان مصبوبًا، أي: مكوَّمًا ومجمَّعًا عند قدمه، وكان عند رأسه أهب معلقة، والأهب: جمع إهاب؛ وهو الجلد غير المدبوغ.

 


[1] تفسير ابن كثير، 6/ 391.

[2] رواه أبو داود، 4604 _ وصححه الأرنؤوط

[3] إعلام الموقعين، 1 / 250

[4] رواه البخاري [7]، ومسلم [1773].

[5] رواه البخاري، 4470.

[6] قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص، ج 2، ص 446، 447.

[7] نضرة النعيم؛ لمجموعة من المؤلفين (6/ 2475).

[8] مدارج السالكين، 2/ 264.

[9] قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، وأخرجه ابن عدي 4/ 1610 من طريق أحمد، بهذا الإسناد.

[10] السيرة النبوية 1/ 61.

[11] البخاري، ج 3، ص 44.

[12] البخاري، كتاب البيوع، رقم 2072.

[13] السيرة النبوية، 1/ 56.

[14] دلائل النبوة، للبيهقي، ج 2، ص 66.

[15] رواه مسلم، 102.

[16] مع الحبيب، عبدالله بن سالم باهمام.

[17] الإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 145.

[18] صحيح البخاري، 3905.

[19] السيرة النبوية للسرجاني، 14/ 10.

[20] أبو داود، (4833)، وصححه النووي.

[21] صحيح البخاري 5534.

[22] فتح الباري، 9/ 578.

[23] أمير بن محمد المدري، صيد الفوائد.

[24] صحيح البخاري، 63.

[25] نبيل بن عبدالمجيد النشمي، موقع طريق الإسلام.

[26] أخرجه مسلم، 2038.

[27] البخاري، 2638.

[28] البخاري، 4913.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الداعية العدل الضابط
  • أيها الداعية كن قدوة
  • المعلمة الداعية
  • الداعية المبارك
  • الحصون الحامية لثبات الداعية
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟
  • حكم اشتراط تسليم رأس مال شركة العنان
  • زاد الداعية (1)

مختارات من الشبكة

  • شخصية المفكر أو شخصية المهندس(استشارة - الاستشارات)
  • صفات الداعية الناجح في شخصية الإمام أبي حنيفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر القرآن الكريم في بناء شخصية الطفل المسلم (دراسة دور القرآن في تنمية القيم الإيجابية في شخصية الطفل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بناء شخصية المرأة المسلمة من خلال سورة الأحزاب (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كيفية معرفة أنماط شخصية الأطفال (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أبي جعلني شخصية ضعيفة(استشارة - الاستشارات)
  • لإحداث التوازن في شخصية أبنائك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العمل الاجتماعي والإعلام: التشويه، رؤية شخصية(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مدمرات شخصية الطفل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب