• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

أمة أخرجت للناس

حامد الإدريسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/3/2011 ميلادي - 24/4/1432 هجري

الزيارات: 20711

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمة أخرجت للناس

 

عندَما يكونُ الفلاَّح في أرضِه، والنجَّار في مَنْجره، والخبَّاز في مخبَزِه، والطبيبُ في عيادَتِه، والمُعَلِّم في مدرسَتِه، والجنديُّ في صفِّه - فهم ليسوا مُوظَّفين في مِهَنِهم اليوميَّة، بل أمَّة أُخرِجتْ للناس.

رجالٌ أرادَ الله أنْ يكونوا شُهَداءَ على الناس؛ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143]، فجعَلَهم خيرَ أمَّةٍ؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] يستَوِي في ذلك كبيرُهم وصغيرُهم، عالِمُهم وجاهِلُهم، ذكَرُهم وأُنثاهُم، مُطِيعُهم وعاصِيهم، كلُّهم أمَّة أُخرِجتْ للناس، وحُمِّلت المسؤوليَّة، فمنهم مَن حمَلَها بحقٍّ، ومنهم مَن أدبَرَ واستَكبَر، ومنهم مَن نَسِيَ هدفَه ودورَه في سُلَّم الوجود.

 

لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، وهو مَن يَختار مَن يَشاء متى يَشاء، وهو الذي اختار هذه الأمَّة لتخرج إلى الناس بمِشعلَيْن، مِشعَل الأمرِ بالمعروف، ومِشعَل النهيِ عن المُنكَر، يُوقِدُهما الإيمانُ بالله؛ ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، حملها الإنسانُ الأمَّة، وحملها الأمَّة الإنسان، فلربَّما قامَ رجلٌ بدَوْرِ أمَّة، ولربَّما عجزت أمَّةٌ عن القِيام بدَوْرِ رجلٍ، فخرجتْ أمَّة الإسلام إلى الوجود، وانطَلَق المسلمون يَجُوبُون بلادَ الله الواسعة، يُخرِجون الناسَ من الظُّلمات إلى النُّور، ويُحرِّرونهم من العِبادات المُتعدِّدة إلى عبادة الواحد القهَّار، وكانوا في مُرورِهم كالغيث، يَمشِي الهُوَينى فوقَ أرضٍ ميتة، فلا يَكاد يَراها الرائِي إلاَّ وقد اهتزَّت وربَتْ وأنبتَتْ من كلِّ زوجٍ بهيج.

 

فتنبت الصَّوامِع في المَرابِع كالوُرُود الحَمراء بين السنابِل الخَضراء، ويَتكاثَر العُمران تكاثُرَ البُقُول في الحُقُول، فتهتز الأرضُ بالمباني المشيَّدة، وتَربُو أعدادُ النَّاس فيها، ببركة الشَّريعة الإسلاميَّة، التي تَدفَع الناسَ إلى الخير، وتُعلِّمهم الفضيلة، وتبثُّ فيهم الإحسانَ، وتُقِيمهم على القِسطاس المستقيم، وتَحُول بينَهم وبين الظُّلم والقَتْل والفَساد، فتُبدَّل الأرضُ غير الأرضِ، والناسُ غير الناس، وترى مِصداقَ قوله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -: ((مَثَلُ ما بعثَنِي الله به من الخير كمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أرضًا...))، وينطَلِق المسلمون إلى الأرض التي تَلِيها، ثم الأرض التي تَلِيها، ويَكُونون في خَطِّ سَيْرِهم كالرَّسَّام الذي يُلوِّن قماشَه شيئًا فشيئًا، فيُحوِّله من الخُمُول إلى الذِّكر، ومن الموت إلى الحياة، وتُصبِح قطعةُ قماشٍ كان يُمكِن أنْ تكون قميصًا باليًا لوحةً غاليةَ الثمن، تُعلَّق في أغلى الأماكن، وتُزيَّن بأجمل البَراوِيز.

 

إنَّه الإنسانُ حين يُلامِس نورُ الوحي رُوحَه، وتُخالِط بشاشةُ الإيمان قلبَه، فتُحوِّله إلى باقةٍ من الفَضِيلة، وقَبَسٍ من الأخلاق، ويُصبِح كأنَّه علبة شيكولاتة حلوى كلَّما أدخَلتَ يدَكَ أخرَجتَ قِطعةً من الأخلاق الكريمة والسُّلوك النبوي، فلا تَراه إلا مُبتَسِمًا مطمئنًّا يَمشِي على الأرض هونًا، يُحسِن إلى المساكِين والضُّعَفاء، ويُكرِم ضيفَه وجارَه، ويَحفَظ لسانَه وعينَيْه، فيَكون كلُّ أمرِه له خيرًا، وليس ذلك إلاَّ للمؤمن.

 

عندما يَصرُخ أطفالُنا صرختَهم الأولى للحياة، تكون مختلفةَ المعنى عن صرخَة غيرِه من الأطفال الذين وُلِدوا معه في نفس اليوم، فهو يَقول في صرخته بلغته الخاصَّة: ها أنا ذا أيَّتها الحياة، أُخرجتُ كي آمُر الناسَ بالمعروف، وأنهاهُم عن المنكر، كي أعبرك إلى الحياة الأخرى صالحًا مُصلِحًا، وألقى الله وهو راضٍ عنِّي، ثم أبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه أو يُعلمِنانه أو يُمَركِسانه، أو يَبقَى على الفِطرَة السليمة والملَّة الحنيفيَّة والشريعة السَّمحة، ويَكون من خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس.

 

الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر الذي أُخرِجت من أجله أمَّةُ محمدٍ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - إلى الناس، ليس هو بمعناه الاصطلاحي الفقهي الذي يختصُّ بعمل جهة معيَّنة من أجهزة الأمَّة، بل هو أشمَلُ من ذلك؛ فالدعوة إلى الله هي المقصدُ الأساسُ من هذا التعبير العظيم بشقَّيها: تبيينُ الخيرِ للناس، وتحذيرُهم من الشرِّ والشِّرك والشُّبهات، وإنَّ أوَّل ما خرَجت به أمَّة محمدٍ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - هو ما بُعِثَ به محمدٌ الذي يَقول: ((إنما بُعِثتُ لأُتَمِّم مكارمَ الأخلاق)).

 

فهي أمَّة الأخلاق، ودعوَتُها الأخلاق، وسِيرَتها الأخلاق، وتارِيخُها تاريخُ الأخلاق العظيمة العالية التي أعجَزَت الأُمَم والحضارات؛ فبأخلاقها أسلَمتْ قارَّات كاملة، وانضمَّت إلى رَكْبِ هذه الحضارة العظيمة التي لا فرقَ فيها بين عجميٍّ وعربيٍّ، ولا أبيض وأسود - إلاَّ بالتقوى، ولو نظَرنا إلى المليار ونصف من المسلمين، لوجَدنَا أعظمَ الدُّوَل الإسلاميَّة وأكثرها عددًا قد انضمَّت لهذه الأمَّة العظيمة حين رَأَتْ أخلاقَها العظيمة، فلم يكن التجَّار المُسلِمون الذين فتَحُوا بلادَ آسيا بأعدادها الهائلة إلاَّ تُجَّارًا بُسَطاء يَحمِلون أخلاقَ خيرِ أمَّة أُخرِجت للنَّاس، ولم يكن العُمَّال البُسَطاء الذين جاءَتْ بهم أوروبا ليمتَهِنوا المِهَنَ الرَّديئة، إلاَّ عُمَّالاً بُسَطاء يَحمِلون أخلاقَ خير أمَّة أُخرِجت للناس، وها هي أوروبا بسبب أخلاقهم تُعانِق الإسلام بكلتا يدَيْها رغم أنف مَن يُعادُون الأخلاقَ والفَضِيلةَ، وقد أتى من فرنسا للحجِّ هذا العام كعدد الحجاج الذين جاؤوا من المغرب، وليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلَغ الليلُ والنهارُ!

 

إنَّ التجَّار الذين نشَرُوا الإسلامَ بأخْلاقهم داخِلُون في قوله - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، فهم جزءٌ من هذا الكل الذي يجعَلُنا خيرَ أمَّة، فالطبيبُ داعِيَةٌ بطبِّه، والتاجرُ داعيةٌ بتجارته، والمُعلِّم داعيةٌ بتعليمه، والبنَّاء داعيةٌ بعرَق جَبِينه، كلُّهم يَحمِل قِيَمًا عظيمة، لا تلبَث أنْ تجسد حضورها وكأنها خطبٌ عَصماء، أو مَواعِظ مُبكِية، أو أناشيد مُدوِّية، وهي ليسَتْ سِوَى خُطوات يَمشِيها المسلم بتَواضُع العِزَّة، وسرور الإيمان، فيقصد صاحب البقالة الكافر يشتَرِي من عنده ويخرج، فيكون بينهما حوارٌ صامت، ودرسٌ بليغ، وموعظةٌ صادقة، تتَشكَّل كلُّها في وَجهِه المُشرِق بابتسامةِ الإيمان، فلا يمرُّ على مكانٍ إلاَّ وقام فيه أثرُه الجميل، وخلقُه الحسن، ونظرتُه المطمئنَّة، قام كلُّ ذلك شاهِدًا على أنَّه من خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس، وتولَّت أخلاقُه مهمَّة الشرح والبَيان، والوعظ والإرشاد، وأصبح حُبُّ الناس له خيرَ داعيةٍ إلى الله بينهم، ويكون هو في بساطته خيرَ مُبلِّغٍ عن الله دينه وشريعته السَّمحة البَهيَّة.

 

إنَّ هذا الخُروج العظيم الذي بدَأ من خُروج رسولِ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - في نفرٍ من أصحابه العِظام إلى يثرب الخير، المدينة المنوَّرة؛ حيث كانتْ تلك الرحلة بِمَثابَة ذلك الانفِجار العَظِيم الذي تكوَّنت فيه السماوات والأرض، وكانت لأولئك النَّفر المهاجرين وأنصارهم الذين أنفَقُوا من قبلِ الفتح وقاتَلُوا - اليدُ البَيْضاء على البشريَّة جَمعاء، فبِخُروجهم خرَج النُّورُ، واشتَعلتْ جَذوَة الإيمان من جديد، وبتحرُّكهم الميمون، تحرَّكت قافِلةُ التوحيد لتَجُوب الأرض الغارِقَة في ظُلُمات التخلُّف والأوساخ، حين كانت البشريَّة تعتَقِد أنَّ الاغتسال يُسبِّب الأمراض، وكان ملوك أوروبا يغتَسِلون مرَّة في السَّنَة في يومٍ مشهودٍ له احتِفالٌ خاصٌّ، بينما المسلمون يَسُوكُون أسنانَهم بعدَ كلِّ وضوء، ويغتَسِلون على الأقلِّ مرَّةً في الأسبوع - خرَجتْ حضارة النَّظافة والتطهُّر؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

وحَضارة العدل والمُساوَاة بين الناس؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

وحَضارة عِتقِ الرِّقاب؛ ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ [المجادلة: 3].

وحضارة برِّ الوالدين؛ ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ [لقمان: 14].

وحضارة تَنظِيف الأسنان والثِّياب والأخلاق؛ ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 4 - 7].

وحضارة تكريم المرأة؛ ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [النساء: 32].

وحضارة اليُسر والتَّيسِير؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

وانتَشَر نورُ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] وطارَتْ في الآفاق دعوة ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، فتهدَّمت الأصنام بعد أنْ تهدَّمت الأخلاقُ الفاسِدَة، واصطَبَغت الأرضُ بلونٍ جديدٍ وثوبٍ جديدٍ، وبلَغ هذا الأمرُ ما بلَغ الليل والنهار.

 

إنَّ حياتَك - أخي المسلم - ليست كحياة غيرِك من الناس الذين لم يخرُجوا ليكونوا خيرَ أمَّةٍ أُخرِجت للناس، فأنت كُلِّفتَ بهذه المهمَّة منذ أنْ خرجتَ إلى هذا الوجود، وليْسَتْ تحتاج منكَ هذه المُهمَّة إلاَّ شَيْئًا واحِدًا؛ أنْ تتمسَّك بالإسلام خلقًا وقِيَمًا، أمَّا العِبادة فهي أمرٌ بينَك وبين الله - عزَّ وجلَّ - وأمَّا العلمُ فهو مهمَّة العُلَماء والمُفتِين ومَن يُعلِّمون الناسَ أحكامَ الدِّين، أمَّا أنت فإنَّ مُهمَّتك أنْ تدلَّ على الله وعلى دينه، فالشجرُ يدلُّ على الله، والطيرُ يدلُّ على الله، والكونُ كلُّه يدلُّ على الله، فلا تكنْ أقلَّ منَ الشجر والطيْر، بلِ اجعَلْ هذا الأمر هدَفَك في الحياة مهما كانتْ مكانتك الاجتماعيَّة، ومهما كان تمسُّكك بالدِّين، فليس مِن شرط الدَّعوة إلى الله أنْ تكون عالِمًا أو فقيهًا أو مُلتَزِمًا، بل إنَّ المسلم يدعو إلى الله وإنْ كان من المقصِّرين، يدعو إلى الله بخلُقه وابتسامته، وقيمه وصِدقه، وصَفاء قلْبه، لا بحروفٍ وأصواتٍ يكذبها العمَل.

 

حُكِي لي أنَّ رجلاً من المسلمين كان يُقِيم في بلادٍ كافرة، وكان مُبتلًى بشرب الخمر، فكان يُواظِب على زِيارَة حانَة الحيِّ، وكانت صاحبة الحانة تَسمَع منه كلَّ مرَّة حين يشتدُّ به السكر: "أنتِ كافرة، وستَدخُلِين النار إنْ لم تَدخُلي في دين الإسلام"، يقول لها ذلك وهو يَتمايَل من شدَّة الخمر، حتى إنَّه لا يستَطِيع أنْ يثبت نظرَه إليها، فتخرُج الكلمات من فَمِه بالكاد، ويقول لها ذلك كلَّ يوم.

 

وذات يومٍ جاء كعادته فوجَد الحانَةَ مُغلَقة، ووجَدَها مُنشَغلةً في بعض شؤونها، فقال لها: منذ أيام وأنا آتِي إلى الحانة فأجدها مُغلَقةً، ما الخطب؟ فقالتْ له: لقد أخَذتُ بنَصِيحتك وأسلَمتُ، قال: نصيحتي؟ قالت: نعم، كنتَ دائمًا تقول لي: إن لَم أسلم سأدخل النار، فبحَثتُ عن دين الإسلام واقتنعتُ به، وقد أغلقتُ الحانة إلى الأبَد، انصَرَف الرجل مستغربًا من قولها، وذهَب إلى حانةٍ أخرى!

 

حين خرَج الصَّحابةُ مِن المدينة إلى العالَم كان الجِهادُ طريقَ الدَّعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - فلم يكن الناس يختَلِطون ببَعضِهم البعض بمثْل هذا اليُسر الذي أتاحَتْه العَولَمة والحضارة ووَسائِل النَّقل ووَسائِل الاتِّصال، وكانت للمُدُن أبوابٌ مُغلَقة، وحُرَّاس وجُدران، وكانت الكنيسة مُتسلِّطة، والناس يُقتَلون على المصاقل بتُهمة الهرطقة والكلام في العَقائِد، ولم يكن يُسمَح لأحدٍ أنْ يتكلَّم في النصرانيَّة أو الكنيسة، وكانت الحال مختلفةً عمَّا هو عليه اليوم.

 

أمَّا اليوم فنستَطِيع أنْ نخرجَ للعالم بأخلاقنا عبرَ كلِّ السُّبُل المُتاحَة، فقد اختَلَطنا بهم في كلِّ المَيادِين، وجعلَتْنا التكنولوجيا قريةً صغيرةً، فلمَّا رأوا أخلاقَنا وقِيَمَنا تأثَّرُوا بنا وأسلَمَ كثيرٌ منهم، رغمَ ما بنا من ضعفٍ وإعراضٍ عن الدِّين، ولو استَقَمنا على الطريقة، وتمسَّكنا بالدِّين القَيِّم ملَّة إبراهيم - لدَخَل الناسُ في دين الله أفْواجًا، ولكان لنا شأنٌ آخَر، وللكُفر شأنٌ آخَر.

 

لقد كانت الأمَّة الإسلاميَّة تَعِي دورَها الحضاري ودرجتها في سلم التركيبة البشريَّة، وكانت المجتَمعات المُسلِمة تعيش واعيةً بأنها أمَّة أُخرِجت للناس، وكانت طبيعة العلاقة بينهم وبين الآخَر هي علاقة المُنقِذ بالغَرِيق، فهو يَحرِص على نَجاتِه، ويَركَب من أجل ذلك المَهالِك والمَخاوِف، ويُضحِّي بنفسِه من أجل أنْ ينقذه ممَّا هو فيه، فكان العامل والصانع، والمهندس والطبيب، لا يَلبَث أنْ يُكتَتب في حملةٍ من حملات الجهاد، والتي كانت حملتين؛ حملة الصائفة التي تَخرُج في الصَّيف، وحملة الشاتية التي تخرُج في الشِّتاء، فيَذهَب في إحداهما، ويَعُود محمَّلاً بالأجر والغَنائم، أو يُدفَن هناك تحتَ حِصنٍ من الحُصُون، أو في فَلاةٍ من الفَلوات، فتَرجِع الحملةُ وتنطَلِق الحملةُ الأخرى، ويُكتَتَب فيها أناسٌ آخَرون، ويَعِيش المجتمعُ على ثقافة الأمَّة التي أُخرِجت للناس، ويَعِي دورَه تجاه الخرافة والشِّرك والضَّلال في العالم.

 

هذا بالنِّسبة لعموم الأمَّة، أمَّا خُصوصُها فهم نوعان: أمَّة يَدْعون إلى الخير، وطائفة يتفقَّهون في الدِّين، فالقُرآن جعَل الأمَّة ثلاثةَ أقسام:

• أمَّة أُخرِجت للناس، وهي عمومُ الأمَّة.

• وأمَّة يَدعون إلى الخير، وهم الذين قال الله عنهم: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وهم كلُّ مَن اشتَغَل بالدعوة الخاصَّة من الوَعْظ والإرشاد، والإقناع والرد على الشُّبهات وما إلى ذلك، ويُشِير لفظ أمَّة إلى أنهم قِسْمٌ كبير في المجتمع المسلم.

• وأمَّا الطائفة الأخصُّ فهم الفُقَهاء والعُلَماء، الذين قال الله عنهم: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

 

فيا أيُّها المسلم، أنت وُلِدتَ لتكون عظيمًا، ولتَحمِل رسالةً عظيمةً، فتأمَّل فيما حمَّلَك الله من الأمر العظيم، وما شرَّفَك به من القدر الكبير، وما فضَّلَك به على سائر العالَمين، ونافِس في هذه الخيريَّة العظيمة، واسعَ إليها بِوَسائلك الخاصَّة، وكن من اليوم داعيةً بابتسامتك وسمتك، وصِدقك وبرِّك بوالدَيْك، وإحسانك إلى الضُّعَفاء والأيتام، واجعَلْ هذا همَّك الذي تنامُ معه وتستَيقِظ من أجله، وقُلْ: لن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِي، ولن أُلطِّخ هذا الصَّرح العظيمَ بتصرُّفاتي المشينة، واخرُج إلى الناس يا ابنَ الإسلام، فأنت من خيرِ أمَّة أُخرِجت للناس.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • 19 وصية قرآنية لخير أمة أخرجت للناس
  • ثلاثية الخيرية والسيادة
  • خيارة نقاوة الصفوة
  • بناء الإنسان بين الأمم المتحضرة، وأمة الحضارة
  • أمة مأزومة ومرجعية معدومة

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء السابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء السادس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمة التثليث يقابلها أمة التوحيد(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الخامس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الرابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثالث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- خير امة
مريم احمد احمد - الجزائر 05-06-2011 10:39 PM

لا يسعنا إلا أن نقول الحمد لله الذي جعلنا مسلمين وهدانا لهذا واللهم اهدنا إلى ما تحب وترضاه واجعلنا سببا لمن اهتدى

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب