• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

أنفق ينفق عليك (2)

خالد بن حسين بن عبدالرحمن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2010 ميلادي - 29/6/1431 هجري

الزيارات: 33864

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أنفق ينفق عليك (2)

 

الحمد لله الغنيِّ الحميد، الرزَّاق ذي القوَّة المتين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد المرْسلين، سيِّدنا محمَّد، صلَّى الله عليْه وعلى آله وصحْبِه أجْمعين.

 

أمَّا بعد: أحبَّتي في الله، عَودًا على بدء أقول:

هذه باقة مِن حديث رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم، تبيِّن لنا أهمِّيَّة النَّفقة والإنفاق في سبيل الله جلَّ وعلا، وتحثُّنا حثًّا عظيمًا للمسارعة في هذا الباب العظيم.

 

عن أبي هريرة رضِي الله عنْه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((قال الله تعالى: أَنفِق أُنفِق عليْك))، وقال: ((يدُ اللهِ مَلأى لا يغيضها نفقة، سحَّاء اللَّيل والنَّهار، أرأيتُم ما أَنفَق منذ خَلَق السَّماوات والأرض فإنَّه لم يَغِضْ ما بيدِه، وكان عرشُه على الماء، وبِيدِهِ الميزان يَخفض ويرفع))؛ متَّفق عليه: البخاري (4684) مسلم (993).

 

وعنْه أيضًا قال: قال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((ما مِن يوم يُصبح العباد فيه إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: الَّلهم أعْطِ منفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللَّهم أعْطِ ممسكًا تلَفًا))؛ متَّفق عليه: البخاري (1442) ومسلم (1010).

 

وعن أبي أمامة رضي الله عنْه قال: قال رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم: ((يا ابن آدم، إنَّك أن تبذل الفضل خيرٌ لك، وأن تُمسكَه شرٌّ لك، ولا تُلام على كفاف، وابدأ بِمَن تعُول، واليدُ العُليا خيرٌ مِن اليدِ السُّفلى))؛ أخرجه مسلم (1036) وغيره.

 

وعن أبي الدَّرداء رضِي الله عنْه؛ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: ((ما طلعَت شمسٌ قطُّ، إلَّا وبجنبيها ملَكان يُناديان: اللَّهم مَن أنفَق فأعقبْه خلفًا، ومَن أمسَك فأعقبه تلفًا))؛ أخرجه الحاكم في المستدرك (2 /445)، والبيهقي في "شُعب الإيمان" (3412)، وابن حبَّان في صحيحه (3319)، وغيرهم بإسناد صحيح.

 

وعن الإمام مالك رحِمه الله؛ أنَّه بلغه عن عائشة رضِي الله عنْها؛ أنَّ مسكينًا سألها وهي صائمة، وليس في بيْتها إلَّا رغيف، فقالتْ لمولاة لها: أعْطيهِ إيَّاهُ، قالت: ففعلتُ، فلمَّا أمسيْنا أهدى لها أهلُ بيت أو إنسانٌ ما كان يُهدي لنا؛ شاة وكنفها، فدعتْها فقالت: كُلي مِن هذا، هذا خيرٌ مِن قرصك؛ رواه مالك في الموطَّأ (2 /997).

 

قلتُ: وما حدَث لعائشة رضِي الله عنها هو مصْداق لقول النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((قال الله تعالى: أَنفِق أُنفِق عليك))، وصدَق الله إذْ يقول: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96].

 

عن أبي الدَّرداء رضِي الله عنْه قال: قال رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم: ((ما مِن يومٍ طلَع شمسُه إلَّا وبجنبتيها ملَكان يُناديان نداءً يسمَعُه خلْقُ الله كلُّهم غير الثَّقلين: يا أيُّها النَّاس، هَلُمُّوا إلى ربِّكم، إنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُر وألْهى، ولا آبَتْ إلَّا وكان بجنبتيْها ملَكان يُناديان نداءً يَسمعه خلْقُ اللَّه كلُّهم غير الثَّقلين: اللَّهم أعْطِ منفقًا خلفًا، وأعْطِ ممسكًا تلفًا)).

 

وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قوْل الملكين: ((يا أيُّها النَّاس، هلمُّوا إلى ربِّكم)): ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: 25]، وأنزل في قولِهما: ((اللَّهم أعطِ منفقًا خلفًا، وأعْطِ ممسكًا تلفًا)): ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 1 - 10]؛ رواه الحاكم في المستدرك (2 /445) والبيهقي في شُعَب الإيمان (3412).

 

مثل المنفق والبخيل:

عن أبي هريرة رضِي الله عنْه؛ أنَّه سمع رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم يقول: ((مثَل البخيل والْمُنْفِق، كمثل رجُلَين عليهما جُنَّتان مِن حديد مِن ثُديِّهما إلى تراقِيهما؛ فأمَّا المنفِق، فلا ينفق إلَّا سبغتْ أو وفرتْ على جلده حتى تُخفي بنانه وتَعْفُو أثرَهُ، وأمَّا البَخيل فلا يُريد أن يُنفق شيئًا إلَّا لزمَت كلُّ حلقة مكانَها فهو يوسِّعها فلا تتَّسع))، وفي رواية: ((... فجعل المتصدِّق كلَّما همَّ بصدقة قَلصتْ، وأخذت كلُّ حلقة بمكانِها))، قال أبو هريرة: فأنا رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم يقول بأصبعه هكذا في جيبِه يوسِّعها ولا تتوسَّع؛ متَّفق عليه: أخْرجه البخاري (1375) ومسلم (1021).

 

معنى الحديث:

أنَّ المنفِق كلَّما أنفَق طالتْ عليه، وسبغَت حتَّى تستُر بنان رجْلَيه ويديْه، والبخيل كلَّما أراد أن يُنفق لزمتْ كلُّ حلقة مكانَها فهو يوسعها ولا تتَّسع، شبَّه صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم نِعَم الله تعالى ورِزْقَه بالجُنَّة، وفي رواية: بالجبَّة، فالمنفق كلَّما أنفقَ اتَّسعَت عليه النِّعَم وسبغَت، ووفرَت حتَّى تستُره سترًا كاملًا شاملًا، والبخيل: كلَّما أراد أنْ يُنفق منعَهُ الشُّحُّ والحرص، وخوف النَّقص، فهو بمنعِهِ يطلب أن يزيد ما عنده، وأن تتَّسع عليه النِّعَم، فلا تتَّسع ولا تستُر منْه ما يروم ويلزَم ستْرُه، والله أعلم.

 

وعن عبد الله بن مسعود رضِي الله عنْه قال: دخل النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم على بلالٍ وعِنْدَه صُبَرٌ مِن تمرٍ، فقال: ((ما هذا يا بلال؟)) قال: أعدُّ ذلك لأضيافك، قال: ((أما تَخشَى أن يكون لك دخانٌ في نار جهنَّم؟ أنفِقْ يا بلالُ، ولا تَخشَ مِن ذي العرْش إقلالًا))؛ رواه البزَّار في كشف الأستار (3654)، وقال الهيثمي في "مجمع الزَّوائد" (3 /126): رواه الطَّبراني في الكبير ورجاله ثقات.

 

وفي رواية أبي هريرة رضِي الله عنْه؛ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم عاد بلالًا فأَخرَج له صُبرًا مِن تَمْر، فقال: ((ما هذا يا بلالُ؟)) قال: أدَّخرُه لكَ يا رسولَ الله، قال: ((أما تَخشَى أنْ يُجْعَلَ لك بخارٌ في نار جهنَّم؟ أنفِق يا بلالُ، ولا تخْشَ مِن ذي العرش إقلالًا))؛ رواه أبو يعلى (6040) والبزَّار في كشف الأستار (3654)، وقال الهيثمي في "مجمع الزَّوائد" (3 /126): رواه الطبراني في الكبير والأوْسط بإسناد حسَن.

 

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنْه، عن النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم قال: ((لا حسدَ إلَّا في اثنتَين، رجل آتاه الله مالًا، فسلَّطه على هلكتِه في الحقِّ، ورجُل آتاه الله حكمةً فهو يقْضي بها ويُعَلِّمُها))؛ متَّفق عليه: البخاري (73) ومسلم (815).

 

طلحة بن عبيد الله وزوجته الصَّالحة:

وعن طلحة بن يحيى عن جدَّته سُعْدَى قالت: دخلتُ يومًا على طلحة - تعْني ابن عُبيد الله - فرأيتُ منه ثقلًا، فقلتُ له: ما لكَ لعلَّه رابك منَّا شيء فَنُعْتبكَ؟ قال: لا، ولنِعْم حليلةُ المرء المسلم أنتِ، ولكن اجتمع عندي مال، ولا أدْري كيف أصنع به؟ قالت: وما يغُمُّك منه؟ ادْعُ قومَك فاقْسِمْهُ بيْنهم، فقال: يا غُلام، عَليَّ قومي، فسألت الخازن: كم قَسَمَ؟ قال: أربعمائة ألفٍ؛ قال الهيْثمي في "مجمع الزوائد" (9 /148): رواه الطَّبراني ورجاله ثقات.

 

سبعة دنانير في بيت رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم:

وعن سهل بن سعد رضي الله عنْه قال: كانت عند رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم سبعةُ دنانير وضعها عند عائشة رضِي الله عنْها، فلمَّا كان عند مرضه قال: ((يا عائشة، ابعثي بالذَّهب إلى علي))، ثمَّ أُغمِيَ عليه، وشَغَلَ عائشةَ ما به، حتَّى قال ذلك مرارًا، كلَّ ذلك يُغْمى على رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم، ويَشغَل عائشةَ ما به، فبعثتْ إلى عليٍّ رضي الله عنْه، فتصدَّق بها وأمسَى رسولُ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم في حديد الموْت ليْلة الاثنَين، فأرسلتْ عائشة بِمصباح لها إلى امرأةٍ مِن نسائِها، فقالت: أُهْديَ لنا في مِصْباحنا مِن عُكَّتكِ السَّمْن؛ فإنَّ رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم أمسَى في حديد الموت؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3 /124): رواه الطَّبراني في الكبير ورجاله رجال الصَّحيح.

 

قلت - خالد -: صلَّى الله على محمَّد؛ سبعة دنانير تُقلق المصْطفى عند موته! سبعة دنانير لا يُحبّ النَّبيّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم أن يُلاقي الله وعنده شيءٌ منها! سبعة دنانير لا يُفارق النبيُّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم الدُّنيا حتَّى يُنفقها!

 

فيا أصْحاب الأموال، يا أصحاب الرِّيالات، يا أصْحاب الدُّولارات، يا أصْحاب الأرصِدة، يا أصْحاب الدُّور، يا أصْحاب القصور، يا أصحاب العِمارات والفلل والعقارات، كيف تواجهون الله غدًا؟! وكيف تقِفون بين يديه وقد خلَّفتم وراءكم هذه الأرصِدة الضَّخمة من الأموال؟! ليست سبْعة دنانير، ولا سبْعين ولا سبعمائة ولا سبْعة آلاف؛ بل ألوف مؤلَّفة، وربَّما خلف البعض ملايين!

أَمْوَالُنَا لِذَوِي المِيرَاثِ نَجْمَعُهَا ♦♦♦ وَدُورُنَا لِخَرَابِ الدَّارِ نَبْنِيهَا

استعدَّ لهذا اليوم.

 

أخي الكريم، اعْلم - وفَّقنِي الله وإيَّاك - أنَّك ستُلاقي ربَّك لا محالة، وستقِف بين يديْه منكسرًا ذليلًا، وسيسْألُك عن الكبير والصَّغير، والفتيل والقِطْمِير، فأعدَّ للسّؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.

 

التقى الفُضَيل بن عياض رحِمه الله ذات مرَّة برجُل، فقال الفضيل للرَّجُل: كم عمرُك؟ فقال الرَّجُل: عمري ستُّون سنة.

فقال الفضيل: الله أكبر! منذ ستِّين سنة وأنتَ تَسير إلى الله! يوشك أن تقترِب.

فبكى الرَّجُل وقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون.

فقال الفُضيل: يا رجُل، أعلِمْتَ معناها؟ قال الرَّجل: نعم علِمْتُ، علمتُ بأنِّي لله عبد، وأنِّي إليه سائِر، وبين يديْه واقف.

فقال الفُضَيل: مَن عَلِم بأنَّه لله عبد، وأنَّه إليه سائر، وبين يديْه واقف، فليعلم أنَّه مسؤول، فلْيعِدَّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.

فقال الرَّجُل: يا فضيل، وما الحيلة؟

قال الفضيل: الحيلة يَسيرة.

قال الرَّجُل: دلَّني عليْها يرْحَمُك الله.

قال الفضيل: يا رجُل، اتَّقِ الله فيما بقِي، يَغفر الله ما قد مضى، وما قد بقي.

 

نعم أخي الحبيب، إنَّها تقْوى الله، والتَّوبة إليْه، والرُّجوع والإنابة إليْه، وليَكُنْ لك في رسولِ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم الأسوة الحسَنة إذا كنتَ تُريد الله والدَّار الآخرة.

 

ادِّخار المال:

عن أنس بن مالك رضي الله عنْه قال: كان رسولُ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم لا يدَّخر شيئًا لغد؛ رواه ابنُ حبَّان (6322) والترمذي (2362) وفي الشَّمائل له رقم (347) بإسناد حسَن.

 

ونحن لا نقول لك: لا تدَّخر شيئًا لغدٍ؛ فليس هناك أحد - فيما أعلم - يُطيق ذلك؛ فالحال غير الحال والزَّمان غير الزَّمان، والله المستعان، ولكن سدِّدوا وقاربوا.

 

نعم، ولكن ندعوك للإنفاق والصَّدقة والبرِّ والصِّلة؛ فإنَّ هذا يسرُّك عندما تلْقَى الله، وتتمنَّى عندها لو أنَّك بعتَ نفسَك في سوق العبِيد وتصدَّقتَ بثمنك في سبيل الله!

يَا مُتْعِبَ الجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِرَاحَتِهِ
أَتْعَبْتَ جِسْمَكَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ عَلَى الرُّوحِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا
فَأَنْتَ بِالرُّوحِ لا بِالجِسْمِ إِنْسَانُ
وَالْزمْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا
فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ

 

عن سمُرة بن جندب رضي الله عنْه؛ أنَّ رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم كان يقول: ((إنِّي لألِجُ هذه الغُرفة ما ألِجُها إلَّا خشية أن يكون فيها مالٌ فأُتوفَّى ولم أنفقْه))؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3 /123): رواه الطَّبراني في الكبير بإسناد حسَن.

 

وعن عبد الله بن عبَّاس رضِي الله عنْه قال: قال لي أبو ذرٍّ: يا ابنَ أخي، كنتُ مع رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم آخِذًا بيده، فقال لي: ((يا أبا ذرٍّ، ما أحبُّ أنَّ لي أُحدًا ذهبًا وفضَّة أُنفقه في سبيل الله، أموت يومَ أموت أدَع منه قيراطًا)) قلتُ: يا رسولَ الله، قنطارًا؟ قال: ((يا أبا ذرٍّ، أذْهب إلى الأقلِّ وتذهبُ إلى الأكثر؟ أريد الآخرة وتريد الدنيا؟ قيراطًا))، فأعادها عَليَّ ثلاثَ مرَّات؛ أخرجه البزَّار في كشْف الأستار (3657) وقال الهيثمي في "مجمع الزَّوائد" (10 /239) رواه البزَّار والطَّبراني في الكبير والأوسط بنحوه بإسناد حسَن.

 

وعنْه أيضًا رضي الله عنْه؛ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم التفتَ إلى أُحد، فقال: ((والَّذي نفسي بيدِه، ما يَسُرُّني أنَّ أُحُدًا تحوَّل لآل محمَّد ذهبًا، أُنفقه في سبيل الله، أموت يومَ أموت أدَع منه دينارَين، إلَّا دينارَين أعدُّهما للدَّيْن إنْ كان))؛ رواه أحمد في "المسند" (1 /300، 301) وأبو يعلى (2684) وقال الهيثمي في "مجمع الزَّوائد" (10 /239): رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثِقة.

 

وعن قيس بن أبي حازم قال: (دخلتُ على سعيدِ بن مسعود نعودُه، فقال: ما أدْري ما تقولون، ولكن ليتَ ما في تابوتي هذا جمر! فلمَّا مات نظروا فإذا فيه ألف أو ألفان)؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3 /121): رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصَّحيح.

 

قلتُ: ومعناه أنَّه تَمنَّى أنَّ هذا المال لم يكُن عنده؛ لأنَّه سوف يُسأَلُ عنه بين يدي الله تعالى، والله أعلم.

 

فأنفِق يا أخي قبل أن يُفاجئك الموتُ، فالموت ليس له عُمر معلوم، ولا وقت معلوم، ولا ميعاد محدَّد؛ فهذا كله عِلْمه عند الله، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61].

 

عاقبة ادِّخار المال:

واعْلم أنَّ عاقبة البُخْل والادِّخار وخيمة.

 

عن عبد الله بن الصَّامت قال: كنتُ مع أبي ذرٍّ رضِي الله عنْه، فخرج ومعه جارية له، قال: فجعلتْ تقْضِي حوائجه، ففضلَ معها سبْعة فأمَرَها أن تشتري به فُلُوسًا، قال: قلتُ: لو أخَّرتَه للحاجة تنُوبك، أو للضَّيف ينزل بك، قال: إنَّ خليلي عهِد إليَّ أن: أيُّما ذهبٍ أو فضة أُوكئ عليه، فهو جمرٌ على صاحبه حتَّى يُفْرغَهُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ.

 

أخرجه أحمد في المسند (5 /156)، ومعنى قوله: "أنْ تشتري به فلوسًا"؛ أي: تشتري بالدَّنانير فلوسًا ثمَّ تنفِقها وتصير مفلسة، ومعنى: أُوكئ عليْه؛ أي: شدَّ عليه للحِفْظ والكنز بالوكاء، وهي الخيط الَّذي تشدُّ به الصرَّة والكيس.

 

وفي رواية عند أحمد والطَّبراني مختصرة قال: سمعْتُ رسولَ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم يقول: ((مَن أَوْكَى على ذهبٍ أو فضَّةٍ ولم يُنفقْهُ في سبيل الله، كان جمرًا يوم القيامة يُكوْى به)).

 

أخي الكريم:

إنْ كان يَسُرُّك أنْ تُكْوى يوم القيامة بما كنزْتَه في الدّنيا فأنتَ وشأْنك، والإنسان على نفسِه بصير، فالعاقل خصيمُ نفسه!

 

أنفق ولا تُحْصِ:

فأنفق أخي الكريم، ولا تدَّخر شيئًا يَسُوءك ادِّخاره يوم القيامة، يوم الحسرة والنَّدامة، وإذا أنفقْتَ لا تكُن مِن الَّذين يُحْصون نفقاتِهم حتَّى لا يُحصيَ عليك الله.

 

عن أسماءَ بنتِ أبي بكْر رضِي الله عنْهما قالتْ: قال لي رسولُ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم: ((أنفقي أو انضحي، أو انفحي، ولا تُحصي، فيُحصيَ اللهُ عليْك)) وفي رواية: ((أنفقي، ولا تُحصي، فيُحصي اللهُ عليكِ، ولا تُوعي فيُوعي اللهُ عليكِ))؛ متَّفق عليه: البخاري (2590) ومسلم (2372).

 

ومعنى قوله (لا تُحصي فيُحصي اللهُ عليك) أي: لا تعُدِّي ما تتصدَّقين به وتجمعينه، فيُحْصي اللهُ ما يُعطيك ويعُدَّه عليك، وقيل: هي المبالغة في التقصِّي والاستِئْثار، ومعنى قوله: (انضحي أو انفحي) بمعنى واحد، وهو كناية عن السَّماحة والعطاء.

 

وفي رواية: ((ارضخي ما استطعتِ ولا تُوعي فيُوعي اللهُ عليْك))؛ متَّفق عليه: البخاري (1434)، مسلم (2375).

 

عن عائشة رضي الله عنْها؛ أنَّها ذَكرَت عدَّة مِن مساكين - قال أيوب: أو قال عدَّة مِن صدقة - فقال لها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أعطي ولا تُحْصي فيحصي اللهُ عليْك))؛ هذه رواية أبي داود.

 

وفي روايةٍ للنَّسائي (5 /73) عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنْه قال: كنَّا يومًا في المسجد جلوسًا، ونفَرٌ مِن المهاجرين والأنصار، فأرْسلْنا رجُلًا إلى عائشة رضِي الله عنْها ليستأذنَ، فدخلْنا عليها قالت: دخل عليَّ سائل مرَّة، وعندي رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم فأمرتُ له بشيء، ثم دعوتُ به فنظرتُ إليْه، فقال رسولُ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم: ((أما تُريدين أنْ لا يَدخُل بيتَك شيءٌ ولا يَخرج إلَّا بعِلْمك؟)) قلتُ: نعم، قال: ((مهْلًا يا عائشة، لا تُحصي، فيحصيَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليك)).

 

مع الكرماء:

قال سعيد بن العاص لابنِه: يا بُني، أخْزى اللهُ المعروفَ إذا لم يكُن ابتداءً غير مسألة، فأمَّا إذا أتاك الرَّجُل تكاد ترى دمَه في وجهه، أو جاءك مخاطرًا لا يدْري، أتعطيه أم تمنعه؟ فوالله لو خرجتَ له مِن جَميع مالك ماكافأتَه.

 

جاء رجُل في حمالة أربع دِيَات، سأل فيها أهل المدينة، فقيل له: عليْك بالحسَن بن علي، أو عبد الله بن جعفر، أو سعيد بن العاص، أو عبد الله بن عبَّاس، فانطلق إلى المسجد، فإذا سعيدٌ داخل إليْه، فقال: مَن هذا؟ فقيل: سعيد بن العاص، فقصدَه، فذكر له ما أقْدَمَه، فتركَه حتَّى انصرف مِن المسجِد إلى المنزل، فقال للأعرابي: ائتِ بمَن يَحْمِل معك، فقال: رحِمك الله، إنَّما سألتُك مالًا، فقال: أعرف، ائتِ بمَن يَحْمِل معك.

فأعْطاه أربعين ألفًا، فأخذها الأعرابي وانصرف، ولَم يسأل غيرَه.

 

مرض قيس بن سعد بن عبادة رضِي الله عنْه، فاستبْطأ إخوانَه، فقيل له: إنَّهم يَستحْيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّين، فقال: أخزَى اللهُ مالًا يَمنع الإخوانَ مِن الزِّيارة، ثمَّ أَمَرَ مُناديًا، فنادى: مَن كان عليه لقيْس بن سعدٍ حقٌّ فهو منه بريء، قال: فانكسرَت درجتُه بالعشيِّ لكثرة مَن زاره وعاده؛ انظر: إحياء علوم الدِّين (3 /250).

 

أحبَّتي في الله، هذا رسول الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم أجود مَن سمِعَتْ به الدُّنيا، وهكذا كان أصْحابه على الدَّرب سائرين، فهل نحن على آثارِهم مقْتَفُون؟ كلٌّ منَّا يُجيب نفسَه بنفسِه على هذا السُّؤال.

 

اللهَ أسألُ أن يرزُقَنا حُسنَ التأسِّي، وجميلَ الاتِّباع للرَّسول صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم، وأن نَسير على نَهج السَّلف الصَّالح؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليْه.

 

وللمزيد - أخي المبارك، أختي الفاضلة - يمكن الرُّجوع إلى كتابي "((والصدقة برهان)): أحكام وفضائل، وآداب وثمرات، وقصص ومواعظ وعبر".

 

وصلِّ اللَّهُمَّ على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحْبِه وسلِّم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أنفق ينفق عليك (1)
  • "أنفق ينفق عليك"

مختارات من الشبكة

  • حديث: إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • أنفق ينفق عليك (درس رمضاني)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حديث: قال الله: أنفق يا ابن آدم، ينفق عليك(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أنفق وكأنه لم ينفق!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنفقوا فقد جاء شهر الخير (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح حديث: من أنفق زوجين في سبيل الله(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تفسير: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وعن ماله فيم أنفقه (إنفاق المال في المحرمات)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- بارك الله فيكم
نايف - السعودية 17-06-2010 03:52 PM

المقال يقوي في النفس الإيمان ويزيده
بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب