التحذير من طلب الرفعة بالحط من قدر الغير

التحذير من طلب الرفعة بالحط من قدر الغير

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [النساء: 94].

تأملْ قَولَه تَعَالَى: ﴿ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾، بعد الأمر بالتثبت والنهي عن إطلاق أحكام الكفر جزافًا على المسلمين؛ لتعلمَ علةَ إطلاق تلك الأحكام غالبًا عند من يفعَل ذلك ابتغاء عرض دنيوي؛ كاستحلال أموال الناس، أو طلب الرِّفعة والشرف بالحط من قدر الغير.

وهذان من أعظم شهوات النفس، ومن أشدها تَمكنًا من قلب العبد إذا ترك العبد لها نفسه، وأرخى لها زمامَه، وقد رأينا أولئك الذين يستهينون بتلك الأحكام، لا يتورَّعون عن أكل أموال الناس بالباطل، ورمْيهم بكل نقيصة، والحط من قدرهم في كل موطن مع اعتداد الواحد منهم بنفسه، حتى يكاد يرفع نفسه إلى مصاف الرسل، ولا يبالي في سبيل تحقيق ذلك بمن طعَن فيه، ولا بمن شنَّع عليه، ولا بمن عاب قوله، ولا بمن سفَّه رأيه، بل لا يبالي بمن أهدَر دمَه، بل لا يبالي بالحكم على الناس جميعًا بالهلاك، ولا يدري المسكين أنه بذلك أول الهالكين؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ"[1].

وما قال ما قال، ولا فعل ما فعل إلا ليرتفع قدره وتعلو رُتبته، ويذيع في الناس صيتُه، ولا يدري أنه أفسد دينَه في سبيل تحقيق شرفٍ مزعوم، وعرَضٍ زائل، ورِفعة متوهَّمة؛ فعَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»[2].