• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

ليسلم قلبك ولسانك

ليسلم قلبك ولسانك
عبدالمحسن علي حسن الرملي الأيوبي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/6/2019 ميلادي - 12/10/1440 هجري

الزيارات: 8555

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليسلم قلبك ولسانك

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها الإخوة والأحبة، إننا نحمد الله تعالى على نِعَمِه العظيمة، وأفضاله الكثيرة، وآلائه التي لا يحصيها إلا هو سبحانه، ومن أخصِّ نعمه علينا، أن ألَّف بين قلوبنا، وجمَعنا على أصول الدين العظيمة: التوحيد والسنة، والاجتماع على منهج السلف الصالح، ونبذ البدع والضلالات والشركيَّات والخُرافات، فهي نعمة عظيمة، يحسدنا عليها أعداؤنا، وانتشرت هذه الدعوة بفضل الله سبحانه، ثم بجهود الدعاة المخلصين، والعلماء الربانيِّين، وإخواننا في الله المحبِّين، فنحن في خير عظيم، أحَبَّ الناسُ هذه الدعوة؛ لما رأوا من صِدْقِها، وحِكْمتِها، ورِفْقِها، ونُصْحها، ونزاهتها، ونقائها، فهذا من فضائل الله عليكم، إخواني في الله، فاحمدوه واشكروه، فلولاه لما اجتمعت قلوبنا على الإيمان، ولما توحَّدت كلمتُنا ضد أهل البدع والشرك والطغيان، فلله الفضل وحده، أن جعلنا فيه متحابِّين، وأن جمع كلمتنا على هذا الدين، وأن ثبَّتْنا عليه وبه، في زمن تتلاطم فيه الفتن تلاطُمًا، وتعصف الشبهات على القلوب عصفًا، فثبَّتْنا وأنجانا، والناس من حولنا يتساقطون ليلًا ونهارًا، ونحن على الصراط المستقيم ثابتون، فـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، كانت الثارات والحروب قبل الإسلام بين قبيلتي الأنصار: الخزرج والأوس، حتى جاء الإسلام فجمعهم بعد التفرُّق، ووحَّدَهم بعد الشتات والتمزُّق، وأبدل ما في قلوبهم مِن شحناء وبغضاء، محبة وإخاء، ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].

 

فهذه مِنّة الله، وهذا فضل الله سبحانه، جمعنا ربنا على أصول عظيمة تكون بها قوَّتنا ولحمتنا ووحدتنا وعِزتنا ورفعتنا، وما تتألَّف به قلوبُنا، وتجتمع به على الحق كلمتُنا، ويضعف به كيد الشياطين علينا، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

 

ووالله يا عباد الله؛ لو بُذِلَ ما بذل في سبيل تأليف القلوب واجتماعها من أموال، وأوقات، وأعمار، ما تُوصل إلى ذلك إلا بفضل الله وحده، ثم بهذه الدعوة وبهذه النعمة والرحمة، إلا بالكتاب والسنة، إلا بالتوحيد والاتِّباع، ونبذ الشرك والابتداع، ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63].

 

وإننا إخواني في الله في حاجة عظيمة حتى نُعان على هذا الخير والثبات، ونستمر على الاستقامة، أن نُصفِّي قلوبنا ونُطهِّرها من الحقد والحسد، والشحناء والبغضاء، فسلامة القلوب وصفائها من أعظم الأسباب التي تُقوِّي المحبَّة، وتُوحِّد الصفِّ، وتجمع الكلمة، وتزرع الأُلْفة، وكلمتي هذه معكم بعنوان "ليسلم قلبك ولسانك"، فما أعظم حاجتنا إلى هذين الأمرين، والصفتين العظيمتين، سلامة القلب واللسان! هي صفة أفضل الناس، قد كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولين بالتنافس على الخير، والتنافس على الفضل، والحرص على أن يكونوا أفضل الناس عند الله سبحانه وتعالى، هكذا كانت همم سلفكم إخواني في الله، همم عالية؛ جاء في سنن الإمام ابن ماجه وغيره، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ))، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: ((هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لا إِثْمَ فِيهِ، وَلا بَغْيَ، وَلا غِلَّ، وَلا حَسَدَ))[1].

 

ونفهم من هذا أن شر الناس من اتصف بضدِّ هاتين الصفتين، فما أعظم هذه الصفة؛ سلامة الصدر مع صدق اللسان! فأفضل الناس تجد صدره سليمًا تجاه إخوانه المؤمنين، ليس في قلبه حسد أو غل، ولا ضغينة أو بغضاء، ولا غِيبة أو نميمة أو وقيعة أو شحناء؛ بل لا يحمل لإخوانه في قلبه إلا الخير والمحبة، والإحسان والعطف والرحمة، وهكذا لسانه لا يتلفَّظ إلا بالكلمات النافعة، والأقوال المفيدة، والدعوات الخالصة والصادقة، لا تسمعه إلا ناصحًا، للمعروف آمرًا، وللشر والمنكر مُحذِّرًا، ولجمع الكلمة على الدين والحق والصراط المستقيم حريصًا وداعيًا، ينتقي من الكلمات أحسنها، ومن العبارات أفضلها، فيقطع بهذا عمل الشيطان، ويمتثل أمر الرحمن؛ قال سبحانه: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

 

ومن جَمَع هاتين الصفتين العظيمتين، كان هذا من أوضح الدلائل، وأصدق البراهين على كمال إيمانه، وكان ممن قال الله عز وجل فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

إن هؤلاء امتدحهم الله؛ لكونهم دعوا بذلك، فكيف - إخواني- بمن حقَّق سلامة الصدر، فلم يحمل غلًّا ولا حقدًا على المؤمنين أصلًا، فلا شك أنه أوْلى بذلك وأحرى.

 

وبهذا كَمُلَ إيمان سلفنا الصالح، وحصل لهم من الخير والبركة والأجر والاهتداء ما يدعو المؤمن العاقل إلى السير على طريقهم واتِّباع منهجهم؛ جاء في "كتاب الزهد"؛ لأبي السَّرِي [2]، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي بَشِيرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَعْمَالِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؟ قَالَ: "كَانُوا يَعْمَلُونَ يَسِيرًا وَيُؤْجَرُونَ كَثِيرًا"، وَقَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: "لِسَلامَةِ صُدُورِهِمْ"، وهكذا فقد كانوا يرون أن أفضلهم من كان سليم الصدر، سليم اللسان؛ جاء في "حِلْيَة الأَوْلِيَاءِ" لأَبِي نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِي، عَنْ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْن قُرَّةَ يَقُولُ: "كَانَ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُمْ أَسْلَمَهُمْ صُدُورًا، وَأَقَلَّهُمْ غِيْبَةً".

 

وجاء في "سير أعلام النبلاء"، و"صفة الصفوة" عن زيد بن أسلم رحمه الله أنَّه قال: "دُخِلَ عَلَى ابن أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا".

 

فكان سلفنا بحق أيها الإخـــــوة عظماء في أخلاقهم وصفاتهم، وكما قالت العرب:

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ *** ولا ينالُ العُلى مَنْ طَبْعُهُ الغضبُ [3]

 

جاء في "طبقات الحنابلة"؛ لأبي يعلى، أن رجلًا جاء إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فقال له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي؟ فقال: "إذا لم تكتب عن محمد بن منصور، فعمَّن يكون ذلك!"، مرارًا، فقال له الرجل: إنه يتكلم فيك، فقال أحمد: رجل صالح ابتُلي فينا، فما نعمل؟

 

فانظروا إلى هذا النقاء العجيب وهذه السلامة العظيمة في قلبه ولسانه، وهكذا كان علماؤنا والسابقون من الأئمة الأعلام؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، على سلامة صدر عظيمة، وسلامة لسان، وعدلٍ وإنصاف.

 

إخواني في الله، بسلامة الصدر واللسان، ونقائهما وطهارتهما، يبلغ أحدنا أن يكون له من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ما قد لا يبلغه بكثرة القيام، ولا بكثرة الصيام، في مسند الإمام أحمد وغيره عن أَنَس بْن مَالِك رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ؛ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

 

ومن كان قلبه نقيًّا سليمًا ولسانه كذلك، يسلم من آفات اللسان وشروره، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم وإيمان كبير، فتعامل أخي في الله مع من ناصبَك العداء من إخوانك بالإحسان، ورد الجهل بالحلم، وإياك ونزغ الشيطان وكيده ووساوسه؛ قال تعالى مرشدًا لنا إلى ما علينا فعله وقوله مع إخواننا، والناس من حولنا: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 34 - 36].

 

ولتعلم أن سلامة الصدر من صفات أهل الجنة والسعادة، جعلني الله وإياكم من أهلها؛ قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

 

وفي صحيح الإمام البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ، وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لَا يَسْقَمُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الْأَلُوَّةُ))، وفي هذا إشارة إلى أنها نعمة عظيمة على أهل الجنة فيها، فلنعش هذا النعيم في الدنيا، فإن في سلامة الصدر راحة وطمأنينة دنيوية، وهو طريق إلى السعادة الأخروية، فإذا حقَّقْناه أبعدنا عن القلق والتوتُّر والأرق، وهل هناك شيء أجمل من أن تأوي إلى بيتك وتنام على فراشك وقلبك وصدرك سليم على إخوانك؟

 

لا حقد ولا حسد، ولا شحناء ولا بغضاء، ولا قطيعة ولا هجران، يحب لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ينشغل بإصلاح نفسه وتعليمها، وإصلاح من حوله وتعليمهم، هذه أخلاق العظماء والفضلاء، الدنيا ليست همهم؛ بل يؤثرون الحياة الآخرة على الدنيا، فالدنيا عندهم لا تستحقُّ كل هذا العناء والنصب، والهجر والتعب، والحقد والحسد، والتقاطع والتدابُر، أكبر همٍّ لهم أن يعبروا هذه الدنيا سالمين، وأن يلقوا الله سالمين، وألا يخزيَهم يوم الدين، دعاؤهم: ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 87 - 89].

 

وإنَّ من المؤسف أن نرى من إخواننا من جعل صدره مستودعًا أسودَ، يحمل فيه الحقد والغل، والكراهية والحسد، وهذا والله أشقى الناس عيشًا، وأحزنهم قلبًا، وأضيقهم صدرًا، وأشغلهم بالًا، يعيش في اضطراب وقلق، وهمٍّ وأرق، أفسد قلبه، وأشقى نفسه، وحرم الخير عن نفسه، وقد يحرم من حوله الخير، فليلة القدر، عظيمة القدر، شرفها الله في كتابه بالذكر، وهي ﴿ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 3 - 5]، رُفِعَ العلم بها بسبب خصومة وقعت بين رجلين، ونزاعٍ بين شخصين، ففي صحيح الإمام البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - أي: تنازعا وتخاصما - فَقَالَ: ((إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ)).

 

فكم هي النزاعات اليوم والخصومات، والتقاطُع والتدابُر والشجارات والمشاحنات؛ بل والتقاتل والتناحُر والنزاعات، تُرى كم من الخيرات حُرمنا وضيَّعْنا، وكم من الفضائل فوَّتْنا وأذهبنا!

 

والذي في قلبه شحناء على أخيه المسلم يَحرم نفسه من مغفرة الله سبحانه وتعالى، التي يَنالها كلُّ مُوحِّدٍ يوم الاثنين ويوم الخميس فضلًا من الله تعالى على عباده، وكفى بهذا زجرًا، وأمرًا بصفاء القلوب ونقائها، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)).

 

لو نظرنا على مستوى الأقارب والأرحام، مَن جمعتهم أواصر الرحم، ووشائج القرابة، لوجدنا الكثير فرَّقَتْهم الأحقاد، ومزَّقَتْهم الضغائن، وشتَّتهم الحسد، ترى بينهم الشحناء والبغضاء والآثام، والتقاطع والحسد والهجران، على إرث، أو على قطعة أرض، أو على خِلاف قديم بين الآباء أو الأعمام أو الأجداد، أو على خلاف جديد بين الأولاد، ولو سألتهم لأبدوا عِللًا جعلوها في الواجهة، ونصبوها عند المناقشات على أنها سبب الخلاف، وفي الحقيقة ما هو إلا ما في القلوب من ضغائن، وأحقاد، فلماذا هذا؟! وعلى ماذا؟! أعلى دُنْيا لا تسوى شيئًا عند الله جل وعلا، ولا تساوي بأجمعها شيئًا إذا قارنتها بالآخرة، في صحيح مسلم عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ: بِمَ تَرْجِعُ)).

 

فالحذر الحذر أيها القاطع لرحمك، أيها الهاجر لقريبك، أيها المخاصم لأهلك، فويل لمن قطع الرحم، وقطع ما أمر الله بوصله، وحرَّم قطعه، ويلٌ لهم من الرحمن، في سنن أبي داود عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ))[4].

 

بين الجيران لو نظرت وتفقَّدت لوجدت بين بعضهم الحسد والحقد، رغم تقارب البيوت، القلوب متباعدة رغم تجاور المساكن، والقلوب متنافرة رغم تلاصق الدور، والنفوس مختلفة، يسلكون طريقًا واحدًا؛ ولكنهم لا يجتمعون أبدًا، يرون بعضهم فيستوحشون ولا يتآلفون، مسجدهم واحد وإمامهم واحد والخلاف دائم وقائم، فحتى متى عباد الله؟!

 

فخيركم من يبدأ بالسلام، وخيركم خيركم لجاره؛ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ الأَصحاب عِنْدَ اللَّهِ تعالى خَيْرُهُمْ لصـاحِبِهِ، وخَيْرُ الجيران عِنْدَ اللَّه تعالى خيْرُهُمْ لجارِهِ))[5]؛ أخرجه الترمذي في سننه وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

 

إنَّ ما في القلوب هو الذي يدفع إلى الهجران، هو الذي يدفع إلى التقاطع، فاحذرْ من هذه الآثار والتبعات الوخيمة، الخطيرة على حياتك ودينك، احذر أن تموت على ذلك؛ في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ)).

 

وفي مسند أحمد وسنن أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ ))[6].

 

إنَّ هذا في حق عامة المسلمين، فكيف بقرابتك ورحمك وجيرانك؟

فلا تتمادى في طول الهجر والقطيعة، فالأمر أشدُّ وأخطر، والإثم أكبر وأعظم؛ ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ هجَرَ أخاهُ سَنةً، فهوَ كَسَفْكِ دَمِه)) [7].

 

فهذه بعض الآثار الذميمة التي تكون فيمن قلبه مشحون على إخوانه، ناهيكم عن الآثار التي تظهر بأقوال الشخص فتوبقه؛ كالغِيبة والنميمة، والغش والطعن والكذب، نسأل الله العافية والسلامة.

 

أيها الأحبة:

إن من أعظم ما يعين على سلامة الصدر واللسان: الدعاء، فسل الله أن يُطهِّر قلبك من الحقد والحسد والضغينة، وأن يجعله سليمًا، قلْ كما قال الأولون: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

وإن مما يعين على ذلك، أن تدعو الله سبحانه في الصباح والمساء بهذا الدعاء الثابت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكرٍ الصديقَ رضي الله عنه قال: يا رسولَ اللهِ مُرْني بكلماتٍ أقولُهُن إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: ((قل: اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطانِ وشِرْكِه)).

 

وعند الترمذي: ((وأنْ أقترفَ على نفسي سوءًا أوْ أجرَّهُ إلى مسلمٍ)).

قال: ((قلْها إذا أصبحتَ، وإذا أمسيتَ، وإذا أخذتَ مضجعَك))[8].

 

فهذا الحديث تضمَّن الاستعاذة بالله من الشر كله، ومن شر النفس والشيطان الذي غايته أن يعود الشر عليك أو على إخوانك المسلمين، فلا تُفرِّط فيه أخي الحبيب، فهو من الأدعية العظيمة المعينة في هذا الباب.

 

كذلك تذكر هوان الدنيا دائمًا، وانظرْ إلى الآثار الحميدة الكريمة لسلامة الصدر واللسان في الدنيا والآخرة، وإلى الآثار السيئة التي عادت وتعود على المتشاحنين والمتباغضين والمتحاسدين، تُعان بإذن الله على سلامة الصدر وسلامة اللسان، وتذكرْ حرص الشيطان على ذلك، وتحذير الرحمن من عمل الشيطان: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].

 

وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَه الْمَصلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)).

 

وأخيرًا:

الصيام من أعظم ما يُعين على تصفية القلوب وإذهاب وَحَر الصدور، التي هي سبب الشرور الفعلية والقولية على إخوانك؛ جاء في سنن النسائي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قال: أتى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلٌ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، ما تقولُ في رجُلٍ صامَ الدَّهرَ كُلَّهُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ((وَدِدْتُ أنَّهُ لم يَطْعَمِ الدَّهرَ شيئًا))، قالَ: فثلُثَيْهِ؟ قالَ: ((أَكْثر))، قالَ: فنِصفَهُ؟ قالَ: ((أَكْثَرَ))، قالَ: ((أفلا أخبرُكُم بما يُذهِبُ وَحَرَ الصَّدرِ؟))، قالوا: بلَى! قالَ: ((صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهْرٍ))[9].

 

وقد صمنا شهر رمضان وهو شهر الصبر، فلمسنا هذه النتيجة الطيبة، ووجدنا صفاء في القلوب على إخواننا عظيمًا؛ روى البخاري في "التاريخ الكبير"، والبزار كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي، وهذا لفظه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((صَومُ شهرِ الصَّبرِ، وثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ))[10].

 

فبادر من الآن بوصل من قطعت وصرمت، وزيارة من جفوت وهجرت، وإعطاء من منعت وحرمت، وأقبل عمَّن عنه أدبرت، وتذكَّر من نسيت، وكنْ صافي القلب، سليم الصدر، طيب الكلام، فذلكم هو الحظ العظيم، والسعد الجزيل؛ لمن آتاه الله إياه، وهداه إليه؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].

 

ولا تنسى أبدًا أنَّ سلامة القلوب وصلاحها يكون باستقامتها على أمر الله جل وعلا، وإذا استقام قلب العبد ضمن صاحبه طهارته من الشرك والنفاق، والرياء والحسد والغش للمسلمين، ومن كان سليم القلب فاز في الدارين، جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتَّبِع أحسنه.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيِّئَها، لا يصرف عنا سيِّئها إلا أنت، هذا ما يسَّر الله، وأعان عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] صحَّحه المحدِّث الألبـاني في "الصحيحة".

[2] هَنَّاد بن السَّرِي التميمي الدارمي الكوفي، في باب حسن الخلق .

[3] من قصيدة لعنترة بن شداد العبسي.

[4] صححه المحدِّث الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

[5] صحَّحه المحدِّث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، و"صحيح الجامع" .

[6] صححه المحدث الألباني في "صحيح أبي داود"، والمحدث الوادعي في "الصحيح المسند".

[7] صححه المحدث الألباني في "الصحيحة"، و"صحيح الأدب المفرد"، وغيرهما.

[8] وصححه المحدِّث الألباني في "الصحيحة".

[9] صححه المحدث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".

[10] قال المحدث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب": حسن صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دلالات القلب واللسان في صحة البيان
  • اعتن بقلبك
  • ألا تشتاق إلى سكينة قلبك؟ تأمل وتدبر
  • احذر أن تخالف بلسانك ما يعتقد جنانك

مختارات من الشبكة

  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قلوب قلبها مقلب القلوب فأسلمت واهتدت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اذكر الله حتى تحرس قلبك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة في أعمال القلوب .. قلبك في رمضان(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة أنواع القلوب(11) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية(1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دع القلق واهنأ بشهر الصيام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (3) القلب الراضي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا يسلم من ألسنة الناس أحد(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • البدعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (10) القلب المتذكر المعتبر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب