• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

كم من مناظرة قصمت ظهور جبابرة

كم من مناظرة قصمت ظهور جبابرة
محمد عبدالرحمن صادق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/11/2016 ميلادي - 12/2/1438 هجري

الزيارات: 31041

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كم من مناظرة قصمت ظهور جبابرة

 

إن الكلمة في الإسلام لها أهميتها ولها خطورتها فمن أهميتها أنك تجد من يدعون إلى الحق ويُدافعون عنه ويُنافحون.

• وهناك من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

• وهناك من يُسْدُون للغير النصيحة التي لو أفنوا فوق أعمارهم أعماراً ما بلغوا مِعشار هذه النصيحة.

 

• ومن خطورتها: أنك تجد من يعتلي منابر الباطل فما تجده إلا للباطل داعياً، يصول ويجول ويُضحي أحياناً ليجد باطله مُنتفشاً وله أتباع ومؤيدين.

• وعندما يلتقي صاحب الحق مع صاحب الباطل وجهاً لوجه نجد ما يُسمى بالمناظرة حيث يبدأ كل طرف في عرض حُججه وأدلته وبراهينه التي يحاول بها أن يُدحض ويُفند حُجج وأدلة وبراهين الطرف الآخر.

ولعظم كلمة الحق في مواجهة الباطل قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم الجهاد.

 

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسولَ اللهِ أي الجِهادِ أفضلُ؟ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يرمِي الجمرةَ الأولى، فأعرضَ عنهُ، ثم قال له عندَ الجمرةِ الوسطَى ؛ فأعرضَ عنهُ، فلما رمَى جمرةَ العقبةِ، ووضعَ رجلهُ في الغرزِ قال: أين السائلُ؟ قال: أنا ذا يا رسولَ اللهِ قال: أفضلُ الجهادِ من قال كلمةَ حقٍ عندَ سلطانٍ جائرٍ " ( رواه البغوي ).

 

أولاً: بعض المناظرات من القرآن الكريم: لقد حفلت سور القرآن الكريم بالعديد من المناظرات بين سالكي طريق الحق وبين ناكبيه وكان التوفيق الإلهي حليفاً لكوكبة الحق على زمرة الضلال.

• قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [ إبراهيم 27 ].

 

• قال تعالى:  ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى 16].

 

• ولقد كانت مناظرات الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم بالحكمة والموعظة الحسنة وذلك لتهيئة النفوس ولاستمالة القلوب. وبدأت معظمها بقوله تعالى: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الشعراء 107 - 110 ]. وانتهت معظمها بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء 190 ].

• وهناك بعض النماذج للمناظرات في القرآن الكريم التي سنُعَرِّج عليها ونتناولها بتعليق مختصر.

 

المناظرة الأولى: مناظرة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع النمرود بن كنعان: في هذه المناظرة القصيرة تظهر رجاحة عقل نبي الله إبراهيم عليه السلام التي تمثلت في الرد المُفحم المزلزل الذي أسكت به النمرود وهو مُدعياً لنفسه ما لا ينبغي إلا لله تعالى. وهكذا يجب أن يكون صاحب الحق، وما يوفق لهذا الأمر إلا من وفقه الله تعالى وشرح صدره وأطلق لسانه.

• قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة 258].

 

قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في تفسيره: " إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفاً له يُحرَم هداية الله تعالى فلا يهتدي أبدا. فلأنه كان مُكابراً مُعرضاً عن الحق، ولم يكن مُستبيناً طرق الهدى لم يهده الله جل وعلا إلى سواء السبيل بل كان مُستكينا لهواه وشيطانه فبئس المولى وبئس النصير ولهذا جاء الله سبحانه وتعالى مُصوراً موقف هذا الذي كفر بعد إنقطاعه عن الجدال ولو بتأويل مردود بقوله -(فَبُهِتَ) وذكر الموصول (الذي) وجعل الكفر صلته (الَّذِي كَفَرَ) للإشعار بعلة هذه النتيجة، وهي أنه كافر حائد عن الحق لذا جاء ختام هذا الحوار (والله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

 

• قال الإمام ابن القيم - رحمه الله –: " فألزمه إبراهيم على طرد هذه المعارضة، أن يتصرف في حركة الشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها، إذا كان بزعمه قد ساوى الله في الإحياء والإماته، فإن كان صادقاً فليتصرف في الشمس تصرفاً تصح به دعواه. وليس هذا إنتقالاً من حُجة إلى حُجة أوضح منها، كما زعم بعض النظار، وإنما هو إلزام للمدعي بطرد حُجته إن كانت صحيحة ".

 

• جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله: " قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى ثم الثالثة فأبى وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليهم ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت في منخري الملك أربعمائة سنة عذبه الله بها فكان يضرب برأسه بالمرازب في هذه المدة حتى أهلكه الله بها ".

 

المناظرة الثانية: مناظرة نبي الله إيراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه: إن إبراهيم عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل لم يدخر وسعاً ولم يألوا جهداً من أجل تبليغ دعوة الله تعالى وانتشارها، فتراه يناظر هذا ويقنع ذاك، ويتودد لهذا ويتحدى ذاك مُستخدماً كل الأساليب والوسائل إعذاراً إلى الله تعالى.

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [ الأنبياء 51 - 70 ].

 

• في بداية هذه المناظرة نجد أن الله تعالى قال: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ﴾ [ الأنبياء 51 ]. ومن هنا تأتي القوة الروحية والاتزان النفسي والطمأنينة والثقة بمعيته سبحانه وتعالى.

 

• بدأ سيدنا إبراهيم مناظرته لأبيه وقومه باستفهام استنكاري يُنكر عليهم فعلتهم وبه يستخرج منهم إجابة يبني عليها المناظرة فلا يستطيعون إنكارها ولا يستطيعون مجادلته في شأنها ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾  [ الأنبياء 52 - 53 ].

 

• كانت الصدمة الاستهلالية والهجوم الاستباقي من الخليل إبراهيم عليه السلام حيث: ﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الأنبياء 54 ].

 

• وببراعة فائقة وذكاء خارق بيَّن الخليل إبراهيم عليه السلام طبيعة دعوته وأنه مُرسل من الله تعالى لهدايتهم ولإخراجهم مما هم فيه من الضلال. " ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [ الأنبياء 55 - 56 ].

 

• عندما لم يجد الخليل إبراهيم من الشواهد ما تدل على استجابتهم لدعوته فكان لابد من المفاصلة وإعلان التحدي وظهر ذلك جلياً في قوله لقومه: ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [ الأنبياء 57 ].

 

• وبالفعل نفذ الخليل إبراهيم تهديده وما تحداهم به: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [ الأنبياء 58 ]. فالنبي لابد وأن يكون صادقاً في كلامه حازماً في قراره.

 

• كانت الصدمة المُزلزلة عندما وجد القوم آلهتهم - حسب زعمهم - مُحطمة مُتناثرة في مشهد لم يألفوه ولم يتوقعوه، فلقد عاشوا حياتهم يُقدسونها وينسجون حولها من الأساطير ما تجعل الإنسان يهاب أن يمسها بسوء أو أن يفكر في ذلك " قَا﴿ لُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [ الأنبياء 59 - 60 ].

 

• يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: " إنه لم يكتفِ بالمحاجَّة باللسان، بل كسَّر أصنامهم فِعلَ واثقٍ بالله تعالى، مُوطِّنٍ نفسَه على مقاساة المكروه في الذب عن الدين ".

 

• وكان رد الفعل الطبيعي أن يأتوا بإبراهيم الذي سبق أن ناظرهم وهددهم وتوعدهم لعلهم ينتبهون من غفلتهم: " ﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [ الأنبياء 61 ].

 

• يقول ابن كثير - رحمه الله -: " أي في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد؛ لعلهم يشهدون مقالته، ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه، وكان هذا أكبر مقاصدِ إبراهيم عليه السلام؛ أن يجتمع الناس كلهم، فيقيم على عبَّاد الأصنام الحجَّة على بطلان ما هم عليه، كما قال موسى عليه السلام لفرعون: ﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [ طه 59 ].

 

• وعندما جاء القوم بالخليل إبراهيم عليه السلام وسألوه: ﴿ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾؟ [ الأنبياء 62 ] فما وجدوا منه إلا ثباتاً على المبدأ وتمسكاً بالحق وصراحة أصابتهم بالذهول: ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ [ الأنبياء 63 ].

 

• وهنا أسقط في أيديهم واستطاع الخليل إبراهيم عليه السلام - بتوفيق الله تعالى - أن يُقيم عليهم حُجة أخرى وأن يجعلهم يهمسون فيما بينهم بضعف موقفهم وضآلة حُجتهم أمام إبراهيم عليه السلام ورجاحة عقله وقوة حجته واستمساكه بالحق والدفاع عنه. قال تعالى: " ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ ﴾ [ الأنبياء 64 - 65 ].

 

• وكانت قمة المواجهة وذروة المناظرة عندما سَفَّه الخليل إبراهيم أحلامهم وعاب آلهتهم:  ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ ( الأنبياء 66 - 67 ).

• وكعادة الباطل الذي لا يُعمِل العقل ولا يرضخ للمنطق ولا يرضى بالحق بل يواجه كل ذلك بالقوة والبطش والتنكيل ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ ( الأنبياء 68 ).

• يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: " لَمَّا انقطعوا بالحجة، أخذتهم عزةٌ بإثم، وانصرفوا إلى طريقة الغشم والغلبة، وقالوا: حرِّقوه ". ويقول أيضاً: " وهذه عادة الجبابرة، فإنهم إذا عُورضوا بشيء، وعجزوا عن الحجة، اشتغلوا بالعقوبة ".

• بعد أن استنفذ الخليل إبراهيم عليه السلام كل الأسباب واستفرغ كل الوسع والطاقة والجهد كان لابد من تتدخل أسباب السماء التي لا يمنعها مانع ولا يحول دونها حائل: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ( الأنبياء 69 ).

• وهنا يُعلنها الله تعالى كلمة باقية إلى يوم القيامة: ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ ( الأنبياء 70 ). فالباطل مهما انتفش فهو إلى زوال والظالم مهما تجبر فلن يفلت من أخذ الله تعالى له أخذ عزيز مقتدر.

هذه مناظرة بين الحق مُتمثلاً في الخليل إبراهيم عليه السلام وبين الباطل مُتمثلاً في قومه، فبالرغم من أنهم سلكوا كل السبل ومارسوا كل الحِيل لإسكات الصادح بالحق وإطفاء سراجه وتعطيل حُجته إلا أن الخليل إبراهيم عليه السلام استحق تأييد الله تعالى له وإظهار دينه بسبب ثباته على المبدأ وتمسكه بالحق وحرصه على تبليغ ما أمره الله تعالى به.

 

المناظرة الثالثة بين نبي الله موسى عليه السلام وبين فرعون وقومه: إن كلمة فرعون في ذاتها تلقي في النفس ظلال التجبر والظلم والجبروت كما تلقي أيضاً ظلال الرهبة والخوف من البطش والتنكيل ولذلك عندما يذهب نبي الله موسى عليه السلام إلى فرعون في عقر داره وبين حاشيته وجنوده لكي يدعوه إلى الله تعالى بدعوة قد تسلبه كل هذا الملك وكل هذه السيادة فهي خطوة لا يقدر عليها إلا نبي من أولي العزم من الرسل.

 

• قال تعالى: " ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *‏ حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *‏ قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ " [ الأعراف 104 - 126 ].

 

• في هذا المشهد يكلف الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون ليخبره بدعوة الله وليدعوه إليها هو ومن معه، فيلبي موسي عليه السلام ولا يتوانى في ذلك. بمجرد وصول نبي الله موسى عليه السلام إلى فرعون أخبره بأنه قد جاء إليه داعياً وأنه نبي مُرسل من قبل الله تعالى وأن دعوته هي دعوة الحق وطلب منه الاستجابة لأمر الله هو ومن معه من بني إسرائيل. قال تعالى:  ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *‏ حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾  [ الأعراف 104 - 105 ].

 

• كعادة الطغاة والمتجبرين الذين يتمسكون بعرشهم إلى آخر رمق في حياتهم لم يرضخ فرعون لكلام نبي الله موسى عليه السلام ولم يستجب بل طلب دليلاً على صدق كلامه. هنا ظهرت المعجزة الإلهية التي أيد الله تعالى بها نبيه عليه السلام فبمجرد أن ألقى العصا - هذا الجماد الصلب - يفاجأ الجميع بأنها قد نفخت فيها الروح وأصبحت - بقدرة الله تعالى وعلى عكس نواميس الكون - ثعبان كالثعابين التي يعرفونها ويألفونها. لم يتوقف الأمر على ذلك وفقط بل عندما أخرج نبي الله موسى عليه السلام يده بدت للناظرين بيضاء ساطعة من غير مرض ولا عِلة. قال تعالى: ﴿ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [ الأعراف 106 - 108 ].

 

• شعر الملأ من بني إسرائيل - الوزراء والأعيان - وكأن هناك زلزالاً عنيفاً يهز أركان عرش فرعون ليأتي به من القواعد فبادروا بالتشكيك فيما رأوا وإلقاء التهم والأكاذيب وأن الأمر لا يتحمل فلابد من حِيلة سريعة للخروج من هذا المأزق. والعجيب في الأمر أن يتحدث الطغاة بهذه اللهجة " فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " وما دفعهم إلى ذلك إلا شعورهم بضعف موقفهم وهشاشة حجتهم وأنهم قد أسقط في أيديهم وبهتوا مما حدث. قال تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾  [ الأعراف 109 - 110 ].

 

• أيقن الملأ من بني إسرائيل بأن قتل نبي الله موسى وأخيه ليس في صالحهم بل سيزيد الأمور تأزماً وسيزداد الناس تعلقاً بأمرهما فلقد رأى الناس ما حدث فلابد من مواجهة الحجة من جنسها فلا يبطل السحر - بزعمهم - إلا السحر فاقترحوا انتداب أمهر السحرة للقيام بهذه المهمة. قال تعالى: ﴿ قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [ الأعراف 111 - 112].

 

• جاء السحرة لمواجهة نبي الله موسى عليه السلام، ولشعورهم بأهمية الدور الذي سيقومون به لخدمة فرعون وتثبيت أركان عرشه اغتنموها فرصة بأن يطلبوا لأنفسهم العطايا فوافقهم فرعون ووعدهم بالعطايا والمزايا. قال تعالى: ﴿ وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الأنبياء 113 - 114 ].

 

• جاءت اللحظة المرتقبة بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون، ولثقته عليه السلام بمعية الله تعالى وتأييده له طلب من السحرة أن يقدموا ما في جُعبتهم من السحر فقدموا من مهارات السحر ما أبهروا به العيون وخلعوا به القلوب فلم يرى الناس لسحرهم مثيل. وبأمر من الله تعالى قام نبي الله موسى عليه السلام بإلقاء عصاه الجافة اليابسة فإذا هي تلتهم أباطيلهم وحيلهم التهاماً. ولكون سحرة فرعون متمرسين في السحر وفنونه ومعرفة أسراره ودروبه أيقنوا أن ما فعله نبي الله موسى عليه السلام ليس سحراً ولكنها معجزة ربانية لم يروا لها مثيل فما كان منهم إلا أن شعروا بذل الهزيمة فلم يكابروا بل خروا لله ساجدين منقادين للحق مستسلمين. قال تعالى: " ﴿ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [ الأنبياء 116 - 122 ].

 

• عندما رأى فرعون هذا المشهد الذي لم يخطر له ببال أسقط في يديه واتهم سحرته بالخيانة له والمؤامرة عليه وأن كل ما حدث إنما كان بترتيب مسبق بينهم وبين نبي الله موسى عليه السلام. وشأنه شأن كل طاغية لا يعرف سوى لغة البطش والتنكيل بكل من يتجرأ عليه أو يهدد أركان عرشه أصدر حكمه بأقصى وأقسى عقاب لهم فما لانت لهم قناة وما أعرضوا عن رأيهم وما تنازلوا عن الحق الذي هداهم الله تعالى إليه. فهنيئا لهم أصبحوا كفاراً وأضحوا مسلمين وأمسوا شهداء. قال تعالى: " ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [ الأعراف 123 - 126 ]

 

• وبهذا المشهد أسدل الستار عن هذه المناظرة لتبدأ حلقة أخرى من حلقات الصراع بين نبي الله موسى عليه السلام وبين فرعون ومن معه.

 

المناظرة الرابعة: مناظرة مؤمن آل يس لقومه: مؤمن آل يس: هو حبيب النجار وهو رجل صالح كان يسكن قرية في بلاد الشام تُسمى " أنطاكية " ( مدينة تقع على الضفة اليسرى لنهر العاصي على بعد 30 كم من شاطئ البحر المتوسط في محافظة هتاي التركية، وكانت سابقا ضمن الحدود السورية ).

• ذكر أهل التفسير نقلاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن المقصود بالرجل في هذه الآية هو حبيب النجار، وهو الذي يُطلق عليه مؤمن آل يس، قال ابن مسعود: إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصه ( أحشاؤه ) من دبره.

 

قال تعالى: " ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ *‏ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ﴾ [ يس 13 - 30 ].

 

• لابد وأن نقر بأن الله تعالى عندما يُرسِل رسولاً أو نبياً يُهيء لدعوته كل أسباب النجاح والتمكين بعد استفراغ الجهد واستنفاذ كل الأسباب، وأسباب النجاح التي يُهيئها الله تعالى قد تكون مادية أو معنوية، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ ( المدثر من الآية 31 ).

 

المشهد الذي نحن بصدده يبدأ كالعادة بمناظرة حامية الوطيس بين الحق والباطل، فالباطل في قمة قوته وسطوته وعنفوانه يكذب ويعاند ويتبجح ويهدد ويأبى الانقياد لمن يدعوه إلى النور ولمن يريد أن ينتشله من أدران الباطل ووحله: ﴿ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴾ [ يس 15 ].

 

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: وفي القصة أن عيسى أرسل إليهم رسولين فلقيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب " يس " فدعوه إلى الله وقالا: نحن رسولا عيسى ندعوك إلى عبادة الله. فطالبهما بالمعجزة فقالا: نحن نشفي المرضى وكان له ابن مجنون. وقيل: مريض على الفراش فمسحاه، فقام بإذن الله صحيحاً ؛ فآمن الرجل بالله. وقيل: هو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، ففشا أمرهما، وشفيا كثيراً من المرضى، فأرسل الملك إليهما - وكان يعبد الأصنام - يستخبرهما فقالا: نحن رسولا عيسى. فقال: وما آيتكما؟ قالا: نُبرئ الأكمه والأبرص ونُبرئ المريض بإذن الله، وندعوك إلى عبادة الله وحده. فهم الملك بضربهما.

 

• وأهل الحق كعادتهم يستخدمون المنطق السليم الحجة الدامغة للدفاع عن دعوتهم ونُبل غايتهم: ﴿ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس 16 - 17].

 

• وأمام ثبات أهل الحق وصمودهم في وجه عنفوان أهل الباطل ما يجد أهل الباطل بُد من المبالغة في العناد والاعتراض والتلويح باستخدام القوة التي هي بضاعتهم الراكدة التي لا يملكون سواها، قال تعالى: ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ يس 18 ].

 

• قال قتادة: " إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، وإنكم إذا لم تنتهوا فسوف نرجمكم بالحجارة، وسيصيبكم منا عقوبة شديدة ".

 

• قال مقاتل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا هذا بشؤمكم.

• قال الفرّاء: عامة ما في القرآن من الرجم المراد به القتل.

• وقال قتادة: هو على بابه من الرجم بالحجارة.

• قيل: ومعنى العذاب الأليم: القتل، وقيل: الشتم، وقيل: هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص، وهذا هو الظاهر.

 

• ولكن هيهات أن يفت ذلك في عضد أصحاب المباديء الراسخة والإيمان الذي لا تحركه العواصف ولا تنال منه الزلازل: ﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [ يس 19 ].

 

• وهنا ظهر ( حبيب النجار ) مؤمن آل يس ليُعلن إيمانه ومؤازرته لدعوة الحق وحامليها بكلمات قليلة المبنى عميقة المعنى تهز النفوس السوية هزاً وتقتحم القلوب النقية اقتحاماً. بدأت هذه الكلمات بقوله تعالى: ﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ يس 20 ] وانتهت وصاحبها في مستقر رحمة الله تعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس 26 - 27].

 

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: " قلت: والظاهر من الآية أنه لما قُتل قيل له: " ادْخُلِ الْجَنَّةَ ".

 

• قال قتادة: أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق، أراد قوله تعالى:  ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [ آل عمران 169 ].

 

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: " وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم على أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقَتَلَته، والباغين له الغوائلَ، وهم كَفَرة عَبَدة أصنام "؟.

• قال بن عاشور رحمه الله: " والمعنى: أنه لم يلهه دخوله الجنة عن حال قومه، فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه؛ ليعلموا فضيلة الإيمان، فيؤمنوا، وما تمنى هلاكهم ولا الشماتة بهم، فكان متسماً بكظم الغيظ، وبالحلم على أهل الجهل؛ وذلك لأن عالم الحقائق لا تتوجه فيه النفس إلا إلى الصلاح المحض، ولا قيمة للحظوظ الدنية، وسفاسف الأمور ".

 

• قال ابن عباس رضي الله عنهما: " نصح قومه في حياته بقوله " يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ " وبعد مماته بقوله: " ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾. ( رواه ابن أبي حاتم ).

 

• وقال ابن أبي ليلى: " سُبَّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أفضلهم، ومؤمن آل فرعون، وصاحب " يس "، فهم الصدّيقون ". أي هم من أعلى الصدّيقين قدراً عند الله تعالى.

 

• وهنا استُنفذت كل الأسباب الأرضية - فأصحاب الحق لم يتوانوا ولم يقصروا، وأصحاب الباطل أظهروا سطوتهم وجبروتهم وتنكيلهم وبطشهم - فكان لزاماً على الله تعالى أن ينزل عقابه على الفئة الباغية ليعتبر من يعتبر وليوقن أصحاب الحق أن الله معهم يسمع ويرى. قال تعالى: ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [يس 29].

 

• وهكذا أسدل الستار على هذه المناظرة لتكون نموذجاً يُقتدى لأصحاب الحق وعِبرة لمن يتجرأ على دعوة الله تعالى وأصحابها.

 

المناظرة الخامسة: مناظرة مؤمن آل فرعون لقومه: تعتبر هوية مؤمن آل فرعون من مُبهمات القرآن، حيث أن القرآن الكريم لم يذكر شيئاً عن هويته ( اسمه - حياته... الخ ) فالأشياء التي لا ينبني عليها عمل لا داعي للخوض في تفاصيلها. أما بالنسبة لنسبه، قال تعالى: " وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ " وذلك يدل على أن بيت فرعون كان مُخترقاً من داخله، وأن بعض أهل بيت فرعون كانوا قد آمنوا بموسى عليه السلام وكتموا إيمانهم - ومنهم زوجته ( آسيا ) - دون أن يعلم فرعون، وفي ذلك دلالة على كذب ادعاء فرعون الألوهية !!

 

• أما عن صفاته الشخصية فلقد كان رجلاً ( شجاعا - عميق الإيمان - قوي الحجة - صادق الحديث - دقيق الألفاظ.... الخ ). ويكفيه شرفاً أن خلد الله تعالى موقفه في القرآن الكريم وجعل موقفه لنصرة الحق قرآناً يُتلى ويُتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة، كما يكفيه شرفاً بأن وصفه الله تعالى بقوله: " رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ ".

 

• والصحيح في نسب هذا ( الرجل المؤمن ) أنه كان قبطياً، وليس إسرائيلياً، وقد ورد ذلك عن الحسن والسدي، ورجحه الإمام ابن جرير الطبري.

 

• قال ابن جرير رحمه الله: " ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه استمع قوله، وكف عما كان همّ به في موسى عليه السلام".

 

• وقال ابن كثير رحمه الله: والمشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون.

 

• قال تعالى: " ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ *‏ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *‏ وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ *‏ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر 23 - 46 ].

 

• تبدأ أحداث هذه المناظرة بنبي الله موسى عليه السلام وهو يعرض رسالته على فرعون ومن معه فما وجد منهم إلا الإعراض والتهديد والوعيد، وهذه طبيعة وبضاعة كل متجبر لا يؤمن بيوم الحساب، فهو لا يُعمل العقل ولا يستجيب للمنطق بل يلجأ إلى القوة والبطش والتنكيل ظناً منه أن دعوة الحق ستسلبه ملكه وتجرده من الجاه والسلطان. ولكن الله تعالى يبشر أوليائه بأن هذا الكيد إلى زوال. قال تعالى: " ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [ غافر 23 - 25 ].

• وفي لفتة تثير العجب والسخرية يُبرر فرعون لقومه بأنه ما يفعل ذلك إلا حِفاظاً عليهم وخوفاً من موسى - عليه السلام - أن يُثنيهم عن دينهم أو أن يظهر على يديه الفساد، وهذه هي لغة التهويل والتخويف والتخوين التي يرتكن إليها الطغاة في مواجهة الحق وأهله. ومما يدل على ضعف موقفة وهشاشة حُجته استخدامه كلمة " ذَرُونِي " لعلمه أن ما يفكر فيه يتنافى مع قواعد الإنسانية والفطرة السوية وإلا ما طلب منهم تفويضاً لما سيقوم به. إنه نفس المشهد الذي يتكرر كلما التقى الحق والباطل على مر الزمان ونفس التفكير العقيم مع اختلاف الأماكن والأقنعة. قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [ غافر 26 ].

 

• سمع موسى عليه السلام هذا التهديد والوعيد فلم يكترث ولم يُبالي بل وجه خِطاباً عاماً لكل الحاضرين يُبين لهم حقيقة دعوته وفحوى رسالته أنها قائمة على توحيد الربوبية وأنه ليس هناك معبود بحق سوى الله تعالى كما أكد موسى عليه السلام بأنه على ثقة من حفظ الله تعالى وتأييده له فلن يناله ظالم بأذى ولن يصيبه متكبر بمكروه. قال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [ غافر 27 ].

 

• في وسط هذا الجمع الغفير والمواجهة الساخنة والأجواء الملتهبة والأنفس المترقبة لما سيئول إليه الحوار ينضم رجل من آل فرعون للمناظرة، ليس تشيعاً لفرعون ولا إنصافاً له بل تأييداً لموسى عليه السلام وتقوية لحجته. استخدم هذا الرجل المؤمن الشجاع أسلوباً منطقياً يأسر العقول والألباب. قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [ غافر 28 ]

 

• لجأ هذا الرجل المؤمن إلى استمالة الملأ إلى كلامه باستخدام العاطفة وتوضيح خوفه عليهم وذلك بقوله: ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا.... ﴾ [ غافر من الآية 29 ].

 

• عندما شعر فرعون بضعف موقفه وأن الملأ قد يتأثر بحديث الرجل المؤمن عاد لاستمالة قومه بأن رأيه هو الرأي السديد الذي فيه مصلحتهم. قال تعالى: ﴿ .... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [ غافر من الآية 29 ].

 

• تدخل الرجل المؤمن مرة أخرى بكلام منطقي رصين مبني على حقائق تاريخية يعلمونها ولا مجال لهم لإنكارها وذلك لكي يُفند ما قاله فرعون فأخذ يذكرهم بمصير الأقوام السابقة الذين أعرضوا عن دعوة أنبيائهم وأن ذلك ما جر عليهم إلا الخذلان والهلاك. قال تعالى: " ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ﴾

 

• ولكي لا تكون الدعوة مادية بحتة أراد الرجل المؤمن أن يربطهم بالآخرة ويُعرِّفهم بأن هناك يوم يٌجازى فيه كل إنسان على ما قدم وأنه لن ينفع الإنسان في هذا اليوم سوى ما قدم. قال تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [ غافر 33 ].

 

• عاد ( الرجل المؤمن ) لسرد الحقائق التاريخية وتذكيرهم بما كان من أسلافهم وأخذ يؤكد على ذكر لفظ الجلالة الذي هو غايته ومقصده حيث كرره خمس مرات في هاتين الآيتين ليقينه أن أي دعوة غير موصولة بالله تعالى فأمرها إلى زوال. قال تعالى: " ﴿ وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [ غافر 34 - 35 ].

 

• شعر فرعون بضعف موقفة وهشاشة حُجته ولم يجد ما يرد به فلجأ إلى حِيلة يصرف بها الأنظار عن المشهد ويكسب بها مزيداً من الوقت فطلب طلباً غريباً استخف به عقول أتباعه بأن يشيدوا له صرحاً ليتأكد من خلاله هل في السماء إله أم لا. وهذا شأن الطغاة والجبابرة في تعاملهم مع أتباعهم فرأيهم هو الرأي وقولهم هو القول وما دون ذلك فلا قيمة له ولا وزن. قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾ [ غافر 36 - 37 ].

 

• بعد أن أفرغ كلا الطرفين ما في جُعبته كانت الخاتمة الفاصلة والمزلزلة من ( الرجل المؤمن ) لقومه بترقيق القلوب واستجاشة المشاعر وتوضيح حقيقة الدنيا الفانية وأن الإنسان مرده إلى الله تعالى ليجازيه على أعماله، ثم استنكر ( الرجل المؤمن ) على قومه ما يقومون به من تمسكهم بباطلهم وعدم خوفهم من عذاب الله تعالى بل استمالته ليسير على نهجهم ويسلك طريقهم ثم استجاش مشاعرهم وهيج قلقهم بأن الأيام كفيلة بإثبات صحة مايقول وأنهم سيذكرون هذا الكلام في وقت ربما لا تنفع فيه الذكرى، وفوض أمره إلى الله تعالى بعد أن استنفذ معهم كل الأسباب وأقام عليهم كل الحجج. قال تعالى: " ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ *‏ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر 38 - 44 ].

 

بعد استنفاذ ( الرجل المؤمن ) لكل الأسباب الأرضية واستخدامه للعقل والمنطق والعاطفة والتاريخ والترقيق والتخويف..... الخ. كان لابد وأن تتدخل أسباب السماء لتضع خاتمة تتناسب مع هذا المشهد الفريد ليكون نموذجاً يضعه الدعاة نصب أعينهم. قال تعالى: " ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [ غافر 45 - 46 ].

 

• حقيقة إن هذا ( الرجل المؤمن ) قد قام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وسلك الطريق الأمثل في ذلك، حيث إنه لم يكن متقوقعاً على نفسه، ولم يكتف بحصول الخير لها، ولكنه حرص على هداية قومه، وبذل جهده في نصحهم، وسلك معهم السبيل الأمثل، وبذلك برئت ذمته، وأدى ما لزمه من ذلك، وفي هذا دعوة صريحة للمؤمنين للقيام بهذا الواجب، ودرس عظيم ماثل أمام عيونهم عبر القرون.

 

ثانياً: مناظرات من السنة النبوية المطهرة: كشأن الأنبياء عامة وأولي العزم من الرسل خاصة لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم سبيلاً لتبليغ رسالته إلا سلكه، ولم يترك باغياً للخير إلا دله وأرشده ولم يترك معانداً إلا ناظره وفند حجته.

 

أ ): بعض الأحاديث في شأن وفد نجران ومناظرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم عام 9 هـ:

1- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أخذ يومَ المباهلةِ بيدِ عليٍّ وحسنٍ وحسينٍ وجعلوا فاطمةَ وراءَهمْ ثمَّ قال هؤلاءِ أبناؤُنا وأنفسُنا ونساؤُنا فهلمُّوا أنفسَكمْ وأبناءَكمْ ونساءَكمْ ثمَّ نبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبينَ " ( رواه الحاكم ).

2- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال، قال أبو رافع القرظي: " حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا؟ أو كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ " إلى قوله: " بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ " عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر

3- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: " لمَّا قدِمَ أَهْلُ نجرانَ منَ النَّصارَى، على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، أتتهُم أحبارُ اليهودِ، فتنازَعوا عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رافعُ بنُ حُرَيْملةَ: ما أنتُمْ على شيءٍ، وَكَفرَ بعيسى وبالإنجيلِ، وقالَ رجلٌ من أَهْلِ نجرانَ منَ النَّصارى لليَهودِ: ما أنتُمْ على شيءٍ، وجحدَ نبوَّةَ موسى وَكَفرَ بالتَّوراةِ، فأنزلَ اللَّهُ تعالى في ذلِكَ من قولِهِما: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ " . قالَ: إنَّ كُلًّا يتلو في كتابِهِ تصديقَ من كفرَ بِهِ، أي يَكْفرُ اليَهودُ بعيسى وعندَهُمُ التَّوراةُ، فيها ما أخذَ اللَّهُ عليهم على لسانِ موسى بالتَّصديقِ بِعيسى وفي الإنجيلِ ما جاءَ بِهِ عيسى بتَصديقِ موسى، وما جاءَ منَ التَّوراةِ من عندِ اللَّهِ وَكُلٌّ يَكْفرُ بما في يدَي صاحبِهِ " عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر

4- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: " لما قدمتُ نجرانَ سألوني. فقالوا: إنكم تقرؤونَ: " يَا أُخْتَ هَارُونَ ". وموسى قبلَ عيسى بكذا وكذا. فلما قدمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سألتُه عن ذلك. فقال: " إنهم كانوا يُسمُّونَ بأنبيائِهم والصالحينَ قبلهم " ( رواه مسلم ).

5- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: " جاء العاقبُ والسيدُ، صاحبا نجرانِ، إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يريدان أن يُلاعناه، قال: فقال أحدُهما لصاحبِه: لا تفعلْ، فواللهِ لئن كان نبيًّا فلاعنا لا نفلحُ نحن ولا عقِبُنا من بعدِنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتَنا، وابعثْ معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعثْ معنا إلا أمينًا. فقال: " لأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ ". فاستشرف له أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: " قُمْ يا أبا عبيدةِ بنِ الجراحِ ". فلما قام، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " هذا أمينُ هذهِ الأمةِ " ( رواه البخاري ).

 

ب ) مناظرة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم أنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا الله على ما نقول وكيل، قال: هاتوا، قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال " تنام عيناه ولا ينام قلبه ". قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر؟ قال: " يلتقى الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت ". قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: " كان يشتكي عِرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا، قال أبي قال: بعضهم يعني الإبل فحرم لحومها، قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: " ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده أو في يده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمر الله ". قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: " صوته " قالوا: صدقت إنما بقيت واحدة وهي التي نبايعك أن أخبرتنا بها فإنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك، قال: " جبريل عليه السلام "، قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله عز وجل: من كان عدواً لجبريل...... إلى آخر الآية " ( رواه أحمد ).

 

ثالثاً: نماذج من مناظرات الصحابة والتابعين

أ ) مناظرة عبد الله بن عباس رضي الله مع الحرورية: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: " لما خَرجَتِ الحَروريَّةُ اجتَمعوا في دارٍ وهُم ستَّةُ آلافٍ أتيتُ عليًّا فقلتُ: يا أميرَ المؤمِنين ابرِد بالظُّهرِ لعَلِّي آتي هؤلاءِ القَومِ فأكلِّمَهُم قال: إنِّي أخافُ عليكَ قلتُ: كلَّا قالَ ابنُ عبَّاسٍ: فخرجتُ إليهِم ولبِستُ أحسَنَ ما يكونُ مِن حُلَلِ اليَمنِ قال أبو زُمَيلٌ: كان ابنُ عبَّاسٍ جَميلًا جَهيرًا قال ابنُ عبَّاسٍ: فأتيتُهم وهُم مُجتَمِعون في دارِهم قائلونَ فسلَّمتُ عليهِم فقالوا: مرحبًا بكَ يا ابنَ عبَّاسٍ فَما هذِهِ الحله؟ قالَ قُلتُ: ما تَعيبونَ عليَّ لقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم في أحسَنِ ما يكونُ مِنَ الحُلَلِ ونزلَت: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قالوا: فما جاءَ بكَ؟ قلتُ: أتيتُكُم من عندِ صحَابَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ المهاجِرينَ والأنصارِ لأبلِغَكُم ما يقولونَ المخبِرونَ بما يَقولونَ فعَليهِم نزلَ القُرآنُ وهُم أعلَمُ بالوَحيِ منكُم وفيهِم أُنزِلَ ( ولَيسَ فيكُم منهُم أحَدٌ ) فقال بعضُهم: لا تُخاصِموا قريشًا فإنَّ اللهَ يقولُ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ قال ابنُ عبَّاسٍ: وأتيت قوما قط أشد اجتِهادًا منهُم مُسهِمَةٌ وجوهُهُم من السَّهَرِ كأنَّ أيديهِم وركبَهُم تُثني علَيهِم فمَضى مَن حضَر فقالَ بعضُهم لنُكلِّمنَّهُ ولننظُرَنَّ ما يقولُ قلتُ: أخبِروني ماذا نقِمتُم علَى ابنِ عمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وصِهرِهِ والمهاجرينَ والأنصارِ؟ قالوا: ثلاثًا قلتُ: ما هنَّ؟ قالوا: أمَّا إحداهُنَّ فإنَّهُ حَكَّم الرِّجالَ في أمرِ اللهِ وقالَ اللهُ تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ وما للرِّجالِ وما للحُكمِ فقُلتُ هذهِ واحدَةٌ قالوا: وأمَّا الأُخرى فإنَّهُ قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَمْ فلئِن كان الَّذي قاتلَ كفَّارًا لقد حلَّ سبيُهُم وغنيمتُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم قُلتُ: هذه اثنتانِ فما الثَّالثةُ؟ قال: إنه مَحا نفسَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فهو أميرُ الكافرينَ قلتُ أعندَكُم سِوى هذا؟ قالوا: حَسبُنا هذَا فقُلتُ لهم: أرأيتُم إن قرأتُ عليكُم مِن كتابِ اللهِ ومِن سنَّةِ نبيَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ما يُرَدَّ به قولُكُم أتَرضَون؟ قالوا: نعَم فقلت: أمَّا قولكُم حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فأنا أتلو عليكُم ما قَد رُدَّ حُكمُهُ إلى الرِّجالِ في ثَمنِ رُبعِ دِرهَم في أرنَبٍ ونحوِها مِنَ الصَّيدِ فقالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلى قوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فنشَدتكُمُ اللهَ أَحُكمُ الرِّجالِ في أرنَبٍ ونحوِها من الصَّيدِ أفضلُ أم حكمُهم في دمائهِم وصلاحِ ذاتِ بينِهم؟ وأن تعلَموا أنَّ اللهَ لو شاءَ لحكَمَ ولم يُصيِّرْ ذلكَ إلى الرِّجالِ وفي المرأةِ وزوجِها قال اللهُ عزَّ وجلَّ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فجعلَ اللهُ حُكمَ الرِّجالِ سنَّةً مأمونَةً أخرَجتُ عَن هذِهِ قالوا: نعَم قال: وأما قولُكُم قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَم أتَسْبُونَ أمَّكمْ عائشَةَ ثم يستحلُّونَ منها ما يُستَحَلُّ مِن غيرِها فلئن فعَلتُم لقَد كفرتُم وهي أمُّكُم ولئن قلتُم ليسَت أمَّنا لقَد كفرتُم فإن كفرتُم فإنَّ اللهَ يقولُ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ فأنتُم تَدورونَ بين ضَلالتَينِ أيُّهما صِرتُم إليها صرتُم إلى ضلالَةٍ فنظَرَ بعضُهم إلى بعضٍ قلتُ: أخرَجتُ مِن هذِهِ؟ قالوا: نعَم وأما قولُكُم: محَا اسمَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فأنا أتيكُم بمن ترضَونَ ورأيكم قد سمعتُم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ يومَ الحديبيةِ كاتَبَ سهيلَ بنَ عمرٍو وأبا سُفيانَ بنَ حربٍ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ لأميرِ المؤمنينَ: اكتُبْ يا علِيُّ هذا ما اصطَلح عليهِ مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ فقالَ المشركونَ: لا واللَّهِ ما نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لو نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ ما قاتَلناكَ: فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اللهُمَّ إنَّكَ تعلَمُ أنِّي رسولُ اللهِ اكتُبْ يا عليُّ هذا ما اصطَلحَ عليه مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ فو اللَّهِ لَرسولُ اللهِ خيرٌ من عليٍّ وما أخرجَهُ من النبوَّةِ حينَ محَا نفسَهُ قال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: فرجع مِن القَومِ ألفانِ وقُتِلَ سائرهُمْ علَى ضلالَةٍ " ( رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم ).

 

• الحرورية فرقة اٍسلامية ظهرت واشتد أمرها في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. سموا الحرورية نسبة إلى بلدة حروراء في الكوفة وكانت مركز خروجهم، على الإمام علي رضي الله عنه.

 

ب ) مناظرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع أحد اليهود: جاء في كتاب " عيون المناظرات " لأبي علي السكوني " رحمه الله: قال يهودي لعلي رضي الله عنه: " ما نفضتم أيديكم من تراب نبيكم حتى قلتم " منا أمير ومنكم أمير".

فقال له علي: ما جفت أقدامكم من (فلق) البحر حتى قلتم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

فانقطع اليهودي ولم يجد جوابا لأن " منا أمير ومنكم أمير" ليس فيه ما يهدم الدين وإنما الطامة العظمى ما أتى به اليهود من الكفر إذ عبدوا العجل بإثر ذلك.

 

ج ) مناظرة الإمام أحمد والمعتزلة في حضور المعتصم لقولهم بأن القرآن مخلوق: قال السجزي رحمه الله: " أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا على بابه كيوم العيد، فدخلت الدار، فرأيت بساطاً مبسوطاً وكرسياً مطروحاً، فوقفت بإزاء الكرسي، فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل، فجلس على الكرسي، ونزع نعله من رجله، ووضع رجلاً على رجل، ثم قال: يحضر أحمد بن حنبل؛ فأحضر، فلما وقف بين يديه وسلم عليه قال له: يا أحمد تكلم ولا تخف فقال أحمد: والله يا أمير المؤمنين لقد دخلت عليك وما في قلبي مثقال حبة من الفزع فقال له المعتصم: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله، قديم غير مخلوق، قال الله عز وجل: " وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ " فقال له: عندك حجة غير هذا؟ فقال أحمد: نعم يا أمير المؤمنين، قول الله عز وجل: " ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ "، ولم يقل: يس والقرآن المخلوق فقال المعتصم: احبسوه فحبس وتفرق الناس، فلما أصبحتُ قصدتُ الباب، فأدخل الناس فأدخلت معهم، فأقبل المعتصم وجلس على كرسيه، فقال: هاتوا أحمد بن حنبل؛ فجيء به، فلما أن وقف بين يديه قال له المعتصم: كيف كنت يا أحمد في محبسك البارحة؟ فقال: بخير والحمد لله، إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين في محبسك أمراً عجباً قال له: وما رأيت؟ قال: قمتُ في نصف الليل فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين، فقرأت في ركعة "الحمد لله"، و" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ "، وفي الثانية "الحمد لله" و" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "، ثم جلست وتشهدت وسلمت، ثم قمت فكبرت وقرأت "الحمد لله" وأردت أن أقرأ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، فلم أقدر، ثم اجتهدت أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر، فمددت عيني في زاوية السجن، فإذا القرآن مُسجَّى ميتاً، فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته ! فقال له: ويلك يا أحمد، والقرآن يموت؟ فقال له أحمد: فأنت كذا تقول إنه مخلوق، وكل مخلوق يموت فقال المعتصم: قهرنا أحمد، قهرنا أحمد ".

 

• ولعظم شأن ما قدمه الإمام أحمد من أجل الدين جاء في كتاب طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي: قَالَ المزني: " أَبُو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلى يوم صفين، وأَحْمَد بْن حنبل يوم المحنة ".

 

• جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي رحمه الله: " قال علي بن المديني رحمه الله: " إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ".

 

د ) مناظرة أبو حنيفة النعمان مع بعض الملاحدة: يذكر أنه اجتمع طائفة من الملاحدة بأبي حنيفة-- فقالوا ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال: دعوني فخاطري مشغول بأمر غريب. قالوا: ما هو؟ قال: بلغني أن في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة وهي ذاهبة وراجعه من غير أن يحركها أحد ولا يقودها أحد. قالوا: أمجنون أنت؟! قال: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا لا يصدقه عاقل !! فقال لهم: فكيف صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة، وهذا الفلك الدوار السيار يجري ويحدث هذه الحوادث من غير محدث، وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك؟ فرجعوا إلى أنفسهم بالملامة.

 

هـ ) مناظرة علي بن وافد لأحد النصارى في مجلس هارون الرشيد: جاء في كتاب " عيون المناظرات " لأبي علي السكوني " رحمه الله: روي أن هارون الرشيد كان له علج طبي، له فطنة وأدب، فود الرشيد أن لو أسلم فقال له يوما: " ما يمنعك عن الإسلام؟ " فقال: آية في كتابكم حجة على ما أَنْتَحِلُه ". قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى عن عيسى " وروح منه " ( النساء 171) وهو الذي نحن عليه. فعظم ذلك على الرشيد وجمع له العلماء فلم يحضرهم جواب ذلك حتى ورد قوم من خراسان فيهم علي بن وافد من أهل علم القرآن، فأخبره الرشيد بالمسألة فاستعجم عليه الجواب ثم خلا بنفسه وقال " ما أجد المطلوب إلا في كتاب الله ". فابتدأ القرآن من أوله وقرأ حتى بلغ سورة الجاثية إلى قوله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]. فخرج إلى الرشيد وأحضر العلج فقرأها عليه وقال له: إن كان قوله تعالى " روح منه " يوجب أن يكون عيسى بعضا منه تعالى وجب ذلك في السموات والأرض. فانقطع النصراني ولم يجد جوابا، فأسلم النصراني وسر الرشيد بذلك وأجزل صلة ابن وافد. فلما رجع ابن وافد إلى بلده صنف كتاب النظائر في القرآن.

وهناك العديد والعديد من المناظرات على مر العصور صال فيها دعاة الحق وجالوا وفندوا مزاعم دعاة الباطل وأساطينهم. ومن المشاهير في هذا المجال ( الامام بن تيميه - الامام بن حزم - الشيخ رحمت الله الهندي - الشيخ أحمد ديدات............ وغيرهم ).

 

رابعاً: قالو عن المناظرة

1- جاء في كتاب " جامع بيان العلم وفضله " قال مالك رحمه الله: " أدركت أهل هذا البلد - يعني المدينة - وهم يكرهون المناظرة والجدل إلا فيما تحته عمل ".

 

2- قال الحافظ الذهبي رحمه الله: " إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ".

 

3- قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ما ناظرت أحداً إلّا وددت أن يظهر اللّه الحقّ على يديه ".

• وقال أيضاً: " ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان، وتكون عليه رعاية الله وحفظه. وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني.

 

4- قال الامام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في شروط المناظرة: " أن يكون كل طرف من طرفي المناظرة في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه، فهو يرى في رفيقه معيناً وساعداً في الوصول للحق لا خصماً، فلذلك يشكره إذا نبهه لموضع الخطأ، وأظهر له الحق، كما لو سلك طريقاً خطأ في طلب ضالته، فنبهه صاحبه إلى أن ضالته سلكت الطريق الآخر فإنه يسر به ويشكره.. ثم قال:.. واعلم أن المناظرة لقصد الغلبة والتظاهر بالعلم والفضل والتشدق عند الناس وقصد المباهاة هي: منشأ جميع الأخلاق المذمومة عند الله، المحمودة عند عدو الله إبليس، ونسبتها للفواحش من الكبر والعجب والحسد وحب الجاه وغير ذلك كنسب شرب الخمر للفواحش الظاهرة من الزنا، والقتل والسرقة ".

 

5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور والطمأنينة في النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين ".

 

• وقال في " مجموعة الفتاوى " أيضاً: ".. وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: " ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [ النساء 59 ]. وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين... ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ".

 

• ويقول أيضاً: " فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين ".

 

6- يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتاب " زاد المعاد " ومنها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك، بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته في إسلام من يرجى إسلامه منهم، وإقامة الحجة عليهم، ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة، فليول ذلك إلى أهله، وليخل بين المطية وحاديها، والقوس وباريها ".

 

7- يقول يونس الصدفي رحمه الله: " ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في المسألة؟! ".

 

8- يقول العباس العنبري رحمه الله: " كنت عند أحمد بن حنبل وجاء علي بن المديني وهو على دابة، فتناظرا في مسألة وارتفعت الأصوات حتى خفت أن يقع بينهما جفاء، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه؛ أخذ بركاب الدابة وكرمه وعززه وهو ينصرف ".

 

9- لخص الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- آداب المناظرة في أبيات قال فيها:

إذا ما كنت ذا فضل وعلم بما اختلف الأوائل والأواخرْ

فناظر من تناظر في سكونٍ حليما لا تلجَّ ولا تكابرْ

يفيدك ما استفاد بلا امتنانٍ من النكت اللطيفة والنوادرْ

وإياك اللجوح ومن يرائي بأني قد غلبت ومن يفاخرْ

فإن الشر في جنبات هذا يمني بالتقاطع والتدابرْ

 

وختاماً: نختم بما قاله ابن حزم رحمه الله: " ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة ".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أدب الجدال والمناظرة
  • فوائد من مناظرة ابن عباس للخوارج
  • مناظرة اليقين

مختارات من الشبكة

  • نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خاتمة ونتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أثر ظهور أول تسجيل للقرآن الكريم في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • ظهور المنكر بين الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة ظهور أول تسجيل صوتي لبعض سور القرآن الكريم(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سبب ظهور ألقاب أهل السنة والجماعة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الأمل المنير بعد ظهور نتيجة الامتحان (إلى طلاب الثانوية العامة)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الركعات الأربع قبل الظهر هل هن قبل الآذان أم سنة الظهر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة الشام وبداية ظهور صفات النبوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب ظهور التدوين الحر(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب