• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الدعوة وطلب العلم
علامة باركود

حول الهزيمة النفسية

عبدالعزيز كحيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2014 ميلادي - 3/3/1436 هجري

الزيارات: 43068

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حول الهزيمة النفسية


الهزيمة النفسية هي انهزام القلب وانهيار الشخصية أمام الخصم أو العدو حتى قبل المعركة؛ أيِّ معركة، سواء كانت حربية، أو فكرية، أو حضارية، سببُها اليأس والقنوط، ونتيجتها الاستسلام والانسحاب من المواجهة، وقد وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم والسنة النبوية في عدة مواضع تتعلق كلها بالموقف من العدو:

• ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249]، هذا الجيش من بني اسرائيل انهزم بمجرد إبصار العدو، وقبل أي منازلة معه؛ لأنه كان يستصحب عوامل الهزيمة في نفوس أفراده.


• ﴿ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّه ﴾ [الحشر: 2]، فرغم أن الصحابة رضي الله عنهم أرباب تربية روحية قوية وتكوين نفسي صلب، إلا أن لجوء بني النضير إلى حصونهم المنيعة جعل الشكَّ يساورهم في إمكانية الانتصار عليهم؛ لذلك تولَّى الله تعالى ذاته المعركة: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ... فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ [الحشر: 2].


وهذه الهزيمة هي المعنى الذي حواه حديث "تداعي الأمم" الذي رواه أبو داود، والذي أرجع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم سببَ تكالب العدو الخارجي إلى انهيار البنيان الداخلي والتكوين النفسي بالأساس، وسماه الوهن، وقرنه بالجبن أمام التحدي المحدق؛ وإنما ينهزم الناس عندما تتمكن منهم الأوهام، وتتضخم في أعينهم قدرات العدو أو الخصم، وتضعف نفوسهم عن طلب الغايات الكبرى وبذل الثمن المناسب، ويرضون بالحياة التافهة المتسمة بالعجز والمسكنة.


ولا يحدث كل هذا في ساحة الحرب العسكرية وحدها؛ بل ينسحب على جميع الحالات التي يفقد فيها المؤمنون الفعالية؛ لذا نرى من فقدوا القدرة على المواجهة في ميادين الفكر، والرقي المادي، والمنافسة الحضارية - يتزمتون ويفرُّون إلى الماضي، ويتشبثون بالأشكال والقشور على حساب الحاضر بتفاعلاته وإكراهاته، وعلى حساب الجوهر الذي يحتاج إلى جهد جهيد لإدراك مقاصده وسبر أغواره.


ومن المفروض أن المسلم - بفضل التربية والفهم عن الله ورسوله، وسيره وفق السنن الماضية - لا ينهزم أمام المؤامرات والتحديات، بل هو يعد نفسه من الغرباء الذين أشاد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يَصلحون ويُصلحون إذا فسَد غيرهم وأفسَدوا، وهو من الطائفة المنصورة التي لا تزال ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله وهي ظاهرة، وهو من الفئة القليلة الثابتة الصابرة التي يتحقق على يديها النصر بعد تراجع المنهزمين نفسيًّا وفرارهم من ساحة المواجهة؛ هذا لأن المسلم الرباني - سواء كان داعية، أو مصلحًا اجتماعيًّا، أو مربيًا، أو سياسيًّا، أو من عامة المسلمين المتمسكين بدينهم - لا يسترخي، بل هو دائم اليقظة يراقب نفسه، ويمدها بأسباب القوة الذاتية، فلا تنهزم بل تتجاوز حتى المعارك الخاسرة، وتستدرك وتخوض دورات جديدة؛ لأن هذا المسلمَ جنديٌّ من جند الله، ينفذ به أمر السماء فلا ييئس؛ ليقينه بأن ربه هو الذي يدير المعركة، فلا تسحقه المشكلات رغم ضَراوتها، ولا تهزمه المكاره وإن اجتمعت عليه من كل صوب، نعم، يتألم ويئن، لكنه يتذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يئن في مرض موته فقيل له: "إن الأنين من الشكوى"، فأمسك حتى فاضت روحه، والنفس السوية ينال منها الأذى لكنها تبقى صامدة مقاومة فعالة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، فالنهي لا ينصبُّ على التألم والإحساس بالضر؛ وإنما على السقوط في دركات الهوان ومهاوي الحزن الذي يصيب بالشلل الفكري والروحي.


إن من شأن المرحلة التعيسة التي تمرُّ بها الأمة في المدة الأخيرة: أن تبث الهزيمة النفسية على نِطاق واسع؛ لما تسوقه من أنواع التردي السياسي والثقافي والأخلاقي الممنهج، ومن زرعٍ لبذور الفساد المتنوع على نطاق واسع لا ينذر إلا بمزيد من الهزائم والتضييق على الحرية والتدين والعمل الصالح، فيرى المرء تحطيم أكثر ما تم إنجازه طوال عقود؛ إذ يُعمِل فيه العلمانيون والتغريبيون وبعض السطحيين المنتسبين للصف الإسلامي - كالصوفية - معاولَ الهدم بشكل حثيث؛ كأنهم يسعَوْن إلى محو آثار الخير والصلاح، وتفخيخ مستقبل الأمة بشكل متعمد؛ حتى لا يمكنها النهوض مرة أخرى.


لكن هذا الفساد العريض لا يغري أصحاب المشروع الإسلامي بالاستسلام، ولا يصيب نفوسهم بالهزيمة، بقدر ما يشحذ هممَهم، ويقوي شخصيتهم، ويزيدهم عزيمة ليتشرفوا برفع تحدي التمسك بالدين والأخلاق والتميز الحضاري، وتحدي التآمر على الأوطان والأحرار وعودة الاحتلال الغربي بشكل جديد أكثر فتكًا، وتحدي التنمية والخروج من التخلف الذي تؤصل له الأنظمة الاستبدادية وروافدها من التغريبيين وبعض الجماعات الدينية التي تعيش خارج الزمان، والمرجعيةُ الإسلامية - القرآن والسنة والثقافة والتراث - تنضح أملاً وتفاؤلاً وأخذًا بأسباب القوة المعنوية حتى في أحلك الظروف التي تمر بالجماعة المؤمنة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب الصخرة التي استعصت على الصحابة أثناء حفر الخندق ويقول: ((الله أكبر! فتحتْ فارس، فتحت الروم))، وهو ومعه المسلمون محاصرون في المدينة، يتأهبون للعدوان الوشيك الذي يهدف إلى استئصالهم والقضاء على دينهم.


المؤمنون بشر يصيبهم الخوف وشيء من الفزع عندما تدْلهمُّ الخطوب، ويتكاثر الأعداء من كفار ومنافقين، وتتوالى عليهم الضربات، وتباغتهم الدسائس والمؤامرات الخسيسة، ويتنكر لهم كثير ممن كانوا يظنون أنهم يحمون ظهورهم، حينذاك تضيق نفوسهم لكن الهزيمة لا تسري إليهم؛ لأنهم يصبحون ويمسون على المعية الإلهية؛ تشد أَزْرَهم، وتضمن تماسكهم:

• ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].


• ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173- 174].


• ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12].


قد ينهزم المسلمون في معركة - كما هو شأن البشر جميعًا - لكن النفوس المؤمنة الأبيَّةَ لا تنهزم في عالم الضمير، ولا تستسلم أمام التحديات الجسام، ولا تنسحب إلى هامش الحياة تحت وطأة الظلم، بل تعرف أن هذا هو أوانُ التوكل الحقِّ على الله، وهذا وقت التحلي بمكارم الصفات من ثقة بالنفس، وثبات على الحق، وصبر على لَأْواءِ الطريق، فلا مجال لوهن ولا ضعف ماحق ولا استكانة، بل عمل على استئناف المشوار لإرغام الباطل، والتمكين لمجتمع الدين والأخلاق والحياة الكريمة.

 

حول الهزيمة النفسية:
الهزيمة النفسية هي انهزام القلب وانهيار الشخصية أمام الخصم أو العدو حتى قبل المعركة؛ أيِّ معركة، سواء كانت حربية، أو فكرية، أو حضارية، سببُها اليأس والقنوط، ونتيجتها الاستسلام والانسحاب من المواجهة، وقد وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم والسنة النبوية في عدة مواضع تتعلق كلها بالموقف من العدو:

• ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ [البقرة: 249]، هذا الجيش من بني اسرائيل انهزم بمجرد إبصار العدو، وقبل أي منازلة معه؛ لأنه كان يستصحب عوامل الهزيمة في نفوس أفراده.


• ﴿ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّه ﴾ [الحشر: 2]، فرغم أن الصحابة رضي الله عنهم أرباب تربية روحية قوية وتكوين نفسي صلب، إلا أن لجوء بني النضير إلى حصونهم المنيعة جعل الشكَّ يساورهم في إمكانية الانتصار عليهم؛ لذلك تولَّى الله تعالى ذاته المعركة: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ... فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ [الحشر: 2].


وهذه الهزيمة هي المعنى الذي حواه حديث "تداعي الأمم" الذي رواه أبو داود، والذي أرجع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم سببَ تكالب العدو الخارجي إلى انهيار البنيان الداخلي والتكوين النفسي بالأساس، وسماه الوهن، وقرنه بالجبن أمام التحدي المحدق؛ وإنما ينهزم الناس عندما تتمكن منهم الأوهام، وتتضخم في أعينهم قدرات العدو أو الخصم، وتضعف نفوسهم عن طلب الغايات الكبرى وبذل الثمن المناسب، ويرضون بالحياة التافهة المتسمة بالعجز والمسكنة.


ولا يحدث كل هذا في ساحة الحرب العسكرية وحدها؛ بل ينسحب على جميع الحالات التي يفقد فيها المؤمنون الفعالية؛ لذا نرى من فقدوا القدرة على المواجهة في ميادين الفكر، والرقي المادي، والمنافسة الحضارية - يتزمتون ويفرُّون إلى الماضي، ويتشبثون بالأشكال والقشور على حساب الحاضر بتفاعلاته وإكراهاته، وعلى حساب الجوهر الذي يحتاج إلى جهد جهيد لإدراك مقاصده وسبر أغواره.


ومن المفروض أن المسلم - بفضل التربية والفهم عن الله ورسوله، وسيره وفق السنن الماضية - لا ينهزم أمام المؤامرات والتحديات، بل هو يعد نفسه من الغرباء الذين أشاد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يَصلحون ويُصلحون إذا فسَد غيرهم وأفسَدوا، وهو من الطائفة المنصورة التي لا تزال ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله وهي ظاهرة، وهو من الفئة القليلة الثابتة الصابرة التي يتحقق على يديها النصر بعد تراجع المنهزمين نفسيًّا وفرارهم من ساحة المواجهة؛ هذا لأن المسلم الرباني - سواء كان داعية، أو مصلحًا اجتماعيًّا، أو مربيًا، أو سياسيًّا، أو من عامة المسلمين المتمسكين بدينهم - لا يسترخي، بل هو دائم اليقظة يراقب نفسه، ويمدها بأسباب القوة الذاتية، فلا تنهزم بل تتجاوز حتى المعارك الخاسرة، وتستدرك وتخوض دورات جديدة؛ لأن هذا المسلمَ جنديٌّ من جند الله، ينفذ به أمر السماء فلا ييئس؛ ليقينه بأن ربه هو الذي يدير المعركة، فلا تسحقه المشكلات رغم ضَراوتها، ولا تهزمه المكاره وإن اجتمعت عليه من كل صوب، نعم، يتألم ويئن، لكنه يتذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يئن في مرض موته فقيل له: "إن الأنين من الشكوى"، فأمسك حتى فاضت روحه، والنفس السوية ينال منها الأذى لكنها تبقى صامدة مقاومة فعالة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، فالنهي لا ينصبُّ على التألم والإحساس بالضر؛ وإنما على السقوط في دركات الهوان ومهاوي الحزن الذي يصيب بالشلل الفكري والروحي.


إن من شأن المرحلة التعيسة التي تمرُّ بها الأمة في المدة الأخيرة: أن تبث الهزيمة النفسية على نِطاق واسع؛ لما تسوقه من أنواع التردي السياسي والثقافي والأخلاقي الممنهج، ومن زرعٍ لبذور الفساد المتنوع على نطاق واسع لا ينذر إلا بمزيد من الهزائم والتضييق على الحرية والتدين والعمل الصالح، فيرى المرء تحطيم أكثر ما تم إنجازه طوال عقود؛ إذ يُعمِل فيه العلمانيون والتغريبيون وبعض السطحيين المنتسبين للصف الإسلامي - كالصوفية - معاولَ الهدم بشكل حثيث؛ كأنهم يسعَوْن إلى محو آثار الخير والصلاح، وتفخيخ مستقبل الأمة بشكل متعمد؛ حتى لا يمكنها النهوض مرة أخرى.


لكن هذا الفساد العريض لا يغري أصحاب المشروع الإسلامي بالاستسلام، ولا يصيب نفوسهم بالهزيمة، بقدر ما يشحذ هممَهم، ويقوي شخصيتهم، ويزيدهم عزيمة ليتشرفوا برفع تحدي التمسك بالدين والأخلاق والتميز الحضاري، وتحدي التآمر على الأوطان والأحرار وعودة الاحتلال الغربي بشكل جديد أكثر فتكًا، وتحدي التنمية والخروج من التخلف الذي تؤصل له الأنظمة الاستبدادية وروافدها من التغريبيين وبعض الجماعات الدينية التي تعيش خارج الزمان، والمرجعيةُ الإسلامية - القرآن والسنة والثقافة والتراث - تنضح أملاً وتفاؤلاً وأخذًا بأسباب القوة المعنوية حتى في أحلك الظروف التي تمر بالجماعة المؤمنة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب الصخرة التي استعصت على الصحابة أثناء حفر الخندق ويقول: ((الله أكبر! فتحتْ فارس، فتحت الروم))، وهو ومعه المسلمون محاصرون في المدينة، يتأهبون للعدوان الوشيك الذي يهدف إلى استئصالهم والقضاء على دينهم.


المؤمنون بشر يصيبهم الخوف وشيء من الفزع عندما تدْلهمُّ الخطوب، ويتكاثر الأعداء من كفار ومنافقين، وتتوالى عليهم الضربات، وتباغتهم الدسائس والمؤامرات الخسيسة، ويتنكر لهم كثير ممن كانوا يظنون أنهم يحمون ظهورهم، حينذاك تضيق نفوسهم لكن الهزيمة لا تسري إليهم؛ لأنهم يصبحون ويمسون على المعية الإلهية؛ تشد أَزْرَهم، وتضمن تماسكهم:

• ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].


• ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173- 174].


• ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12].


قد ينهزم المسلمون في معركة - كما هو شأن البشر جميعًا - لكن النفوس المؤمنة الأبيَّةَ لا تنهزم في عالم الضمير، ولا تستسلم أمام التحديات الجسام، ولا تنسحب إلى هامش الحياة تحت وطأة الظلم، بل تعرف أن هذا هو أوانُ التوكل الحقِّ على الله، وهذا وقت التحلي بمكارم الصفات من ثقة بالنفس، وثبات على الحق، وصبر على لَأْواءِ الطريق، فلا مجال لوهن ولا ضعف ماحق ولا استكانة، بل عمل على استئناف المشوار لإرغام الباطل، والتمكين لمجتمع الدين والأخلاق والحياة الكريمة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عوامل النصر والهزيمة في ضوء القرآن الكريم
  • من السنن الإلهية في النصر والهزيمة
  • ومن هنا تأتي الهزيمة
  • في رحاب الثقة بالله
  • النفس والليل
  • ماهية النفس
  • إهلاك النفس!!

مختارات من الشبكة

  • خطبة حول التبغ والتدخين ورسائل حوله(مقالة - ملفات خاصة)
  • القول الصحيح حول حديث رهن درع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف الشبهات حوله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: برنامج عن المتحولين إلى الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • من أسباب الهزيمة: الشرك بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة قبل الهزيمة!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسباب الهزيمة وتغيير الرؤية البصرية لدى فريقي بدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • يوم الهزيمة(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • الهزيمة والقوة (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف أتجاوز الهزيمة؟(استشارة - الاستشارات)
  • ترنم ما بعد الهزيمة(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- الهزيمة
FEZANI EL HADI - ALGERIE 27-12-2014 04:56 PM

السلام عليك أستاذنا التعليق على مقالك رائع وشيق وجديد على فكري كل ما أعلق عليه منك نتعلم حقيقة كلام شيق للغاية والسلام عليك يا أستاذنا

1- الأمل
نورالدين جفافلة - الجزائر 25-12-2014 10:39 PM

فرق كبير بين هذا المقال ومقال رسالة مفتوحة إلى الأموات .. هذا مقال جدير بأن يسمى: رسالة مفتوحة إلى الأحياء

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب