• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الجدة الشهيدة والحفيدة الفقيدة بنان الطنطاوي وهدى عابدين

أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/3/2013 ميلادي - 16/5/1434 هجري

الزيارات: 44609

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجدَّةُ الشهيدة والحفيدةُ الفقيدة

بنان الطنطاوي وهدى عابدين

 

أُولَيات في الفضيلة:

إن نظرةً عَجلى في أسفار التاريخ الموثوق تُنبئنا خبرَ ما أحدثه الإسلامُ من انقلابٍ ونهضة في حياة أمَّة العرب ابتداء، وكانت هذه النهضةُ عامَّةً لم تدَعْ قلبًا أذعنَ للإسلام واعتنقَ شريعته إلا دخلته، سواءٌ في ذلك الرجالُ والنساء.

 

وكانت المرأةُ من اللحظة الأولى مُسايرةً للرجل في مواقفه؛ إيمانًا بالرِّسالة، ودعوةً إليها، وثباتًا على الحقِّ، وصبرًا على لأواء الإيذاء والصدِّ.. فسطَّر التاريخُ في صُحُف الخلود أسماءَ نساء فُضلَيات غدَونَ مشاعلَ نور وقدوةً للأجيال؛ بما قدَّمنَه من مثُل تدلُّ على صِدق الدِّيانة ومتانة الإيمان، وحازت المرأةُ بذلك درجاتٍ رفيعةً من العزَّة والكرامة، وأُولَياتٍ كثيرةً في ميادين السِّباق والتنافس في الخيرات.

 

ومن ثَمَّ ليس غريبًا أن يكونَ أولَ من أسلم لله ووقرَ الإيمانُ في قلبه وكان نصفَ الإسلام امرأةٌ، وهي الصدِّيقةُ البرَّة أمُّ المؤمنين خديجةُ بنت خُوَيلد رضي الله عنها، وأثرُها في حياة رسولنا عظيمٌ عميقٌ يعرفه الصغيرُ منَّا قبل الكبير، فقد كانت له خيرَ عونٍ ومُعين في أحلك مراحل الدعوة، فآمنت به إذ كفرَ الناس، وصدَّقته إذ كذَّبه الناس، وواسته بمالها إذ حرَمَه الناس.. وكانت أُنسًا لقلبه في السرَّاء والضرَّاء، صبرَت معه وثبتَت في حصار الشِّعب، فاستحقَّت بكلِّ ذلك المكانةَ التي أنزلها النبيُّ من نفسه، وبقيَ يذكرُها ويُشيد بفضلها حتى توفَّاه الله بأبي هو وأمِّي.

 

وإذا كان أولُ من أسلم امرأةً فإن أولَ شهيد قدَّم روحَه فداءً للحقِّ ولدين الله الإسلام امرأةٌ أيضًا، وهي السيِّدة الجليلة الصَّابرة المحتسبة سُميَّة بنت خَبَّاط[1] أمُّ عمَّار بن ياسر، رضي الله عنهما، وقد أصابها ما أصاب طليعةَ المسلمين الأولى من قَرْح وإيذاء، فما خضعَت لصوت الباطل ولا ذلَّت له، حتى خرجت روحُها الطاهرةُ إلى بارئها تحت شدَّة التعذيب، فكانت جديرةً ببُشرى النبيِّ لها ولزوجها ياسر وولدها عمَّار حين قال -صلى الله عليه وسلم-: ((صبرًا آلَ ياسر، إنَّ موعدكم الجنَّة)).

 

ومن أوائل الدُّعاة إلى الإسلام الذين نذَروا أنفسَهم لتبليغ رسالة الله دون كَلالٍ ولا وَجَل، وتحقَّق بفضله إنجازٌ عظيم أعزَّ الله به الإسلامَ والمسلمين امرأةٌ فاضلةٌ تُدعى فاطمة بنت الخطَّاب، زوجة سعيد بن زيد أحد السَّابقين إلى الإسلام والعشَرة المبشَّرين بالجنَّة رضي الله عنهما. وأما الرجلُ الذي اهتدى على يدَيها وكان ذلك فتحًا في مسيرة الدَّعوة فهو أخوها الرجُل الجَلْد الحازم عمرُ بن الخطَّاب، الذي كان عاصفةً هوجاء على المسلمين الأوائل بما أُوتيَ من شدَّة وقوَّة، ولكنَّ كلَّ ذلك غَدا لا شيءَ حين قابلَ صخرةً شمَّاء هي أختُه الوديعةُ التي استقرَّ الإسلامُ في سُوَيداء قلبها فغدَت به عظيمةً صُلبة، فلم يلبَثْ عُنفوان أخيها حين أقبل عليها غاضبًا مُزمجرًا يريد صدَّها عمَّا عرفَتْ من الحقِّ، أن آلَ أمام ثباتها واستمساكها بالعُروة الوُثقى إلى ضعفٍ ولين، أعقبَه بردُ اليقين.. واقتدى بأخته الصادقة الواثقة، فكان ثانيَ أعظم رجُل في الإسلام بعد الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه، وتحقَّقت على يدَي فاطمةَ دعوةُ النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحدِ العُمَرَين)).

 

ومن السابقات إلى الإيمان وبذل الوُسع في الدَّعوة إلى الإسلام السيِّدةُ الفاضلة أمُّ شَريكٍ غَزِيَّةُ بنتُ جابر، رضي الله عنها، التي أسلمت مبكِّرًا ونشِطَت في الدَّعوة سرًّا في صفوف نساء قريش، حتى إذا ما اكتُشفَ أمرُها عُذِّبت أشدَّ العذاب، وأُوذِيَت أشدَّ الإيذاء، ومُنع عنها الطعامُ والشَّراب.. فما لانت ولا استكانت، فمنَّ الله عليها بكرامة خصَّها بها، فكان ذلك سببًا في إسلام قومها جميعًا بني عامر بن لؤي.

 

أجل، كانت المرأةُ المسلمة ماضيةً مع الرجل سواءً بسواء في دُروب الدَّعوة وخِدمة الدِّين الحنيف، لم تتخلَّف عنه لحظة، ولم تتأخَّر عنه خُطوة، وقضت معه الحياة بحُلوها ومُرِّها، ويُسرها وعُسرها؛ ترجو الأجرَ من الله كما يرجو، لا يَني كلٌّ منهما فيما هيَّأه الله له مما يتَّفق وفطرتَهُ التي فُطر عليها في صلاح الأمَّة والبشَرية جمعاء.

 

ومن هنا أن رأينا المرأةَ مُشاركةً في جميع الحوادث الجسام في تاريخ الإسلام، في الهجرة إلى الحبشَة، وإلى المدينة، وفي بيعتَي العَقَبة، وخصَّهنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ببيعةٍ سُمِّيت بيعةَ النساء، وكان لهنَّ جهادٌ في الغزَوات بتطبيب الجرحى ومساعدة المصابين... وما دورُ أسماء بنت أبي بكرٍ يومَ هجرة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأبيها إلى المدينة عنَّا ببعيد[2].

 

وتستمرُّ المسيرَة:

ولئن كانت المرأةُ على هذا المستوى الرفيع من الشُّعور بالمسؤوليَّة، والمشاركة الفاعلة في مجتمع الدَّعوة، والبذل لدين الله الحقِّ... إن التاريخ ليَشهدُ أنها على مدار القرون لم تفتُر لها همَّةٌ ولم تقعُد بها عزيمة؛ فكان عبرَ العصور من النساء المسلماتِ: العالماتُ الفقيهات، والحافظاتُ المقرئات، والدَّاعياتُ الصالحات، والعابداتُ الزاهدات، والمربِّياتُ الحصيفات... وما يزال عصرُنا الحاضر غنيًّا بأمثال هؤلاء، ومن الحسَن أن يُعرَّفَ بهنَّ وتُذاعَ سِيَرُهنَّ ليُتَّخَذنَ قدوةً وأُسوةً حسنةً من بنات جنسهنَّ في الذَّود عن حياض الشَّريعة الغرَّاء، وبذل الوُكْد في نُصرة الإسلام وتبليغ رسالته السامية.

 

وسأتحدَّث فيما يأتي عن فاضلتَين اثنتَين معاصرتَين؛ الأولى منهما جدَّةُ الأخرى، كانت سيرةُ كلٍّ منهما فخرًا لأبناء الإسلام في هضم حقوق الذَّات إيثارًا لحقوق الآخرين، وعطاءً صادقًا مخلصًا للدَّعوة والعمل العامِّ.

 

الجدَّة الشهيدة[3]

الدَّاعية بنان بنتُ عليٍّ الطنطاوي[4]

 

هي بنانُ بنت عليِّ بن مصطفى بن أحمد الطنطاويِّ، أمُّ أيمن: داعيةٌ صالحة، ومربِّيةٌ أديبة، وكاتبةٌ مُحاضِرة، ومصنِّفةٌ جريئة، من رائدات العمل الإسلاميِّ المعاصر في الشام وأوربا.

 

وُلدَت بدمشقَ في بيت دينٍ وصلاح وعلم وأدب، عام (1364هـ/ 1943م)، وتتلمذت على والدها الفاضل أديب الفقهاء وفقيه الأدباء عليٍّ الطنطاوي، وعلى زوجها الأستاذ الداعية المفكِّر عصام بن رضا العطَّار، الذي تزوَّجها سنة (1377هـ/ 1958م)، فشاركته العملَ الدَّعويَّ والكتابة، وكانت نعمَ المعينُ له في السرَّاء والضرَّاء، ومُنعَت معه من دخول بلدها عام 1964م، واستقرَّا معًا في مدينة (آخن) بألمانيا، دعاةً إلى الله ودينه الحقِّ، إلى أن اغتِيلَت[5] عام 1401هـ وقضت نحبَها، ودُفنت هناك.

 

وقد جُمعَت دروسُها ومحاضراتُها ومقالاتُها في كتيِّبات، وكان لها زاويةٌ في صحيفة (الرائد) بعنوان: (قبَسات)، وصدر لها كتاب: ((دور المرأة المسلمة)).

 

ولها مواقفُ تُنبئ عن بطولة وشجاعة تذكِّرُنا بمواقف النساء المسلمات المجاهدات في تاريخنا الإسلاميِّ المشرق.

 

كتبت لزوجها عام 1381هـ تقول له: ((عندما رفضتَ في سبيل الله المناصبَ والوِزارات، أصبحتَ في نفسي أكبرَ من المناصبِ والوِزارات، ومن كلِّ بهارج الدنيا، فسِر في طريقك الإسلاميِّ الحرِّ المستقلِّ كما تحبُّ، فسأكون معك على الدَّوام، ولن يكونَ هناك من شيء أجلَّ في عيني، ولا أحبَّ إلى قلبي، ولا أثلجَ لصدري من أن أعيشَ معكَ (أبسطَ) حياة وأصعبَها وأخطرَها في أيِّ مكان من الأمكنة، أو وقت من الأوقات، أو ظرف من الظروف، ما دام هذا كلُّه في سبيل الله عزَّ وجلَّ، ومن أجل مصلحة الإسلام والمسلمين)).

 

وكتبت له حينما أصابه الشللُ في بروكسل، وهو مشرَّدٌ في ديار الغرب: ((لا تحزن يا عصام، إنك إن عَجَزتَ عن السَّير سِرتَ بأقدامنا، وإن عَجَزتَ عن الكتابة كتبتَ بأيدينا، تابع طريقَك الإسلاميَّ المستقلَّ المتميِّزَ الذي سلكتَه وآمنتَ به، فنحن معكَ على الدَّوام، نأكلُ معك إن اضطُررنا الخبزَ اليابس، وننام معك تحتَ خيمة من الخيام. ولا أحبُّك وأُعجَبُ بك يا عصامُ لأنني أرى من ورائك الناس، ولكن أحبُّك وأُعجَبُ بك لأنك تستطيع أن تقفَ مع الحقِّ على الدَّوام، ولو تخلَّى عنك من أجل ذلك أقربُ الناس)).

 

ووصفت صلتَها بزوجها في تعليق لها على أحد مقاطع قصيدته (ثورة الحق) قالت فيه: ((وهذه الأبياتُ تعبِّر عمَّا في نفسي أيضًا كما تعبِّر عمَّا في نفس عصام، فنحن والحمدُ لله زوجان، وصديقا قلب وفكر، ورفيقا عقيدة وجهاد)).

 

وبعد وفاتها بكاها والدُها الشيخ عليٌّ الطنطاويُّ زمنًا طويلاً في برامجه التِّلفازيَّة في السعودية، وفي مقالاته الصحفيَّة، وبقي حزينًا عليها إلى وفاته. ورثاها زوجُها بقصيدة طويلة مؤثِّرة، صدرَت في ديوان صغير بعنوان (رحيل)، مطلعُها:

رَحَلتُ عنكُم عَليلاً ناءَ بي سَقَمي
وما تنازَلتُ عن نَهجي وعن شَمَمي
أُتابعُ الدَّربَ لا شَكوى ولا خَوَرٌ
ولو نَزَفتُ على دَربِ الإباءِ دَمي
لا أخفِضُ الرَّأسَ ذُلاًّ أو مُصانعةً
هَيهاتَ هَيهاتَ تأبى ذاكَ لي شِيَمي
اللهُ حَسبي إذا ما عَقَّني بلَدٌ
وضاقَتِ الأرضُ عن شَخصي وعن قِيَمي

 

وفيها يقول:

بَنانُ يا جَبهَةَ الإسلامِ دامِيَةً
ما زالَ جُرحُكِ في قَلبي نَزيفَ دَمِ
بَنانُ يا أُنسَ أيَّامي التي انصَرَمَتْ
وليسَ يومُكِ في قَلبي بمُنصَرِمِ
ويا رَفيقَةَ دَربي والدُّنا ظُلَمٌ
نَشُقُّ دَربَ الهُدى في حالِكِ الظُّلَمِ
ويا ثَباتَ فُؤادي في زَلازِلهِ
وبَلسَمَ الجُرحِ في نَفسٍ وفي أَدَمِ
ويا وِقائي إذا ما كُنتُ في خَطَرٍ
ويا يَميني ويا سَيفي ويا قَلَمي

 

وذكر الأستاذُ عصامٌ ما جرَّته وفاتُها من أحزان وآلام اعتصرت قلبَه وقلبَ أبيها، في معرض حديثه عن صلته بالشيخ عليٍّ الطنطاوي، قال: ((وقد بلغت محبَّةُ عليٍّ الطنطاويِّ لي، وثقتُه بي، وبلغت أخوَّتُنا وصداقتُنا ذُروتَها العاليةَ عندما اختارني زوجًا لابنته بنان، وتجاوزت هذه الأخوَّةُ والصداقةُ كلَّ ذُروة من الذُّرا عندما استُشهدَت بنانُ الحبيبة في (17/ 3/ 1981م) في مدينة آخن بألمانيا، فالتقت منه ومنِّي إلى الأبد جراحٌ بجراح، ودموعٌ بدموع، وذكرياتٌ بذكريات، ودعَواتٌ بدعَوات. ولم تندمِل قطُّ جراحُ عليٍّ الطنطاويِّ لفَقْد بنان، ولم تندمِل جراحي، ولم يرقأ دمعُه ولم يرقأ دمعي، ولم يسكت حزنُه ولم يسكت حزني، إلى أن اختارَه الله إلى جِواره)).

 

ورثاها زوجُها أيضًا بقصيدة[6] من أربعة مقاطعَ، مطلعُها:

صَوتُها الحرُّ على رقَّتِهِ
مَلأَ الباطِلَ حِقدًا وفَزَعْ

 

وفي مقطع آخرَ منها يقول:

ومَضى الصَّوتُ إلى بارِئهِ
وصَداهُ خافِقٌ في كلِّ قلبْ
وبَنانٌ رايَةٌ مَرفوعةٌ
وبَنانٌ شُعلةٌ في كلِّ دَربْ
وبَنانٌ مَثَلٌ نَضْرِبُهُ
وبَنانٌ قُدوَةٌ في كلِّ صَعبْ
بَذَلَتْ دونَ حِماها نَفسَها
وحِماها هَدَفٌ من كلِّ صَوبْ
لم يُزَلزِل قَلبَها أو عَزمَها
ضَرَباتُ البَغْيِ في شَرقٍ وغَربْ

 

وكانت رحمها الله مُتقنةً للألمانيَّة، وعلى معرفة جيِّدة بالفرنسيَّة والإنكليزية[7].

 

ووصفتها ابنتُها الداعية الفاضلة الأستاذة هادية العطَّار بكلمات معبِّرة موجَزة قالت فيها: ((كانت أمي رحمها الله تعالى تُكثر من قراءة القرآن، وتُكثر من الدُّعاء، وكانت تقرأ بفَهمٍ وتدبُّر، وخشوع وتأثُّر، وكنَّا نراها أحيانًا وهي مستغرقةٌ في تلاوة القرآن، فنرى الدموعَ تفيض من عينيها على خَدَّيها وصدرها))[8].

 

الحفيدة الفقيدة الناشـطة القانونـية

هُـدى عابـدين[9]

 

هي هُدى بنت عبدالوهَّاب عابدين: حقوقيَّةٌ قانونيَّة، ناشطةٌ في الإصلاح والدعوة في ألمانيا وأوربا. أمُّها هادية بنت عصام العطَّار، وُلدَت في مدينة (آخن) بألمانيا عام (1401هـ/ 1980م)، وفيها دُفنت قربَ جدَّتها لأمِّها الراحلة بنان بنت عليٍّ الطنطاويِّ رحمها الله عام (1428هـ/ 2007م).

 

وصفها جدُّها الأستاذ عصامٌ بقوله: ((كانت في طفولتها وصباها وشبابها مُرهفةَ الحسِّ، مَشبوبةَ العاطفة، إنسانيَّةَ الشعور، صادقةَ الطبع، قويمةَ السلوك، عظيمةَ الطموح، توَّاقةً على الدَّوام إلى الأفضل والأقوم والأكمل، وكانت تأبى إلا أن تكونَ سابقةً في مُختلِف المجالات التي دخلتها مهما كلَّفها ذلك من جُهد، وحرمها من راحة، وأرهقها من تعَب)).

 

تميَّزت بشخصيَّة فريدة جادَّة، وبرَّزَت في جميع مراحل دراستها في المدارس الألمانيَّة، وفي تحصيل اللغة العربيَّة ومبادئ الشريعة في البيت والمسجد، وحفظت كثيرًا من القرآن، وعشقت العربيَّة وحَرَصَت على تعلُّمها واستظهار روائع نصوصها الشعرية والنثرية، حِرصَها على قرآنها ودينها. وبرَعَت في إنشاد الشِّعر بفصاحة وبيان، مُذ كانت طفلةً صغيرة.

 

درست القانونَ في جامعة القانون بمدينة هامبورغ[10]، وتابعَت دراستها في جامعة (إكستر) في بريطانيا، وتدرَّبت في عدد من مكاتب المحاماة الدوليَّة.

 

وكانت معتزَّة بدينها متمسِّكةً بحجابها وزيِّها الإسلاميِّ، فحازت إعجابَ كلِّ من عرفها وتقديرَهم في الجامعة والعمل. وأتقنت بهمَّتها العالية خمسَ لغات إتقانًا مُحكَمًا؛ قراءةً وكتابةً وحديثًا، وهي: العربيَّة، والألمانيَّة، والإنكليزية، والفرنسيَّة، واللاتينيَّة.

 

ونشِطَت في الدِّفاع عن حقوق المظلومين، وكانت صوتًا عاليًا قويًّا في نُصرة الجالية العربيَّة المسلمة في ألمانيا وأوربا. ولم تفتأ تدعو وتحثُّ المسلمين في ديار الغرب على تعليم أبنائهم اللغةَ العربيَّة، فهي عندها: الشخصيَّة والهُوية والدِّين والمصير.

 

((ولكنَّ جُهدَها الكبيرَ الكبير، وتعبَها المتواصلَ المتواصل، للتفوُّق والتقدُّم، وأداء رسالتها المرجوَّة على أفضل وجه ممكن، كانا أكبرَ من طاقتها الإنسانيَّة، فأخذ الضعفُ والوَهن يتسرَّب إلى جسمها وصحَّتها على توالي الأيام وهي تُكابرُ الضعفَ والوَهن، حتى عَجَزَ الجسمُ الضعيفُ عن مطالب الرُّوح العظيمة، فانهارَ الجسم، ورجعت الرُّوحُ إلى ربِّها راضيةً مَرضيَّة إن شاء الله)).

 

وزلزلَ خبرُ وفاتها جامعتَها العالميَّة في هامبورغ، فخيَّم فيها الحزنُ، وأقامت لها الجامعةُ حفلَ تأبين مؤثِّرًا تحدَّث فيه المديرُ، وبعضُ الإداريِّين والأساتذة والطَّلَبَة، وذكروا من شمائلها ومآثرها ما يُفتخَر به. ودعا مديرُ الجامعة أسرتَها وسلَّمَهم كتابًا تذكاريًّا أعدَّته الجامعةُ عنها.

 

وكان يُرجى لها لو امتدَّ بها العمرُ مستقبلٌ علميٌّ وإسلاميٌّ وإنسانيٌّ عظيم حافل بالإنجازات والعطاء المثمر. قال أحدُ أساتذتها عنها: ((إن هدى ليست فقيدةً أُسريةً، ولكنَّها فقيدةٌ إنسانيَّة وأخلاقيَّة، فقد كان يُرجى لها أن تكونَ في المستقبل من أكبر فقهاء القانون في العالم، ومن أكبر حُرَّاس الحقِّ والعدالة والقِيَم الإنسانيَّة العُليا)).

 

رحم الله الجدَّةَ وحفيدتَها، وأكثرَ في الأمَّة أمثالهما من الصالحات العفيفات الفاضلات.

 

والحمد لله أولاً وآخرًا.

 

نشرت في مجلة (منبر الداعيات) على 3 حلقات في الأعداد: (184) ربيع الأول 1434هـ/ شُباط 2013م، و(185) ربيع الآخر 1434هـ/ آذار 2013م، و(186) جُمادى الأولى 1434هـ/ نَيسان 2013م.


 

[1] كذا ضبطه الزَّبيديُّ في "تاج العروس" (خ ب ط)، وضبطه الحافظُ ابن حجر في الإصابة: (خُبَّاط) بضمِّ أوله وبالباء، وقال: ويقال بمثنَّاة تحتانية؛ أي: (خيَّاط). ونقل ابنُ الجوزيِّ عن الدارقطني أنه قاله بالباء، وأن غيره قاله بالياء. انظر "تلقيح فهوم أهل الأثر" 1/ 242.

[2] كتب السيرة ملأى بقصص الصحابيَّات السابقات إلى الإسلام، وصُوَر من تضحياتهنَّ ومواقفهنَّ المشرِّفة، ومن أشهرها "سيرة ابن هشام". وانظر كتاب "دروس الدعوة الإسلاميَّة في العصر المكِّي" للدكتور غازي يوسف اليوسف، فصل: جهاد المرأة المسلمة في العهد المكِّي، من مطبوعات دار الألوكة للنشر، ص119- 131.

[3] هذا ما نرجوه لها؛ أن تكونَ شهيدة في سبيل الله، ولا نجزم بذلك ولا نقطع به، ولا نتألَّى على الله ما ليس لنا به علم، وتُنظَر الأحاديث التي أخرجها البخاري في صحيحه تحت عنوان: (باب: لا يقول فلان شهيد).

[4] اعتمدتُّ في ترجمتها على: ((ذيل الأعلام)) للأخ الصديق الأستاذ أحمد العلاونة 1/ 52، و((تتمَّة الأعلام)) للأستاذ محمد خير رمضان يوسف 1/ 88. وديوان زوجها الأستاذ عصام العطَّار ((رحيل))، وديوانه الآخر ((ثورة الحق))، ومقالته (أنا وعلي الطنطاوي لمحات من ذكريات)، وعلى مشافهته.

[5] اغتالها أفرادٌ من جهاز المخابرات السورية بألمانيا، في عمليَّة خسيسة، كان الغايةَ منها اغتيالُ زوجها الأستاذ عصام، ولمَّا لم يجدوه في المنزل أفرغوا رصاصَ حقدهم في جسدها الفتيِّ رحمها الله.

[6] أُلحقت القصيدةُ بكتابها ((دور المرأة المسلمة)) ولم يُذكَر صاحبُها، وأخبرني الأستاذ عصامٌ أنه صاحبُها.

[7] ((ذكريات)) علي الطنطاوي 6/ 266.

[8] من مقالة عنها للأستاذ محمد علي شاهين، في كتاب له مخطوط بعنوان ((أعلام الصحوة)).

[9] اعتمدتُّ في إنشاء الترجمة على مقالة جدِّها الأستاذ عصام العطَّار: (حفيدتي هدى)، وعلى مشافهته ومشافهة شقيقها الأخ الصديق أنس عابدين. وما حصَرتُه بين قُوَيسات فهو من لفظ الأستاذ عصام حفظه الله وعافاه.

[10] تُعَدُّ من أرقى جامعات العالم، فلا تضمُّ إلا نخبةَ النخبة من الأساتذة والطلاب، ولا تقبلُ كلَّ سنة إلا عددًا محدودًا من الطلبة الذين حازوا في شهاداتهم ودراساتهم السابقة أعلى العلامات، والذين يجتازون امتحانًا تحريريًّا وشفويًّا صعبًا، واختبارًا شاملاً للشخصيَّة والقُدُرات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا أهل سوريا، لا تحسبوه شرا لكم
  • سوريا.. والله من ورائهم محيط
  • الإبادة الجماعية في سوريا
  • الحفيد.. ذلك الحبيب

مختارات من الشبكة

  • محاضرات في علم المواريث (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة عن الجدة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة إرشاد الأعلام لذوي الجدة والأرحام في تزويج الأيتام (نسخة ثالثة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • بر الجدة وحسن التعامل معها(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة إرشاد الأعلام لذوي الجدة والأرحام في تزويج الأيتام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الجدة (قصيدة للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة إرشاد الأعلام لرتبة الجدة ذوي الأرحام في تزويج الأيتام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ميراث أصحاب الفروض "الجدة"(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • وأقسمت الجدة (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حديث: جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 


تعليقات الزوار
4- رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
عبدالرحمن - الدنمارك 29-03-2015 01:11 AM

الأخت أم أيمن رحمها الله امرأة عظيمة بمعنى الكلمة يكاد لا يكون لها مثيل في حياتنا المعاصرة إلا في علم الله تعالى وقد شهد لها بذلك القاصي والداني حتى الشيخ العلامة المغربي تقي الدين الهلالي رحمه الله فقد شهد لها بالتقوى والورع وقد تألم كثيرا لوفاتها كما تألم كل من عرفها ولم يعرفها رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته بالفردوس الأعلى بمنازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. آمين
أما عن حفيدتها فقد حضرت مرة ندوة إسلامية بألمانيا وقدمت لجموع الناس فتاة صغيرة اعتلت كرسيا ليشاهدها الناس جميعا لو تكن وقتها قد تجاوزت الخامسة من عمرها على ما أذكر وألقت على مسامعنا قصيدة رائعة من أروع قصائد الأستاذ عصام وكانت إلى جانب إلقائها البديع تستخدم التعبير الجسدي بتأثر وإحساس منقطع النظير وبدون أي تكلف أو تصنع فانبهرنا جميعا ،،، اللهم ارحمها ووسع لها قبرها ونوره لها واجعله روضة من رياض الجنة وارزق أهلها ومحبيها جميل الصبر والسلوان ، آمين

3- قمم إنسانية
اديب - الشارقة - الامارات 24-04-2014 07:00 AM

بارك الله فيك ياشيخ أيمن على هذه الإفاضة التي أتحفتنا بها ، بذكر سيرة هؤلاء الفضليات، والقلوب عطشى لسماع أخبارهن لترتوي من هذا المعين في زمن الجفاف

2- إعجاب
محمود أحمد صالح - المملكة العربية السعودية 28-03-2013 09:36 PM

إنها لقصص رائعة ومؤثرة؛ ومن أجمل ما فيها القلم الذي خطها بيد أديب بارع... أستاذنا وشيخنا أيمن

1- ذرية بعضها من بعض
د.جابر عبد المولى عوض 28-03-2013 06:55 PM

السلام عليكم..
وما هذه الثمار اليانعة الا من تلك الغراس الطيبة...حَسُنت التربية والرعاية..فصلُحت الذرية...ذرية بعضها من بعض...رحم الله من فارقنا إلى ربه...وحفظ الله من بقي على قيد الحياة ورعاه وأعاده إلى بلاده مظفرا منتصرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب