الشيخ شيرزاد وبرامج القرآن في إذاعة دبي

نُحاول في هذه الأَسْطر القليلةِ بيانَ جهودِ الشَّيخ - رعاه الله - في خدمة كتاب الله، ومن خلال الإعلام الهادف، وما أثمرَتْه برامِجُه المنوَّعة من ثمارٍ يانعة تمثَّلَت في حثِّ الجيل على حُبِّ القرآن وتلاوته، وبيان ما يَملكه الشَّيخُ من أسلوبٍ وعرضٍ مميَّز أثَّر في شريحة واسعةٍ من المُجتمَع، وعلى هذا الأساس، سنتكلَّم عن ترجمةٍ موجزة للشيخ ومسيرته العلميَّة، ثم نُعرِّج على أهمِّ البَرامج التي تَمَّ عرضُها خلال تلك الفترة، ونختم بتوصياتٍ تنفع العالم والمتعلِّم والمربِّي، وبالله التوفيق:

الشيخ في سطور[1]:

• هو شيرزاد عبدالرحمن طاهر حسن علي زيد الكوفي الكردي، وُلِد بالموصل عام 1968، لُقِّب بـ(بَدْر القُرَّاء).

• يُعتبَر أوَّل مَن أرسى علم القراءات، ونشره بعد الشَّيخين الفخري والجوادي - رحمهم الله - في الموصل عام 1999.

• تلقَّى عن أبيه التِّلاوة، ولوالده الفَضْلُ في عمليَّة النُّطق الصحيح، والتمكُّن من سَواد وضَبْط القرآن وألفاظه.

• تعرَّف عام 1986 على الشيخ إبراهيم المشهداني، وأخذ منه أصولَ رواية حفصٍ وأبي عمرٍو البصري.

• أحالَه المشهداني إلى الشيخ العلاَّمة عبداللطيف الصوفي، حيث قرأ بالإفراد جزءًا كاملاً، ثم الجمع الصغير، فالكبير، ولُقِّب بِبَدر القُرَّاء في حفلٍ أُقيم لأجل تلك المناسبة.

الرِّحلة في طلب العلم:

عام 1995 رحَلَ لليمَن، وتعرَّف على الشيخ محفوظ الباجلي، حيث قرأ عليه الشاطبيَّة، وحفظ معظم "الدُّرة" وبعض "الشاطبيَّة" على الحافظ المقرئ المصريِّ عبدالرزاق محمد عمارة، وقرأ عليه جمعًا للقُرَّاء الثلاث المتمِّمين للعشر، وأجازه عام 1997، وتعرف أيضًا على الشيخ محمد سعيد الحطامي، ومن خلاله تعرَّف على الشيخ الحافظ علي حسن الوصابي وأجازه.

• أجاز جُملةً من الطُّلاب، ومنهم مشايخه في الموصل؛ كالشيخ عبداللطيف الصوفي، وإبراهيم المشهداني[2] برواياتِ ابن وَرْدان، وابن جماز، ورُوَيس، ورَوْح، وإسحاق، وإدريس من قراءات أبي جعفرٍ، ويَعقوب، وخلَف، من طريق الدُّرة.

• اختير محكمًا في مسابقة دبي العالميَّة للقرآن الكريم، ومحكمًا في مسابقة أجمل ترتيل، وعمل مديرًا لِمَركز إقراء لتحفيظ القران، ومدرِّسًا في مركز محمد نور بدبي، وفي سجن دبي المركزي الإصلاحي، وغير ذلك من مشاركاتٍ يَطول وَصْفُها في مجالاتٍ عدَّة في دول العالم الإسلامي.

الشَّيخ والإعلام:

لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّ للإعلامِ دَوْره الفعَّال في نَشْر الثَّقافات والأفكار على اختلاف المَناهج والأيدلوجيَّات، وأنَّه أصبح في عالَمِنا سيِّدَ الموقف في الخير والشر على حدٍّ سواء، والإسلام هو رسالةُ الإعلام، نشر رسالته المتمثِّلة بالهدى والرحمة إلى رُبوع العالَم أجمع؛ ولذا وجبَ على المسلمين والقائمين على مؤسَّسات الإعلامِ الترَقِّي في وسائلهم، وطَرْح أفكارهم؛ ليوصِّلوا دينَ الله إلى الأمم كافَّة.

واليوم - وفي ظلِّ العولَمة - نرى أنَّ الإعلام يَلْعب دورًا في التَّأثير على مَناحي الحياة أجمع، وهو دافعٌ للمُسلمين في أن يشقُّوا طريقهم لاستغلالِ تلك الوسيلة الفعالة في نشر الحقِّ، وإيصال نور الهداية إلى المَحرومين، وقد أدرك الشيخُ أهمِّية الإعلام في نُصْرة قضايا المسلمين، ومن أجَلِّها وأعظمها خدمة كتاب الله تلاوةً وتدبُّرًا، وتفسيرًا ودعوة.

انتقل الشيخُ إلى دولة الإمارات العربيَّة المتَّحِدة، وعمل كمقدِّم لبرامج تخدم كتابَ الله؛ حيث تنوَّعَت وتعدَّدَت تلك البرامجُ القرآنيَّة، ولاقَتْ صدًى بين الأوساط العلميَّة والثقافية، وهي ما بين تعليم أحكام القرآن وتلاوته وتجويده، وإتقان ألفاظه، وبين لقاءاتٍ مع أشهَر علماء القراءات في العالَم الإسلامي، كان الشيخ يعدُّ لها إعدادًا جيدًا، ويقوم بتهيئة الأجواء المناسِبة لها، وقد اختير الشيخُ لتقديم تلكم البرامج؛ لِمَيْزاتٍ اتَّصف بها، منها:

• الأسلوب الأمثَلُ في التعليم والتَّوجيه والتربية: قلَّ مَن يمتلك أسلوبه المتمثِّل في اللُّطف والحكمة، والصَّبر على التعليم، والتواضع الجمِّ للعالِم والمتعلِّم والعلم.

• حبُّه للقرآن، والرغبة الصادقة في نَشْر تعاليمه السمحة بين الأمَّة، والرغبة في المثوبة والأجر، وهو درسٌ للمعلِّمين في أن يكون تعليمهم للنَّشء على أساس الحبِّ الحقيقي لكتاب الله وتطبيقه، حبًّا يَصِل إلى شغاف القلب؛ بحيث تشعُّ أنواره على الظاهر والباطن، ومن ثَمَّ مد يد العون والرَّحمة إلى المحرومين من هداية القرآن؛ لانتشالهم مما هم فيه مِن ضياعٍ وذلَّة.

• التوضيح والتمثيل: وهو مما تميَّزت به دروسُ الشيخ في تعليم الأحكام والتِّلاوة، تصل إلى النُّزول إلى عقول وأفهام البراعم الصِّغار؛ لأجل استيعاب الكلام، والغرَضُ منه النُّطق الصحيح لكتاب الله والتِّلاوة المطابقة لقواعد التَّجويد وأصول الأحكام.

ومما يميِّز تلك البرامج أنَّها موجَّهةٌ للعالِم والمتعلِّم، بل حتَّى من لا يحسن نطق الحروف كالأعاجم، وكذلك تلك المعلومات التي يقدِّمها الشيخ لمستمعيه تهمُّ كلَّ ما يتعلق بالقرآن وعلومه بأسلوبٍ سهل الفهم، وبعرضٍ شائق مميز.

• كرَّس الشيخُ علمَه وحياته لتعليم ألفاظ القرآن وأحكامه؛ إيمانًا منه بأنَّ كتاب الله هو السبيل الوحيد للنُّهوض بالأمَّة إلى السعادة الحقيقيَّة، والنَّجاة مما تلاقيه من فِتَن ومصائب، وهو السبيل للخروج مما يُعانيه البشر من أمراض نفسيَّة وقلبية، عانى من ويلاتها ردحًا من الزمن.

• التنوُّع في البرامج: حيث تضمَّنَت تلك البرامجُ - على اختلافِها - دروسًا في التفسير، ودرسًا في التربية الإيمانيَّة، وفي تصوير المعاني، وإحالتها إلى مشاهد حيَّة تلمس القلب، ودروسًا في الوقف والابتداء، ودرسًا في المقامات المتنوِّعة، ومنها تحسُّ فعلاً بعظَمة كتاب الله وشرَفِه، الذي جاء لإسعاد البشرية جمعاء، وإنقاذهم مما هم فيه من حيرةٍ وشك، وأنَّه هو الدستور الذي تُستمَدُّ منها جميع الأخلاق والقوانين والمناهج والأنظمة.

أوَّلاً: برنامج "في رحاب القرآن":

يعدُّ هذا البرنامج من أهمِّ ما قُدِّم في إذاعة دبي للإعلام، وفي قناة نور دبي؛ حيث يتمُّ من خلاله استضافةُ حفَّاظ كتاب الله من مختلِف بلاد العالَم؛ من الصِّين والهند وأوزبكسان وغيرها من بلاد المسلمين، والغرض منه بيانُ الطُّرق والوسائل التي تَمَّ مِن خلالها حِفظُ كتاب الله، والظُّروف التي اكتنفَتْ ذلك، وتقديم تجاربهم إلى شباب الأمَّة؛ للاقتداء بهم، والرِّعاية التي تلقَّوها من أُسَرهم بعضها في ظلِّ ظروف وأجواء اجتماعيَّة ومادية صعبة، وقد حقَّق ذلك البرنامجُ أهدافَه في دفع الشباب إلى الانكباب على حفظ كتاب الله وتلاوته، وعادةً ما يُقدَّم ذلك البرنامج على هامش مُسابقاتٍ دوليَّة، أو في ختام دورات تحفيظ القرآن في مساجد الدَّولة.

ثانيًا: برامج متعلِّقة بتصحيح التلاوة:

ويهدف هذا البرنامج إلى تعلُّم القراءة الصحيحة من خلال اللِّقاء المباشر بين الشيخ والطالب من مختلِف الفئات العمريَّة على اختلاف جنسيَّاتهم؛ بحيث يتمرَّس الطالب والمستمِعُ على إتقان أحكام التِّلاوة والتجويد دون تكلُّفٍ أو تشدُّد عمَلِيًّا، ويقوم الشيخُ بتصحيح التِّلاوة عند الوقوع في خطأٍ ما، إضافةً إلى بيان مقادير المُدود، وبيان مصطلحات العلماء في علم التجويد، وبيان الفَرْق بين مدِّ البدَل مثَلاً وشبهه، إضافة إلى بيان كيفيَّة التغنِّي بالقرآن، المنضبِط بالقواعد عبر مَخارج الحروف، وأحكام التجويد، مع تَعلُّم ما يمكن من علم الوَقْف والابتداء بحسب الاستطاعة، ثم الوقوف على الأخطاء الشائعة التي يقع بها النَّاس في قراءة الفاتحة خاصَّة، والهدف من ذلك كله تعويدُ المسلمين على قراءة القرآن وتدبُّرِ معانيه، ورَبْط حياتهم علمًا وعملاً به؛ حتَّى يَسعدوا في دنياهم وآخرتِهم.

ثالثًا: برنامج أهل القرآن:

ويأتي ثانيًا في الأهميَّة والتأثير، حيث يتمُّ استضافة أشهَر علماء القراءات في العالَم الإسلامي، ويجري الشيخ حوارًا معهم حول علم القراءات، وأهَمِّية هذا العِلم الجليل من بين علوم القرآن المنوَّعة، ومن خلال الأسانيد المتَّصِلة إلى سيِّد ولد آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - وبيان طلبهم لِهَذا العلم عن المشايخ، والرِّحلة في طلبه، ومَن أخذ عنهم، وغير ذلك من فوائد وفرائد تتخلَّل الحوار والنِّقاش من طرائف ونكت في مسيرة الطلب والتعلُّم، والكلام حول آداب العالِم والمتعلِّم.

ومن أهمِّ المشايخ الذين تم استضافَتُهم في هذه الفترة: العلاَّمة المقرئ بكري الطرابيشي - وهو صاحب أعلى سندٍ في العالَم - والشيخ إبراهيم المشهداني عالِم الموصل، والشيخ محمد فهد خاروف من علماء الشام، والشيخ محمد علي الصابوني صاحب كتاب "صفوة التفاسير"، إضافةً إلى استضافة قُرَّاء تميَّزَتْ تلاوتهم بالجمال والنَّداوة والتأثير، ومنهم الشيخ إبراهيم الأخضر إمام المسجد النبوي سابقًا، والقارئ نبيل الرفاعي - في برنامج روائع التلاوت الحجازيَّة - وعادل الكلباني[3].

رابعًا: برنامج ترانيم قرآنية:

وهو من البرامج العلميَّة التي تَمَّ فيها عرض صُوَر من صور الاهتمام بالقرآن من ناحية الأداء الحسَن، وجمال الصَّوت وعُذوبته، وبيان أثر تحسين الصوت على تدبُّر معاني القرآن وتفهُّمه، وتعقُّله كما نطقَتْ بذلك الأحاديثُ الشريفة في التغنِّي بالقرآن، دون إفراطٍ أو تفريط ومجاوزة الحدِّ إلى التغنِّي المذموم، أو التعلُّم عن طريق السُّلَّم الموسيقيِّ، ومن طريق المُلحِّنين والمطربين، وتطبيقه على القرآن، وقد شمل البَرنامجُ حلقاتٍ في تدبُّر القرآن، والوسائل النافعة في فَهْم معانيه، وبيان أثر الوقف والابتداء على التَّفسير وبيان المعنى، وهل الوقف والابتداء من قبيل الاجتهاد، أم هو من الشَّارع الحكيم، وبيان المعنى المترتِّب على الوقف، وأقسام الوقف ونحوه، وكذلك التقليد عند القرَّاء، وكون القارئ يضع له بصمةً واضحة في تلاوته دون اللُّجوء إلى التقليد، وبيان ما للموهبة الصوتيَّة من عذوبة صوتيَّة، وكونها نِعمة يَحسن للقارئ أن يستخدمها في تدبُّر القرآن، وغير ذلك من المواضيع النافعة التي تم عرضها على شاشة التلفاز.


توصيات ونصائح:

أحببتُ في ختام هذا الجولة أن أسجِّل بعض ما خطر لي من ملاحظاتٍ حول برامج القرآن في الإذاعات والإعلام العربي الإسلامي، ومنها:

1- ضرورة إعطاء مساحةٍ أوسع لعرض تلاوات المستَمِعين من مختلف الفئات؛ لأجل الحثِّ على تلاوة القرآن وفق القواعد والأحكام الصحيحة، والتَّشجيع على ذلك؛ للوصول إلى الأداء المتقن، على أنَّ بعض القنوات[4] بدأَتْ تتطلَّع إلى تطبيق ذلك من خلال لقاءات حيَّة بين الطالب ومُعلِّمه، مِمَّا كان له الدَّور في نشر الوعي، ومن خلال برامج منوَّعة تحضُّ على تلاوة كتاب الله تدبُّرًا وتفسيرًا ودعوة.

2- مِمَّا يُعِين على ذلك عرْضُ تلاوات قرَّاء القرآن الكريم من الرعيل الأوَّل كنموذج يُحتذَى به؛ لِمَا تميَّزَت به من جمالٍ في الصوت، وإتقانٍ في الأداء، ولأنَّ أصواتهم صافحَتْ آذان المستمعين في شتَّى بقاع العالَم، وأعطَتْهم حظًّا من النُّور والانشراح والهداية، وحيث عرف الكثيرُ منهم النُّورَ والهداية عن طريق تلك الأصوات والحناجر الشجيَّة، والتلاوة النديَّة؛ أمثال الحصري، والشيخ محمد صديق المنشاوي، وعبدالباسط، وغيرهم، حيث تعتبر تلك التلاوات مادَّة علمية خصبة، ونماذج تطبيقيَّة في علم القراءات والتجويد، يمكن أن تُدرَّس في تصحيح التلاوات والنُّطق بالقرآن، إضافة إلى كونها لها الأثر في التربية الإيمانيَّة، وفيما يخصُّ علم المقامات يُمكن للمبتدئين تعلُّمها عن طريق الاستِماع المكرَّر لآيات الذِّكْر الحكيم بالمقامات المختلفة، وعن طريق أساتِذة متخصِّصين، بدلاً من تعلُّمها من وسائل غير شرعيَّة.

4- أن يتخلَّق القائمون على تلكم البرامج بآداب القرآن ويتأدَّبوا بآدابه، وأن يُعْطُوا القُرآن حظَّه من التَّطبيق والتَّفعيل في حياتِهم العمليَّة؛ لأنَّهم قدوةٌ فليس الأمرُ مقصورًا على تعليم أحكام التجويد، أو الصَّوت الجَميل، والأداء المتْقَن فحسْب، بل الأمر أوْسع من ذلك بكثير، فالقُرآن هو دستور الأمَّة، ومنهج حياتِها، فعليْهم أن يُبعِدوا تلك الصُّورة التي ارتسمَتْ على بعض المقدِّمين؛ كالمنافسة على الدُّنيا وملذَّاتِها الفانية، أو لكسب الشُّهرة والمَحْمَدة، وليعلموا أنَّهم في مقام المسؤولية، فعليهم أن يقوموا بما وجب عليهم من الدعوة، وبَذْل الجهد والتعليم؛ حيث أُنيطَت بهم مسؤولية التَّوجيه والتعليم، ووُكِلَت إليهم، والله أعلم.